ندوة بصنعاء: التجربة التركية .. أسباب النجاح وإمكانية الإستفادة
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
الثلاثاء 26 فبراير-شباط 2013 11:37 م

المفكر والمؤرخ التركي أرسلان: الاستفادة من التجربة التركية لا تستلزم تغيير القوانين الإسلامية

أردوغان من وسط الشعب وهذه هي أسباب نجاحه

أرشيف الدولة العثمانية يجب أن يدرس لمعرفة الحقيقة الغائبة عن علاقات العرب والأتراك

نظم مركز البحوث للدراسات السياسية والإستراتيجية وبالتعاون مع قسم العلوم السياسية بجامعة الإيمان ندوة بعنوان " النموذج التركي : أسباب النجاح وقابلية الاقتداء) , وقد حاضر فيها الباحث والمؤرخ التركي صباح الدين أرسلان والدكتور اسماعيل السهيلي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الايمان , وأدار الندوة الدكتور احمد عبد الواحد الزنداني رئيس المركز استاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء , ولقد حظيت الندوة بحضور عدد كبير من العلماء والأكاديمين والطلاب من جامعتي الإيمان وصنعاء , وناقشت الندوة الاسباب التي أدت إلى نجاح حزب العدالة والتنمية التركي ذو الخلفية الاسلامية في النهوض السريع بتركيا , وتدارس الحاضرون مدى القدرة على الاستفادة من النموذج والتجربة التركية خاصة في الدول التي تعيش ثورات الربيع العربي , وقد أثريت الندوة بنقاش ومداخلات عديدة حول تركيا اردغان وتجربتها الواعدة وغيرها من القضايا ذات الصلة , ونتناول في هذا التقرير أهم ما دار في الندوة .

أعد المادة للنشر / محمد مصطفى العمراني

تركيا العلمانية قامت على انقاض الدولة العثمانية

في البداية تحدث الدكتور أحمد عبد الواحد الزنداني رئيس مركز البحوث للدراسات السياسية والإستراتيجية , حيث أشار في كلمته , بعد أن رحب بالحاضرين , إلى أن التجربة التركية لفتت أنظار العالم بأسره وبالذات الدول العربية التي تمر بفترة مهمة جدا وهي فترة ثورات الربيع العربي أو الأمل العربي كما يسميه البعض , وقال أن التجربة التركية تمثل لنا أهمية كبيرة , كون تركيا إلى سنوات قريبة كانت مكبلة بالعديد من القيود التي تعيق تقدمها إلا أنها تمكنت من تجاوز كل تلك العوائق ومضت بخطوات سريعة وثابتة إلى الأمام , وتطرق الدكتور الزنداني إلى أن أهم العوائق التي كانت تكبل تركيا هو قيامها على أنقاض الدولة العثمانية التي كانت قائمة على أسس ومبادئ مستقاة من الاسلام , فعلى سبيل المثال فمن منطلق قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) , كان للدولة العثمانية سجلات تسمى " سجلات النفوس" يسجل فيها أي مسلم يولد على وجه الأرض فيكون مواطن مسلم له ما للعثمانيين وعليه ما عليهم , وعندما قامت الدولة التركية الجديدة عام 1924م على أنقاض الخلافة العثمانية , قامت كدولة قومية علمانية أقامها العسكر بالحديد والنار , وثبّت العلمانيون العلمانية في الدولة التركية بالقوة في الدستور لدرجة ان جعلوا من العلمانية مادة غير قابلة للتعديل (مادة جامدة) وألغوا أحكام الشريعة الإسلامية التي كانت الدولة العثمانية تقوم عليها.

ظروف نشأت الحركات الإسلامية

وتطرق الدكتور أحمد الزنداني إلى معانة الشعب التركي وعلى رأسه القادة الاسلاميون من الحكم العلماني في تركيا متناولا عدة امثلة ابرزها شنق رئيس الوزراء عدنان مندريس الذي حج إلى بيت الله الحرام خلسة فعلق على اعواد المشانق ثم معاناة السيد نجم الدين اربكان الذي انقلب عليه وسجن عدة مرات وحرم من العمل السياسي لسنين طويلة , وأشار الدكتور احمد إلى معانة رجب طيب اردغان الذي أرذي لمجرد انه قال ابيات من الشعر الاسلامي ,ولعل الدكتور احمد كان يشير إلى قول أردوغان في إحدى الإحتفالات مقطع من قصيدة لشاعر تركي مشهور " المآذن رماحنا والقباب خوذنا " التي ادخل بسببها إلى السجن , ويقول الدكتور الزنداني ومع كل تلك المضايقات والضغوط والحصار الذي عانى منه الاسلاميون لم تذهب جهودهم سدى فجهادهم اتى اكله بوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم برغم كل التحديات المحلية والدولية , وكان الأمر المذهل انه حين استلم هذا الحزب السلطة كانت تركيا تعاني من الوضع إقتصادي متردي ومديونة للبنك الدولي بمبالغ هائلة فاستطاع تسديد هذه الديون وتحقيق نجاحات اقتصادية مذهلة في وقت قياسي فقد كان دخل الفرد التركي بالسنة حوالي 3 ألف دولار والآن دخل الفرد في تركيا يزيد عن عشرة ألف دولار وقام حزب العدالة والتنمية بحل المشاكل السياسية وبناء دولة مؤسسات قوية حتى صار الجميع يتساءل : هل لدى الأتراك عصى سحرية وكيف حقق قادة العدالة والتنمية كل هذه النجاحات بوقت قياسي ؟! وهل هناك إمكانية لتطبيق التجربة التركية في البلاد العربية ؟ أسئلة مهمة نأمل أن نجد اجابة شافية لها لدى ضيفنا الكريم الخبير بالعلاقات العربية التركية الاستاذ صباح الدين ارسلان .

الأرشيف العثماني يوثق لتاريخنا

وفي محاضرته القيمة تصدى الاستاذ صباح الدين ارسلان للإجابة عن هذه التسؤلات المهمة , ولقد عرّف به الدكتور احمد الزنداني قائلا أن الاستاذ صباح الدين ارسلان , خبير والمؤرخ , حيث انه خبير بالعلاقات التركية العربية , وهو من المتخصصين في الأرشيف العثماني , والأرشيف العثماني مليء بالآلف الوثائق والتي تعطي الصورة الكاملة والحقيقية للدولة العثمانية التي كان العالم العربي جزءا منها , وإلى جانب ذلك تخصص الاستاذ صباح الدين في دراسة أسباب الخلافات بين العرب والأتراك في نهاية عهد الدولة العثمانية التي انهارت وأنهار معها وضع المسلمين في جميع انحاء العالم , وللأسف لم يتجه الباحثين المسلمين إليه ولم يسلط الإعلام العربي الضوء على هذا الأرشيف الذي يعد مخزن استراتيجي لكل مسلم , كما أن الاستاذ صباح قد تمكن من جمع كم هائل من الصور المتعلقة بالتاريخ العربي التركي ابان الدولة العثمانية وهي توضح حقائق مهمة لا تزال غائبة عن الإعلام إلى اليوم.

مفاتيح نجاح أردوغان

في البداية شكر الأستاذ صباح الدين مركز البحوث للدراسات السياسية والإستراتيجية وقسم العلوم السياسية بجامعة الإيمان الذين نظموا هذه الندوة والحاضرين وتحدث المؤرخ والباحث التركي قائلا هناك مجموعة من الحقائق هي السبب الرئيس في نجاح حزب العدالة والتنمية على رأسها أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رجل بسيط جاء من الشعب وطاف تركيا كلها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وعرف مشاكلها ومعاناة الشعب وقد عاش بين الفقراء وبين الأغنياء وعرف كل المستويات وقد ذهب للمستشفى وللمدرسة ولكافة الدوائر والمرافق الحكومية ورأى الفشل الذي كان في المؤسسات التركية خصوصا وبعض المؤسسات في العالم الإسلامي وأدرك أن الفشل الذي كان في تركيا وفي سائر العالم الإسلامي سببه هو رؤساء العالم الإسلامي لأن الحاكم صار جزء من الكرسي (كناية عن تشبث الحكام بالسلطة) فلما صعد أردوغان للكرسي بإرادة شعبية بقي من الشعب ومثل الشعب في الخارج والداخل وهذه النقطة أهم نقطة حتى نفهم التجربة التركية .

جهود أردوغان

ويضيف صباح الدين أرسلان بقي أردوغان يعمل لصالح الشعب ويخفف عن الشعب المعاناة والمشاكل التي كانت تعيشها تركيا وطبعا كان الشعب التركي يعيش في أزمة اقتصادية كبيرة خصوصا في 2001م وهذا سببه النظام العلماني الذي ظل يحكم لثمانين عاما وعلى الباحثين والمفكرين أن يدرسوا عن إجابة هذا السؤال : لماذا لم تنجح العلمانية والنظام العلماني في تركيا ؟!

ويقول , صباح الدين ارسلان متهكما على العلمانية , البعض يقول أن بسبب العلمانية وصول أردوغان للحكم ووصل الإسلاميين للسلطة لكن : هل سلم العلمانيين السلطة للإسلاميين على طبق من ذهب وقدموها بكل حب وقالوا للأردوغان : تفضل أحكم وغيّر كما تريد ان تغير وإفعل كما تشاء ؟!!! فعلينا أن نتذكر أن هذا الرجل ( أردوغان) جاء من السجن للسلطة خرج من السجن وأسس في وقت قصير جدا حزب العدالة والتنمية ثم فاز الحزب بالسلطة بحيث انتزع السلطة من العلمانيين انتزاعا , وعمل العدالة والتنمية على إحداث تغييرات شاملة في قطاعات هامة أولها قطاع الصحة وقد كان في قطاع الصحة بتركيا فسادا كبيرا جدا وأكبر مما يمكن تصوره , بحيث وصل الفساد إلى حد أن بعض الاطباء يكتب لبعض الرجال أنه حامل حتى يحصل على إجازة وامتيازات من عمله , طبعا يستحيل أن يحمل الرجل لكن هذا حدث بتركيا حتى تتخيلوا حجم الفساد الذي كان في هذا القطاع , وأردف أرسلان قائلا أن أردوغان أوجد شبكة ألكترونية بحيث كل مواطن له ملف ألكتروني ولا يستطيع أي شخص أن يتلاعب أو يغش .

كما أن الدولة عملت على إنشاء مجمعات سكنية في أنحاء تركيا وأعطاها للناس بسعر رمزي .

من التضخم إلى النماء الإقتصادي

وحول الوضع الاقتصادي في تركيا يشير أرسلان إلى أن الوضع الإقتصادي في تركيا قبل وصول الإسلاميين للحكم كان مترديا للغاية وكان التضخم في أعلى مستوى ولكن أردوغان والحكومة التي شكلها قد وضعت برنامج قام على اساس الابتعاد عن المعاملات الربوية وكان من نتيجة ذلك أن نزل التضخم من نسبة 60% إلى 8% , وهذا بحسب ارسلان يعد إنجازا كبيرا جدا وقبل حكومة العدالة والتنمية كان البنك المركزي التركي يقترض من التجار ويعطيهم فوائد ربوية وفي مدة محددة تصل بعض الاحيان إلى مدة أسبوع فقط , ويعطيهم فوائد ربوية بلغت ما نسبته 600% فأوقفت الحكومة هذا العبث , وأسست الحكومة مركزا لواردات الدولة وأي وزارة تحتاج للمال تأخذ من صندوق هذا المركز وفق موازنة وتخطيط ودراسات دقيقة وتم توفير مبالغ مهولة وصلت إلى مليارات الدولارات , ونتيجة للسياسات الاقتصادية الحكيمة تضاعفت الميزانية , فقد كانت ميزانية دولة تركيا حوالي 200 أو 220 مليار دولار سنويا وتضاعفت الميزانية إلى 800 مليار دولار في العام 2008م , ويقول ارسلان أستلم الإسلاميون الحكم والدولة مفلسة والآن تعلمون الوضع الإقتصادي لتركيا حيث صار إقتصادها أقوى إقتصاد بالمنطقة ومن أقوى الإقتصادات في العالم وصار فائض الميزانية يصل إلى أكثر من ثلاثمائة مليار دولار حتى صار البنك الدولي يقترض من تركيا .

أردوغان وتقوية علاقات التركية الدولية

الإتجاه نحو أفريقيا والعالم العربي

وعن جهود حكومة العدالة والتنمية في مجال العلاقات الدولية يقول أرسلان : سعت الحكومة التركية بقيادة أردوغان إلى تقوية علاقات تركيا السياسية والإقتصادية بأفريقيا وبالدول العربية بحيث كان رئيس الوزراء في كل زياراته لأي دولة يأخذ معه وفد من السياسيين ووفد من رجال الأعمال فيجري برتوكولات سياسية وفي نفس الوقت يجري بروتوكولات إقتصادية ونحن كنا نشعر أن أوربا لا تريدنا أن ندخل للإتحاد الأوربي ولهذا أتجه الأتراك نحو العالم العربي وأفريقيا خصوصا من 2005م إلى 2007م أصبحت تركيا من كبار الدول التي لها تواجد قوي بقارة أفريقيا بحيث أصبح لنا سفارة في كل دولة أفريقية لأننا إذا لم نكن نحن متواجدون في مكان فسيتواجد الآخرون ونحن تواجدنا تواجد إسلامي فمثلا إذا كنا في الصومال فلن نكون كفرنسا على سبيل المثال .

ويشير أرسلان إلى أنه من عام 2002 م إلى عام 2007 م كان الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر وهو لم يكن يريد أن يستمر الاسلاميين كقوة فاعلة في الساحة السياسية التركية وكذلك كان للمتحكمين بالجيش التركي محاولات كثيرة وانقلابات عديدة لإحباط تواجد الإسلاميين بالحكومة واستمرت المحاولات السرية للإطاحة بحكومة أردوغان حتى 2009م , ولكنهم فشلوا وكما تعلمون فرئيس أركان الجيش الأسبق الآن في السجن .

وقد عانى الإسلاميون من الضغوطات البيروقراطية والعسكرية والقانونية لأن أي قانون كان يصدره رئيس الوزراء يذهب للمحكمة الدستورية فتعطله أو يلغيه الرئيس العلماني فكانت هذه العوائق والقيود تمثل تقييدا كبيرا لجهود الإسلاميين في السلطة ومع ذلك نجح الاسلاميون في إدارة البلاد بشكل ممتاز .

إصلاحات كبيرة في مجال التعليم والشرطة

وعن جهود حكومة العدالة والتنمية في مجال التعليم والشرطة يقول أرسلان : لم يبدأ أردغان من الصفر فقد بنى على ما اسسه المجتمع التركي من مؤسسات تعليمية وغيرها فقد جاء أردوغان في وقت كان للأتراك مستوى تعليمي كبير فقد حرصنا كأتراك , منذ الثمانينات , أن نرسل أولادنا للتعليم الشامل بعد أن كان الآباء يرسلون أبنائهم لكلية الحقوق وبعض الجماعات ترسل أبناءها لكليات معينة بحسب توجهها وللأمانة منذ الثمانينات أهتم الأتراك بأبنائهم أكثر من إهتماهم بأنفسهم وهو ما أوجد جيلا متميزا وهو الجيل الذي غير تركيا اليوم .

كما أن الشرطة والجيش في تركيا تغيرا كثيرا وخصوصا خلال الثلاثين سنة الماضية وصارت في خدمة الشعب حقيقة بعد أن كانت الشرطة في خدمة النظام وكان الجيش والشرطة يحمون السلطة من الشعب , والأصل أن الدولة يجب أن تكون للشعب وليس الشعب للدولة , وهذه التغييرات للأمانة العلمية والتأريخية بدأت في عهد الرئيس الاسلامي وزال في الثمانينات وتطورت كثيرا في عهد أردوغان ولا ننسى اربكان الذي ساهم في مجالات عديدة والأن نعتقد أن النموذج التركي فعلا نجح ليس فقط في مجال التعليم والصحة والمجمعات السكنية فحسب وإنما في الجيش أيضا وفي كافة مجالاته مثل التصنيع نحن الآن نصنع أحدث الدبابات وطائرات الهيلوكبتر العسكرية المتطورة والغواصات والسفن الحربية الكبيرة وطائرات بدون طيار وتركيا اليوم من بين الثلاث الدول في العالم التي تصنع طائرات بدون طيار وثالث دولة في العالم تغير الجهاز ( المخ) الإلكتروني للطائرات المقاتلة لأنه مثلا لا سمح الله تقوم حرب بين أي دولة تمتلك هذه الطائرات والدولة المصنعة أو دولة موالية لها فلن يكون لهذه الطائرات قيمة لأن مخها عندهم وبرمجتها من عندهم فهم من يتحكم بها ويستطيع تفعيلها أو تعطيلها ولذا الطائرات الأمريكية المقاتلة لا تستطيع محاربة طائرات أمريكية أو إسرائيلية لأنها مبرمجة على أن هذه الطائرات هي طائرات صديقة ولذا نجحت تركيا في جعل مخ هذه الطائرات ومراكز التحكم فيها وطنية تركية ولذا فهم الجيش التركي أن هذه الحكومة تعمل لصالح بلدها وتطوره وتعمل على تطوير جيشها وحماية سيادتها .

تغيير القوانين بذريعة الإلتحاق بالإتحاد الأوربي

ويواصل المفكر والمؤرخ التركي صباح الدين أرسلان : ومن مجالات الاصلاح التي تناولها الاسلاميون مجال القضاء والإعلام , فعلى سبيل المثال اشترت الحكومة أو دفعت برجال أعمال لشراء وسائل الإعلام التي كانت بأيدي العلمانيين (حتى لا تستخدم لتعطل مسيرة التنمية) وخاصة منذ 2005م ودفعوا في هذا المجال مليارات الدولارات.

وغيرها فلقد سعت تركيا تركيا للالتحاق بالإتحاد الأوربي وهذا ساعدنا في أن نغير كثيرا من القوانين التي كانت تعرقل عمل الحكومة وتقيد قادتها عن المضي بمشاريع تطوير تركيا وهذه حقيقة فالدولة "العميقة" التي خلفها العلمانيين كانت بيروقراطية ولولا ذريعة الالتحاق بالإتحاد الأوربي لما استطعنا تغيير كثير من القوانين.

الفرق بين النموذج التركي والتجربة التركية ؟

ويجيب صباح الدين أرسلان على سؤال مهم يطرح كثيرا عند الحديث عن التجربة التركية والنموذج التركي وهو ما الفرق بين الاثنين وأيهما يمكن تطبيقه خارج تركيا أو الاستفادة منه حيث يقول : أنا أرى أن النموذج التركي خاص للأتراك فبعد سقوط الدولة العثمانية التي كان دستورها ينص على أنها دولة إسلامية ولا شرعية لأي قانون يخالف الشريعة الإسلامية , فلما سقطت الدولة العثمانية غيّر العلمانيين الدستور صحيح إن الشعب التركي شعب مسلم ولكن الحقيقة أن الحروب التي تعرضت لها الدولة العثمانية كحرب البلقان ومن بعدها حرب الاستقلال أدت إلى أن فقدت البلاد معظم رجالها , ولذا لم تحدث ردة فعل عنيفة وما أستطاع الشعب أن يثور على العلمانيين عندما غيروا وبدلوا فقد أنهك الشعب التركي حينها وذهب خيرة رجالة وشبابه ولا يعني هذا أنه لم تحدث مقاومة لهذا فقد أستنكر كثيرا من المفكرين والعلماء فبعضهم اعدموا وبعضهم سجنوا وبعضهم غادروا البلد لذا نرى أن هذا النموذج هو نموذج تركيا حيث كانت منذ العشرينات دولة شبه علمانية ديكتاتورية ويحكمها شخص واحد بالقوة وبالجيش وفي الستينيات فتح رئيس الوزراء عدنان مندريس هامش بسيط للناس ليتنفسوا نسائم الحرية فأعدم من قبل العلمانيين وبذرائع واهية , وفي الثمانينات فتحت مساحة لا بأس بها والآن فتحت مساحة أكبر بكثير , نحن لا نستطيع أن نقول أن تركيا أصبحت دولة إسلامية ولكن نقول إن الحكومة حاولت وتحاول وسوف تحاول السير في طريق الأسلمة ووضعها يشبه تونس في البلاد العربية.

وحول هذا الأمر يؤكد أرسلان على أن النموذج التركي لا يصلح للتطبيق في خارج تركيا , فهو خاص بها , ويقول أنه ليس من الحكمة والعقل أن تغير بعض الدول دستورها الإسلامي لتكون علمانية أو ليبرالية حتى تطبق النموذج التركي في حين أن الحكومة التركية تسير في طريق الأسلمة كما أن العلمانية والليبرالية في البلاد الإسلامية تأتي بالدكتاتورية لكن التجربة التركية وليس النموذج التركي هو ما يمكن الاستفادة منه ودراسته .

الأرشيف العثماني للأتراك والعرب

وفي معرض الاسئلة التي أثارها الحضور حول الإرشيف العثماني يري أرسلان أن الأرشيف العثماني لا يخص الأتراك وحدهم بل ويخص العرب أيضا ويقول : وأنا أخرجت أرشيف البحرين كاملا وقد أندهشت حين وجدت أن التأريخ يقول لنا أمرا ونحن نتكلم بأمر آخر (في اشارة إلى أن هناك تزوير للتاريخ) وفي الأرشيف العثماني صحف ومجلات بها آلاف المقالات والدراسات حول مختلف المواضيع والقضايا عن الشريعة والعلوم والثقافة والأدب حتى أنني وجدت عددا من المقالات العلمية التي تتحدث عن الموضة وهذا في عام 1890م تصوروا مقالات تتحدث عن الموضة وأزياء النساء وتناقش الأمر من كافة الجوانب العلمية والاجتماعية والشرعية وهل تجوز او لا تجوز وجاءت هذه المقالات بآراء نساء وأراء خبراء ومفكرين وفتوى من شيوخ الإسلام .

ونوه أرسلان إلى أن أي حكم في البلاد الإسلامية المسلمين ليسوا راضين عليه لا ينجح وفي تركيا لم ينجح العلمانيين على مدى ثمانين عاما لأن الشعب التركي المسلم غير راض عنه , وفي هذا الصدد لا بد أن نشير إلى أربكان رحمه الله وهو لم يتمكن من أخذ فرصة حقيقة لتطبيق مشروع (في أشارة إلى التأمرات التي توالت عليه وأطاحت به من الحكم غير مرة ) ولكنه أسس الكثير من المؤسسات .

الخصوصية التركية

وفي تعقيبه على ما طرحه الأستاذ صباح الدين أرسلان بين الدكتور إسماعيل السهيلي عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإيمان أننا عندما نتحدث عن  "النموذج التركي" فالمقصود في حقيقة الأمر هو تجربة حزب العدالة والتنمية كحزب حاكم ذي خلفية إسلامية يحكم تحت سقف جمهورية علمانية ودستور علماني وقوانين مدنية, وليس تحت سقف مرجعية الشريعة الإسلامية, وقال الدكتور السهيلي يجب ألاّ يغيب عن أذهاننا أن كمال أتاتورك قد أخضع تركيا بعد إلغاء الخلافة العثمانية لـــ " جراحة تاريخية في فصوص المخ ", وأنه قد أسس نظام علماني  يحصـر ممارسة العمل السياسـي في الأفراد والهيئات الذين يُقرون بالعلمانية كمنهج حياة وأساس للسياسة والحكم.

  وأن هذا الوضع يُدركه زعماء حزب العدالة والتنمية بشكل متميز، ومن ثم فهم يعملون باستمرار على طمأنة القوى العلمانية في تركيا، التي عادة ما تكرر القول بأن الحزب يسعى لأسلمة تركيا والقضاء على العلمانية، وأكد الدكتور السهيلي على أن قادة حزب العدالة والتنمية قد وازنوا بين خيار مصادمة القوى العلمانية المستندة إلى دستور علماني تنص المادة الثانية فيه على "علمانية الدولة"، وجيش يدعي قادته بأنه حامي حمى العلمانية، وما يترتب على ذلك من التعرض للمنع من ممارسة أي عمل سياسي، وبين خيار الاعتراف بالأمر الواقع, فاختاروا الخيار الثاني بحكم أن (الضـرورات تبيح المحظورات) وأن (الميسور لايسقط بالمعسور)،ومن ثم قاموا اتخذوا من ذلك الواقع نقطة انطلاق لتغيير حال العلمانية التركية من حالة إلى أخرى، وسعوا قدر الإمكان في الحصول على أفضل المكاسب للعمل الإسلامي. ونبه الدكتور السهيلي على أن هذا النموذج قد جعل من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يبدو وكأنه علمانياً لنصف الوقت، وإسلامياً لنصف الوقت، أي علمانياً في شئون السياسة والحكم، وإسلامياً فيما دون ذلك.

العدالة والتنمية نسخة تركية

كذلك شدد الدكتور السهيلي على أن قادة الحركة الإسلامية في الدول العربية يدركون بدقة طبيعة وخصوصية نموذج حزب العدالة والتنمية، وأنه نسخة خاصة بتركيا، فرضتها ظـروف معينة لا يُمكن ولا يُقبل تعميمها على بلدان أخرى , وأنه لا يجوز استنساخ هذا النموذج في الدول العربية، فعلى سبيل المثال فإنه رغم ترحيب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بالتطور الذي تشهده تركيا من وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، فإنها لا ترى فى هذا الحزب ولا في أطروحاته الفكرية نموذجا للحزب أو للمجتمع الإسلامي الذي ترغب فى تأسيسه. فعلى سبيل المثال قال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصـر الدكتور محمود غزلان وعضو مكتب الإرشاد " إن تجارب الدول الأخرى لا تُستنسخ، وأن ظـروف تركيا تفرض عليها التعامل بمفهوم الدولة العلمانية...إن الوضع في مصـر يختلف تماماً عن تركيا التي وضع لها مصطفى كمال أتاتورك دستوراً علمانياً، أما مصـر فإن شعبها متدين ويرفض العلمانية رفضا قاطعا، ويتشوق إلى تطبيق الشـريعة الإسلامية ".

الإستفادة من تجربة العدالة والتنمية لا استنساخها

من جهة أخرى قال الدكتور السهيلي أنه عندما نرفض استنساخ نموذج حزب العدالة والتنمية التركي ذي الخلفية الإسلامية في الدول العربية , فإنه ينبغي علينا استلهام تجربة هذا الحزب الذي استطاع أن يقدم خلال عشر سنوات حلولا فعالة لمعظم المشاكل والأزمات التى تراكمت في تركيا خلال عشرات السنين ففي تجربة هذا الحزب العديد من الجوانب التي يصح الاقتداء بها مع التأكيد على وجوب أن ينضبط الاقتداء بعدم مخالفة الشريعة الإسلامية, ومن أهم هذه الجوانب تجربة الحزب في تحقيق التقدم الاقتصادي عبر ما انتهجه من السياسات الاقتصادية التي أدت إلى زيادة الناتج القومى الإجمالى من 300 مليار دولار عام 2002 إلى 750 ملياراً عام 2008، ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومى من 3300 دولار سنويا إلى أكثر من عشرة آلاف دولار فى الفترة نفسها، ليحتل الاقتصاد التركى المرتبة السادسة عشرة على المستوى العالمى، والمرتبة السادسة على المستوى الأوروبى. وبلغت نسبة النمو الاقتصادي التركي خلال عام 2010م (7%). وهي نسبة أهلت تركيا لاحتلال المرتبة الرابعة من بين نسب النمو الاقتصادي على مستوى العالم.

الإستفادة من التجربة التركية في دورها الإقليمي

كذلك يُمكن الاستفادة من تجربة الحزب في تحويل تركيا من دولة ترتبط مع الغرب وإسرائيل بعلاقات إستراتيجية، بدت فى ظلها أقرب إلى الدولة التابعة منها إلى الدولة المستقلة إلى دولة قادرة على ممارسة سياسة خارجية جعلت منها فاعل دولي نشط ومستقل إلى حد كبير على الصعيدين الإقليمي والدولى. دولة طموحة تتمتع بمكانة مرموقة في العالم , فقد أصبح المسئولون الأتراك محل ترحيب رسمي وشعبي في أي بلد يرغبون في الدخول إليه .

الإستفادة من التجربة التركية في تحقيق الإستقرار السياسي والاجتماعي

كذلك من الجوانب القابلة للإقتداء تجربة الحزب في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وهو من أهم ما تحتاج إليه الدول العربية في الوقت الراهن, فقد أستطاع الحزب التغلب على ما كانت تتسم به الحياة السياسية التركية من عدم الاستقرار، والذي تميز بتدخل الجيش بشكل مباشر فى الحياة السياسية وقيامه بانقلاب عسكري كل عشر سنوات تقريبا، فى 1960، و1971، و1980، وبشكل غير مباشر عام 1997 حين أطاح بحكومة أربكان.  كذلك من الجوانب يمكن لدول الربيع العربي الاستفادة من تجربة الحزب في التعامل مع قوى الدولة العميقة التي تعمل من داخل النظام الجديد على إعاقة التغيير وقيادة ثورة مضادة , كذلك من الجوانب القابلة لاستفادة منها تجربة الحزب في الوصول للحكم بطريقة ديمقراطية وتشكيل حكومة تتمتع بقبول شعبي يتزايد يوما بعد يوم, وأدائه المميز في إدارة السلطة التنفيذية البلديات ولاسيما فيما يتعلق بالقدرة على تحقيق أهداف التنمية الوطنية والمحلية,ومكافحة الفساد .

استنساخ التجربة التركية

هذا وتحدث في الندوة الدكتور عمر العمودي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء والذي أشار في حديثه إلى تاريخ الدولة العثمانية التي دافعت عن حياض الامة الاسلامية وحمت المسلمين لعدة قرون ولولا أن نخر الفساد في مفاصلها لبقيت دولة عظيمة وقوية , ونوه الدكتور العمودي إلى أهمية بناء جسور التعاون بين العرب والأتراك لأنهم في النهاية امة واحدة يجمعهم دين واحد , ولقد أشاد الدكتور العمودي بتجربة تركيا حزب العادلة والتنمية ودعا إلى استنساخ التجربة لأننا نريد ان نحاكي النزاهة والأمانة والمسؤولية والجدية التي يتمتع بها المسئولين الاتراك.

تعميم فكرة المدارس التركية

وقال الدكتور عمار الشرجبي الاستاذ بأكادمية الشرطة أن المدارس التركية التي انشأها الاسالميون الاتراك كان لها دور كبير في بناء الجيل التركي الذي نهض بتركيا اليوم , ودعا إلى دراسة هذه التجربة والاستفادة منها .

مداخلة الدكتور المهدي

من جانبه قال الدكتور عبد السلام المهدي الاستاذ بجامعة الايمان أن موضوع التشريعات والقوانين وتغييرها أمرا مهم ولا يمكن ان تغير القوانين والتشريعات لمجرد التقليد للنموذج التركي ولكن أي نوع من التعامل مع التشريعات والقوانين لا بد وأن يخضع لدراسة لجان شرعية من كبار العلماء الذين لهم القدرة على الاجتهاد ان لزم الامر لذلك .