هل ينجح الحوثيون في ترجيح كفة النظام عسكريا..!؟
بقلم/ عبدالملك شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 4 أيام
السبت 10 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:00 م

Shamsan75@hotmail.com

اتخذ صالح قرار الحرب مبكرا كوسيلة رديفة للوسيلة السياسية في مواجهة الثورة الشعبية المتعاظمة، وظل الاعتماد على الوسيلة السياسية يتقلص يوما بعد آخر لصالح العسكرية. إلا أنه واجه مشكلتين: الأولى بدأت عند إعلان أربع مناطق عسكرية انضمامها إلى الثورة. وكان انضمام هذه القوات إلى الثورة "لطمة" في وجه النظام بتعبير يحيى الراعي، وجاء هذا الانضمام على خلفية مجزرة جمعة الكرامة في (18 مارس) التي كانت هي الأخرى "لطمة" في وجه النظام -بتعبير الراعي أيضا.

رغم ذلك، كأن صالح وجد نفسه يملك قوة كبيرة يمكن الاعتماد عليها، إذا لم تكن كافية لتحقيق نصر يخمد الثورة ويكسر شوكتها، فيمكنها على الأقل الإبقاء على النظام.

وكانت حساباته –ولا تزال- أن القوة المتبقية لديه قادرة على تحقيق هذا الهدف من خلال استخدامها القوة في مواجهة الثورة وفرض السيطرة على البلاد بالقوة، ومن خلال إثارة المخاوف لدى الأطراف الدولية بأن هذه القوات قادرة على الحيلولة دون وصول الثورة إلى نقطة الحسم، وبالتالي: إثارة الفوضى والحرب في البلاد. وهو ما يخشاه الخارج.

خاض بقواته المتبقية لديه حروبا متعددة في أكثر من منطقة، وأولها العرّ في يافع بمحافظة لحج، ثم نهم في محافظة صنعاء، ثم أرحب. وخياره العسكري لا يزال مستخدما ضد هذه القبائل المحيطة بالعاصمة حتى اللحظة، وأضاف إلى هذه القبائل المستهدفة قبائل أخرى في صنعاء يشن عليها حروبا متقطعة.

وبين هذه الحروب خاض حربين في أمانة العاصمة ضد أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. وحربا مفتوحة زمانا ومكانا على محافظة تعز لا تزال على أشدها.

خلال هذه الحروب المتفرقة أو المستمرة، خسر كثيرا من المواقع العسكرية الهامة، وظهر له أمر لم يكن في حسبانه، وهو أن هذه القوة العسكرية لا يمكن الوثوق بها، وأن هناك ثلاث مشكلات جوهرية يجب معالجتها قبل اتخاذ قرار الحرب العسكرية الشاملة:

* الأولى هي قلة السلاح المطلوب لإنجاح خيار الحرب. وهي المشكلة التي سعى حثيثا لحلها خلال الأشهر الماضية باستيراد كميات هائلة من السلاح.

* الثانية هي تواصل عمليات الانضمام للثورة من داخل هذه القوات حتى إنه لم يعد قادرا على إنزال قوات برية في المدن والمناطق المستهدفة، واقتصر على القصف المدفعي والصاروخي المسنود بالطيران الحربي والغارات الجوية. ذلك أن كل قوة برية تنزل إلى الميدان تواجه تصديا من المدافعين عن أنفسهم فيتعرض أعداد من هذه القوة للقتل وأعداد للأسر وأعداد يعلنون انضمامهم للثورة والبقية يعودون إلى ثكناتهم.

وهذه المشكلة يحاول حلها بأكثر من وسيلة، كفرض الحصار على المنتسبين لقواته ومنعهم من الخروج من المعسكرات خوفا من انضمامهم للثورة. كما يفرض عليهم حصار إعلامي إذ لا يُسمح لهم بمتابعة أي من القنوات الفضائية سوى قناة اليمن وقناة سبأ الرسميتين التابعتين له. ويتعهدهم بالتعبئة المستمرة لضمان استمرار ولائهم في إطار مصطلح "التوجيه المعنوي".

وتتحدث مصادر عن تفريغ عناصر من هذه القوات مهمتها قتل كل من يبدي ميلا للثورة فضلا عن التصريح برغبته في الانضمام للثورة. وأن كل قوة يضطرون إلى إنزالها للميدان أو تغادر معسكراتها لتعزيز قوات في أماكن أخرى، لا تخلو من هذه العناصر التي حددت مهمتها بقتل كل من يثور لديها الشك في إخلاصه وولائه.

* وتتمثل الثالثة في أن هذه القوات انكشفت لها الأكاذيب التي ظلت قيادتها تروجها على امتداد أشهر الماضية. وأدركت أنها لا تحارب في سبيل الوطن ولا في سبيل الدفاع عنه، وإنما يزج بها في هذه الحروب للحفاظ على بقاء عائلة صالح في السلطة. وانعكست هذه القضية على معنويات هذه القوة العسكرية وعقيدتها القتالية.

وتعتبر هذه المشكلة الأخطر من سابقاتها والأبرز من بين العوامل التي تقض مضجع صالح وتحول بينه وبين قرار الحرب الشاملة كلما همّ باتخاذه.

ويحاول جاهدا مواجهة هذه المشكلة بما واجه به المشكلة السابقة من التوجيه المعنوي والاستهداف الإعلامي وغيرها من الوسائل. إلا أن كل تلك الجهود لا تحقق النتيجة المرجوة.

وبدا له أن يقوم بتطعيم هذه القوات بمجاميع يضمن قتالهم في صفه بعقيدة قتالية عالية ويضمن عدم انضمامهم للثورة تحت أي ظرف.

ويرى أن وجود بضع مئات من هؤلاء في كل لواء عسكري لن يثمر قتالا ناجحا فقط، بل سيؤثر على بقية القوات وسيرفع حماسها ومنسوب إخلاصها.

ووجد في جماعة الحوثي هذه العناصر التي يطعم بها قواته ويدفعها –جميعا- للحرب ضد مكونات الثورة المختلفة ومن يؤيدها من القبائل والجيش والمعتصمين والمتظاهرين سلميا.

مكاسب صالح من تنمية الحوثية

مكاسب صالح من تنمية الحوثي في هذه الفترة وبهذه الطريقة هي ذاتها المكاسب التي كان يرجوها من تنمية الحوثي في الفترات السابقة. وفي مقدمتها إيقاد حرب بين الحوثيين من جهة وبين القبائل التي يحظى التجمع اليمني للإصلاح بأغلبية فيها بالجوف وعمران وحجة والقبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء.

وكذا الزج بالجيش الوطني –الموالي حاليا للثورة- في حرب مستمرة ضد جماعة الحوثيين، بما يخلص نظام صالح من هذا الجيش وقياداته.

هذه هي المكاسب التي يرجوها في حال بقي نظامه، فيما الأخرى التي يرجوها في حال نجاح الثورة تتلخص في إثارة عوامل الفوضى التي يخطط لتوريثها الحكم كبديل عن أولاده بعد أن حجبتهم الثورة وحالت بينهم وبين وراثة الكرسي.

ومن عوامل هذه الفوضى أن يمنح الحوثي فرصة لتسجيل حضور في الجيش النظامي بما يفسد على الثورة –بعد نجاحها- عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة وإخضاع الجيش لمؤسسات الدولة.

وهذا سيضاف إلى الجهود التي يبذلها في دعم الحوثيين للتمدد في المحافظات والمديريات المختلفة، من ميدي في حجة المحاذية لصعدة والبحر الأحمر إلى الجوف المحاذية لصعدة والسعودية إلى أرحب وبني حشيش على حدود العاصمة صنعاء.

وتتحدث المعلومات عن توجهات حثيثة في هذين المسارين، حيث تؤكد المعلومات تجنيد مئات الحوثيين في معسكرات الحرس الجمهوري في الصمع وغيرها، وأن هؤلاء أنضموا للحرس فعليا ويقاتلون اليوم في صفوفه.

كما منح الحوثيين عددا من المناصب الإدارية في مؤسسات الدولة في حجة وصعدة وعمران. وصدرت توجيهات عليا إلى مسؤولي الدولة في هذه المحافظات ومسؤولي المؤتمر الشعبي العام أن يسهلوا مهمة الحوثي في التوغل، ووجد ذلك تفهما من هذه القيادات على أساس أن الحوثي –كما يشيعون بينهم- يستهدف الإصلاح ولا يستهدف النظام.

الحوثي بين عدوين

لقد حددت الثورة هدفها بجملة مختصرة: بناء دولة مدنية حديثة. وهذه الدولة المدنية تناقض أدبيات الحوثي وأفكاره ومفاهيمه وقيمه.

فالدولة المدنية تقوم على أساس الديمقراطية، وآليتها هي الانتخابات. بينما الحوثي لا يؤمن بالديمقراطية –كما تقول وتؤكد أدبياته ومحاضرات منظريه. وإنما يرى لنفسه الحق في الحكم بتفويض إلهي وأنه لا يجوز لأحد أن ينازعه الأمر ولو لم يكن على الأرض من مذهبه سواه.

والدولة المدنية تقوم على أساس تسييد القانون وتحقيق المواطنة المتساوية وإسقاط كل أشكال التمييز على أساس اللون أو النسب أو الانتماء المذهبي والقبلي والجغرافي، بينما أساس فكر الحوثي يقوم على المفاضلة بين النسب وتمييز بعض الناس عن بعض ورفع بعضهم درجات فوق بعض على أساس النسب أولا، ثم على أساس المذهب تاليا.

وجد الحوثي نفسه بين عدوين: الأول هو نظام صالح الذي يسعى لإسقاطه منذ سنوات ولا يزال يريد إسقاطه.

والثاني هو الثورة الشعبية التي تريد أن تسقط صالح أيضا، ولكن لإقامة دولة مدنية.

وهنا، وقد وجد نفسه بين عدوين: نظام صالح، والثورة الشعبية. كان عليه أن يفكر في التحالف مع أحدهما لإسقاط الآخر. وقد وقع اختياره على تأييد الثورة ضد نظام صالح إذ كان يتوقع –شأنه شأن غيره- أنها ستسقط نظام صالح في غضون أسابيع على غرار الثورة التونسية والثورة المصرية.

وأراد الرجل بالانضمام إلى الثورة فور اندلاعها أن يمنح قدمه موطئا فيها حتى يتمكن بعد نجاحها من تقديم طلبات الشراكة والمحاصصة على اعتبار أن المحاصصة أصبحت ثقافة ضاربة الجذور في اليمن وليس من الممكن –في حساباته- أن تزول هذه الثقافة بثورة اندلعت أسابيع معدودة.

كما لم يرد الحوثي أن يوصم بعد هذه الثورة بالعداء لها. خاصة وأنه لا يزال يريد أن يثبت عدم معاداته لثورة سبتمبر 62م رغم انقضاء نصف قرن على قيامها.

هذه كانت أهداف الحوثي للانضمام للثورة لا إسقاط نظام صالح.. صحيح أن إسقاط نظام صالح هدف أساسي بالنسبة له، لكن هذا على أساس أن سقوطه سيكون بيده هو وأن يكون هو الوارث والخليفة. أما أن يسقط بثورة شعبية لا تسلم له الكرسي فهذا سقوط لصالح لا يرغب فيه الحوثي.

رأى الحوثي أن هذه الثورة الشعبية ستقضي على حلمه في وراثة الكرسي، ذلك أن إسقاط نظام صالح أهون عليه وأسهل له من إسقاط نظام تأتي به ثورة شعبية تمضي بهذا الإجماع المنقطع النظير وغير المسبوق. ولم يعلن العداء لها من البداية لأنه كان يتوقع أنها ستنجح سريعا، ولن يكون له من عداوته لها إلا التبعات التي ستظل أمامه وخلفه على امتداد المستقبل. ولكن عندما طالت على هذا النحو الذي نراه، بدا له أن إفشالها ممكن.

الحوثي لا يريد بقاء نظام صالح، ولكنه لا يريد أن يسقط بيد غيره ولو كان هذا الغير هو الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل وقيم المواطنة المتساوية.

ولهذا فإفشال الثورة هو –بالنسبة له- إزاحة للخصم القوي الذي يخشاه. وإبقاءه لنظام صالح هو –بالنسبة له- إبقاء لنظام "الرجل المريض" الذي يستطيع أن يسقطه بعد فشل الثورة ويستأثر بتركته!!