ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب ضبط مصنع ضخم لمخدر "الكبتاغون" بريف دمشق في أحد قصور الاسد الحسيني يتنبأ بسقوط وشيك لجماعة الحوثي الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف
تناول المسلسل السعودي الكوميدي "طاش ما طاش" قبل أيام قضية في غاية الخطورة بطريقة بارعة، فقد روى لنا قصة تاجر محتال جاء إلى قرية، وراح يطلب من السكان اصطياد القرود مقابل ثلاثين ريالاً لكل قرد. وانتشر الخبر في القرية انتشار النار في الهشيم. وفعلاً استطاع أن يقنع الجميع، بمن فيهم والي القرية، بصيد السعادين، فتحولوا كلهم إلى قطيع من الصيادين، إلى حد أن القرود اختفت من المنطقة بسبب تهافت الناس الشديد على اصطيادها. وعندما كان يقلّ عزم الناس على الصيد كان التاجر يرفع سعر القرد إلى خمسين ريالاً، ثم إلى ثمانين.
وانتشرت إشاعة عن طريق محاسب التاجر أن السعر سوف يرتفع إلى مائة ريال، وبدأت الإشاعة تنتشر حتى أصبحت حقيقة، وزادت ثقة الناس بالمحاسب بطريقة عمياء. وزاد السعر إلى مائة ريال يعطيها التاجر لهم عن كل قرد. ثم قام التاجر بجمع الناس، وأخبرهم أنه يريد أن يسافر لمدة شهر، وعندما يرجع سوف يشتري القرد الواحد بـمئتي ريال. وشجّعهم على الحصول على القردة بأي طريقة. وسافر التاجر، وترك المحاسب في الشركة . ثم بدأوا يبحثون، ولم يجدوا شيئاً، فذهبوا إلى المحاسب في الشركة التي جمع فيها جميع القرود، ووضعها في حوش كبير، وأخبرهم أنه يمكن أن يبيع القرد الواحد بمئة وخمسين ريالاً (سراً )، وهم يبيعونه للتاجر بـمئتي ريال بعد رجوعه من السفر، فصدّقوه، واشتروا منه جميع القرود ...ثم هرب المحاسب إلى من اتفق معه، وهو التاجر، تاركين القرود لأهلها، وحاملين معهما السيولة الكبيرة.. وأصحاب القرود الآن ينتظرون التاجر (الذي لن يعود). أما القرود منها من مات، ومنها من مرض، ومنها من بيع بأرخص الأثمان.
وبدلاً من أن يعود التاجر إلى القرية لشراء القرود بمبالغ كبيرة، توجه إلى قرية أخرى، وراح يبيع التراب للناس، فسخروا منه في البداية، لكنهم أخذوا يتهافتون زرافات زرافات على شراء التراب عندما بدأ التاجر يرفع سعره من لحظة إلى أخرى.
طبعاً كان الهدف من حلقة "طاش ما طاش" السخرية من الناس الذين تهافتوا على شراء الأسهم بشكل جنوني في الأعوام القليلة الماضية، فانتهى بهم الأمر إلى الإفلاس أو الموت حسرة على ضياع الرزق.
لكن لعل الموعظة الأهم التي يجب أن يتعلم منها الجميع أنه عليهم التفكير مرات ومرات قبل الاندفاع وراء الدهماء، فإذا رأينا مثلاً حشداً كبيراً من الناس يتهافت على شراء سلعة معينة، فيجب ألا ننساق بشكل أعمى وراءه، لا بل علينا أن نمتنع تماماً عن شراء تلك السلعة، فاندفاع الدهماء إلى اقتناء شيء ما ليس بالضرورة مؤشراً على أنه جدير بالاقتناء.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فقد رأى صاحب إحدى الشركات الكبرى ذات يوم أن ماسح الأحذية الذي ينظف له حذاءه يخبره بأنه اشترى بعض الأسهم في البورصة، فاندهش صاحب الشركة، وبدت عليه علائم القلق والوجوم فوراً، وبدلاً من التوجه إلى منزله في نهاية الدوام، عاد مسرعاً إلى الشركة، وعقد اجتماعاً طارئاً مع أعضاء مجلس الإدارة، وقرروا، على الفور، بيع كل أسهم الشركة في البورصة، على اعتبار أن دخول الدهماء إلى البورصة بهذا الشكل الأهوج مؤشر خطير، إن لم يكن مكيدة أو فخاً. وفعلاً بعد أسابيع قليلة، انهارت أسعار الأسهم، وخسر البسطاء "تحويشة" العمر، بينما كان حيتان السوق قد باعوا أسهمهم من قبل، كما فعل صاحب الشركة. وتبين أن ذلك الإقبال القطيعي على شراء الأسهم لم يكن إلا خديعة كبرى.
ولو أن البسطاء اطلعوا على طرق الاحتيال والنصب التي يمارسها بعض البائعين في الشوارع، لكانوا تعلموا درساً لم ينسوه. فغالباً ما نرى تاجراً يصيح بأعلى صوته في وسط الشارع معلناً عن بيع سلع بأرخص الأسعار، بعد أن يكون قد جمع حوله ثلة من الناس المتفق معهم مسبقاً. وعندها يبدأ المارة بالتجمهر حول التاجر ليشتروا سلعه بلا وعي، على اعتبار أن هناك من سبقهم إلى التجمهر. وبعد فوات الأوان يتبين للمشترين أنهم اشتروا بضاعة إما فاسدة أو تافهة بطريقة قطيعية.
صحيح أن الجماهير عندما تتجمع حول شيء ما يمكن أن تغري البقية بالانضمام إليها، حتى لو كانت تلك البقية متيقنة من أن الجمهور (القطيعي) يتهافت على سراب، كما حدث لجحا ذات مرة. فقد أراد جحا في يوم من الأيام أن يضحك على الناس في القرية، فأخبرهم بأن هناك شخصاً في أقصى القرية يوزع أموالاً طائلة على كل من يقصده، فما كان من الناس إلا أن اندفعوا أفواجاً أفواجاً بشكل جنوني إلى أقصى القرية، لعلهم يحظون ببعض النقود، فنظر جحا حوله، فلم ير أحداً بعد أن رحل الجميع إلى أقاصي البلدة، فهرش رأسه، ثم اندفع مسرعاً وراء الناس مردداً: "قد يكون هناك فعلاً شخص على أطراف القرية يوزع نقوداً، فلم لا ألحق بأهل البلدة."
لقد ظل جحا متماسكاً حتى فكر باللحاق بأهل القرية، ففقد السيطرة على صوابه، فعندما ينخرط الإنسان بالجموع يفقد قدرته على التمييز والاحتكام إلى العقل، ويتحول إلى شخص غير واع، لا بل إنه يذوب بالجمهور كما تذوب المادة الكيماوية في السوائل. وقد أبدع الفيلسوف الفرنسي الشهير (غوستاف لوبون) في تحليل هذه الحالة النفسية لذهنية الحشود في كتابه الرائع "سيكولوجية الجماهير". أما الأديب الأمريكي (مارك توين) فقد قال ذات مرة: عندما أجد نفسي منخرطاً في القطيع لا بد أن أفكر بالخروج فوراً