بائع السمسم ودوره الصاعد في المنطقة
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 28 يناير-كانون الثاني 2009 09:28 م

حين كانت الشعوب العربية والإسلامية تملا الشوارع , غضباً على حكامها, ونصرة لقضية الأمة – قضية فلسطين – كانت ترفع فوق الرؤوس صور لقادة وزعماء وقفوا موقف الشجاعة من أحداث غزة, ولم يتباطئوا في إدانة الظالم , ويدعوا إلى نصرة المظلوم, وكان من بين هؤلاء الزعماء والقادة, زعيم حز ب العدالة والتنمية ورئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان , هذا الرجل العظيم له التقدير والاحترام من أبناء الأمتين العربية والإسلامية .. فهو رجل يوازي كل حكام العرب الذين لم يحرك الـ6000 شهيد وجريح ولا ذرة من نخوة العرب أو أخوة الإسلام أو حتى الإنسانية التي يجب أن تكون اقل ما يتحرك في نفس الإنسان لغزة هذا الرجل يستحقُ تحية كبيرة من كل عربيّ حُرّ على موقفه الرجوليّ الذي يفيضُ إنسانيةً وعِزة.. ليس من أجل أنقرة أو اسطنبول غَضِبَ الرجُل، ولكن من أجل \"غزّة\" الفلسطينية العربية المسلمة.. غزة التي باعها الكثيرون بثمنٍ بخسٍ وربما بلا ثمن.

هذا الرجل ليس عربيّاً ولكنه إنسانٌ مسلمٌ حُرّ يعرف أن الدنيا لا تُغني عن الآخرة، وأن اللهَ حرّم الظلمَ وجعله بيننا مُحرّماً. هو قال ما يعتقدُ أنه صوتُ الضميرِ وصرخ بوجه العالم صرخةَ حقٍّ، وبصق على وجه الصهاينة غضباً واحتجاجاً وقال لهم ..كيف تتحدثون بعد ذلك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟!

أردوغان رجُلٌ شُجاع، وإنسانٌ لم تلّوثه السياسة وتُنسيه إنسانيته، وهو يستحقُ أن يكون حاكماً للعالم بآسره وليس لتركيا فقط، لم يتخاذل أردوغان بل صالَ وجالَ وفُجعَ بما رآه .

أحييّك يا رجب فلو كان فينا \"رجبٌ\" مثلُك أو \"رجبان\" لكان لنا شأنٌ في هذا العالم المكتوب على جبينه العارُ للضعيف والعارُ للجبّان والعارُ للمتخاذل.

كم نحتاجُ لقائدٍ رجب وقائدٍ طيّب وقائدٍ أردوغان، إذن لعرفنا كيف نجتمعُ على كلمةٍ سواء، وعرفنا كيف ننطقُ بالحق بلا جُبنٍ ولا مواربة، كم كنتَ شجاعاً يا رجب وكم انتصرت ولو بالكلمات للشهداء والضحايا الأبرياء

من بائع لكعك السمسم إلى عمدة لاسطنبول

ولد إردوجان في عام 1954، وكان والده عنصرا في خفر السواحل في مدينة ريزه على ساحل تركيا على البحر الأسود, وكان في الثالثة عشر من العمر حين قرر والده الانتقال إلى اسطنبول على أمل ضمان مستقبل أفضل لأطفاله الخمسة.و تعين على رجب طيب، وهو في سن المراهقة، أن يبيع الليمون وكعك السمسم في شوارع الأحياء التي تتسم بقدر أكبر من القسوة في اسطنبول. درس في مدرسة إسلامية ولعب كرة القدم على سبيل الاحتراف. ثم واصل تعليمه حتى حصل على درجة جامعية في الإدارة من جامعة مرمرة في اسطنبول , انخرط أردوغان في سن مبكرة في حزب السلامة الوطنية الذي أسس عام 1972 بزعامة أربكان، وظل عضوا في حزبي الرفاه ثم الفضيلة اللذين شكلهما أربكان إثر موجات الحظر التي كانت تطال أحزابه، وفي عام 1985 أصبح أردوغان رئيسا لفرع حزب الرفاه الوطني في إسطنبول، وفي عام 1994 فاز برئاسة بلدية إسطنبول.خلال فترة رئاسته بلدية إسطنبول حقق أردوغان إنجازات نوعية للمدينة، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة في عموم تركيا، لكن هذه الشعبية لم تشفع له حينما خضع لإجراءات قضائية من قبل محكمة أمن الدولة في عام 1998 انتهت بسجنه بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومنعه من العمل في وظائف حكومية ومنها طبعاً الترشيح للانتخابات العامة.

كان سبب كل هذه العقوبات ما قاله أردوغان في خطاب جماهيري في نفس العام، حيث اقتبس أبياتا من الشعر التركي تقول (المساجد ثكناتنا , والقباب خواذنا , والمآذن حرابنا , والمؤمنون إخواننا )

لم توقف هذه الحادثة طموحات أردوغان السياسية، لكنها ربما تكون قد نبهته إلى صعوبة الاستمرار بنفس النهج الذي دأب أستاذه أربكان على اعتماده، لذلك فهو اغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء ومنهم رئيس الجمهورية الحالي عبد الله غل ويشكلوا حزب العدالة والتنمية في عام 2001.

موقفه في التعامل مع العلمانية التركية

منذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن نفسه أي شبهة باستمرار الصلة الأيديولوجية مع أربكان وتياره الإسلامي الذي أغضب المؤسسات العلمانية مرات عدة، فأعلن أن العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية وقال \"سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا\".

بدا أن أردوغان حاول إمساك العصا من الوسط مقدما شكلا جديدا من الوسطية التي ستكون سببا في فوز حزبه بالأغلبية في انتخابات عام 2002 الأمر الذي جعله يشكل الحكومة منفردا برئاسة عبد الله غل بدلا من أردوغان الذي كان لا يزال خاضعا للمنع القانوني.

بعد شهور تم تعديل الدستور للسماح بتولي زعيم الحزب أردوغان منصب رئاسة الوزارة الذي حاول خلال ولايته التأكيد على نهجه الوسطي، فكان يصرح بأن حزبه \"ليس حزبا دينيا بل حزب أوروبي محافظ\" كما أنه دأب على انتقاد ما قال إنه (استغلال الدين وتوظيفه في السياسة)، وأكد أنه لا ينوي الدخول في مواجهة مع العلمانيين المتشددين وحتى استفزازهم.

في الوقت ذاته ألقى أردوغان بثقله باتجاه قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لم يكن ذلك فقط لإقناع العلمانيين أنه ليس نسخة من أربكان، لكنه أدرك أيضا أن مثل هذه العضوية ستضع تركيا في فلك الديمقراطية الأوروبية التي ترفض أي دور للعسكر وتمنح الناس حرية التدين أو عدمه وهما أمران يمثلان ضربة قوية لجوهر النظام العلماني التركي الذي يمنح الجيش صلاحيات واسعة ويسيطر على التدين وأشكاله.

وعلى الرغم من أن أردوغان تحاشى أي استفزاز للقوى العلمانية -حتى أنه أرسل ابنته المحجبة إلى أميركا لتدرس هناك بسبب رفض الجامعات التركية قبول طالبات محجبات- فإن ذلك لم يحل دون حديث العلمانيين عن وجود (خطر رجعي) قال قائد الجيش التركي إنه \"وصل إلى مستويات قلقة\".

وحتى مع عدم اتهام أردوغان مباشرة بالرجعية فإن الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر -وهو من أشد المدافعين عن العلمانية- اتهم حكومة أردوغان بمحاولة أسلمة كوادر الدولة العلمانية قائلا إن التهديد الأصولي بلغ حدا مقلقا، الأمر الذي رد عليه أردوغان بحدة قائلا إن \"من حق المؤمنين في هذا البلد أن يمارسوا السياسة\".

التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية

تواجه الدبلوماسية التركية منذ استلام العدالة والتنمية للسلطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 تحديات جدية وأحيانا خطيرة تارة بسبب الصراعات الإقليمية القومية والمذهبية (إيران الشيعية والعرب السنة) وتارة أخرى بسبب التناقضات العربية وأكثر من ذلك الفلسطينية.

وبدأت هذه التحديات باختيار رئيس الوزراء عبد الله غول دمشق محطة أولى لجولته الشرق أوسطية بداية عام 2003 لمنع الحرب على العراق. وهو ما أزعج القاهرة آنذاك بحجة أنها زعيمة الأمة العربية ومقر جامعتها.

وجاء التحدي الثاني بتهرب أنقرة من الدخول في تحالفات سنية ضد إيران. وتحدي آخر عندما رفض أردوغان استضافة شارون في أنقرة وتلا ذلك اتهامه لإسرائيل بالدولة الإرهابية لاغتيالها الشيخ أحمد ياسين في مارس/ آذار 2004. , وتحدي رابع عندما رفضت الخارجية التركية طلباً للكيان الصهيوني بزيارة ليفنيى إلى أنقرة لاطلاع المسئولين الأتراك على أسباب العدوان الأخير على غزة

الدور التركي في المنطقة

دون أن تمنع المعطيات المعقدة عربيا وإقليميا ودوليا أردوغان من متابعة المساعي التي بدأها منذ استلامه للسلطة مؤمنا بضرورة أن تلعب تركيا دورا مهما في مجمل تطورات المنطقة المحيطة بها في الشرق الأوسط والقوقاز وأسيا الوسطى والبلقان.

حيث استمر التحرك التركي على جميع هذه الجبهات خلال الفترة الماضية إلى أن أثمر هذا التحرك بإقناع تل أبيب ودمشق بضرورة الوساطة التركية من أجل التوصل لاتفاق سلام سوري إسرائيلي ينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على السلام الإسرائيلي مع الفلسطينيين ولبنان.

وحظيت هذه الوساطة التركية خلال الأشهر الماضية بدعم أمريكي وأوربي خاصة بعد لقاء أردوغان مع الرئيس الفرنسي ساركوزي في دمشق نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي حيث اكتسبت هذه الوساطة طابعا وبعدا جديدين من خلال التنسيق والتعاون الفرنسي التركي الهادف إلى تحقيق السلام الشامل في المنطقة بكل أبعاده السورية واللبنانية والفلسطينية،ولم يتردد أردوغان في توجيه انتقادا.