دور الزكاة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية
بقلم/ محمد يحيى محمد الكبسي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 08 يونيو-حزيران 2009 04:36 م

مارب برس – خاص

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، فالزكاة في السنة كما هي في القرآن ثالثة دعائم الإسلام، التي لايقوم بناؤه إلا بها، ولايرتكز إلا عليه. ولذا فالزكاة أبعد وأعظم من أن نتناولها على أنها فقط عبادة من ضمن بقية العبادات. فهي فرض لا يتم إسلام المسلم إلا بالاعتراف بها وبمشروعيتها ثم بإدائها كما هي مشروعة. وهي تمثل أيضاً بالنسبة لبقية الأركان الركن المالي لارتباطها بالمال تحصيلاً وصرفاً.

أما البعد الآخر لأهمية الزكاة ففي كونها تمثل في الجانب الحياتي نظاماً" للضمان الاجتماعي الإسلامي شامل وأصيل، وفريد متميز، يحوز بجذوره الدينية وبأحكامه الرائدة قصب السبق على أنظمة التكافل والتأمين الاجتماعي المعاصر جميعا" (الزكاة الضمان الاجتماعي.حسين عثمان عبدالله .ص 101) ولذا يرى كثيرٌ من المفكرين الاقتصاديين المسلمين " أن الدولة لو طبقت الزكاة بشكلها الحقيقي لما كان على مال الناس من فريضة غيرها في غير الظروف القاهرة، ولاستوعيت وزارات بأكملها لخدمتها منها وزراة المالية، ووزارة الشئون الاجتماعية، ووزارة التأمينات"( أصول الاقتصاد الإسلامي .محمدعبدالمنعم عفر ويوسف كمال. ج1/381)

كما أنه بالإضافة للزكاة التي هي الأداة الرئيسة في مؤسسة الضمان الاجتماعي الإسلامي فهناك أدوات أخرى لها دور في رفد مؤسسة الضمان الاجتماعي الإسلامي إن لم تكفي موارد الزكاة لتغطية حاجات الضمان كالوقف والصدقات بأنواعها.

ولكن هل للزكاة من دور مؤثر في المعالجة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للأزمات الاقتصادية والمالية. خاصة مع ما نمر به هذه السنوات من أزمات متتالية جعلت هذه السنوات كسني يوسف سنوات عجاف. فمن أزمة ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة أستفادت منه دويلات محددة وقليلة بينما عامة المسلمين اكتووا بنار هذا الإرتفاع الذي ولد أزمة أخرى هي أزمة الغذاء، ثم جاءت الأزمة المالية لتأكل كثير من أرباح الأزمة السابقة التي جنتها الدول النفطية، وما زلنا نعيش في ظل هذه الأزمة التي أظن أن ما تم من معالجات إنما كانت مهدئات وقد تثور من جديد في ليلة وضحاها وتكون أعظم مما بدأت به.

وعلى كل الذي يهمنا هنا هو أن للزكاة المعجزة التشريعية دور في معالجات هذه الأزمات كأداة اقتصادية بالإضافة لدورها الرئيس في تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع المسلم يتضح من خلال معرفة أن من أهم أهداف السياسات الاقتصادية تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وقد رأينا كيف كانت آثار الأزمة المالية 2008م على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وتكمن خطورة الأزمات الاقتصادية في انهيار الاستثمارات وظهور الكساد وبالتالي الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، ولذا لابد من تدخل الدولة كما يراها جون كينز من خلال الإجراءات المتاحة لمحاربة الأزمة مثل إعادة توزيع الدخل بفرض رفع الميل للاستهلاك، وتدخل الدولة بإقامة استثمارات عامة، والعمل على تغيير الفن الإنتاجي، وضخ كمية من الإنفاق العام للخروج بالاقتصاد من محلة الكساد لاجتياز الأزمة، وخفض سعر الفائدة لضمان استمرار وجود تدفق نقدي.

ويأتي دور الزكاة العلاجي في أثناء الأزمات أولاً من خلال رفع الميل للاستهلاك بسبب الدخل الحاصل عليه مستحقي الزكاة، وهذا يؤدي إلى حفز السيولة النقدية على الارتفاع ، ومضاعفة التداول النقدي عن طريق الإنفاق على المستحقين لها في مصارفها المحددة ذات الميول الحدية الاستهلاكية العالية مما يزيد من القوة الشرائية التي بأيديهم ينفقونها على حاجتهم الاستهلاكية مما يرفع بالتالي من حركة السيولة النقدية. مع تحقيق توازن بين التيار السلعي والنقدي. وثانياً من خلال رفع مستوى التشغيل كون الزكاة تمثل موردا فريد يساهم في تمويل المتطلبات التنموية للمجتمع دون حاجة ملحة إلا عند الضرورة للإلتجاء للخارج. ( انظرالزكاة الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي.نعمت عبداللطيف مشهور)

كما تقوم الزكاة بتحفيز الأفراد على الاستثمار من خلال وسائل منها محاربة الاكتناز، وتنشيط قوى السوق (العرض والطلب)، وتنشيط قوى الإنتاج وزيادة التشغيل. فالاكتناز الذي يعتبر من أسباب التخلف الاقتصادي لأن تسرب هذه الموارد من دورة الدخل والإنتاج يؤدي إلى عجز النشاط الإنتاجي من الوصول إلى أفضل مستوياته. وبما أن الزكاة تجب في الأموال النامية حكما أو تقديراً فإن الأموال المكنوزة التي لم تشارك في أي نشاط اقتصادي ستتآكل بسبب إخراج الزكاة منها بشكل دوري، ولذا فالزكاة تشجع حائز المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله حتى يتحقق فيها فائض مجز يؤدي منها الزكاة. (انظر الزكاة عبادة مالية وأداة اقتصادية.أحمد إسماعيل يحيى. ص:232) ولا يوجد طريق آخر أمام حائز المال المسلم لتجنب تناقص ثروته بسبب الزكاة غير الاستثمار لأن الفائدة التي هي حافز عند غير المسلمين محرمة تحريما قطعيا عند المسلم لأنها ربا. فلا يبقي إلا حافز الربح عن طريق الاستثمار. حتى يخرج الزكاة من عائد الاستثمار لا من رأس المال.

و من دور الزكاة الاقتصادي التأثير على الطلب الفعال. فأنه من المعروف عند حصول الأزمات الاقتصادية أن العلاج في تفعيل دور الطلب للخروج من الأزمة، وهذا كان من مقترحات كينز في علاج أزمة الكساد الكبير1929-1932م ، وأما دور الزكاة في التأثير على الطلب الفعال من خلال الزيادة في دخل الفقراء والمساكين التي آلت إليهم من الأغنياء، فولدت قوة شرائية جديدة تولد طلبا فعالا على السلع. وهذا التأثير الإيجابي للزكاة على الاستهلاك يؤثر على العرض بالمقابل لأن الطلب الفعال الناتج يحرك الهياكل الاقتصادية نحو مزيد من الإنتاج لتقابل الطلب المتزايد على السلع من قبل الفقراء والمساكين بعد حصولهم على حقوقهم من الزكاة.

وهذا كله يؤدي إلى تشغيل عالي لليد العاملة، واستغلال أكثر للموارد المتاحة، وبالتالي دوران عجلة الاقتصاد من جديد، وتجاوز الأزمة بأقل آثار.

ولكن هذا كله يرجع إلى وجود آلية منضبطة ودقيقة في مراحل جمع الزكاة ثم صرفها في مصارفها. فليس من صلاحيات الدولة والقائمين عليها الاجتهاد في مصرف لم يأت بالنص الشرعي. فالزكاة لها شخصية معنوية اعتبارية ووحدة محاسبية مستقلة فلا موقع لأموال الزكاة ضمن الإيرادات العامة أو الإيرادات السيادية الضريبية في الموازنة العامة للدولة. (انظر تنظيم ومحاسبة الزكاة في التطبيق المعاصر. ص: 320) وبوجود شفافية في الجمع ثم الصرف لأموال الزكاة ستأتي الزكاة دورها الشرعي والاجتماعي والاقتصادي على خير وجه وأكمله.

ويمكن أن نخلص بنتيجة مفادها أن سبب الأزمات الاقتصادية هو في مخالفة أمر الله عزوجل، من التعامل بالربا والقمار والغرر (ما يدور في الأسواق المالية وأسواق السلع) ، وأن علاجها باتباع شرع الله عزوجل من إخرج الزكاة ومراعاة المحتاجين بكل أشكال الصدقات الأخرى، والتسابق في الإحسان إلى الناس.