من يحكم البلد.. دولة القبيلة أم قبيلة الدولة؟!
بقلم/ عبده سيف القصلي
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 20 مايو 2008 11:51 ص

قبل أكثر من أسبوع، هددت بعض قبائل الحيمة الخارجية بقطع طريق صنعاء الحديدة إذا لم تستجب السلطة لمطالبهم بتحويل ملف أراضيهم الواقعة في منطقة السنينة غرب أمانة العاصمة إلى القضاء، وذكرت مصادر صحفية نقلا عن مصادر محلية أن عشر ناقلات نفط وغذاء منها ثلاث عسكريات محتجزة لدى قبائل الحيمة منذ أكثر من أسبوعين احتجاجاً على استيلاء نافذين لأراضيهم في السنينة واستمرار العمل فيها.

من جهتها أقامت قبائل بني الحارث مخيما في بني حوات احتجاجاً على مقتل أحد أبنائها اللواء عبدالكريم المقحفي الأسبوع قبل الماضي أثناء توجهه إلى المحكمة العليا لحضور جلسة قضية نزاع على أرض في الجراف بصنعاء، متأثراً بأربع طلقات نارية أطلقها عليه مسلحون ولاذوا بالفرار.

يأتي ذلك في إطار سلسلة من التحركات القبلية التي شهدتها البلاد مؤخرا، ياترى.. لماذا يلجأ المواطن اليمني إلى قبيلته لإنصافه ولا يذهب إلى مؤسسات الدولة؟ ولماذا يلتحم أبناء القبيلة يداً واحدة للأخذ بالثأر من قبيلة أخرى في حال تعرض أحد أفراد قبيلتهم للقتل أو غيره من قبل أحد أفراد القبيلة الأخرى وكأنه لا يوجد شيء إسمه "دولة النظام والقانون" ولماذا برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة التجمعات القبلية بعيداً عن مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية؟! ولماذا بدأت تحيا مجدداً ظواهر الثأر وخصوصاً القديم منه؟ ولماذا اتجهت الدولة نحو تفريخ القبائل وتنصيب مشائخ جدد ودعمهم والعمل على إضعاف مشئخ آخرين وكذلك إضعاف قبائل أخرى؟ وقبل هذا وذاك: من هو الحاكم الفعلي لليمن اليوم في ظل بروز القبيلة بقوة؟!

القبيلة كيان اجتماعي

الشيخ ناجي جمعان الجذري –شيخ قبائل بني الحارث- أكد أن القبيلة تمثل الكيان الاجتماعي المتوارث في اليمن منذ مئات السنين والذي يعتبر النواة المشتملة على مختلف الاتجاهات السياسية لمواطني القبيلة، وقال: وفي العصر الحديث بعد قيام الثورة والجمهورية والوحدة ووجود دولة المؤسسات والنظام والقانون أصبحت القبيلة كيانا اجتماعيا من ضمن مكونات المجتمع اليمني الذي يسوده الدستور والقانون، وما التفاف أبناء القبيلة مع بعضهم البعض في حالة تعرض أي منهم للمساس بعرضه أو دمه إلا للتعبير عن الاستياء والاستنكار لما حدث والذي يمثل موقفاً مناشداً للدولة والمجتمع بالنظر في حل الإشكال أو رفع الضرر بما يتفق مع مبادئ ونصوص الدستور والقوانين حتى تقوم الأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة بدورها ومسئولياتها الهادفة إلى تحقيق العدل من خلال الإجراء القانوني للمؤسستين الأمنية والقضائية بالضبط حد قوله.

وأوضح الشيخ الجذري أن تصرفاً كهذا ليس معناه أن هنالك تعصبا للقبيلة بما يتعارض مع المبادئ العامة التي تعتبر منهاج دولة النظام والقانون.

لا توجد دولة ولا قبيلة

المحامي والقانوني خالد الآنسي أوضح في حديث لـ"الناس" أن حقيقة المشكلة لا تكمن في لجوء الناس إلى القبيلة لأنه لم يعد هناك وجود لا للدولة ولا للقبيلة، فالدولة تحولت إلى قبيلة، والنظام يدير البلد بعقلية "شيخ قبيلة" وفي نفس الوقت سياسة النظام تقوم على تقليد القبيلة لتتحول إلى "بندق" بيده يستخدمها في خصوماته السياسية فصنعت تيار الشيوخ الجدد وصنعت ثقافة بعيدة عن ثقافة وقيم القبيلة هي ثقافة الاختطاف والنهب والنصرة بالباطل، وكرست مفهوم أن الدولة لا تتعامل مع القبيلة التي تتمرد عليها أو التي تستخدم العنف للوصول إلى مطالبها.

وأكد الآنسي أن سياسة نظام صنعاء خلال العقود الثلاثة الماضية قامت على أساس إضعاف الشخصيات الاجتماعية والقبلية التي تنحو للمطالبة بالحقوق وفق الآليات السلمية وكرست ثقافة أن النظام لن يوفر فرص العمل ولا مشروع الماء ولا الكهرباء ولا غير ذلك من الحقوق المشروعة إلا في إطار الاستجابة لمطالب الخاطفين وقطاع الطرق في حين قمعت وأقصت كل من يطالب بحقه بصورة سلمية ومدنية، واستبدلت ثقافة "الثورة" بثقافة "الثور" وخلطت بين الأدوار الاجتماعية والسياسية والمدنية وعسكرة وأمننة الحياة المدنية، وجعلت المؤسسات والوظائف الحكومية "مشيخات" يتوارثها الشيوخ عن آبائهم.

عندما تغيب الدولة.. تحضر القبيلة

من جهته اكد الدكتور محمد الظاهري –رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء- أن القبيلة تحضر بعاداتها وتقاليدها عندما تغيب دولة العدالة والقانون بمعنى أن البنى التقليدية ومن ضمنها القبلية والمناطقية والمذهبية تحضر عندما تغيب دولة المؤسسات الحديثة، وأوضح أن القبيلة تعبر عن مطالبها بآليات متعددة سلمية وعنيفة، الآليات السلمية مثل المؤتمرات القبلية، والآليات العنيفة كالتقطعات والاختطاف وغيرها.

أما أسباب استمرار ظاهرة الثأر فقد أوضح الظاهري أن ذلك يعود إلى العادات والتقاليد القبلية، والتطويل بالقضايا في المحاكم حيث وأن هناك قضايا لها سنوات وسنوات، وبدلاً من الذهاب إلى المحكمة تلجأ للأخذ بالثأر بيدها، والاشكالية الأخرى ترتبط بتسييس ظاهرة الثأر وأيضاً عجز المؤسسات المدنية كالأحزاب السياسية والمؤسسات الرسمية عن القيام بوظائفها، فقد عجزت أن تشكل بديلاً وظيفياً للمؤسسات التقليدية في القبيلة، وأشار الظاهري في حديثه لـ"الناس" أن النخبة الحاكمة تسعى إلى إضعاف القبيلة عن طريق تفريخ مشائخ جدد بدلاً من السعي إلى إيجاد مؤسسات حديثة ودعمها، ولذا للأسف فنحن في مرحلة ظهر فيها أسوأ ما في القبيلة من أعراف وتقاليد كالأخذ بالثأر حتى في المدن وانتشار التقطعات وغيرها، مضيفاً: وفي هذا السياق يمكن القول إن اليمن تمر بمرحلة من سماتها ضعف الدولة وضعف المجتمع بما فيه القبيلة وضعف النخبة الحاكمة التي كانت قوية بسبب ضعف ركائز كل من المجتمع والدولة.

* ناس برس