آخر الاخبار

الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف على غرار اقتحامات واتهامات نظام الأسد.. مليشيات الحوثيين تقتحم عمارة سكنية بمحافظة إب بقوة الحديد والنار وتروع سكانها اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا

قصتي مع شهيد..
بقلم/ محمد الأغبري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 15 يوماً
الأحد 29 يناير-كانون الثاني 2012 07:53 م
 
صورة الشهيد
 

طرق باب منزلنا ذات يوم، فتحت الباب فإذا بشاب ثلاثيني أسمر، متوسط الطول يميل إلى القصر، عيناه واسعتان، وخداه عريضان، سألني السؤال المعتاد الذي أسمعه من كل طارق يريد أبي.

الأستاذ موجود؟

أجبته كالعادة : لحظة.

كانت تلك أول مرة أراه فيها. توالت بعدها الزيارات إلى منزلنا لمدة زادت عن الخمس سنوات حتى كان وكأنه جزء من من حياتنا. أتذكر أني تناولت معه الغداء في بيتنا ثلاث مرات، كانت آخرها قبل عام ونصف حين عدت إلى بلدي. كان فكاهياً لين الجانب حسن العشرة. لكنته اليوسفية تغلب على كلامه.

في زيارتي لليمن عام 2010م كنت قد وصلت مدينة تعز مع أذان مغرب يوم عرفة، تناولت مع الصائمين الإفطار، ثم تهيأت للمغرب فالعشاء.

خرجت مع أبي لنشتري بقية أغراض العيد، وتحديداً في شارع التحرير الأسفل وأمام سوق الماشية كان هناك رجل أسمر ينادي أبي، التفتنا فإذا به قائد مسعود اليوسفي.

- قائد : يا أستاذ الأسعار ناااار (وما قدرناش نشتري أعياد).

- أبي : طيب كم اشتريتم؟

- قائد : "عشرة لحد الآن".

- أبي : "أعانكم الله، شوفوا كيف باتعملوا والخير في الواقع!!! مافيش حل غير الموجود".

- قائد : "أيش جابك هنا"؟

- أبي : "جئت أنا والولد نشتري أغراض العيد عاده وصل من ماليزيا"!!.

- التفت إلي قائد وعانقني ، "عفواً ما شفناك، ويداتي وسخانات من السيارة وا لكباش"، كان الجو شديد البرودة والجفاف.

كان قائد يشتري خرفان العيد لبعض المعدومين ممن عاشوا حياة الفقر والكمد، وكانت تلك حياته، بين دعوة وخدمة فقير، وإعانة ملهوف.

مرت أيام العيد الجميلة في القرية واستأذنت أبي أن يسمح لي بالسفر إلى الحديدة لحضور حفل زفاف صديقٍ لي فقبل مني واقترح لي أن أدعو أصدقائي ونذهب سوياً برفقته هو!!

أخبرت بعض أصدقائي، فاستحيو من وجود أبي، وحين أخبرت أبي بذلك قال: "خلاص عندي ناس باخذهم معانا".

في صباح اليوم الثاني كنت على موعد مع قائد وأخرَين. خرجنا في رحلتنا صوب الدريهمي حيث يقطن صديقي العريس. توقفنا في البرح لتناول وجبة الإفطار، وهناك حيث المطاعم الشعبية المفتوحة اختار أحدهم لنا طعامنا بينما كنا جلوساً على الكراسي.

كان حديثنا حتى البرح حول المستشفيات اليمنية ومساوئها، عدّد الحاضرون مستشفيات تعز واحدة واحدة بنقد ساخر يقطع القلب كمداً على الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه.

حين كان قائد يتحدث كنت أستمع إلى لهجته اليوسفية الممتعة، حيث مد بعض الحروف، وحذف بعض اللامات القمرية!!، كنت أستمتع بتلك اللهجة فلمدة سنتين لم أستمع إلى لهجة بني يوسف!!

وقبل أن نصل الدريهمي كان صاحبنا يلح أن نشرب الشاهي في مقهىً على جانب الطريق الساحلي الذي بنته قطر، وافق الجميع ونزلنا حيث الذباب يملأ الجو، إلا أن نكهة الشاي كانت تصر علينا بالبقاء وطلب كأس ثان لكل منا!!

انطلقنا في رحلتنا حتى الدريهمي وفور وصولنا كنا قد نزلنا في منزل أحد أقارب صديقي، كان المنزل مبنياً على طريقة التهاميين حيث الفناء الدائري الممتلئ بالأسرة المصنوعة من الحبال المتشابكة، ثم أدلفنا إلى صالة معدة بالمجلس العربي المرتفع عن الأرض بطول متر تقريباً، كان قائد مستمتعاً برؤية ذلك التصميم البديع الذي لم نتوقعه في منطقة نائية مثل الدريهمي.

أذٍّن لصلاة الجمعة فانطلقنا للصلاة، كان المسجد عتيقاً، فالسجاد القديم المهترء يكسو أرضية المسجد والألوان متنافرة عن بعضها، وكان المنبر عبارة عن كوة ذات ثلاث درج إلى جانب كوة المحراب، إلاّ أن الروحانية كانت تعم المكان بالإضافة إلى رائحة البخور التي تبلغ باحة المسجد.

كان الخطيب مستنيراً يتحدث عن الاتفاق لا عن الاختلاف، وعن وحدة المسلمين رغم اختلاف اجتهاداتهم، كان يبغض التحزب المقيت ويحيي التحزب العقلاني كحالة صحية وسنة إلهية، كنت مشدوهاً إلى ذلك النوع من الخطب التي افتقدتها في الغربة!

عدنا إلى منزل صديقي وكان الحضور يملأ الحي، ثم تحولنا إلى منزل آخر حيث طعام الوليمة، وبينما كنا ننتظر اكتمال الزائرين، كان الجميع يتحدث عن مسلسل (همي همك )وكالعادة مؤيد ومعارض!!

كان قائد ينظر إلى الحضور باستغراب وبعد انتهاء الوليمة همس قائد في أذني "صاحبك عزم كل الإصلاحيين!!!" وكان بين الحضور عدد من أبناء الإصلاح في المنطقة.

عدنا من طريق بيت الفقيه، كانت الطريق مجروفة بفعل السيل الذي عبر الوادي قبل ثلاثة أيام مدمراً طبقات البيسكويت التي تسمى طريقاً اسفلتياً. كانت الانجرافات متعددة وعميقة كل واحدة منها لا تكفي عشر شاحنات لملئها!!

ظللنا نضحك غيظاً على حال بلدنا، وصاحبي يسألني ساخراً عن الإزفلت في ماليزيا!!

ثم أخرج كيس القات الذي لم أره منذ الصباح!! وبدأ يوزع على الموجودين، أخذ الاثنين حظهم ثم أعطى أبي عوداً على عادة (الموالعة) في الكرم وهو يعلم أن أبي لا يحب مضغ القات!!

رد عليه أبي: (شوف محمد)!!

كان أبي يريد أن يعرف موقفي من القات بعد غيابي!! لكني اعتذرت كعادتي تجاه تلك الشجرة!!

في طريق العودة، كان عبد الباقي وهو طبيب مخبري يتحدث عن رواية (مأساة واق الواق) للزبيري، لم أكن قد قرأتها حينئذ وظل هو وقائد يفصلان في فكر الزبيري العظيم.

كنت مستمتعاً بحديثهما، وما أن وطئت قدماي المنزل حتى قمت بتحميل الرواية على حاسوبي!

بعدها بأسبوع تقريباً كان ثلاثتهم،ضيوفاً عندنا في المنزل في، وفي أثناء الوجبة كان قائد يمطرنا بالنكت حتى أني ما زلت أضحك كلما تذكرت طرائفه الرائعة!!

لم أرَ قائداً بعد تلك الوجبة فقد غيبني السفر عن وجهه المسفر بالبسمات، ثم اندلعت الثورة وكان أحد روادها، وفي يوم الأحد 10-7-2010م اتصلت – وهي عادتي الأسبوعية- بوالدتي أسأل عنها وعن أحوال الثورة.

كنت أسمع في البيت جلبة وحركة، وكانت أمي على غير عادتها تجيبني إجابات مبتورة لم ترحني.

سألتها : "أيش في"؟

أجابت: "ما فيش حاجة ، بس أني مشغولة في المطبخ وأخوانك مشغولين بالثورة " -كانت جاهدة تراوغني بأسلوب مكشوف!!

رددت عليها: "مش أول مرة تدخلي المطبخ، بالله حصل شئ"؟!! .

أجابت: "مافيش حاجة بس واحد صاحب أبوك استشهد اليوم!!.... صمتت لبرهة ثم قالت: اسمه قائد!

لم تكن تعرف أن له معزة في قلبي رغم أني لا أعرفه معرفة عميقة. وحين شعرت بردة فعلي وتغير نبرات صوتي ناولت أبي سماعة الهاتف وانصرفت تلوم نفسها على إنبائي بالخبر.

كنت قد رأيت صورة قائد مضرجة بالدماء، وقرأت اسمه إلا أني لم أعرها انتباهاً سوى الدعاء بالرحمة له مع الدعاء على قيران وأسياده وجنوده ،فقد كانت صور الشهداء تترى أمام أعيننا مما أورثنا حالة تبلد الرحمة، ولم أكن أتوقع أن قائد الشهيد هو قائد صديق أبي !! لكن بعد سماع اسمه من أمي ربطت الصورة والخبر باسمه وصورته، أصبت في حالة من القهر والحزن والكآبة.

بدأ أبي يعزيني ويصبرني عله يخفف عني حزني وقهري، وكان يردد بأنه القصاص لا محالة!!

ظللت أبكي قرابة نصف ساعة، وأنا الذي كنت أمني نفسي بالصبر إن حدث لأحد أبوي أو إخواني مكروه خاصة وأن بيتنا يقع أمام ثكنة مكتب التربية مباشرة!! علمت بعدها أني أضعف من أن أقوى على كتمان حزن في حدث مثل هذا!!

كان قائد في زيارة لأبي قبل أن يستشهد بساعات، وحين لم يجب هاتفه المحمول، كان الجميع يبحث عنه، فإذا بالأخبار تصل أنه استشهد بفعل قذيفة أصابته وهو على متن دراجة نارية في الطريق إلى منزله!!

لم يكن قائد يعلم أنه يركب دراجة الشهادة، ولكن الله كان قد حدد الزمان والمكان للمعراج المقدر، (ويتخذ منكم شهداء) ولا أزكي على الله أحداً.

يطير قائد في سرب من شهداء ثورتنا بين زيتون الجنة ورمانها يغني مع إخوانه الآن أغنية الشهداء المشهورة:

الــنــور مــلء عــيوني ...والحور ملك يمـيني

وكــالـــملاك أغـــنــي....فــــــــي جنة وعيون

شنــت الحيــاة مـــتاعاً...ورحـــــــلة وصراعاً

واخترت دربي بنفسي...وســــرت فيه سـراعاً

وصــرت نـاراً ونـوراً ...وغــــــــنوة وعبيـراً

حتـــى قضــيت شهيداً ....مـــــــرحباً بالمنون

فــــي جنـــة الله أحــيا...بألـــــــــف دنيا ودنيا

ومــا تـمنـيت شــيـــئاً...إلا أتـــــــاني ســعــياً

فلا تــقولــوا خــسرنا...من غاب بالأمس عـنا

إن كان في الخلد خسر..فالخير أن تخـسروني

إن كان في الخلد خسر..فالخير أن تخسروني

رسالة أخيرة لك يا قائد: أتمنى عليك أن تذكرني عند ربك فإن لنا في مقامكم رغبة!!