المصيبة الكبرى القادمة
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 01:14 ص

أضطررت إلى إضفاء القلق إلى اسم ومحتوى مشاركتي هذه من أجل دق ناقوس الخطر والإنذار لكافة اللاعبين السياسيين والفاعلين الدوليين وخصوصاً الصحافة للاستشعار بمصيبة كارثية قائمة بدأنا ندخل فيها وبدأت فعلياً ترسم تفاصيل المشهد الصومالي على نسيجنا، ولو ظللنا نهملها كما نفعل الآن فسنحيل البلاد إلى مجرد يباب سببه تجاهل المؤشرات المخيفة التي الواردة طي هذا. تلك المصيبة هي الحلقة الأضعف التي خرجت من جنبات الصراع السياسي الأخير مثخنة بجروح عميقة، وهي التي لم تجد لها أي فسحة وسط بنود التسوية الخليجية، رغم أنها كانت أهم مسببات الفورة الشعبية الحاصلة. إنها مصيبة "الوضع الاجتماعي والاقتصادي" الحرج لحوالي 25 مليون مواطن. ذلك الوضع الذي لا يفضل الجميع ومنهم الصحافة والنخبة المثقفة الخوض فيه أو يعتبرونه ذا أهمية هامشية لو قسنا تناوله مثلاً بموضوع سياسي مثل منح الحصانة للرئيس صالح وهو الموضوع الذي كتبت عنه عشرات المقالات والأخبار. وعلى كل حال، سيتناول تحليلي السريع التالي أهم مسببات القلق الذي انتابني من أوضاعنا تلك .

فبالإضافة إلى غياب بيانات كافية من البنك المركزي وجهاز الإحصاء وعدم اهتمام الجميع بالمخرجات الاجتماعية الجديدة، يظهر لنا تقرير التنمية البشرية للعام 2011 الصادر حديثاً عن الأمم المتحدة مبـيناً انهيار مرتبة اليمن من المركز 133 إلى 154 من بين 187 دولة خلال عام 2011، وحلت في المجموعة الأخيرة من ترتيب دليل التنمية البشرية، بينما تظهر دراسة أعدها مركز دراسات وبحوث السوق اليمني نشرت نتائجها صحيفة الثورة الرسمية بأن معدلات البطالة في البلاد قد قفزت إلى 65% خلال نفس الفترة. في نفس الوقت إرتفعت نسبة التضخم إلى مستويات خيالية ظهرت على شكل ارتفاع صاروخي لأسعار السلع والخدمات دفع بفئات عريضة وجديدة من الناس إلى جيوب الفقر، كما دفع الفئات الفقيرة إلى أتون المجاعة، ولعل بعضنا لاحظ ظهور مشهد اجتماعي مأساوي جديد يعبر عن هذه المصيبة وهو ازدياد مشهد "نابشي القمامة" وتكرار مرورهم على كيس القمامة الواحد، في مؤشر لخطورة الوضع. واستناداً إلى معطيات منظمة أوكسفام العالمية، فهناك أكثر من مليون ونصف شخص خاصة في المناطق الساحلية الغربية يأكلون وجبة واحدة فقط كل ثلاثة أيام بالإضافة إلى سبعة ملايين يمني أمنهم الغذائي اليومي مهدد تماماً. أما منظمة اليونيسف المعنية بالأطفال فتصرح أن 60٪ من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية .

هنا أود شرح الوضع الاقتصادي المنهار للبلاد بشكل مبسط للقارئ العادي بالارتكاز إلى البيانات المتوفرة وتحليليين اقتصاديين يتيمين لكنهما متناقضين تماماًً صدرا حديثاً لاثنين من أساتذة الاقتصاد اليمني عما د. محمد الصبري و د. محمد الميتمي، ويكادا يكونان الوحيدان اللذان شخصا الوضع الاقتصادي الحالي بالتفاصيل التي امتلكاها .

بتفاؤل غير موفق، يطمئن الدكتور الصبري الحكومة والقراء بأن البلاد لم تصل إلى حد الانهيار الكارثي كما يصوره الاعلام حد قوله، مستنداً إلى أن ركائز الاقتصاد هي نفسها لم تتغير. كما وصف بحصول تهويل إعلامي كبير حول الوضع المالي للموازنة، وادعى بأنها ليست في حالة إفلاس على الإطلاق كما يتصور البعض، بل ان الأموال موجودة وهي متراكمة بشكل أكبر من العام 2010 لعدة أسباب تتعلق بزيادة ايرادات النفط وتلقي إيرادات الوقود الممنوح من السعودية وعدم الانفاق من بعض بنود الميزانية وخاصة على مجالات التنمية (البند الاستثماري)، ووصف الاقتصاد بأنه في حالة ركود طفيف ناجم من ركود القطاعات الإنتاجية والخدمية يمكن أن يتحسن سريعاً بمباشرة الحكومة عملها بعيدا عن الضغوط السياسية والأمنية .

وهنا لا ندري عن أي تطمين يتحدث عنه الصبري وقد رأى أن الحكومة الجديدة تسلمت الخزينة فارغة تماماً مع وجود احتياطي أجنبي بقيمة 4.7 مليار دولار لاغير، وكان قد صرف خُمس الاحتياطي بمبلغ 1.2 مليار دولار خلال العام المنصرم لوحده رغم وجود قيود من صندوق النقد الدولي بشأن الصرف من هذا الحساب السيادي. كما أنه لم يلتفت الى الآثار الاقتصادية الماسة بحياة الناس الذين فقد الكثير منهم وظائفهم وفقد الآخرون معظم مدخراتهم على سلع أساسية تماما لم تؤثر على ديناميكية الدوران الاقتصادي للنقد بحيث يدور النقد على عدد أكبر من العمال وبالتالي لم تخلق فرص عمل، بسبب اقتصار مشترواتهم على المواد الأساسية جداً والوقود، ناهيك عن أولئك الذين لم يمتلكوا مدخرات أساساً .

من جهة أخرى، أكد د. الميتمي أن الحكومة السابقة حققت فوائض مالية كبيرة لكنها على ما يبدو لم تمس التنمية ولا الخدمات العامة. ونوه إلى أن الحكومة قد أفرطت في العرض النقدي ووسائل الدفع (السيولة والنقد) في فترة محدودة مما سبب إرتفاع التضخم الى مستويات مرتفعة جداً ضاعف من ذلك استدانة الحكومة لمبلغ ضخم من الميزانية الخاصة بالبنك المركزي بقيمة227 مليار ريال حتى أغسطس فقط (وهو أمر مؤكد تماما حسب مصادر من البنك المركزي)ً وسيتم تعويض الجهاز المصرفي بها من ميزانيات الاعوام القليلة المقبلة حتماً .

لكن التحليلان لم يتنبها إلى قضية أخرى خطيرة، فبالإضافة إلى الاحتمالية المرتفعة لاستثناء إدراج بند البرنامج الاستثماري في الموازنة العامة للعام 2012 تماما كم حدث في العامين الذين سبقاه، أود تنبيه المنساقين بزيادة التفاؤل، إلى فقدان الأثر الاجتماعي والاقتصادي الحقيقي لبعض فوائد وأدوات الإيرادات المالية الرئيسة مثل واردات النفط والضرائب مثلاً (اللتان تمثلان أكثر من 90% من إيرادات الخزينة العامة)، فتلك الايرادات المتحققة ذات فعالية محدودة في حياة الفرد (هدف التنمية)، فمثلاً عند زيادة إيرادات النفط والضرائب فان ذلك يؤدي ذلك بالضرورة إلى زيادة الناتج القومي الاجمالي لليمن، لكنه لن يزيد بالضرورة من رفاهية معيشة المواطن، لأن العائدات أولاً لم تأت من نشاط اقتصادي مكن مجموعة كبيرة من الأفراد من العمل في انتاجه بل انتجته شركات وأفراد محدودين وبسعر مكلف، وثانياً أن ذلك الأثر يعتمد على مدى إستخدام تلك الإيرادات بكفاءة وفعالية في التنمية البشرية مع تمكين الأفراد خلال ذلك من إيجاد فرص عمل تستفيد منها. وفي المقابل، لو زاد إنتاج اليمن من قطاعات مثل الزراعة والاسماك والسياحة فان هذه القطاعات بالضرورة سوف تنعكس إيجابياً على حياة المواطن كونها تتطلب أيدى عاملة كثيرة. ولو أنفقت العائدات على بناء البنية التحتية الاجتماعية عبر آليات اجتماعية مثل آليات التعاقدات الاجتماعية التي يديرها الصندوق الاجتماعي للتنمية التي تحصر المقاولات والعمالة ضمن منطقة المشروع أو آلية النقد مقابل العمل حيث يتعاقد الصندوق في مقاولة المشروع مع أبناء المنطقة المستفيدة الذين ينفذون المشروع بأنفسهم، وبذلك يستفيد أبناء المنطقة الفقراء من العائدات بدلاً من كبار المقاولين ويكتسبون خبرات ومهارات جديدة عادةً في البناء .

وبالرغم أن هناك إعتقاد بأن أي مساعدات تصل ستذهب إلى دعم الاستهلاك، إلا أن برنامج الحكومة يتضمن أولويات مالية أخرى تعتبرها الحكومة أكثر أهمية من الملف التنموي مثل إعادة توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والوقود وتحسين الطرق المتضررة والتعويضات المحتملة لبعض الفئات المتضررة من التوترات التي قامت، حتى إذا ما جاءت طفرة تمويلية من أجل التنمية فسيظهر احتمال ظهور تحدي عجز الحكومة عن استخدام الموارد المالية المتاحة بشكل كفؤ، وهو الأمر الذي مثل عقبة أساسية للحكومة السابقة كتلك التمويلات التي مُنحت في مؤتمر لندن في 2006 والتي بلغت قيمتها أكثر من 5 مليارات دولار ولم تظهر كفاءة في إدارتها، ثم عقد مؤتمر لندن الثاني في يناير 2009 لمساعدة الحكومة في تحسين أدائها الإداري تحت ما يعرف بمجموعة "أصدقاء اليمن"، ولم يكتمل ذلك البرنامج الذي يحتاج إلى تغيير في سياسات الاستهداف وآليات العمل التنموية الحالية وبناء قدرات الكوادر المنفذة لكثير من المشاريع بالإضافة إلى الحاجة إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية المنفذة للمشاريع .

لكل تلك الأسباب أعلاه، فنحن هنا جميعاً ندق ناقوس الخطر ثانيةً، وندعو الجميع إلى القلق على مصير الملايين من الفقراء في ظل البطء الشديد في إنجاز التحولات السياسية والأمنية خاصة في الأحوال الأمنية المستمرة في التدهور وفي ظل غياب أي رؤية حكومية أو دولية للملف الاقتصادي والاجتماعي خاصة تحت الضعف المؤسسي العام والتعقيدات في سياسات الموارد المالية في مجالات الاستثمار والضرائب، وهي مسائل مفصلية لا تخضع لنقاشات معمقة ولا توجد مؤشرات واضحة لتقدمها .

وبعد كل تلك المعطيات، ألا ينبغي علينا أن نقلق ونهتم ونلتفت قليلاً إلى أهم الملفات الحرجة لليمن .