ملحمة معركة حماة بسوريا
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 3 ساعات و 6 دقائق
الأحد 15 ديسمبر-كانون الأول 2024 04:38 م
 

تابعت أخبار الثورة السورية لحظة بلحظة، ومثل غيري حفظت أسماء مئات القرى والجبال من حلب شمالاً إلى السويداء جنوباً. 

وبشكل حصري تابعت صفحات بعض العارفين بالشؤون العسكرية، وراسلت بعضهم للتأكد من دقة بعض التطورات العسكرية. أود هنا أن أشيد بالعارف القدير بالشؤون العسكرية د. محمد الحيدري، ومن المصادفات أنه درس في جامعة حلب. 

 

معركة حماة كانت واحدة من كبريات المعارك، شاهدت فيديوهات مذهلة لمجريات المواجهة، كان الثوار يخترقون التحصينات المعادية على نحو انتحاري، بمدرعاتهم وحتى بدرجاتهم النارية. 

 

 المئات قدموا أرواحهم بكل كرم وبسالة وفداء. أمام واحد من المشاهد التي التقطتها مسيّرة انحبست الأنفاس. تنطلق ثلاث أو أربع مدرعات في أرض زراعية مفتوحة وتخترق الصفوف المعادية، تصطدم المدرعات بالعربات المعادية وتركب عليها وتواصل طريقها.. مشاهد الفداء والشكيمة تلك هي التي زلزلت جيش النظام والتشكيلات العسكرية الإيرانية وهزمتهم نفسياً. لم تكن معركة حماة مزحة ولا مؤامرة، كانت محملة بغضب نصف قرن من الزمان، فجّرته مرة واحدة. لم يتخل أحد عن الأسد، هذه سخافات لا وزن لها. ألحق "النصر" هزيمة استراتيجية مذلة بروسيا وإيران، ولم تكن خياراتهم كثيرة. 

 

حتى نتخيل حجم الهزيمة التي حلت ببوتين لنعد إلى ٢٠١٦ حين قرر بوتين تدشين روسيا العظيمة من على مسرح تدمر التاريخي. استدعى حوالي ١٠٠ صحفي، جاؤوا من كندا أميركا وحتى الصين. موكب الصحفيين رافقته المدرعات والمروحيات الروسية لما يزيد عن ٣٠٠ كم. ومن روسيا حضرت فرقة مارينسكي الشهيرة، يقودها عازف التشيلو سيرغي رولدجين، الصديق المقرب لبوتين. أما بوتين نفسه فجلس في مكتبه في موسكو يتابع الحفل من خلف شاشة كبيرة. اختار للحفلة موعداً مثيراً: قبل العيد الوطني الروسي بيومين (ذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية التي يسميها الروس الحرب الوطنية الكبرى).

 

كل ذلك ضاع في غمضة عين. لم يكن الأمر متعلقا بالأسد حتى تنجده روسيا أو تتخلى عنه. 

 

حاول نظام الأسد صد الموجة بما تيسر له، ساندته روسيا بما بقي لها من قوة (صحفي ألماني متخصص في الشأن السوري قال لدير شبيغل إن الحرب الأوكرانية جعلت روسيا تخفض أسطولها الجوي في سوريا إلى ٥ مقاتلات)، وبذلت إيران جهدها وكان رجالها آخر المندحرين، كما يعترف حسين سلامي، قائد الحرس الثوري. 

 

قاتل الأسد وحلفاؤه بما في إيديهم، مارسوا الترويع من الساعات الأولى بإلقاء القنابل العمياء على شوارع حلب، كما فعلوا من قبل. المعركة لم تكن مزحة ولا مؤامرة، كانت Blitzkrieg حرباً خاطفة كما تصفها كتب الجنرالات، وربما كانت المحاولة الأخيرة. 

 

سبق لنصر الله أن قال في لقاء متلفز إن دخول المعارضة السورية إلى دمشق بات حلماً أكبر من قدرات "أبو محمد الجولاني وأم محمد الجولاني". وأمس قال نعيم قاسم، خليفة نصر الله: خسرنا خطوط الإمداد. انتهت المعركة بزلزال جيوسياسي يتجاوز حدود المنطقة، ومن تداعياته إخراج إيران من "الهلال الخصيب". وعد نعيم قاسم أعضاء حزبه بالبحث عن خطوط إمداد جديدة، وكان قبل ذلك "عتّالاً للسلاح" إذا ما استعرنا من حسن الله نفسه. 

 

سوريا الآن حرة، حرة أخيراً. على هامش الحرية يتصارع المسجونون العرب حول فهم ما الذي جرى، ويسرفون في تقديم المواعظ والتعليمات للشعب الذي غادر السجن. غير أن الحقيقة الكبرى تبقى بسيطة للغاية:

سوريا حرة. 

 

ولو نجحت في صيانة حريتها فستعلمنا تلك البلاد الأموية الكثير، كما فعلت في الماضي.