السودي في قلوبنا
بقلم/ فيصل علي
نشر منذ: 8 سنوات و 4 أشهر و 27 يوماً
السبت 30 يوليو-تموز 2016 11:07 م

لا ينقص المقاومة في تعز سوى بعض حركات "نص كم" التي يقوم بها بلاطجة المؤتمر الذين تحولوا إلى "مقاومة" متنقلة بين فصيلي مولانا أبو العباس وكتائب حسم، اطلقوا لحاهم الأمنية واظهروا ميولهم للقاعدة ولأمير المؤمنين الفندم البابوري أحد عناصر أمن صالح الذي تم تكليفه ليعلن إمارة تعز التابعة لداعش.

 

المدينة محاصرة، والقذائف تنهال من كل صوب نحو السكان، وحمير الهضبة مازالوا يتوافدون لقتال العدوان "الصهيوسعودي مكسيكي" في شارع التحرير وحارة الضبوعة ووادي المدام، ويساندهم حمير الحالمة الذين لم تتحقق فيهم مبادئ حب مدينة أعطتهم وظلوا يأخذون منها بدون حساب، وعندما جاء موسم ذبحها كانوا مع الجزارين عونا لأعداءها.

 

مرة يخرج لنا البلاطجة الجدد في صورة وعاظ أمرين بالمعروف ناهين عن المنكر والاختلاط مستندين إلى فتوى "تحريم شرب الشاهي الأحمر بدون حواجز" ومرة لمنع الاختلاط في احتفال مدرسة، ومرة في منع طلاب كلية الطب من الدراسة بصورة مختلطة، وجاء دور تفجير مسجد الإمام العارف بالله عبد الهادي السودي، الفقيه المحدث داعي السنة والزهد، محب الصحابة المتغني شوقا بأهل بدر، يقول في قصيدته المغناة أحبابنا بجيرون:

وقد رضيت هوى الأحباب لي قسمـاً

وحكمهـم هـو محبـوبـي عـلـيّ ولــي

هم أهل بدر فلا يخشـون مـن حـرج

ٍدمي مباح لهـم فـي السهـل والجبـلِ

آهٍ عـلــى نـظــرة مـنـهـم أُســــرُّ بــهــا

أجـلـو بـهـا صــدأ الأجـفـان والـمـقـلِ

وهكـذا الـحـب إن صـحَّـت قـواعـدهُ

ليس التكحـل فـي العينيـن كالكَحـلِ

الغريب أن تفجير مقام العارف بالله لقى ترحيبا عند بعض من كنت اظنهم عقلاء من الأصدقاء والصديقات، لم أكن أتوقع أن بذور "الدعوشة" منتشرة بين الدراويش، الذين كنت الاحظ ميلهم لعفاش من 2011 وما بعدها، لكن تأييدهم لعمل مخزي كهذا لم يكن في الحسبان.

 

وابشرهم جميعا سواء كانوا مجرد دراويش غير موجهين من أجهزة أمنية، أو كانوا تابعين لسادة الكهوف ويخدمونهم في إكمال دور من يثيرون بتصرفاتهم الرعناء الشبهات حول تعز والمقاومة فيها أن الإمام السودي لا يمكن نسفه من الوجود، وإن ازالوا مرقده فلن يزيلوه من قلوبنا، سنخفيه في أرواحنا حتى تزول الغمة ونعيد مدرسته ومسجده لتحفيظ القرآن والفقه والحديث، نكاية بجهلهم المريع، يا مولاي عبد الهادي "انت بمعبد روحي انت في محرابي".

 

هؤلاء الجهلة احيلهم إلى ما جاء في ديوان الإمام الشوكاني "أسلاك الجوهر" أنه لما زار الإمام القاضي محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى ضريح الإمام العارف عبدالهادي السودي رحمه الله - وكانت القبة مضروبة على قبره- أنشأ قائلًا:

سلامٌ على السودي بحرِ الحقائق

ومن منح الطلابَ نهج الطرائق

أيا رحمة الرحمن حِلِّي بقبره

ودومي عليه دائمًا لا تفارقي

وقولي له: إنا نزلنا جواره

وللجار حق الضيف من كل سابق

أيا روح عبدالهادي الْبَر دُمْتِ في

نعيم وإكرام من الله خالقي" .

 

البلد في حالة حرب وتعز تباد وهناك من يظن نفسه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من منبره ومنصته في الإعلام الإجتماعي، دون أن يفقه أن أهم معروف في حالتنا اليمنية الراهنة هو استعادة الدولة من العصابات الحوثية العفاشية التي سرقتها بانقلاب سفيه، وإن جملته بمسمى مجلس سياسي، إلا أن الانقلاب على الدولة هو انقلاب مهما حاولوا الضحك على الناس. اما هدم الأضرحة والقبور فليس من باب المعروف في شيء، لأسباب أن الغرض من إزالتها وهو إزالة الشرك غير موجود، فإذا غاب المبرر فما الداعي للهدم والتفجير؟ ولمصلحة من إثارة هذا الضجيج ومن المستفيد منه سوى إعلام الحوثي وصالح؟

ولو فرضنا جدلا أن هناك شرك وعبادة قبور فإن الوقت غير مناسب البتة للتفجير والتدمير، لأن هذا سيعطي مبررات ضرب المقاومة التي تدافع عن المدينة ضد الغزاة، بدعوى وجود فصائل إرهابية، وتبني داعش لهذه الأعمال الصبيانية الطائشة سيخلق مببرات قدوم الدرونز لضرب المقاومة، إن بقاء صالح الحوثي وتلقيهما الدعم للبقاء مرتبط بتعهداتهم بمحاربة داعش، وهؤلاء يفعلون فعل داعش ويمنحون أعداء تعز واليمن فرصة ذهبية، هؤلاء الذين يتحركون بلا فقه وبلا وعي لا يفقهون ما قاله أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "مررت بقوم من الذين يعادون الإسلام ويقاتلون المسلمين يشربون الخمر فلم أنكر عليهم فقيل له في ذلك، فقال : رأيت انشغالهم بمفسدة شرب الخمر أخف من تفرغهم لقتال المسلمين". وهؤلاء يمنحون العدو الدعم الإعلامي والسياسي للبقاء في حصار تعز.

 

ولو فرضنا أيضا أن هناك قبورا تعبد من دون الله فإن هدمها وإزالتها مشروط بألا يؤدي إلى منكر أعظم منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يترك الأمر، وهو يحب أن يأتيه، مخافة أن يؤدي إلى فساد أكبر، فعن عائشة _رضي الله عنها_: أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: (يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ) متفق عليه. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: " يستفاد من هذا الحديث ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة".

وقال الإمام النووي _رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم": "وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة، بدئ بالأهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّ نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا".

كما أن تأخير إقامة "الحدّ لعارض" بحسب ابن القيم رحمه الله أمر وردت به الشريعة،لمصلحة المجتمع.

 

أنا أعلم هنا أني احرث في البحر واني أخوض في نصيحة من لا دين لهم ولا فقه، لأني أدرك أن البلد ينقصه الفقهاء والعلماء وقد ابتلاه الله بالوعاظ والخطباء وهؤلاء إن لم يحرضوا على فعل المنكر، يصمتون عن فعله معتقدين أنهم قد اصابوا السنة، وهم فعلا اصابوها في مقتل ولم يفهموا مقاصد الشريعة، وكل هذا عسى أن يصل الوعي للناس، وتحصين المقاومة من الشطط والغلو، فالمقاومة رفع الظلم لا ممارسته، كما أن المعركة اليوم مقاومة الغزاة وليست هدم الأضرحة وتغيير المعالم، ونشر الوعي لهدم فكرة الاستعلاء الهاشمي الذي يستخدمه عملاء الفرس للاستعلاء على شعبنا الصابر، وهدم فكرة الحق الإلهي المزعوم يحتاج إلى جهود عظيمة حتى يستعيد شعبنا دولته وسيادته على أرضه، وعندما تقوم دولته ستكون ملزمة بازالة كل ما تم تأسيسه على هذه الأرض من قبل عصابات ونقائل طبرستان و ذرية "طباطبا" المدعية للنسب الشريف.

 

إن هدم الفكرة الاستعلائية السلالية الهاشمية هو من سينهي حالة تشرذم الهوية اليمنية، كما سينهي وجود قبور أولياء السلالة الذين استنزفوا أموال شعبنا أحياء وامواتا، وكل هذا منوط تكليفه بالدولة لا بالأفراد، أيا كانوا.

 

كما أن أسلوب الدولة في التغيير ليس عشوائيا ولا مجنونا، ولكنها تقوم بالتدرج وترويض الناس حتى يفقهوا، فلما تولى الحكم عمر ابن عبد العزيز لم يتعجَّل في تغيير ما أنكره ممن كان سبقه، فَدَخَلَ عليه ابنه عبد الملك وقال له: "يَا أَبَتِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَمْضِيَ لِـمَا تُرِيدُهُ مِنَ الْعَدْلِ؟ فَوَاللهِ! مَا كُنْتُ أُبَالِي لَوْ غَلَتْ بِي وَبِكَ الْقُدُورُ فِي ذَلِكَ! فقَالَ:"يَا بُنَيَّ! إِني إِنَّمَا أُرَوِّضُ النَّاسَ رِيَاضَةَ الصَّعْبِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْيِيَ الْأَمْرَ مِنَ الْعَدْلِ، فَأُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى أخرجَ مَعَهُ طَمَعاً مِنْ طَمَعِ الدُّنْيَا، فَيَنْفِرُوا مِنْ هَذِهِ وَيَسْكُنُوا لِهَذِهِ".

 

ياشباب المقاومة يا صعاليك الله لا امل في هذا البلد من دونكم، فلا يأخذكم الحمقى إلى معارك جانبية ويجلبوا لكم المصائب، ولذا لا بد من ردع للعناصر المثيرة للشغب والمتاعب والتي تخدم أعداء المقاومة، عليكم أن تضربوا على أيديهم فلا مجال لتركهم ابدا، ولذا نريد من قيادة المقاومة استنكار ما فعله السفهاء بمقام ومسجد ولي الله السودي، وللعلم فهو يمني الهوى صوفي الهوية ولا يستحق كل هذا السفه الذي حصل لقبته الأثرية.

 

وعلى كل ليس على المقاومة بكافة فصائلها أن تقوم مقام الدولة، وليس من حق المقاومة لا إقامة العدل ولا الحكم ولا اقامة الحدود، فقط واجبها أن تقاوم وتستعيد الدولة والدولة ستقوم بالواجب، بما تمليه عليها مصالح الشعب وأولوياته.