نطالب بحماية دولية تنقذنا من التسول بإسم صنعاء
بقلم/ أروى عثمان
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 14 يوماً
الخميس 11 فبراير-شباط 2010 06:33 م

\"... وما أكثر ما ناضلنا ، نحن الطلاب ، بالالتماسات ، وبالمظاهرات ، والمقالات لكيلا يُهدم المنزل الذي قضى نحبه فيه بيتهوفن ! لقد كان كل بيت من هذه البيوت التاريخية في \" فيّنا \"كأنه بضعة من الروح يريد القوم أن ينتزعوها من أجسادنا\"

من مذكرات الروائي النمساوي ستيفان تسفايغ .. كتاب عالم الأمس (1881-1942) .

هناك حكاية شعبية تحكي أن دباً حاول أن يبعد ذبابة مزعجة عن وجه صديقه النائم الذي يحبه كثيراً ، فما كان منه إلا أن أخذ صخرة كبيرة ليقتل الذبابة فشج رأس صديقه وقتله .

وهذا هو حال كثير من ذوي التركيبة النفسية لبعض اليمنيين الذين يحبون ، فيعقلون الحب بالأصفاد ويقتلونه ، ليس فقط على محبيهم من البشر ، بل وعلى مدنهم ، و تاريخهم و الأفكار .. الخ وحوادث التاريخ مليئة بالعبر .

وهذا للأسف حكاية صنعاء ، وصنعاء القديمة خصوصاً قصتها مع الحب الذي أودى بها من قبل أهلها و \"عشاقها \" ، ومحبيها ومتعهديها ، والقائمين عليها نحو الهاوية .

**

إن إحاطة صنعاء بهالة من القداسة المبالغ فيها ، وتحويلها إلى طوطم وتابو ، يصيبها في مقتل ، وما أكثر القتلات التي تتلقاها صنعاء القديمة ، من هوس الاحتواء الذي يعزلها ويمزقها ، بل ويحولها إلى مومياء محنطة ، لا يتفرج عليها سوى أولئك المحبين لها بجنون جانح وجامح .. فهي تنهار أمام أعين الجميع ، وبالذات أمام عشاقها الأسطوريين وكلما رأوها تغرق ، يستشيطون بمؤتمر وراء مؤتمر ويستنجدون ، ليس للداخل المحب لها ، بل كالعادة بالخارج ، الذي دوماً نستنجد به على ابسط الأشياء ، نستنجد به للأسف من أنفسنا التي لخبطتها ، وعاثت فيها خرابا – طبعاً لا يمكن أن نعترف بهذا ، فالاعتراف بالخطأ من سمات اللا رجولة ، والجبناء - .

**

دائماً - نحن اليمانيون والعرب - نبحث عن المخلص المنقذ – تلك ثقافة تشربنا وجبلنا عليها من طفولتنا – فالمنقذ يختلقه عجزنا المستديم ، نظل ننتظره أزمنة سحيقة ، وسط موات تاريخي .. وحتى اللحظة لم نستطع أن نحول المخلص إلى حركة وعمل دؤوب نحو الذين نحبهم .

**

مذ عرفت نفسي ، وأنا أسمع عن مشكلة صنعاء الأزلية : أزمة السائلة ، وما أدراك ما السائلة الذي لن ننتهي منها ، فما أن نوشك من الانتهاء منها ، حتى تتفجر سائلات في كل بقعة . وثالثة الآثافي أننا نحن من ابتدعنا السائلة ، ومن يجددها كلما فترت الهمة ، ثم بعدها نقوم بخبز المؤتمرات وتوابعها ، وكله في بطن \" طاهش السائلة \" الذي لا يشبع ولن يشبع \" جهنم ما ترد ميت \" . فكما يعرف الداخل والخارج والقاصي والداني ، ومن خلال عشرات التقارير التي قراناها : أن ما صرف على \" مسمار \" السائلة كان يكفي لبناء مئات صنعاء وصنعاء .

والنتيجة صنعاء التي يتشدقون بعشقها كلاماً ، و\" ينعثون \" فيها في كل عرق ومفصل تغرق في مجاريها وفوضاها العبثية وعشوائيتها المتوجة بإبداع عشاقها .. لقد أصبح الغرق هو المحرك للسائلة لتسمين المسمار وجعله حاداً يقتل أي شيء يقف ضده ، كوجود قانون مثلاً ، يوقف السعار المستعر في صنعاء القديمة.

**

لعل بعض الحل لمشكلة صنعاء ، سوف يتأتى من ابتعاد عشاقها المهوسين عنها قليلاً فالاحتضان بقوة ، كسر ضلوعها ، وكتم نفسها كما كتمت في مشاريع رصف طرقاتها التي حبست تنفسها ، وما كان للسائلة وأخواتها وما تجرفه السيول إلا أن تدمرها .

فحل مخانق صنعاء ينبغي أن يبدأ منا وفينا .. من وجود قوانين ، دولة ، المحاسبة والعقاب لتناسل لعصابات الناهبين والمفسدين لصنعاء والمتخذين من صنعاء أداة للشحت والجباية .. حل مخانق صنعاء لن يتأتى بابتداع وتفريخ الجمعيات والإدارات ، والمجالس ، والمقايل والثكنات تحت مسميات وشعارات ( لحماية ، تطوير ، اهتمام ، نجدة .. الخ) لكن ، كسر لعبة \"الكراسي الموسيقية \" ووقف دائرة الالتهام للمسرحية العبثية للعبة : \" واحمامة سودي ونودي \" فكل حل مربوط بالذي يليه الى مالا نهاية ، فسيدي الذي يسافر الى مكة وغيرها يجب للبحث عن \" الكعكة \" الدسمة التي هي في المخزن ، والمخزن الذي يشتي داير \" مفتاح\" والمفتاح عند النجار ، والنجار الذي يريد كل شيء ، ولا يعمل أي شيء سوى إنتاج المزيد من السائلات \" الحفرة الأزلية \" في خاصرة وقلب صنعاء واليمن أجمع .

**

لا نغالي إذا ما قلنا أن قداسة التخريف وتخريف القداسة هي التي حولت صنعاء سائلة نتسول منها ، ولا تجد صنعاء المحرومة والثكلى من كل ذلك التسول إلا اسطوانة \" صنعاء حوت كل فن \" الحب الهستيري لعشاقها الأفذاذ ، و\" الديناموهات \" المحركة لها ولمؤتمراتها الطويلة العريضة التي تتفنن في المزيد من الإغراق والتهلكة .

**

الفن الذي حوته صنعاء ، صنعه أهلها : أجدادنا وأمهاتنا ، فعملوا البساتين ، وعشقوها بلا مشانق وانشدوا لها القصائد والأشعار ، ثم خرجت ب \" صنعاء حوت كل فن \" أما فنونها اليوم ما يحدث لها : بساتينها جفت ، والمقاشم خرائب .. الا من .. المتنفذين ( عشاقها ) كل واحد يريد أن يستحوذها لنفسه ، وسمعنا عن فضائح البسط بالجملة على أراضي ومتنفسات صنعاء ، والعبث بنسيجها المعماري الآسر ، ووو.. الخ .

**

ثم وقفنا على فنون الذاكرة ، فلم نُدخل لصنعاء فنون حداثية أوسع وأرقى ، فعشاقها الأشاوس نسجوا حولها ترسانة التخلف والتقاليد والعادات البائدة من :أنها مدينة محافظة ، ويجب أن تكون مستورة ، محوّطة ، مخبأة في أسفل \" التختة \" ولا مانع من زيادة في السترة ، دفنها تحت الأرض ، خشية أن ينظر لها أحد أو يلمسها احد غير \" أهل البيت \" فهم وحدهم الذين يعرفون على من يكون ظهورها وعلى من تتخفر ، متى يخرجونها من القبر ، ومتى يدخلونها إليه . ولا ضير من فن الإنشاد ، وحده ولا غيره ، هو الذي يتماشي مع ثقافة الأخفرة والأحجبة . فذهنية التحريم ل\" حامي الحمى \" وحده ولا غيره يعرف ان صنعاء لا يجب ولن تكون مثل بقية المدن التاريخية في العالم التي تجاهد حكوماتها ، وشعوبها ومحبوها الحقيقون لتكون نافذة على العالم ، على غرار البندقية ، أو أصيلة ، أو بيت الدين ، بعلبك ، جرش .. الخ سترة صنعاء لا تتعايش مع وجود مسرح ، دور سينما ، ومراكز ثقافية ، نصب وتماثيل تذكارية ، مراكز للفنون التشكيلية ، نحت ، عروض ، ومهرجانات محلية وعالمية ، حدائق للصغار والكبار ، مقاهٍ تقليدية وحديثة ، فنادق راقية ..الخ فذهان عشاقها وتخريفاتهم المرضية ادخل صنعاء في قعر أعينهم ، وأغمضوا عليها بقوة الامتلاك والاستحواذ ، فلم يتركوها تتعرض للشمس ، ولا للهواء ، ولا للضوء ، فكان من الطبيعي أن تتكسح وتصيبها الهشاشة في بنيانها وعظامها ، وأن تصل الى التعكز وتركن في \" الزوّة \" حتى يأتيها الموت !

**

من يرى صنعاء القديمة يجدها تتردي من عام إلى عام ، فاجعة – يا جماعة الخير - أن تكون هذه الجوهرة في الألفية الثالثة، بلا صرف صحي ، وان منازلها التي حافظت على صمودها مئات السنيين تخرب من سكانها المحبين جداً لها ، والمرعب أن الكل يتفرج من المحبين ، والداخلين والخارجين حكومة ، وشعباً ومؤسسات ، فكل ما تهدم بيتاً ، وانفجرت بالوعة ، وعمرت القمامات في أركان بيوتها ومساجدها ، كلما حملنا تعويذة \" صنعاء حوت كل فن \" للمزيد من التسول والشحت المقدّس .

**

جريمة أن يتحوّل هذا المكان الهادي \" صنعاء القديمة \" الذي نلوذ به من ضجرنا ، وضجيج المدينة أن تفسد بالموترات والسيارات ، ومواتير الكهرباء التي تعد أكثر من عدد الحجارة التي رصت بها أزقتها وشوارعها ، وأكثر من ساكنيها ، فتخلف الموت من جراء سموم أدخنتها المنبعثة ، فضلاً عن التلوث السمعي والبصري – وكأنه لا يكفينا الديناموهات البشرية المحبة لصنعاء التي هي أثقل من كل حجر في صنعاء القديمة . .

**

مهول وهذا العشق الخرافي والتخريفي الممجوج أن تتوسد كل حجر في صنعاء أرتال القمامات ، وللعلم أن أساطين صنعاء من تجار ومسئولين ، ومثقفين وإعلاميين يعيشون في صنعاء .. نريد أن نعرف من أين يمرون وهم يتوجوهون إلى أعمالهم ؟وما نوعية أقدامهم ، وتركيبة أنوفهم ؟ ونوعية أبصارهم ، فمثلاً : كيف لا \" تحنب \" أقدامهم بأكياس \" العلاقي \" المليئة و\" المنعوثة \" بالقمامات ، بالتأكيد إنهم يمتلكون أحذية مضادة للقمامات ، وكذلك يمتلكون أنوف خرسانية تحجب الروائح ، وأبصار اتوماتيكية تحول الخراب إحدى عجائب الدنيا السبع ، أو أنهم تألفوا مع الخراب ككل اليمنيين ، ممكن يعيش في قصر أو حفرة .. لا ضير .

**

مخجل ومخزٍ ، وعار على حكومتنا ومسئولينا ، ومحبي صنعاء وتجارها الشطار أن نستنجد بالمنظمات الدولية ليس لأجل التحاور لأن تكون صنعاء مدينة مفتوحة على ثقافات الشعوب ، أو أن نستدعيهم للتشارك في مشاريع الحياة الإنسانية ، لأجل أن نجعل من قصر غمدان متنفساً لصنعاء ، ليكون قصراً للثقافة ، يحوي المسرح والسينما ، والمكتبة ، وقاعات للنحت والتشكيل ، والغناء والرقص ..أو نستدعيهم للتعاون في استضافة فناني العالم ، ليعرضوا فنونهم ، ونتشارك لعمل جداريات تجمل صنعاء ..لكنا نستنجد بهم لينظفوا قماماتنا وفضلاتنا ، ويحمونا منها ( عزكم الله ) التي أغرقتنا ، وأغرقت منازلنا ( وهذا لا يحدث في أي مكان من العالم ويحدث فقط في اليمن ) .

لو كان عرف بازوليني ، ومختار امبو أن مشكلة صنعاء هي نفس المشكلة التي جعلتهم يتحمسون في الثمانينات ، لأجل أن يرتفعوا بصوت صنعاء لحمايتها دوليا ، وأننا حتى اللحظة نتوحش في تدميرها حتى نحصل على المعونات ، لخرجوا من قبورهم ليقولوا .. كفى ! استحوا على أنفسكم قليلاً !!!!

**

\" والله إننا طرشنا وجهنا بمرق كثير الدسم والثربات \" ففي عهد جداتنا كانت صنعاء نظيفة ، بلا أمانة صنعاء ، ولا رسوم النظافة ولا لجان البلديات ووو..الخ كن ينظفن بيوتهن مثلما ينظفن خارجها من \"الحويات \" والشارع . والآن نستدعي حملات دولية لأجل أن تعرفنا كيف ندير مطاعم نظيفة للوجبات التقليدية وغيرها ، بطهاة بهيئة\" نظيفة لا أن تطبخ الكباب وتبيع الحلويات وملايين الذباب تزاحم صحونك ، بل وتبيع المأكولات وبجانبك يباع سم الفئران والمبيدات الحشرية !

**

عالمية صنعاء تأتي من أن تكون مفتوحة ليس كلامياً بل بالفعل أن تكون مفتوحة لكل الناس أياً كانت طوائفهم ، ألوانهم دياناتهم ،أجناسهم ، بلا تمييز ، وعنصرية وعصبوية ، وبأن \" صنعاء للصنعائيين \" كما نسمع هذه الأسطوانة - فبازوليني هو الذي أدخل صنعاء قائمة التراث العالمي لأنه كان يحبها حباً إنسانيا صرفاً ، فصنعاء ليست ملكاً لأحد ، وتراثها أيضاً ، هي ملك للإنسانية جمعاء ، فالكثير من الطغاة الذين حكموا على مدنهم بحب ( الدببة ) انتهوا بها أن أصبحت فاشية ، وانتهى بها كما حدث لروما ، وألمانيا ، والتاريخ العربي ملي بالمفجعات . فرائحة النعناع والورد البلدي والشذاب والريحان لأجل أن يتنشق روائحها الجميع . فصنعاء مدينة مفتوحة ..

**

اعتقد نحن بحاجة ماسة الى حماية دولية ، تخرجنا من هصر أعناق مدننا وتحويلها الى أسر وبطون وأفخاذ \" قبيلة \" وقرى متكسحة بعد أن عاشت قرونا طويلة مدينة . نحتاج الى حملة دولية تكسر التابو والقداسة لصنعاء ، فيكفينا من الكوجيتوهات التي عزلتنا عن الحياة والعالم .

صنعاء لا تحتاج إلى مؤتمرات نسكب فيها عجزنا المستخف واستهتارنا ومخاوفنا الكاذبة المخاتلة ليتسع فم السائلة وتسمينها ، تحتاج إلى صدق فقط لا غير ، يطبق القانون فيها .

إننا بحاجة أكثر إلى حملة دولية لأن نرد الاعتبار لرنيين الحجول \" المرأة \" وارتفاع صوتها عبر فنون الموسيقى بكل ألوانها في مدينة صنعاء ، وكل مدن اليمن .. هذه حملتنا الآن ومستقبلاً ، فالفن هو الذي سيرد الاعتبار للقيم والأخلاق ، بمعنى .. سيجعلنا نخجل قليلاً !.

نداء:

المراسلة : خطوة أولى لحماية تراثنا الشعبي ، اجمع ودون ما تستطيع جمعه من تراث ، وأرسله إلى بيت الموروث الشعبي ، صنعاء ، باب البلقة ، ص،ب: 33081، فاكس / ،

482178 arwaothman@yahoo.com