ابن أمي سامية؟؟!!
بقلم/ عاد نعمان
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 3 أيام
الأحد 11 سبتمبر-أيلول 2011 05:22 م

خلف الكواليس، الجميع يستعد ويأخذ مكانه، فبعد قليل نبدأ ،،،

المشهد رقم (...) - المناداة بالأسماء، كلاكيت أول مرة تررررراااااك ،،،

1.. 2.. 3.. أكشن ،،،

أحد الملائكة صرخ بقوة حتى يسمعه كل فرد في الحشد: عاد بن سامية.. عاد بن سامية.. عاد بن سامية

هدوء عم المكان، لا أحد رد على ذلك النداء، صرخ بقوة أكبر وإطالة مدوية: أكرر عاااااد بن سااااامية

مرة أخرى، فين عاد بن سامية؟ اللي اسمه عاد بن سامية يتقدم إلى المنصة؟

عاد: أيوه.. أنا موجود هنا، أنت تقصد عاد بن نعمان؟

الملاك: عارفين إنه اسم أبوك نعمان، تنكر إنه اسم أمك سامية؟

عاد -خجلًا-: لاااا طبعًا. بس مش قدام الناس!!! حينها انفجر الجميع بالضحك هاهاااااااااي.. هههههـاااهههـ

صباحًا، صحوت على صوت أمي(سامية) جاء من خارج باب غرفتي المغلق يخبرني أن موعد الفطور قد حان. ما حدث سابقًا كان مجرد كابوس والمشهد السابق لم يكن مشهد لجلسة محاكمة في فيلم عربي وإنما أحد المشاهد الموعودة يوم القيامة، لازمني ذلك الكابوس في منامي بعد أن أكد لي معلم مادة التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية أن في يوم القيامة سيناجى كلًا باسمه يتبعه اسم أمه أمام الناس أجمعين، فمهما خبئ الشخص اسم أمه فإنه سُيكشف يومها، وبقيت أعيش على رعب ذلك الهاجس منذ المرحلة الابتدائية حتى مرحلة عمرية معينة، بعدها صرت أرد على كل من يسألني (إيش اسمك؟) أنا عاد نعمان وأمي سامية. فمن اليوم وصاعدًا لن يخيفني أن يعرف اسم أمي أصدقائي في الحارة وزملائي في المدرسة، ولن يبتزني صديق خالي الذي كان يمازحني بجواره أنه سيكشف اسم أمي لجاري الذي العب معه وقت العصرية، أتذكره جيدًا كان يفعل ذلك محركًا حواجبه بشكل لئيم وبخبث يقول ( Aa Aa Aaaaa يا ابن سااامية).

(تستحي من اسمي يا أهبل،،،بدل ما تقول اسم أمي سامية وتفتخر) هكذا كانت أمي(سامية) تلومني بكل حب كلما أبديت لها رفضي بأن تقول اسمها لمن هب ودب من أصدقائي وزملائي، الذين يسألونها بشغف المعرفة الذي يفوق شغفهم واهتمامهم بمعرفة إجابة سؤال قد حصلوا على علامة الصفر به في آخر اختبار لهم. فمع أول خروج لي إلى الشارع ستلحقني أصوات تقول بتشفي (ابن سامية.. ابن سامية.. هيييييه) على الرغم من أنني لم أفضح اسم أم احدهم، يلبسني الخجل حينها، أحول بنظري بعيدًا عنهم وأعجل من خطواتي حتى لا يظفروا بي، تمالكت نفسي طويلًا وكان من تدعى (سامية) تعني شخصًا آخر ليس أنا، وأعود إلى البيت لألوم أمي على اسمها الذي أفشت به لأولاد الجيران أو أنهم عرفوه من أفواه أمهاتهم اللاتي يملكن أسامي أيضًا، ولكن تحذيرات أمي كانت تحول من أن أرد على احدهم بأن أفشي اسم أمه، وكأن للعالمين الحق في أن يعرفوا اسم أمي فقط دون غيره من أسماء الأمهات.

تجاوزت ذلك الرعب تقريبًا بعد أن أكملت المرحلة الإعدادية، كبرت وبدأت افهم واستوعب أنني أعيش في مجتمع يخجل بشدة بل يستعر من ذكر اسم الأم أو إحدى القريبات مهما كانت درجة قُرب أو بُعد الصلة أو كم قد قطعت إحداهن من شوط العمر؟، مجتمع مثقل بالأمراض، تدور في رحاه لوثة اجتماعية، فهو لا يميز بين مريم الصغيرة ذو الـ 8 سنوات ومريم الكبيرة ذو الـ 80 سنة، إلا نادرًا ما كان أحدهم يقول بصوت خافت اسم جدته للحانوتي الذي سينحت اسمها على القبر الذي سيحتويها بتفاصيلها مع اسمها، فلم يتبقى سوى ساعات لتدفن هي ويؤد اسمها معها. أسترجع جيدًا ذلك الصديق الذي كان يفاخر بيننا باسم أمه، على الرغم من أنها لم تكن صاحبة علاقات طيبة مع أغلب من عرفتهم، ولكنه كان يفعل ورأسه مرفوع، ربما هي طريقته الخاصة لمواجهة ما ألصق بأمه وصار يحمله معها، أو ربما كان هروبًا من مثل تلك الترهات والتفاهات، ولكنه يبقى الأشجع بين الأصدقاء والذي أعلن اسم أمه صراحة عنوة عن كل تلك الظروف المحيطة به.

 عندما سألت بلطف معلمة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية طلاب الصف، عن من يمكنه قراءة درس(أروى في البيت)، رفع يده بكل ثقة وقال(أنا يا أستاذة)، وبدا القراءة بحماس كبير..

- أروى تساعد أمها.. – أروى تخيط الثوب.. – أروى تقرأ الكتاب.. أروى وأروى وأروى..

مسكين كان لا يدرك أن أروى اسم مشترك لكثير من اليمنيات وأغفل أن من بينهن الفتاة التي في الدرس وأمه، ذكرته سريعًا بتلك الكارثة(اسم أمه) الضحكات الخافتة لصديقيه اللذين يشاركانه الطاولة واللذين لم يعرفا اسم أمه إلا من فترة قريبة، بعد أن وشى به بكل براءة وسذاجة قبل أن يكتشف فضاعة ما قام به، لم يحسب عواقب أن يقول اسم أمه لأصدقائه. وراح صوته يتناقص تدريجيًا مع كل جملة يذكر فيها اسم أروى حتى اختفى نهائيًا وما هول الموقف أكثر هو قيام أحدهما بكتابة اسم أروى بالقلم الرصاص بطرف ورقة الدفتر. الضحكات والنظرات ظلت رفيقته طوال اليوم، لم يستطع تجاهلها، ولم ينساها حتى نهاية العام الدراسي. وصارت ظاهرة الكشف عن أسماء الأمهات موازية لظاهرة الأخذ بالشرف.

- فاطمة.. فاطمة.. يا ابن فاطمة.. اسم أمه فاطمة

- بس أسكت يا ابن حواااااء

فاطمة، حواء، أسماء، خديجة، عائشة وغيرها الكثير من الأسماء تعني وتذكرنا بـ (هي) التي عاشت في عهد الرسول محمد(ص) أو قبله بكثير وبعده بقليل ليست أسماء حقيقية لأمهات أولئك الأطفال في الشارع الذين كانوا يعايرون بها بعضهم هذه الأيام كما ورد في السطور السابقة. إنما دروع قوية يختبئون خلفها حتى لا يعاد ذكرها مرة أخرى، فأن يكون اسم أم أحدهم من السابقات فهذا كفيل بأن يشفع من ذكر اسمها في الشارع مرة أخرى. فأقرب من سيمر بجوار ذلك التبادل بأسماء الأمهات بين الأطفال سيبدي استنكاره وامتعاضه وربما سيعنفهم، فمن العيب بل من الحرام أن نذكر اسم أم العالمين(حواء) أو زوجات الرسول (خديجة) و(عائشة) أم المؤمنين أو ابنته(فاطمة) سيدة النساء في مواطن غير لائقة بمقامهن، بينما نرمين وسيرين ومادلين وغيرها الكثير من الأسماء التي تم استيرادها من ثقافات وحضارات غير عربية مسموح بإقحامها في حوارات ونقاشات تسفه من أسماءهن. هنا اعتذارات أخرى لكل الرائعات اللاتي ذُكر أسماءهن آنفًا بقصد وبدون فالخجل كان حاضرًا وبقوة نتيجة التسفيه والانتقاص.

جاء تسجيلي للحساب المجاني الخاص بي في موقع التواصل الاجتماعي(الفيس بوك) بعد وفاة جدتي(مريم) بفترة قصيرة، مريم بنت ملك ،،، التي خلقت على يديها وربتني سنين طفولتي المبكرة بسبب انشغال والدي بالعمل، فإكرامًا لها وردًا ولو لجزء بسيط من جميلها علي، ظهرت في الموقع باسم (عاد بن مريم) على الرغم من أن الأصدقاء وكثيرين يعلمون تمامًا أنني عاد بن نعمان، لامني كثير من أصدقاء نعمان بينما تسأل البعض منهم عن تغييب اسم نعمان باسمي الوهمي(الافتراضي) في الفيس بوك، وزايد بعضهم بأن اسم أبي(نعمان) يكتب بماء الذهب فهو صحفي معروف، فلماذا التهرب منه؟، وقلة هم من تفهم ذلك الاسم وما يعنيه لي. لم ينتبه كل أولئك إلى أي درجة سأستقبل المضايقات من مجهولين لأنني ألحقت (هي) باسمي وليس (هو)، فكان يكفيني أذية أولئك الذين لا أعرفهم ولا يعرفوني؟!؟، غير أولئك الذين يحسبون أنني أنسب نفسي للسيدة مريم العذراء - سلام عليها - ... وبقي اسمي الوهمي في الفيس بوك نشاز وشاذ في قوائم الدردشة لجميع الأصدقاء الذين تحمل الأسماء اللاحقة لأسمائهم صفة الذكورة.

بمناسبة عيد ميلاد (غادة) ابنة صديقتي المقربة ماجدة الحداد، كتبت على حائطها في صفحتها الشخصية في موقع الفيس بوك (من الصعب أن اربط اسمك باسم أمك مباشرة وأقولها صراحة عيدك جميل يا غادة بنت ماجدة، وحتى وإن كنا في عالم خيالي وافتراضي، فنحن ما زلنا نعيش في عالم مجتمعه تراكمت عليها كوارث ومصائب وأزمات كبيرة، يحتاج الكثير من الزمن ليغسل آثامها فقط ليخففها، أما التخلص منها لا أعلم كما سيحتاج من الزمن؟، مجتمعنا ذكوري بحت تحكمه عبارات عقيمة تمييزية متوارثة، ولا زال يمررها وبقوة مُصر عليها كـ (ذاك الشبل من ذلك الأسد) و(الابن سر أبيه)، عبارات تطرح بطريقة تجعل من الذكر ينتشي ويتباهى مهما كان ما أتى به من سيء أو جيد، بينما يقتل الأنثى بذمها عند أقرب وأبسط خطأ قد تقع به أو تفعله بقصد وبدون، عبارات قاسية فيها الكثير من السخط والتجريم وإلحاق بالذنب على هي التي وصفها الرب بأرق ما خلق). لم أخفي إعجابي الشديد بنوعية العلاقة المتينة والقوية بين غادة الابنة وماجدة الأم وأغبطهما كثيرًا عليها بل أحسدهما، وباتصال بيننا عبرت لهما عن مدى سعادتي بالصداقة التي تجمعني بهما وتمنيت إذا ما تخرج هذه العلاقة بين الأم والابنة إلى العامة ليأخذ بها من أحب، وتمنينا (أنا وماجدة) من الرب أن نزور بأقرب فرصة معرض للصور بعدسة الرائعة غادة بعد أن تكمل دراستها، فلغادة عين جميلة خلف عدسة كاميرا لا تلتقط إلا كل ما هو جميل.

يا ربي كم هي تلك الأسماء التي تعني (هن) جميلة وبديعة وذات معاني عميقة، أخذت الكثير من وقت أهالينا وهم يبحثون عنها كما غنت فيروز (اسامينا شو تعبوا أهالينا ؟!؟ ،،، تلقوها ،،، وشو افتكروا فينا ؟!؟)، ونحن اليوم ببساطة وببرود دم نخجل من أن ننسب لها أو ننادى بها. بكل فخر كان يمتلك الرسول وهو يُعرف بقريباته ويتباهى بهن بين المسلمين، أقول وبصوت عالي وبذات الفخر أنا عاد بن سامية بنت مريم، صحيح أنكم ستجدون في أول شهادة كُتبت لي من بعد وصولي إلى هذه الدنيا أن اسمي (عاد بن نعمان)، فبأول خانة كتب اسمي وبالخانة المجاورة اسم أبي وفي الخانة التالية وبذات المساحة من سابقاتها كُتب اسم أمي(سامية)، وما أنا الآن بفاعل غير أن أنقل تلك الخانة من شهادة ميلادي إلى الواقع وأمام الجميع أقول أنا عاد بن سامية.

نصيحة ،،، تفاخروا بأسمائهن وأعلنوها للعالمين قبل أن تُكشف يوم القيامة أمام بعضكم، فالخجل منها يومها سيكون أمام الرب.

al-meena1920@hotmail.com