احمد هائل سعيد:إرادة و ريادة
بقلم/ د. عبد القادر مغلس
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 16 فبراير-شباط 2010 10:31 ص

الإهدا ء: إلى أولاد وأحفاد هائل سعيد انعم ذكورا وإناثا

 قد تكون مفاجأة للكثيرين. لكني كنتُ حاضرا المشهد. وما تزال التفاصيل حقائق على ارض الواقع حتى اليوم. ففي الوقت الذي كان فيه السياسيون والحزبيون (يكولسون) في الظلام و يؤسسون لصراعات دامية طويلة المدى ويحيكون مؤامرات الصراع على الكراسي كان المحسن الكبير احمد هائل سعيد انعم يضع اللبنات الأولى لتأسيس جامعة تعز. وقتذاك كانت الأزمة قد بلغت الذروة واستحكمت حلقات الصراع بين صناع قرار الوحدة. رأيته في عام 1992 يقوم بزيارة سريعة لمبنى معهد الثلايا لتأهيل القادة الذي تسلمته كلية التربية التابعة لجامعة صنعاء من القوات المسلحة و كنتُ حينذاك معيدا في الكلية(قسم اللغة الانجليزية). أراد هذا الرجل الاستثنائي أن يقدم شيئا ينفع أبناء الوطن بعيدا عن مؤامرات العسكر وخُدَعِ الساسة. رايته يسأل بشوق واهتمام عن عدد القاعات التي يَدْرُسُ بها الطلاب والطالبات. لم تكن الإجابات مطمئنة. قاعات محدودة ومتواضعة كانت تتبع المعهد ولم تكن كافية لاستيعاب عدد الطلبة المتزايد في الكلية. و قرر بدون تردد بناء وتشييد خمسة عشر قاعة إضافية ما تزال تؤدي دورا تنويريا وعلميا وتنمويا حتى اليوم في مبنى كلية الآداب بجامعة تعز. شاهدته يشير بيديه إلى مواقع بناء القاعات ويشرح كيف سيكون شكلها الهندسي المتناسق. ولم ينسَ أن يسال عن المرافق الصحية التي يستخدمها الطلبة. أشار احد الحاضرين من موظفي الكلية إلى مبنى قديم متهالك. انطلق بحيوية ونشاط نحو المبنى. ورأيته شخصيا يسرع بالدخول إليه ويتفقد مرافقها واحدة تلو الأخرى. وعلى أنقاضها وجه بإنشاء مرافق صحية مستقلة للجنسين من الطلبة ما تزال تعمل حتى اليوم.

وتوالت اهتماماته بجامعة تعز من خلال متابعته الدائمة لشئونها وبرامجها التعليمية ومراحل تطورها لأنه يدرك أن التعليم هو الرهان الوحيد من اجل التغير. وأراد بحب وشفافية أن يؤسس لشراكة إستراتيجية مستقبلية مع الجامعة. و تكللت جهوده بإنشاء كلية السعيد للهندسة وتقنية المعلومات. وهي تعتبر احدث كلية في هذا التخصص في منطقة الشرق الأوسط. وهذه الكلية بحد ذاتها تعتبر جامعة تكنولوجية متكاملة بمبانيها الخمسة الرائعة في الحرم الجامعي. وبمثل هذه المبادرات أراد أن ينقل المجتمع المحلي إلى الجامعة من خلال إطلاق شراكة تعزز علاقة المجتمع بالجامعة. إن هذا العقل الكبير لهو الذي يقف خلف هذا الصرح التنموي والحضاري في الجامعة وهو الذي أدار بمهارة فائقة اكبر إمبراطورية تجارية في تاريخ اليمن الحديث في أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها الوطن. فهو احد الأفراد القلائل الذين سكنهم مبكرا هاجس حب الوطن والشعب وانخرط صبيا في إحدى خلايا العمل الوطني في مدينة عدن وناضل في سبيل التحرر من الإمامة والاستعمار. فقد كان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على مقربة وعلاقة لصيقة بقادة الفكر التحرري الوطني كالنعمان والزبيري وغيرهما.

فهو العقل الإداري الريادي الذي وضع الخطط الكفيلة بتحويل المستحيل إلى ممكن. فقد أسس في مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه نظاما إداريا دقيقا وبمواصفات عالمية. وبهذه الإدارة الحديثة استطاع أن يوجد خلال مرحلة قصيرة قلعة اقتصادية تفوقت على أخريات أقدم حضورا وأطول باعا في السوق محليا وإقليميا. وكل المشاريع التطويرية التي شهدتها المجموعة تعتبر من بنات أفكار هذا العقل الاستثنائي المبدع الذي سعى بشكل كبير إلى إيصال المجموعة إلى ما وصلت إليه من تطور وازدهار. فهو يمتلك قدرات معرفية ومهارية اكتسبها من خلال دراسته في بريطانيا أهلّته للحصول عن جدارة على اللقب العلمي (الدكتوراة) من جامعة افريقيا العالمية في السودان. فجامعات العالم العريقة اليوم استبدلت شهاداتها الورقية بمشاريع استثمارية تمنحها للخريجين. وهدفها الرئيسي أن تؤهل خريجا يستطيع أن يوفر فرصة عمل في السوق له ولمن حوله. ووجدت هذه الجامعة تلك الصفات قد تحققت في شخصية هذا الرجل المتميز الذي استطاع توفير الآلاف من فرص العمل في داخل الوطن وخارج الوطن في البلدان التي تمارس فيها المجموعة نشاطاتها التجارية. فهذا العقل قاد أسطولا تجاريا ناجحا وأوصله إلى شاطئ الأمان واستطاع أن يجنبه الوقوع في كثير من (الكمائن والمكائد) المصطنعة قبل الوحدة وبعدها حتى أصبحت المجموعة في هذا المستوى الريادي محليا وإقليميا ودوليا.

يعرف المقربون من هذا الإنسان المتواضع تميزه بأفكاره الأنيقة الرائعة. ويستطيع المرء أن يدرك ذلك من خلال ابتسامته وإطلالته المتفائلة المفعمة بالمحبة للآخرين. بل إن الانطباع الأول الذي يخرج به من يقابله لأول مرة يدرك أن هذا الرجل ينتمي لمدرسة جيل الرواد العظام الأوائل. فهو يحمل عقلا مرتبا وشخصية على قدر كبير من الكفاءة الإدارية وظفها في خدمة بلاده ومواطنيه. فالنجاحات التي تحققت لهذه المؤسسة العملاقة تدين بالشيء الكثير لهذا العقل الاستثنائي المبتكر والمبدع الذي يتأمل المستقبل بنظرة (ميتافيزيقية) ويضع الخطط لمواجهة مستجدات ومفاجآت السوق. فالعمل المؤسسي الذي تتمتع به المجموعة اليوم أوجده هذا العقل الكبير الذي يتمتع بروح شبابية متجددة ويحمل قيما تجارية رفيعة. فلديه قناعة تامة بالانتماء إلى عامة الشعب. ورأيته شخصيا في أكثر من مناسبة وهو يقدم واقفا الطعام بيديه لضيوفه الذين لا يعرفهم فازداد رفعة في عيون الآخرين.

وحقيقة فلم تكن بداية هذا الإنسان العصامي سهلة مفروشة بالورود. بل على العكس من ذلك, فقد كان والتحديات لا يفترقان منذ رأى النور عام 1932 في قرية (قرض) بقضاء الحجرية في محافظة تعز التي غادرها طفلا صغيرا سيرا على الأقدام متجها نحو عدن. وهو يمتلك في هذا الجانب الكثير من الأسرار والحقائق التي تكشف وتوضح تفاصيل المسيرة الطويلة التي تكللت بالنجاح والتميز. ويتمنى الناس أن يقرؤها ليقفوا على سيرة حياة رجل صنع المستحيل و اجترح الصعاب في سبيل الريادة وخدمة الناس بعون وتوفيق من الله سبحانه وتعالى. فهو دائما يعمل على تخفيف معاناة المواطنين من خلال دعمه الكبير للأعمال الخيرية وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي التي تتبناها المجموعة وكذلك القيام ببناء وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والخدمية التعليمية والصحية وغيرها. وهو يعمل, بتواضع جم رفيع ودون رغبة في الأضواء والظهور, على مداواة جراح الآخرين الذين يتعرضون لتقلبات الأيام و نجد يده دائما ممدودة لرفاق دربه الذين جار عليهم الزمن. وما يزال يمثل دون منازع الخير(المطلق) في المجموعة.

لقد أسس مدرسة أخلاقية فاضلة اكتسب مبادئها وأسسها الأولية من توجيهات والده المرحوم هائل سعيد وفقيهي القرية اللذين تتلمذ على يديهما (غالب حسن) و(شاهر داؤد) لقيادة القطاع الاقتصادي والمالي في الوطن وخارجه أوصلت المجموعة إلى العالمية. ولو كان في بلد آخر لأصبح اسمه ورسمه يعلو اكبر وأشهر معلم من معالمها الوطنية البارزة. لان هذا العقل الخلاّق مكسب للدولاب الاقتصادي المحلي والإقليمي والدولي بشكل عام. لكننا نتأخر كثيرا في اكتشاف العقول والرجال الكبار ونصحو بعد فوات الأوان. فتجربته في إدارة المؤسسات الاقتصادية تحتاج إلى بحث ودراسة علمية رصينة. وبكل تأكيد سنصل إلى مبادئ وأفكار تؤسس لنظرية تجارية فريدة كما هو شأن مؤسس (بنك الفقراء) محمد يونس الذي حصل على جائزة نوبل العالمية في الاقتصاد وأصبحت تجربته تطبق في العديد من البلدان. ومن حق الأجيال القادمة معرفة تجربة النجاح التي صنعها الإنسان العظيم بأخلاقه وأقواله وأفعاله الأستاذ الدكتور احمد هائل سعيد انعم.