شريط المهانة.. من صنعاء إلى موسكو
بقلم/ عبدالعزيز المجيدي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
السبت 09 فبراير-شباط 2013 09:37 م

المهانة قد تصبح لصيقة باليمنيين حتى وهم يحتفلون بإيقاد شعلة ثورة . لا تدري أي ثورة تلك التي تجعل الناس يتعايشون مع كل ما هو مهين ومؤذي، ويحط من كرامتهم .  شريط المهانة يبدأ في صنعاء ويحط رحاله حيث يتنقل اليمني بهويته، وحيدا ، مكشوفا، في عواصم العالم، إما طلبا للعلم، أو العمل.

ما يحدث لجرحى "الثورة" المعتصمين منذ أيام، مضربين عن الطعام، من اجل الحصول على حقهم الطبيعي في العلاج – وليس التكريم - يهتك كل الأستار الزائفة عن "التغيير" الذي تجرعناه وعن " الثورة" التي تلوك أجساد أبنائها وتلقي بهم إلى الأرصفة. لا يكفي أن هؤلاء التقوا بالموت مرارا، حينما كان تجار السياسة، يقبعون في منازلهم، يشاركونهم "الثورة" من " مداكي " المخمل، ويصدرون البيانات، ووثب هذا الصنف الرديء من القادة الحزبيين، إلى المقدمة فكان أول ضحاياهم : شباب الثورة نفسها. 

هناك، عند مجلس الوزراء، حيث تتناثر قسمة التسوية ، بدا " الثوار" الجرحى، وحيدين، ترافقهم آلامهم، مفجوعين بمآلات "الثائر" الذي خرج حاملا نعشه من اجل بلد، فانتهى يصرخ لجراح أعمق واشد فتكا للروح، وسط تخاذل مخيف. يحدث هذا على بعد مئات الأمتار فقط من ساحة " الثوار المزعومين " التي نسيتهم هي الأخرى بكل ما تمتلك من جرأة على التنكر والبجاحة. إن لم تغضب " ساحة التغيير " من اجل جرحاها ورفاق السير في الدرب المفخخ بالسماسرة والأوغاد، فهل سنصدق أنها تهتم لناس البلد وجغرافيته الموجوعة والمتشظية. نعرف جيدا أن "الثورة" لم يعد لها مكانا في ساحة التغيير منذ اقتحامها بالمبادرة الخليجية، وان الكلمة الفصل، هي " للثورة" التي تناست كل الآيات والمأثورات الدينية التي تحث على التغيير والعمل، وثبت "إيمانها" راسخا على ثورة " حسبنا الله ونعم الوكيل"!

منذئذ غدت وظيفة الساحة من خلال اللجنة التنظيمية، تسمية " الجُمع الثورية جدا " والمطالبة بتكريم علي محسن وتوجيه التهاني بالمناسبات الوطنية، والضغط لتسوية حصحص الحوار، ومؤخرا باتت بتخاذلها جزءا من حصار الجرحى بالإضافة إلى اللواء الرابع . ذات اللواء الذي كان يحاصر الساحة من الجهة الشرقية في ذروة الغضب العارم، وهو لم ينضم لـ" الثورة" هذه المرة، لكن اللجنة التنظيمية تبدو الآن اقرب إلى كونها كتيبة في اللواء الرابع!

وحده منيف الزبيري مازال ثائرا. أراد الشاب الذي كان من أوائل من خرجوا لإسقاط صالح،أن يهز المجتمع بكل أطيافه،فأشعل النار في نفسه، محاولا إيقاظ الشعب الذي عاد إلى رقاده مجددا،وتحريك شيئا مما تبقى من كرامته، لكنه خسر نصف جسد ه، ومازال عددا محدودا من النبلاء يتصدون لحالة الموات هذه إلى جانب الجرحى. 

هل ثارت اليمن حقا ؟

مشهد المهانة هذا الذي يلف اليمني في صنعاء، تدفق صنبوره في نفس الأسبوع على أرض السفارة اليمنية في موسكو. هناك،حيث المبتعثون للدراسة يواجهون متاعب مالية، كانوا عرضة لمتاعب أكثر تحطيما لآمالهم ونيلا من كرامتهم، فالرجل المعني بالاستماع إلى مطالبهم في الاعتصام الذي نفذوه، كان مصدر تعاسة إضافية .كل ما فعله السفير هناك،فقط، رفع سماعة الهاتف، واستدعى الشرطة الروسية التي اقتحمت السفارة واعتقلت 5 من الطلاب!

لا اعلم إن كان الرجل موجودا هناك للتسوق أو النزهة. أنا علي يقين فقط أن وجود السفير " المحترم " هناك لم يكن سوى لعنة إضافية للبلد ، وبدلا من ان يكون حائط الصد الاول ، تحول إلى بوابة عبور سهلة لانتهاك سيادة بلده، وتصرف كأي شيخ بليد ومتعجرف، لديه معتقله الخاص.

أدرك أن تصرفا كهذا لن يثير حفيظة احد، فبفضل هؤلاء الساسة،رفاق صالح وجيله الباحث عن الغنائم، غدت البلاد منذ عقود حديقة خلفية للأشقاء ، ومؤخرا تطور الأمر لتصبح ساحة صراع بين أطراف ودول، الفرق فقط هو بين من يعمل وكيلا لطهران أو للرياض . هذه الواقعة وحدها، كان يمكن أن تشعل ثورة، غير أنها مرت بهدوء كما لو كان الرجل يقرر التنزه في منتجعه الخاص، وكان يريد التخلص من بعض المتطفلين فحسب . ماذا لو كان جوليان آسانج تورط في طلب اللجوء السياسي إلى إحدى سفاراتنا في الخارج للنجاة بجلده من ملاحقة الولايات المتحدة الأمريكية؟

منذ قرابة العام وبريطانيا بكل قوتها وجبروتها محتارة في الطريقة التي تمكنها من جلب آسانج مالك موقع ويكيليكس الشهير الذي ارتبط اسمه بتسريب ملايين الوثائق السرية الأمريكية. فالرجل الذي دوخ ثلاثة أرباع القوى العظمى لا يوجد في مكان بعيد، بل في قلب لندن، لكن القبض عليه سيبدو بمثابة إعلان حرب ضد دولة أخرى،وهو يتحصن في مبنى سفارة الإكوادور، ويتمتع بحق اللجوء السياسي.

برغم كل التهديدات، أطل أسانج من شرفة السفارة في لندن، مفعما بالتحدي متحدثا في خطاب إلى خصومه : أنا جوليان أسانج فمن انتم ؟

لو كان هذا السفير غريب الأطوار، ممثلا لدولة تحترم نفسها ومواطنيها، لسحب من أذنه على الفور إلى صنعاء وجُرد من كل صفة، ووضع في اقرب إصلاحية نفسية، ولو كنا شعبا وقوى نضع اعتبارا لكرامتنا المهدورة، لما بقي واحدا منا في منزله، عندما كان جسد منيف يشتعل بالنار والثورة.

إن لم يكن من أجل الكرامة، فلماذا انتفض اليمنيون ؟ 

أخشى فقط أن تتفاقم مشاهد خط المهانة هذا، وعند كل محطة إذلال، نجد هذه الصرخة تطل من شرفة مجلس الوزراء تحديا للشعب : نحن" اللقاء المشترك الشعبي العام"، فمن أنتم ؟

aziz.press7@gmail.com