الكواليس المغلقة للشات ... غرف الشيطان
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر
الأربعاء 13 أغسطس-آب 2008 06:05 م

 كأن العرب لم يعرفوا للإنترنت أي فضل سوى الدردشة والدخول عبره إلى المواقع التي لا تعرف الأدب.

غرف الشات كان مقرراً لها أن تفيد البشر تواصلاً، وتعارفاً مشروعاً، وتبادلاً معرفياً؛ لكنها تحولت في معظمها إلى استراحة للشيطان وضع فيها كرسيه وجلس ينتظر الداخلين يباركهم ويسدي لهم النصيحة.

عناوين للإغراء

ليست هناك إحصاءات رسم ية عن عدد الشباب اللبناني الذين يتعاطون "الشات" عبر الإنترنت، فالمواقع المتخصصة في "الشات" مثلاً، يسجل عداده يومياً أزيد من 60ألف لبناني ولبنانية، ممن يضعون عناوين إغرائية للتعارف، وهناك مواقع شات كثيرة أخرى تستقبل عشرات الآلاف من اللبنانيين مع مطلع كل يوم، أولئك الذين يسعون إلى نسج علاقات حميمية؛ بالإضافة إلى أولئك الذين جعلوا من هذه المواقع ومواقع أخرى فضاء خصباً للتنقيب عن فتاة أو فتى الأحلام.

تلجأ الآنسة إلى "الشات" بهدف إيجاد الشاب المناسب لتأسيس مستقبل، وبناء أسرة، ويلجأ الرجل إلى "الشات" بهدف التعرف على فتيات أو نساء للتواصل والتفريغ، وأحياناً لنفس هدف الآنسة؛ أما الشباب المراهق، فيدخل "الشات" لإقامة العلاقات ولمد جسر للتعارف...

ولكن أي مستقبل نطمح إليه، وأي علاقات نريدها، ومعظم المستخدمين يدخلون بأسماء مستعارة، ويضعون صور النجوم والمشاهير أو أشكال أخرى، وكيف يمكن لهذا السلك المعدني أن يؤدي دوره في إيصال المشاعر، وما المانع أن تكون كل المعلومات خاطئة وموهومة فقط لاقتناص العريس أو العروس أو غيرها من الأمور... والسؤال الأكبر هل العلاقات التي أقيمت عبر "الشات" أدت إلى النتيجة المرجوة، أم إلى مصيبة وكارثة؟!

سمير البالغ من العمر 33سنة، أحد أبناء بيروت الذي أدمن تعاطي ل "الشات" لما يزيد عن خمس سنوات، وخلال هذه المدة استطاع سمير حسب قوله، أن يصبح خبيراً في طبائع النساء وميولهن؛ إذ تمكن طيلة مدة تعاطيه ل "الشات" من الإيقاع بالعديد من الفتيات والنساء؛ حتى إنه علق على الأمر بتعبير ساخر قائلاً: "والله ما بقيت عارف كم بنت حكيت معها بهيدي المدة"، ما ساعد سمير على الإيقاع بفتيات "الشات" هو أسلوبه الفريد في المحادثة؛ إذ يعمل كبائع متجول تارة، وكوسيط بين محلات بيع أدوات التجميل بالجملة ومحلات التقسيط تارة أخرى، فيقول: غالباً ما ألج مواقع "الشات" باسم مستعار، كما أن عبارة "ابن البلد" التي تظهر مباشرة بعد النقر على اسمي ترسم حولي انطباعاً جيداً؛ لاسيما بالنسبة للفتيات الراغبات في الزواج، ومباشرة بعد تسجيل اسمي ضمن لائحة هواة "الشات"، أبدأ بإرسال عبارات "سلام شباب" أو "هاي آل" أو "مرحبا يا حلوين" إلى غير ذلك من الرسائل الإغرائية؛ لكن مباشرة عندما أتلقى جواباً من إحداهن أشرع في الانصهار معها، وللتعرف على الحيثيات الدقيقة المميزة لشخصيتها، بعدها أضرب معها موعداً للاتقاء في المكان الذي تراه مناسباً"، وعن الطريقة التي يتعرف بها سمير على فتياته، فقد شرح قائلاً " إذا تمكنت من إقناع الفتاة عبر "الشات" بالالتقاء بها في أحد شوارع بيروت، أطلب رقم هاتفها، عندها أخبرها بأني أملك محلاً لبيع (الماكياج)، في محاولة لطمأنتها بأن الشخص الذي ستلتقيه ليس شاباً عاطلاً عن العمل؛ وإنما رجل ذو مستقبل مضمون، ثم إن أغلبهن يلبين نداء اللقاء، للاستفادة على الأقل من بعض أدوات التجميل، ولكي أتعرف عليهن وسط زحمة الناس أطلب منهن ارتداء لباس مميز، أو حمل شيء مثير، وعندما أذهب الى الموعد في المكان المتفق عليه، أختار وضع المراقبة، وأصبح صاحب سلطة الاختيار، (إذا عجبتني البنت بقرب وبحكي معها وإذا ما عجبتني بهرب من الطريق وبغير اسمي عالتشات)، ولا أخفي عليكم أن أغلب اللواتي التقيتهن تمكنت من ممارسة الجنس معهن في ظرف أقل من أسبوع.

لا يختلف سمير عن خالد إلا في أشياء بسيطة، فكل منهما جعل من "الشات" بحراً يصطاد منه سمكاته، غير أن خالد البالغ من العمر 35سنة، ينتقي النوع الممتاز حسب تعبيره من سمكات بحر "الشات"؛ فبالإضافة إلى ضربه المواعيد للفتيات عبر "الشات" وممارسة الجنس مع بعضهن، إلا أنه ينتقي الفتيات المنحدرات من الأحياء الراقية في بيروت ك "فردان" و"الأشرفية" "والرملة البيضا"... إلى غير ذلك من المناطق التي تتمتع ساكنتها بمستوى راق من العيش، وعن هذا الاختيار يقول خالد "عندما أتمكن من الإيقاع بفتاة تنتمي إلى الأحياء الراقية، أحرص على ألا أدع خيوط العلاقة تنفلت من بين يدي؛ حيث أبدأ في الاستمتاع برفقتها داخل الملاهي والتايت كلوب وارتياد المقاهي الفاخرة، كما أقنع بعضهن بإمكانية الزواج منهن؛ لكن ما أن تتوطد العلاقة، حتى تبدأ مرحلة الاستفادة منهن عبر الهدايا، أو اقتراض مبالغ مالية مهمة، ساعتها أندثر مثل سحابة صيف عابرة".

الزواج عبر "الشات"

فإذا كان بعض الشباب اللبناني قد جعلوا من "الشات" بحراً لصيد الفتيات، فإن هناك عينات أخرى، كان "الشات" بالنسبة لها وسيلة للبحث عن شريك العمر، وقد أصبحت مؤخراً بعض الأخبار تطفو على السطح بين الفينة والأخرى عن ارتباط زوجين عبر "الشات" ببعض المدن اللبنانية، مما يفيد أن لكل من رواد "الشات" مآربه وغاياته، وفي هذا الصدد تقول سوزان " أصبحت الفتيات اللبنانيات شديدات البحث عن زوج العمر عبر "الشات"، لأن بهذه الطريقة وحدها يمكنها أن تتفاوض مع شريكها عن بعد، بل في استطاعتها معرفة جميع المعلومات عنه؛ حتى إنها تكون جريئة في وضعها لشروط الزواج، وقد تمكنت العديد من الفتيات بمدينة من الارتباط عبر "الشات"؛ كما هو الشأن بالنسبة لشقيقتي، التي تزوجت منذ حوالي سنة ونصف بشاب ميكانيكي".

وبرأي سوزان، يمكن ل "الشات" أن يعطي صوراً خاطئة عن الزوج المحتمل، فقد تجمع الفتاة ما يكفي من المعطيات عن شريكها، ولما تقرر الارتباط به، قد تحدث المفاجأة؛ حيث تجد نفسها أمام شخص آخر يختلف كلياً عن ذاك الذي رسمت له صورة رائعة على شاشة جهاز الكومبيوتر، تضيف سوزان "إن خير دليل على ذلك هو أني تعرفت على شاب عبر "الشات"، وقد كانت مدة شهرين بالنسبة لي كافية لأن أرسم حوله انطباعاً جديداً؛ إذ أخبرني بأنه أستاذ مادة الرياضة، وأنه من مواليد سنة 1975م؛ لكن عندما التقيته، اكتشفت أنه عاطل عن العمل وأنه صغير السن، آنذاك قررت الانفصال عنه؛ لأن العلاقة المبنية على الكذب قد تنهار مع مرور الوقت".

أما نيرمين؛ فقد مكنها تعليمها العالي من التواصل بسهولة مع رجل فرنسي ينحدر من مدينة "ليل"؛ إذ تمكنت بواسطة "الشات" من التعرف عليه خلال سنة، وبعد اتصال دام ثلاثة أشهر قرر الرجل الفرنسي البالغ من العمر 42سنة أن يزورها في لبنان، التقينا نيرمين بمنزلها بأحد أحياء بيروت لتحدثنا عن أجواء اللقاء قائلة " رغم أن الرجل الفرنسي ينحدر من أصول إفريقية، إلا أنني قررت الارتباط به، لم يكن عامل الاختلاف مهماً بالنسبة لي، مادام أنه قبل بفكرة دخول الإسلام، ورغم حديثنا عبر الإنترنت، إلا أنني اكتشفت إنساناً آخر في الواقع يختلف كليا عما سمعته عن الأجانب، وقد تمكنت بعد شهر ونصف من مرافقته إلى مدينة ليل الفرنسية؛ كما أثمر زواجنا طفلة، والآن أنا حامل؛ حيث قررت العودة إلى لبنان للولادة بالقرب من أسرتي وبالتالي العودة إلى الديار الفرنسية"، والملاحظ أن لائحة أزواج "الشات" في ارتفاع كبير؛ لاسيما في ظل عزوف الشباب عن الزواج بالشكل التقليدي؛ حيث مع ارتفاع سعر العقار وغلاء الأسعار، أضحى العديد من الشباب والشابات ينقبون عن أزواج قادرين على تحمل المسؤولية؛ سواء داخل لبنان أو خارجه عبر "الشات و غرف الدردشة".

وبعيداً عن الحب والزواج هناك استخدامات أخرى لغرف الشات منها تحويل الأموال والنصب والسرقة أيضاً، ومن ذلك أن شباباً لبنانيين تواصلوا مع قراصنة على شبكة الإنترنت ودخلوا حسابات الغير في أميركا واستولوا على أموالهم خفية، من طريق تحويلها إلى لبنان، وبناء على اتفاق سابق، كانوا يحولون الأموال إلى القراصنة لقاء عمولة يتقاضونها.

وتبين أن عمليات قرصنة على شبكة الإنترنت حصلت على نطاق واسع؛ بحيث عمد المتورطون فيها إلى استغلال معرفتهم بخفايا العمل على هذه الشبكة لدخول مواقع إلكترونية والاطلاع على معلومات مالية تمهيداً للاستيلاء على الأموال بطرق عدة، أحدها تتمثل بأن يحصل هؤلاء على معلومات في شأن بطاقات اعتماد مسروقة من أميركيين من خلال اتصالات مزيفة على شبكة الإنترنت معروفة بما يسمى PHISHIN ا، ثم يستخدمون هذه المعلومات على شبكة الإنترنت المعد لتحويل الأموال، ويطلبون إجراء تحويلات مالية إلى لبنان من الحسابات العائدة إلى هذه البطاقات. وفي سبيل مكافحة العصابات المنظمة المتورطة في أعمال غير مشروعة على شبكة الإنترنت، نظمت مديرية الجرائم المالية والتكنولوجيا المتطورة في الأمانة العامة للأنتربول عمليةاٌُل ذٌىَّو، وفي معرض هذه العملية أرسل أنتربول واشنطن إلى أنتربول بيروت برقية في تاريخ 2006/3/24م، موضوعها "تحويلات احتيالية إلى لبنان تشتمل على أسماء أشخاص لبنانيين يشتبه بضلوعهم في التحويلات المالية غير الشرعية، واستناداً إلى هذه البرقية باشر مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال تحقيقات أولية تحت إشراف النيابة العامة التمييزية تبينت بنتيجتها الأمور التالية:

يعمل المدعى عليه سليمان في محل في الأشرفية، وكان مكلفاً تسليم حوالات وإرسالها، وفي شباط 2006حضر إلى هذا المحل المدعى عليه ماجد ع. وقبض عدداً من الحوالات المالية المرسلة إليه من الولايات المتحدة، وبنتيجة ذلك نشأت صداقة بينه وبين المدعى عليه سليمان، فطلب من الأخير أن يساعده في تأمين أسماء أشخاص لترسل إليه الحوالات بأسمائهم، بحجة أنه لا يستطيع قبض حوالات عدة مرسلة من أميركا في أوقات متقاربة، فاستجاب لهذا الطلب وأرسلت ثلاث حوالات، وبعد ذلك زوّد ماجد أسماء عدد كبير من أصدقائه ومعارفه لإرسال الحوالات باسمهم، وكان هو يسلمها إلى ماجد وينظم الإيصالات بأسماء الأشخاص المرسلة باسمهم بدون علمهم، وكان يتقاضى من ماجد 20دولاراً أميركياً لقاء كل حوالة يسلمها إليه على هذا النحو. وفي هذا المجال، تعرف قاصر عبر المحادثات على شبكة الإنترنت إلى أحد القراصنة على هذه الشبكة يدعى مارك ح ويقيم في العراق، وأخبره الأخير أن في استطاعته دخول حسابات أميركيين في أميركا والتحويل منها إلى لبنان، وأرسل حوالة بقيمة 900دولار أميركي تسلمها. ثم أرسل إليه حوالات عدة قبضها بواسطة شقيقته وصديقين له، وبعد تسلمه هذه الحوالات عاد المدعى عليه جاد وأرسل نصف قيمتها إلى مارك باسم والدته، وأفاد أنه قبل بتسلم الأموال مع معرفته بأنها مسروقة؛ لأنه في حاجة إلى المال. إلى ذلك، تلقى المدعى عليه عصام ع . 14حوالة عبر شخصين من الخارج لا يعرف اسميهما؛ إنما تعرف إليهما عبر برنامج محادثة.

وكان في كل مرة يتسلم الحوالة ويحسم منها مبلغ 50أو 70دولاراً أميركياً ويعود ويحولها إلى هذين الشخصين، وفي إحدى المرات استعمل اسم خاله المقيم في صورة دائمة في إسبانيا لقبض قيمة حوالة، كما كان يستعمل أحياناً أسماء وهمية لتحويل الأموال إلى الشخصين اللذين كانا يرسلان الحوالات إليه؛ كما أن المدعى عليه علي أ. ع. كان مستخدماً لدى شركة البريد، وفي معرض قيامه بعمله كان يستحصل على صورة عن بطاقة هوية أشخاص يقبضون حوالات بصورة شرعية، ويزود أشخاصاً من بينهم المدعى عليهما عصام ع. ومحمد ح. أسماء أصحاب هذه البطاقات، ليتم تحويل الأموال بأسماء هؤلاء، وبعد ورود الحوالة كان يدوّن من يتسلم على أنه من هؤلاء الأشخاص، ويدون عناوين خاطئة، وذلك لقاء عمولة كان يقبضها؛ واتضح أن المدعى عليه محمد ح. تلقى 51حوالة من شخص في الولايات المتحدة معروف باسم ُءءىَّ، وقد تعرف إليه عبر برنامج المحادثة، وأخذ يرسل إليه الحوالات ويتسلمها المدعى عليه محمد ويحسم منها مبلغاً يراوح من خمسين إلى سبعين دولاراً أميركياً ثم يرسل المبالغ إلى الولايات المتحدة بواسطة حوالات بأسماء أشخاص يحددهم ُءءىَّ وكان المدعى عليه يرسل التحويلات بأسماء وهمية للمرسل، كما كان المدعى عليه محمد يقبض عدداً من الحوالات بواسطة أشخاص آخرين كانت ترسل باسمهم لحسابه. يقيم المدعى عليه غسان ج. في ولاية نيويورك، وقد حوّل حوالتين إلى والده قيمة كل منهما 300دولار أميركي. وتبين أن الأموال موضوع هاتين الحوالتين مستولى عليها عبر القرصنة على شبكة الإنترنت؛ كما يقيم المدعى عليه هيثم س. في أميركا، وحول إلى والدته 200دولار أميركي قبضتها شقيقتها، وتبين أن الأموال موضوع هذه الحوالة مستولى عليها عبر القرصنة على شبكة الإنترنت. وهكذا إلى أن قبضت عليهم الشرطة.

في مقاهي الإنترنت!

في مصر يرى عدد كبير من الشباب أن الإنترنت وحجرات الدردشة أفضل وسيلة للحديث مع من يحب؛ وذلك لأن مكالمات الهاتف مكلفة؛ ولأن الآباء يمنعونهم من الحديث مع الفتيات هاتفياً، ولا يجدوا في النهاية سوى اللجوء إلى أحد مقاهي الإنترنت للحديث مع الصديقة الإلكترونية! من ناحية أخرى تقول الآنسة "هدى" إن الدردشة وسيلة لقتل الملل والروتين اليومي في الحياة، كما أن العادات والتقاليد العربية تمنع الفتاة من الحديث مع أي شخص خارج الأسرة، وهو ما توفره غرف المحادثة عبر الإنترنت - وهذا ما يجعل الفتيات تسعى إلى تكوين صداقات عديدة عن طريق هذه الغرف، وبالطبع هذه الصداقات ليست كلها بريئة، فغالباً ما يشوبها الخطأ والتجاوزات -وهو ما أكدته "هدى" فهي تقول "إن الذين يدخلون إلى غرف المحادثة من فئة المراهقين والمراهقات تدور بينهم أحاديث سرية ومناقشات حول موضوعات غاية في الحساسية، كالجنس وخلافه".

احذروا هذه المواقع!

ويذكر الباحث الحقوقي/ جمال عبد العزيز، أن هناك العديد من المواقع التي تعرضت للحجب والمنع بالوطن العربي، وهي المواقع المنافية للآداب العامة والقيم الدينية كمواقع "المثليين العرب"، وموقع "إعلان عن الوجود" فهذه الفئات الاجتماعية الوحيدة التي لم تكن وحتى ظهور الإنترنت تستطيع الإعلان عن هويتها بالعالم العربي .. فالإعلان عن "المثلية" يضع الإنسان أمام مشاكل لا حصر لها، وسوف تكون له نتائج سيئة للغاية؛ لكن هذه الفئة موجودة، وقد أتاح لهم الإنترنت فرصة الإعلان عن هذا الوجود، من خلال العديد من المواقع التي تعلن عنهم وعن أفكارهم وهمومهم، بل وزيادة التعارف بينهم. ولعل موقع "جمعية المثليين والمثليات العرب- glass.org " هو الموقع الأقدم والأشهر إلى وقت قريب، ثم تلاه العديد من المواقع الناطقة باسم مثليي الميول الجنسية العرب، وكذلك المواقع الأجنبية التي تفرد للمثليين العرب أقساماً بها.

وقد بدأت تلك المواقع المعبرة عن المثليين تزداد؛ لاسيما بعد الحملات الأمنية ضدهم وازدياد أعداد مستخدمي الإنترنت في المنطقة، وبدأت تظهر مواقع تعبر عن مجموعات أكثر تحديداً، مثل موقع مثليي مصر، والمثليين العرب، ومثليي لبنان، وغيرها من المواقع الأخرى، وبالرغم من حجب العديد من تلك المواقع ومنعها في غالب الدول العربية، إلا أنها مازالت تلاقي رواجاً هي الأخرى؛ بحيث أصبحت أخبار القمع الذي تواجه به من السلطات الحاكمة، مثل الحملة الأمنية الموجهة ضد المثليين المصريين، عاملاً جاذباً لمزيد من الزوار للتعرف على آخر أخبار تلك الحملة!

مشكلة الأسماء المستعارة!

جرائم الجنس عبر الإنترنت تزداد يوماً بعد يوم وهناك جهود عدة تبذل من جانب الدول العربية للوقوف ضد هؤلاء الخارجين على القانون فقد نشرت الصحف خلال الأسابيع الماضية أن أكثر جرائم الجنس كانت تختص بالشواذ، وتبين وجود شبكة دولية من شباب يمارسون الشذوذ، وقامت أجهزة الأمن بمطاردة هؤلاء الشباب الشواذ المقيمين في مصر والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، وألقى القبض على أكثر من 400شخص الجهود إلى ضبط شاب كان يتخذ من منزله وكراً لاستقطاب الرجال، وأعد لنفسه موقعاً على شبكة الإنترنت ونجح في إقامة علاقة مع شخص يدعى " راؤول" عن طريق موقعه؛ وقد استخدمت إدارة المباحث اسم "راؤول" وهو اسم مستعار لاصطياد هؤلاء الخارجين على القانون.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول العربية إلى الوقوف ضد هذه الجرائم؛ خاصة ما يتعلق منها بالشذوذ نجد منظمة مثل "هيومان رايتس ووتش" تصدر بياناً باسم المنظمة على الإنترنت يؤكد أن مصر يجب أن تتوقف عن الإيقاع بذوي الميول الجنسية المثلية عن طريق الإنترنت ومقاضاتهم، مؤكدة أن إحدى المحاكم المصرية حكمت ضد أحد الشواذ المصرين، وأن الشرطة المصرية بدأت في الإيقاع بأشخاص مشتبه فيهم بأنهم مثليون جنسياً، وطالبت المنظمة بإلغاء حكم الإدانة؛ كما حثت السلطات المصرية على إعادة النظر على تحول عادل في جميع الأحكام التي صدرت في مثل هذه القضايا، وإلى الإفراج عن أي شخص من البالغين كامل إرادته، وأكدت المنظمة أن الشرطة المصرية نجحت في إحباط 1740موقعاً جنسياً خاصاً للشواذ، لينخفض عدد المواقع من 2555إلى 260موقعاً فقط!

تجاوزات صارخة !

وقد يعتقد البعض أن تلك النشاطات المشبوهة بعيدة تماماً عن أعين رجال الأمن والشرطة، وهو اعتقاد خاطئ تماماً ويبدو ذلك بوضوح في مسلسل جرائم الكمبيوتر التي يتم ضبطها يومياً، وأصبحت تتصدر صفحة الحوادث في صحفنا اليومية.

الهروب من المشاكل

وتعليقاً على ذلك تقول الدكتورة/ هالة سليمان -أستاذة علم الاجتماع بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية- إن الشباب يحاول الهروب بهذه المشاكل إلى خارج المنزل أو إلى الانطواء بها بعيداً عن الآخرين أو محاولة التحرر من كل القيود التي يفرضها عليهم أولياء أمورهم، وهي قيود طبيعية إلى حد بعيد بسبب التقاليد التي تحكم علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعاتنا العربية.

وترجع الدكتورة/ سوزان أبو رية -أستاذ علم الاجتماع- السبب في اقتصار غالب الحوارات بين الشباب العربي عبر شبكة الإنترنت في الموضوعات السياسية أو الجنسية، أن الشباب العربي لديه نوع من الإحباط والكبت الجنسي والسياسي؛ والذي يمكن تفريغه عبر شبكة الإنترنت؛ كما أن بعض العرب يشعرون بالخوف والتشكك إزاء بعضهم وهم لا يستطيعون التعبير عن ذلك على أرضية الواقع فيظهرونه عبر الإنترنت.

مستوى أخلاقي هابط

الدكتور محمّد البدوي ناقد أدبي وكاتب وإذاعي وأستاذ جامعي تونسي سألناه عن غرف "الشات" بمختلف مواقعها ومدوّناتها وشتى مضامينها، فقال: "أطّلع بين الحين والآخر على بعض هذه الغرف التي تمتلئ مع الأسف الشديد بالسباب والشتائم التي تعبّر عن مستوى أخلاقي هابط لأصحاب تلك الكتابات الجارحة والثالبة والمقرفة.. وأنا ضدّ هذه الظاهرة المتخلفة ولا نجدها إلا في العالم العربي بالذات".

ويضيف : "شخصياً لديّ مدوّنة على الإنترنت أخصصها للتعريف بأنشطتي الأدبية والثقافية وببرامجي الإذاعية وبكتبي؛ إذ هناك من المطلعين على المدوّنة من يتجاوب معي إيجابياً، وهناك من يشتمني بإرسال مقالات فيها إهانات وكلام بذيء .. أنا عوّدت نفسي ألا أردّ على من يسبني ويشتمني.. ومن المفروض إغلاق تعليقات السب والشتم.. فنحن مع تبادل الآراء والأفكار والحوار الجدي الهادف ومع الاختلاف؛ لكننا ضد نصوص مجهولة مختفية بلا توقيع مليئة بالشتائم.

وعن قصص الحبّ الزائف لغاية النصب والاحتيال يقول الدكتور محمد البدوي: "إن أي شيء من هذا النوع يخرج عن اللياقة والأخلاق لا نقبله، والإنترنت مثل الدش، تستطيع السيطرة عليه بالوعي والتوجيه لحماية الأبناء والمحافظة على قيم المجتمع من التفسخ والانحلال.. وهنا أدعو إلى تعاون عدّة أطراف لتحقيق ذلك، مثل العائلة والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلام للقيام بالدعوة إلى التصدي ل"غرف الشيطان" ومقاومتها ومقاطعتها؛ لأن المواقع التي تسيء إلى الحياء والذوق العام لا يمكن أن تستمر".

ظاهرة خطيرة

ويتحدث الكاتب التونسي محمود الحرشاني عن تجربته بقوله: "أنا ضحية من ضحايا هذه الغرف المظلمة. فقد شتمني أحدهم في مدونتي، واعتبرني "انتهازياً" ووقّع باسم مجهول ولم أرد عليه؛ لأنه غير معروف، هذه الظاهرة الخطيرة توقف بوازع أخلاقي،، وعلى الناس أن يفهموا أن الإنترنت وسيلة حضارية راقية لحوار أخلاقي وليست أداة للثلب والسب والفتنة وهتك الأعراض؛ حتى لا تعطي صورة مشوهة عن المثقف العربي أمام الآخرين".

تصفية حسابات

ويقول: "المطلوب هو أن يكون هناك وازع أخلاقي ينمو ويقوى بمرور الزمن ليتغلب الخير على الشر.. وحالياً بالنسبة إليّ أفكر في غلق مدونتي رغم أن عدد زوارها تجاوز خمسة آلاف زائر، وقبل ذلك كنت حميت مدونتي بحذف عبارة "علق على الموضوع" وحافظت على مستواها.

ويؤكد أن" هذا السباب الموجود في "غرف الشيطان" هو تصفية حسابات مجانية نتيجة الحسد.

كما أن هناك كثيرين من أصحاب المدونات في تونس حذفوا عبارة "علّق على الموضوع" لتجنب المستوى الهابط ومحاولة إيقاف هذا التيار المسيء..".

أغراض دنيئة

أمّا الكاتب التونسي صالح السويسي، وهو صاحب مدونة أيضاً، فيقول: مواقع نظيفة تفيد المتعامل معها، وهناك مواقع تصطاد في الماء العكر. ومع الأسف يوجد أناس لا يعرفون الحياء موجودون متفرغون لترصّد غيرهم، ليس لهم من عمل إلا إزعاج غيرهم.

ويقول: "شخصياً تعرّضت لسبّ من قبل أشخاص أعرفهم جيّداً ومباشرة وهم أصدقاء أرسلوا إلي نصوصاً مجهولة؛ لكن في المقابل هناك مواقع محترمة ومفيدة تُشرّف من يكتب فيها، وهي عديدة؛ لأنها لا تفتح المجال للسبّ والضغينة.. ومشكلة الإنترنت أن كل شيء فيها متاح للجميع ولا تستطيع أن تغلقها".

ولاحظ صالح السويسي أن المواقع الجنسية في تونس لا تفتح، وقال: "هذا جيد وهو إجراء نؤيده، وحتى المواقع العربية في هذا اللون من الصعب فتحها إلا من قبل البعض بطرق أخرى لا يعرفها الجميع، وإن مواقع الحبّ الزائف هي للنصب والاحتيال، ضحاياه المراهقون والمتعاملون الجدد مع الإنترنت.

* مجلة المدينة