حكاية نظام يترنح بين الخلايا النائمة والخلايا الجائعة
بقلم/ عبده سيف القصلي
نشر منذ: 16 سنة و 4 أيام
الثلاثاء 09 ديسمبر-كانون الأول 2008 10:31 م

في خطابه الذي ألقاه في الحفل الذي أقيم في إستاد 22 مايو بمدينة عدن بمناسبة احتفالات بلادنا بالعيد الـ41 للاستقلال المجيد الثلاثين من نوفمبر، دعا الرئيس علي عبدالله صالح من وصفهم بـ"الخلايا النائمة" بعد أحداث 94 والذين استلموا ثمن شهدائها وابتعثوا من جديد, إلى الحوار والاستفادة من قرار العفو العام. وقال: اليمن يتسع للجميع والحوار هو الأساس وليس التمترس، وأكد بان اعتماد أسلوب الحوار خير وسيلة ومن خلال قبة ممثلي الشعب مجلس النواب الذي يمثل الشعب كل الشعب.

الغريب في دعوة الرئيس لمعارضة الخارج بالعودة إلى الوطن أنه يرفقها بالشتائم، وهو ما يجعل صدقية هذه الدعوات في موضع الشك، لكن الأمر الذي لا شك فيه هو أن معارضة الخارج بالفعل تثير قلق النظام الذي تواجهه مشاكل جمة، وخصوصا في الفترة الأخيرة، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الخارجي.

فمن مخاطر معارضة الخارج مثلا: أنها تستطيع العمل والحركة أكثر من معارضة الداخل، وأنها قادرة على إيصال صوتها للمجتمع الدولي، أضف إلى ذلك أنها ستتلقى الدعم من قبل جهات ما– قد تكون دولا أو أحزابا – من مصلحتها إقلاق الأمن والاستقرار في اليمن، ولا يخفى على الجميع الدور الذي لعبته المعارضة العراقية في الخارج من تأليب للمجتمع الدولي ضد نظام صدام حسين، وأدى ذلك إلى اعتلائها سدة الحكم في العراق من على ظهور الدبابات الأمريكية.

كما أن المعارضة اليمنية في الخارج بدأت في الآونة الأخيرة تتململ، مستفيدة من الأوضاع الدولية الراهنة، والأزمات التي تحيط بالنظام الحاكم من كل جانب، فمن دخول إسرائيل على الخط في الاشتباك مع اليمن، بدءا من إعلانها مساعدة القوات الملكية في صعدة ضد الثوار نكاية بالقوات المصرية التي جاءت إلى اليمن لمساعدة اليمنيين في الحفاظ على ثورتهم، مرورا باتهام رئيس الجمهورية للخلية الإرهابية التي أعلنت أنها وراء الهجوم الذي استهدف السفارة الأمريكية بصنعاء في 17 رمضان الماضي، وانتهاء بما قالته إسرائيل من أن الرئيس اليمني الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني كان يهوديا تبنته أسرة مسلمة ونسبته إليها، بالإضافة إلى مخاطر تدويل البحر الأحمر نتيجة ازدياد عمليات القرصنة في الآونة الأخيرة.

كما أن علاقة اليمن مع أمريكا – الحليف الإستراتيجي لإسرائيل - شابها الكثير من التوتر في الآونة الأخيرة، على خلفية اتهام الحكومة الأمريكية للحكومة اليمنية التقصير في مكافحة الإرهاب، وأثار ظهور جبر البنا في شهر فبراير الماضي أمام المحكمة الجزائية الإستئنافية عندما بدأت إجراءاتها الاعتيادية للنظر في قضية مجموعة الـ(36) المتهمين بتشكيل عصابة مسلحة لمهاجمة المنشآت النفطية، وظهوره في قاعة المحكمة بالإعلان عن نفسه، ومعه مجموعة من المرافقين، ثم الإنصراف، أثار ذلك استياء الحكومة الأمريكية، وعلى إثره حرمت اليمن من دعم صندوق الألفية.

تداعيات حرب صعدة من جانبها، أثرت على علاقة اليمن ببعض البلدان التي اتهمتها الحكومة اليمنية بدعم الحوثيين، يضاف إلى ذلك توتر العلاقة بعض الشيء مع بعض البلدان الخليجية على خلفية استبعاد منتخبنا الوطني للناشئين من بطولة أسيا، وبعض الكتابات الصحفية التي تسيء لليمن في بعض الصحف الكويتية.

إن تردي علاقات بلادنا مع بعض الدول من جهة، وظهور مخاطر خارجية من جهة أخرى، من شأنه أن يصب في مصلحة "الخلايا النائمة" في الخارج، وهو ما سيدعو النظام فعلا إلى السعي الحثيث نحو المصالحة الشاملة مع هذه الخلايا، لكن المكابرة تجبره على الإساءة لهذه الخلايا بطريقة أو بأخرى، وهو ما يعني تخبط النظام نتيجة المأزق الذي يجد نفسه فيه.

وبالإضافة إلى "الخلايا النائمة" في الخارج، والتي تثير قلق النظام وتهدد وجوده، فإن هناك ما هو أخطر من هذه الخلايا، وربما أن الحزب الحاكم لم يتنبه لها جيدا ولم يحسب حسابها، وهي "الخلايا الجائعة" في الداخل، والمتمثلة بالشعب اليمني الذي طفح به الكيل بسبب تردي مستواه المعيشي، وعجز الحزب الحاكم في الوفاء بوعوده الانتخابية، ولعل "انتفاضة نوفمبر" في العاصمة صنعاء، والفشل الذريع الذي مني به مهرجان الحزب الحاكم في محافظة إب الأسبوع الماضي، ونجاح مهرجان المشترك في المحافظة ذاتها، يعد من أبلغ الرسائل للنظام بأن "الخلايا الجائعة" قادمة، وخطرها سيكون أشد من خطر "الخلايا النائمة"، فالنائم عندما يصحو لا ينطلق بسرعة، فهو يحتاج قبل ذلك للتململ، وغسل الوجه، وأداء بعض التمارين الرياضية حتى ينهض، بعد ذلك سيتجه إلى تناول الزاد الذي يحتاجه في معركته، وبعدها سيتجه نحو الغريم بعد أن يقضي وقتا طويلا في الإعداد لمعركته، وهو ما قد ينبه الطرف الآخر لخطورته، وسيجعله يعمل على الاستعداد له وربما القضاء عليه وهو ما زال يتململ، لكن الجائع عندما تشتد به وطأة الجوع، وتطول فترة جوعه أكثر من اللازم، فإن الجوع كما يقولون:"يضيع العقول"، وربما يدفع ذلك الجائع إلى التهام فريسته بشراهة، حتى وإن واجهوه بالرصاص الحي وخراطيم المياه، فـ"قرصة الجوع"أشد إيلاما من رعب الرصاص الحي وخراطيم المياه، فشرعية الكرسي لا يملكها الحزب الحاكم ولا أحزاب المعارضة، وإنما مالكها الحقيقي هو الشعب، وهو من بيده حق التصرف فيها، ولا شك أن جوعه سيجعله يثور – وبدون وعي ربما – ضد من يستحلها لنفسه بشتى الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة، أضف إلى الخلايا النائمة والخلايا الجائعة، الخلايا المرابطة في جبال صعدة، والزناد – بلاشك – موضوعة على الكلاشنكوف وتهدد بحرب سادسة، وكل ذلك يهدد استقرار البلاد أولا، واستقرار النظام ثانيا.

إن معارضة الخارج لا شك مستفيدة من الأوضاع الداخلية والمخاطر الخارجية، وأحزاب المعارضة لا شك مستفيدة من صحوة الشارع اليمني وغضبه العارم ضد من جوعوه، كما أن الحوثيون مستفيدون من كلا الحالتين، ووحده الحزب الحاكم من يجد نفسه في مأزق، نتيجة المخاطر المحدقة به وبالوطن من كل جانب، وكل ذلك ثمار سياساته الفاشلة التي أوصلت البلد إلى مربع الفشل والانهيار الشامل.