آخر الاخبار
لن أنسى !!!
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 8 سنوات و 10 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 03 فبراير-شباط 2016 09:20 ص
لن أنسى حشود الحوثيين وهي تحاصر العاصمة، حشود الحوثيين وهي تجتاح العاصمة من الأطراف، ثم حشود الحوثيين وهي تطمس كل شيء، من أهداف الثورة حتى عيدها.. لن أنسى منظر ١٨ جندياً قتلهم الحوثيون بدم بارد في شملان، وخطابات عبد الملك: لا سقف لتحركاتنا.
ولن أنسى رجال الحوثي وهم يرفضون أداء النشيد الوطني مع باقي الطلبة، هنا في ألمانيا، قائلين: إنه نشيد سياسي لا يخصهم.
لن أنسى..
حشود الحوثيين وهي تخنق الإجماع الوطني في عمران، ولا كيف أزهقوا أرواح الجنود والضباط كما لو أنهم إنما كانوا يقتلون قوارض في غابة. لن أنسى كذبهم، عنفهم، مرواغاتهم، تهديداتهم. اجتياجهم للقرى والمدن، تفجير المنازل ودور القرآن. ابتكارهم لألف ذريعة عند كل حاجز، وسخريتهم منا ومن مخاوفنا، ثم كيف أمسكوا بخناقنا ولعنونا بجدنا السابع. لن أنسى حسين الحوثي وهو يصف تاريخ اليمنيين بالتاريخ الوثني الحقير..
لن أنسى احتفال الحوثيين بإزهاق أرواح مئات الضباط والجنود في عمران، اللواء ٣١٠. 
٨٤ طلقة رصاص على جسد ضابط كهل قال لا للميلشيات لأنها لا تمثل أي قانون ولا تملك أي تفويض.
لن أنسى جثث اليمنيين الذين قتلهم الحوثيون لأتفه الأسباب، مثل بائع "الجلجل" الذي أزهقت روحه تحت شجرة لأنه لم يفعل شيئا!
لن أنسى فتاة من تعز وهي تزودني بتقرير طويل عن انتهاكات الحوثيين في منفذ "الدحي" في حق نساء تعز. لن أنسى رسالتها التوضيحية وهي تقول لي:
لاحظ يا دكتور إن الكشف الأول للنساء اللاتي تعرضن للتحرش في الجزء العلوي من أجسادهن، والكشف الثاني للنساء اللاتي تعرضن للتحرش في الجزء السفلي.
لن أنسى كيف غدر الحوثيون بالقبائل، بالساسة، بالجيش، بالمثقفين، باليهود، بالسلفيين، بالإصلاحيين، بالسجناء، بالفقراء، بعمال الحراج، وباللاجئين الأفارقة. لن أنسى كيف بصق عبد الملك الحوثي في وجه الجميع، وعندما آلت إليه الأمور فتح السماء والبحر للأسلحة الإيرانية. لن أنسى أصوات ضباط الجيش المهزومين وأنا أتحدث إليهم، ولا امرأة صرخت في ليل تعز وهي ترى بيت جارتها يحترق: الله يحرق قلبك يا عبد الملك.
لن أنسى ..
ليلة حاصر الحوثيون مبنى التلفزيون، واجتاحوا شمال صنعاء. لن أنسى منظر ٢٧٠ شاباً من شباب الجامعة وجدت جثثهم في المداخل الشمالية لصنعاء، حاولوا إيقاف الحوثيين لوحدهم..
لن أنسى الصور التي كان يزودني بها الراحل عبد الله قابل لحشود الحوثيين وهي تزحف في اتجاه تعز مزودة بناقلات الجند والمروحيات من الأعلى. 
لن أنسى كيف أخذوا عبد الله قابل، صديقي، بعد ذلك إلى الجبل ووضعوه في مخازن الذخيرة ليتفتت جسده الطيب تحت قنابل الطائرات.
لن أنسى رسالة من طالب هندسة وهو يخبرني:
خرجنا لمقاومتهم، وعندما لم يبق سوى أنا وثلاثة من أصدقائي التجأنا إلى أحد معسكرات العاصمة وخبطنا على الباب، كنا نفكر بالنجاة، فرد علينا الجنود: لدينا تعليمات بعدم فتح الأبواب.
لن أنسى مبارك هزاع، الشاب الصبري العظيم، وهو يقول بتردد: أخاف على زوجتي وطفلتي من بعدي. يحتضن زوجته ويقرر المواجهة. مبارك هزاع الذي لا يجود الدهر بمثله إلا لماماً، بقيت زوجته وطفلته وحيدتين وسقط مبارك عند بوابة جامعة تعز. قال لأصحابه إنه سيحررها الليلة، لكنها بقيت تحت أقدام الحوثيين حتى الآن..
لن أنسى ابن ابن عمّي، حسين عارف ماجد الغفوري، وهو يحمل البندقية ويذهب مع مجموعته ليفك الحصار عن تعز من الجهة الغربية فيقتله الحوثيون. ولا أحزان والده المهزوم وهو يتسلم نتيجة الثانوية العامة لولده الشهيد: ٩١٪.
لن أنسى كيف قتل الحوثيون عرفات دماج، الشاب العشريني، ابن قريتي بالقرب من جامعة تعز. 
ولا منظر رفاقه وقد صاروا مثل خراف في ليلة مطيرة. لن أنسى صوتي المخنوق والباكي والمهزوم والمفكك وأنا أقسم بالله العظيم أن عرفات دماج لم يقتل. 
لا يلتقي المرء بأناس مثل عرفات دماج إلا نادراً. 
قاد مجموعة شجاعة وكان أول من اقتحم حدائق الصالح عند الفجر، وغير اسمها.
لن أنسى كيف قتل الحوثيون ابن بنت عمّتي "تميم" وهو يحاول مع مجموعته فتح الطريق إلى تعز من الجهة الغربية.
لن أنسى صراخ امرأة تدعو على الحوثيين وهم يفجرون منزلها. ولا منظر ١٣ امرأة وطفل في حجة فجر الحوثيون دارهم وهم فيه.
لن أنسى كيف اختطف عبد الملك الحوثي محافظة صعدة وقطعها عن الجمهورية. ثم اختطف عمران وقطعها عن الجمهورية. ثم اختطف الجمهورية وقطعها عن ذاتها، وتحدث إلينا كإله.
لن أنسى كيف استغل عبد الملك الحوثي انشغال شباب الثورة بالثورة وذهب يجتاح الجوف.
لن أنسى عبد الملك الحوثي وهو يهددنا كل أسبوع، يصفنا بالإرهابيين والعملاء والطغاة ويحشد مزيداً من الميليشيا والجنود ويتوعدنا بالعقاب.
لن أنسى منظر علي البخيتي وهو يستعرض صور المرتزقة الذين يحتشدون على أبواب صنعاء، ويبشر بفتح العاصمة. لن أنسى الرائحة الميتة لرقصته تلك، ولا تعاليه الذي بلغ حد احتقارنا والبصق في خوفنا، ولا أيمانه الباسقة وهو يتوعد بفتح صنعاء غدا أو بعد غد وينصحنا بالاستسلام أو ملاقاة مصيرنا.
لن أنسى كيف هرب أصحابي، ولا كيف اختبأوا، لن أنسى منظر شقيقي وهو يحلف للحوثيين الذين راحوا يفتشون حافلة المسافرين إنه لا يعرفني، وأن المسألة لا تعدو كونها تشابه أسماء.
لن أنسى كيف دخل الحوثيون إلى منزل محمد قحطان، ولا كيف اقتحموا منزل توكل كرمان، ولا كيف نفذوا أسوأ العقوبات في خصوم علي عبد الله صالح.
لن أنسى الحزن العميق في كلمات عبد الرحمن برمان وهو يبلغني أن الحوثيين فجروا منزله.
ولا خوف ووجل نجل عادل القميري وهو يبلغني أن الحوثيين يحاصرون الدار وليس فيه سوى أمه، التي قررت أن تتحداهم.
لن أنسى الصورة التي وصلتني من منزل عمتي في صنعاء: للحوثيين وهم يفتشون دواليب الملابس وملايات السراير. عندما سألتهم عمتي ماذا تريدون قالوا إنهم يبحثون عن هادي.
لن أنسى كيف هرع أحمد، ابن قريتي، إلى مدينة تعز مع زوجته وهي تعاني آلام وضع متعسر، ليجده الحوثيون في الطريق فيخفونه لأسبوعين كاملين، ولم يعد يعرف ما جرى لزوجته ولا لطفله!
لن أنسى تلك الليلة السوداء، عندما بتّ كأني في الجحيم، ليلة السادس والعشرين من مارس ٢٠١٥. في تلك الليلة كان الحوثيون يحرقون أحياء عدن والضالع ولحج، ويجتاجون مثل جراد استوائي كل القرى والنجوع، وكان عبد الملك يخطب من خلفهم: لا حدود لقوتنا.
وعند منتصف الليل توقظني زوجتي وهي تبكي: قوم خليك معانا شوي.
أسألها بقلق: خير، إيش في؟
فترد علي وهي ترتجف: عشر دول تضرب صنعاء بالطائرات.
انتفظت لحظتها، وقفزت إلى أبعد سماء وأنا أصرخ: 
الله أكبر،
حتى سمعتني روسيا البيضاء كلها.
لن أنسى كيف تحدث إلينا عبد الملك الحوثي ألف مرة كرهائن، وكيف تعاملت معنا سلالته كهنود حمر، ولا كيف خطب صالح بغرور وهمجية نادرين: المهرولين. قال عن الهاربين من الموت إنه مهرولون، وعن المنفيين بأنهم فارون. وبقي هو وعبد الملك الحوثي يمثلون اليمن الجديد، اليمن الذي لا خيار فيه سوى لأن تصبح عبداً أو مرتزقاً، أو أو الاثنين معاً. اليمن الذي لا يطمح المرء فيه سوى لأن يكون سائق شاحنة لدى رجل اسمه الشامي، أو حارس بستان لامرأة اسمها بنت المؤيد.
لن أنسى كيف قلتُ لأمي: من الآن سألتقيك في الأردن أو مصر، ثم ستعودين إلى اليمن وأعود إلى ألمانيا.
لن أنسى كيف أوصلتنا أقدامنا، مصطفى ناجي وأنا، إلى ميدان مفتوح في باريس بعد سقوط صنعاء بثلاثة أسابيع. هناك أوقفني مصطفى وقال: أتعلم، نحن نتحدث عن هزائمنا في ميدان اسمه "ميدان الانتصارات". في اليوم التالي نشرت صورة لي مع مصطفى وذكرت هذه القصة، فذهب رجل اسمه المتوكل ينشر صورتنا ويعلق عليها: انتصر اليمن وانهزموا.
كان هو اليمن، وكنا نحن الأعداء المهزومين. وبينما ذهب هو يشرب نخب النصر بقينا نحن منذهلين لا نعرف ما الذي ينبغي علينا أن نفعله في المائة سنة القادمة.
لن أنسى معسكرات الحوثيين حول صنعاء، ولا جثة القشيبي، ولا ابن باحاج في شبوة وهو يعود إلى أمه بلوحة مكتوب عليها: المحافظ باحاج، وهي آخر ما بقي من والده، وما بقي لأمه من رائحة زوجها.
لن أنسى النار وهي تشتعل في البريقى، ولا أكثر من ٧٠٠ شاب قتلوا في انفجارات جبل حديد، ولا مدينة الضالع وقد صارت أرضاً محروقة، ولا جثث الفارين من التواهي وهي تطفوا على مياه المحيط الزرقاء، ولا طفلاً يصرخ بأعلى صوته في ليل تعز الغائم:
لا تقبروناااااااااااااش.
لن أنسى صياحنا واعتراضنا:
لا تجروا اليمن إلى كارثة، اتركوا السلاح، لا تفتحوا باب الجحيم..
لكن الحوثي راح يقوض كل شيء. لن أنسى كيف ركعت له اللجنة الرئاسية في صعدة، ولا كيف استقبلها من جهة وأمر خطيب جامع الهادي ليحرض عليها في قلب صعدة من جهة. لن أنسى كيف انقلب الحوثي على كل كلمة، على كل جملة، على كل اتفاق، على كل ابتسامة، على كل تلويحة، على كل خطرة.
لن أنسى كيف نظر إلى خوفنا وقلقنا بتعالٍ منقطع النظير، ثم تحدث إلينا كما لو أنه عثر على سوق للعبيد. لن أنسى كيف وضع عشيرته في كل الجهات والمستويات.
لن أنسى كيف كلف الحوثي رجلاً من جماعته في برلين فذهب الرجل واقتحم السفارة محروساً بأربعة "قبضايات" لبنانيين، وحدد خلال ساعتين جدول أعمال سفارة اليمن، وهو لا يعرفه أحد.
لن أنسى كيف قسمنا عبد الملك الحوثي إلى منتصرين ومهزومين.
ولا منظر العتاد العسكري وهو ينقله على شاحنات كبيرة في اتجاه الجبال وصعدة وعمران، قائلاً إنها غنيمة.
لن أنسى اليمن التي صارت في طرف عين: غنمية، ولا مشهداً لشعب كبير وقد آل بعد ليلة واحدة إلى سوق للمرتزقة والعبيد.
لن أنسى إصبع الرجل التي لم تكف عن الإشارة إلينا، ولا شفته الأرنبية اللعينة..
لن أنسى الليالي الطويلة التي ملأني بها كمداً وحزناً. لن أنسى الستارة السوداء التي أسدلها عبد الملك الحوثي على المستقبل، ولا الصخرة التي هبطت على صدري وحالت دون الأنفاس.
لن أنسى كيف عبث بكل شيء، كيف كتب الدستور معنا وفي لحظة التوقيع قال إنه دستور صهيوني. ولا كيف اشترك في كتابة كل توصية في الحوار الوطني وفي لحظة التوقيع حشد مزيداً من المسلحين والسلاح وحاصر مزيداً من القرى. لن أنسى كيف فقدنا الحيلة ونحن نستمع إليه، ولم يعد بمقدورنا التنبؤ بما يريد. كيف قبلنا يديه ورضينا بشروطه، لنجد صباح اليوم التالي شروطاً جديدة وقصصاً جديدة، وحشوداً جديدة.
لن أنسى عبد الملك الحوثي وهو يربي عشرات آلاف المسلحين لسنين طويلة على مبدئ وحيد:
الأعداء.
ولا منظر جنوده وهم يقتلون كل من يقف في طريقهم بلا ارتجاف، بلا تردد، بلا شك، ولا يطرف لهم جفن.
لن أنسى كيف عذب عبد الملك شباب الثورة ثم ألقاهم أنصاف الليل أنصاف جثث. لن أنسى جثة البشري، المتعبة والمهدمة، ولا ما فعل عبد الملك ببيته بعد ذلك.
لن أنسى ..
الذين استخدمهم الحوثي كواقيات، وعندما خلعهم أو خلعتهم نيران المعارك أصابتهم الحكة فراحوا يهرشون في كل الجهات بلا بصيرة..
لن أنسى
ولن أنسى
ولن، لن، لن أنسى..
إلخ