طائرات بلا طيارين وقادة بلا ضمائر
بقلم/ د/ عبد العزيز المقالح
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 26 مارس - آذار 2013 04:50 م

أود في البدء أن أنبه القارئ إلى أن تناولي لهذا الموضوع الحساس الخطير، ينطلق من مبدأ أخلاقي لا علاقة له بالسياسة بمفهومها الذرائعي اللاإنساني، وأن القادة العظام عبر التاريخ هم أولئك الذين كانوا لا يتخلون عن أخلاقياتهم أياً كانت الأهداف أو كان الخصوم.
ولعل أول ما يلفت الانتباه في موضوعنا أن زمن الفروسية - وهي قيمة أخلاقية وبطولية عالية - قد انتهى وانتهت معه الأيام التي كان الفرسان يتقدمون إلى ميادين القتال طلباً للمبارزة في ضوء الشمس وتحت عيون كل المتحاربين، لقد قضت الفروسية نحبها ورحلت إلى غير رجعة بعد اكتشاف وسائل قتل الإنسان عن بعد، وصار في إمكان أجبن إنسان على وجه الأرض أن يرهب الملايين وهو قابع في خندق أو متربع على كرسي طائرة. كانت الحروب قديماً اختباراً لذكاء الإنسان وشجاعته. وصارت في العصر الحديث وفي اللحظة الراهنة خاصة لعبة خاطفة يديرها طفل عن طريق (الريموت).
برغبة من قادة بلا ضمائر ولا مشاعر- وهو لا يرى ولا يسمع ولا يعرف على وجه التحديد كم عدد ضحاياه، ولا نسبة الأطفال والنساء الذين قضوا نحبهم بإشارة من أصبعه اللعينة في حين أنهم لا شأن لهم بموضوع الحروب الدائرة وأسبابها، أو العوامل التي أدت إليها.
لقد سقط العراق العربي -على سبيل المثال- في حرب دارت معاركها الرئيسية على بعد آلاف الكيلومترات حيث تمت إبادة الجيش العراقي العظيم الذي تكوّن على مدى ثمانين عاماً في أيام معدودات وبالصواريخ التي كانت تنطلق من البحر الأبيض المتوسط ومن المحيط الهادي، وكان يديرها ضباط جبناء يخافون من ظلالهم فضلاً عن خوفهم من منظر جندي عراقي واحد في ميدان أية معركة متكافئة، وبهذا تكون قواعد الحروب قد اختلفت تماماً ولم تعد تقبل المواجهات، وغالباً ما تدار من قبل قوة واحدة تنافس ذاتها وتختار المكان المناسب والوقت المناسب أيضاً لإظهار كفاءتها وإلحاق الهزيمة بخصومها. ومن بين أحدث الوسائل التي تم اختراعها في زمن الحروب الخاطفة، الطائرات بدون طيار، وهي آلة صماء عمياء يتم إطلاقها من أماكن بعيدة لتلقي حمولتها الفتاكة فوق أي مكان، مدينة، أو قرية، حقل أو صحراء، في مخالفة صارخة للقوانين الدولية والإنسانية.
ويقال أن هذا النوع من الطائرات التي تدار عن بعد تحقق أهدافها بدقة متناهية، وهو قول كاذب لا يحمل أدنى حد من المصداقية فأكثر الضحايا الذين لقوا حتفهم من الفضاء بواسطة هذه الطائرات كانوا من غير المطلوبين، والبراهين على ذلك لا تحصى وما مأساة العرس الدامي في أفغانستان وقافلة العرس الدامي في بلادنا في محافظة البيضاء إلاَّ نموذجان لوقائع لا حصر لها ذهب ضحيتها عشرات بل مئات الضحايا الأبرياء نتيجة استخدام هذا السلاح الأعمى الذي يحركه بشر من الجبناء وفاقدي الأحاسيس الإنسانية بالريموت عن بعد وهم لا يدرون من يصيب ولا كيف يصيب. والثابت أن ضمائر القادة الذين يمتلكون هذا السلاح الآثم موقوفة عن العمل، وأنها غير موجودة أصلاً لذلك، فإن قصف الأبرياء سوف يستمر والذعر من الطائرات بلا طيارين سوف يتسع وتتسع معها الاحتجاجات التي باتت تشمل العالم بأسره.
والغريب أن المنظمات التي تدّعي إيمانها وتمسكها بحقوق الإنسان ما تزال مواقفها غير واضحة بما يكفي تجاه هذا الموقف اللاأخلاقي وتجاه هذا النوع من الطائرات القاتلة، وما يزال المتحدثون باسم هذه المنظمات يدينون خطايا هذا السلاح باستحياء وكأنهم لا يشاركون الملايين التي تطالب بالقضاء عليه وإبعاده من مجال الاستخدام تحت أي ظرف وأية ذريعة وأي ادعاء، لما يتسبب عنه من كوارث قتل الأبرياء وتدمير للمنازل الآهلة بالسكان بهدف اقتناص رجل أو بضعة رجال متهمين بالعمل ضد هذه القوة الدولية أو تلك.
الشاعر فيصل البريهي في ديوانه الجديد:
في سيرته الذاتية الكثير مما يمكن التوقف عنده، لكن أهمها وأكثرها قرباً إلى نفسه وإلى نفوسنا جميعاً أنه شاعر مبدع يكتب القصيدة العمودية بروح معاصرة ورؤية فنية حديثة. كما يكتب قصيدة التفعيلة كواحد من أعلامها. وعنوان ديوانه الجديد (عزف على أوتار الجراح) وهي جراح مثخنة بهموم الوطن والأمة وما يتعرضان له من هجمات داخلية وخارجية. فيصل من أهم شعراء اليمن وفي مقدمة المناضلين بالقول والفعل معاً. صدر له قبل هذا الأخير ستة دواوين كان أولها (أسرار الرماد) يضاف إلى ذلك أنه يكتب القصيدة العامية بموهبة عالية وإحساس عميق.
تأملات شعرية:
للذي خلق العدل نوراً
تضيء ببهجتهِ الأرض قاطبةً
والذي إن ذكرناه
يمتلئ الكون حريةً وطمأنينةً،
للذي لا تراه العيونْ.
أقدم شكواي
شكوى الملايين
مما تلاقي من القهر والخوف
مما تعانيه من قسوة الظالمينْ.