محمد مرسي.. وسد النهضة!
بقلم/ سليم عزوز
نشر منذ: 5 سنوات و شهرين و 13 يوماً
الثلاثاء 08 أكتوبر-تشرين الأول 2019 04:51 م
 

كان إعلان فشل مفاوضات سد النهضة مناسبة للأبواق الإعلامية لاستدعاء الرئيس محمد مرسي لتحميله وزر هذا الفشل، رغم مرور ست سنوات على عزله من الحكم!

عبد الفتاح السيسي كان سباقاً، فقبل جلسة المفاوضات ألقى باللائمة على ثورة يناير، لكن أبواقه وبعد إعلان الفشل وجدوا من المناسب أن يتحمل مرسي المسؤولية عن ذلك، لأن كلام السيسي قوبل بعاصفة من الرفض، ومن غير المناسب أن يكرروا نفس الاتهام!

ففي ليلة إعلان أن المفاوضات وصلت لطريق مسدود، قامت برامج تلفزيونية في مصر بإعادة بث اللقاء الذي عقده الرئيس محمد مرسي، لمناقشة أزمة سد النهضة، والذي حضره عدد من قيادات الأحزاب السياسية، وكان هذا في مرحلة يتم فيها التعامل مع كل أداء للرئيس محمد مرسي على أنه مادة للسخرية والفكاهة، لدرجة أنهم عندما منحوه الدكتوراه الفخرية من إحدى الجامعات الباكستانية، وارتدى الزي الجامعي الخاص بمثل هذا التكريم.. كان مادة للسخرية في برنامج باسم يوسف، الذي حرص أن يذهب للنيابة العامة التي طلبته للتحقيق وهو يحمل غطاء الرأس الجامعي مقلدا الرئيس عند تكريمه، مع أنه زي يشبه ما يرتديه طلاب المدارس والجامعات في مصر عند منحهم شهادات التخرج، فلم يكن في الأمر ما يدعو لهذه المسخرة!

بسبب الرئيس:

بيد أن هذه المسخرة كانت أسلوب المرحلة، وعندما كان هذا اللقاء الذي عقده الرئيس مرسي لمناقشة أزمة سد النهضة، وكانت السخرية منه، اعتبر أنصاره الأمر مما لا يجوز الدفاع عنه، ومن هذا الباب دخل أنصار السيسي الآن بإعادة نشر هذا اللقاء واستخدامه في القول إن الأزمة التي نحن فيها الآن هي بسبب الرئيس محمد مرسي، وقد صمت أنصاره وكأن الأمر فعلا يجلب العار.

   فكرة بناء السد بشكل عملي، لم تبدأ بسبب الثورة، كما يدعي عبد الفتاح السيسي، أو بسبب محمد مرسي كما تزعم أبواقه وأذرعه الإعلامية، لكن الأزمة بدأت في عهد مبارك في سنة 2009

بداية، فإن فكرة بناء السد بشكل عملي، لم تبدأ بسبب الثورة، كما يدعي عبد الفتاح السيسي، أو بسبب محمد مرسي كما تزعم أبواقه وأذرعه الإعلامية، لكن الأزمة بدأت في عهد مبارك في سنة 2009، وكانت مصر لديها أوراق قوة بددتها، فقد أغلقت مكاتب بالقاهرة للحركات الإريترية المسلحة، التي تمثل خطراً على إثيوبيا، كما كانت قد فقدت نفوذها بإرادتها في الصومال، ووصل الغباء للتآمر ضد الصوماليين لصالح إثيوبيا، بدون مقابل!

 

وعندما بدأت أزمة السد، لم يكن أمام السلطة ما تقوله لكي تُطمئن فؤاد المصريين، غير ما قاله وزير الري نصر الدين علام، بأن مبعث الطمأنينة عنده أن الرئيس مبارك مهتم بهذا الموضوع!

فلما قامت ثورة يناير كان الإثيوبيون يواصلون طريقهم في تنفيذ خطتهم، ولم تكن الثورة هي التي تحكم، بل كان المجلس العسكري الذي كان لديه وقت فراغ يقضيه في تدمير الثورة، وفي الإساءة لكل ما يرمز لها، بل ويشغل نفسه بتحديد من يظهر ممثلا لها في القنوات التلفزيونية، ضمن سياسة تخويف الناس من المستقبل وتصوير الثورة بأنها "لعب عيال"!

ولم يصدر من المجلس العسكري، وكان عبد الفتاح السيسي أحد أعضائه، ما يوحي بأنه مهتم بالأمر أو مشغول به، ولم يصدر منه تصريح يمثل ردعا للطرف الآخر!

حملة الإبادة الإعلامية:

فلما جاء الرئيس محمد مرسي وتفجر الموقف مرة أخرى، وكانت المعارضة تعمل على إسقاطه، فقد استخدمت هذا الملف في حملة الإبادة الإعلامية، وتصويره على أنه عاجز وليس مؤهلاً لمثل هذا التحدي الذي يهدد أمن مصر!

 

بيد أن الرئيس كان على مستوى التهديد، وكان مدركا لقيمة نهر النيل والخطر الذي يتعذر تداركه إذا تم بناء سد النهضة بقرار منفرد من إثيوبيا!

لقد قال الرئيس إن جميع الخيارات مفتوحة للحفاظ على حقوق مصر التاريخية من مياه نهر النيل، وانبعث أشقاها، الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل، منتقداً هذا التصريح على قوته، وقال إن مصر ليس أمامها إلا خيار واحد هو التفاوض. ولو قال الرئيس إنه سيتفاوض لقال هيكل والذين معه إن التفاوض لن يفيد!

   الرئيس مرسي كان على مستوى التهديد، وكان مدركا لقيمة نهر النيل والخطر الذي يتعذر تداركه إذا تم بناء سد النهضة بقرار منفرد من إثيوبيا!

كانت معارضة تفتقد للحد الأدنى من الوطنية، وكانت تستهدف إفشال الرئيس ولو كان الثمن هو نهاية علاقة مصر بنهر النيل!

وقال الرئيس مرسي إن دماءه فداء لكل قطرة ماء تنقص من حصة مصر من مياه النيل!

فألا تخجل المعارضة الآن ومصر تفتقد لمثل هذا الخطاب القوي؟ ولن أتحدث عن تواطؤ السيسي مع الجانب الإثيوبي ضد مستقبل مصر وحاضرها، فلهذا حديث آخر!

بيت القصيد:

ثم نأتي لبيت القصيد، وهو هذا اللقاء (لقاء مرسي) الذي تم التعامل معه على أنه مسخرة، وأنه كاشف عن عدم قدرة الرئيس المدني المنتخب على مواجهة التحديات!

إن أزمة هذا اللقاء الوحيدة أنه كان على الهواء مباشرة، ولم يتم إخطار المشاركين فيه بذلك، وعندما تم إبلاغهم به، كانت "الفأس قد وقعت في الرأس"، وهو ما يمثل أداء عشوائيا يفتقد للجدية، ممن نظموا اللقاء، ولو كانت أستاذة في العلوم السياسية، أعني الدكتورة باكينام الشرقاوي!

ولولا هذه الإشارة بعد بداية اللقاء بأنه على الهواء مباشرة، لأمكن القول إن ما جاء فيه مقصود، وهو يصلح رسالة غير مباشرة للجانب الإثيوبي، وقد اعترف بقوتها عبد الفتاح السيسي نفسه!

   ما العيب في أن تستخدم مصر كل أوراق القوة لمواجهة هذا التحدي الخطير، أو حتى تلوح بها، وتترك الباب مفتوحا للجانب الإثيوبي أن يتوقع أي احتمال؟!

لقد تحدث قادة حزبيون عن خطة لمواجهة هذا التحدي، وباستخدام العمليات المخابراتية في ذلك، فما هو الذي يدعو للسخرية؟ إلا إذا كانت السخرية من الشكل، عندما يظن المتحدثون أنهم في لقاء خاص فيكتشفون أنهم على الهواء مباشرة، وهو الخطأ الذي ينبغي أن يوضع في حدوده وفي الشكل، ولا يجوز أن يتجاوز إلى السخرية من الموضوع!

فما العيب في أن تستخدم مصر كل أوراق القوة لمواجهة هذا التحدي الخطير، أو حتى تلوح بها، وتترك الباب مفتوحا للجانب الإثيوبي أن يتوقع أي احتمال؟!

إن الرئيس محمد مرسي وعند هذا التحدي دعا الأحزاب لجلسة نقاش، لكن السيسي تصرف منفرداً، فلم يفتح الباب للنقاش، وطلب من الجميع الصمت، وعندما وقع على اتفاق المبادئ، لم يكن الوزير المختص يعلم شيئا عن بنود هذا الاتفاق!

 

وهذا اللقاء هو أمر يحسب للرئيس محمد مرسي، والذهاب منفرداً يشكك في توجهات عبد الفتاح السيسي!

ثم تعالوا..

ألم يقل السيسي عقب عودته من إثيوبيا أنه وجدهم مرعوبين مما جاء في هذا اللقاء، وأنه نجح في طمأنتهم ليحصل على ضمانات.. فحصلوا منه على الأمن بعدالرعب، ولم يعطوه شيئاً؟!

إن محمد مرسي لم يمنح إثيوبيا موافقة مصر بدون قيد أو شرط على بناء سد النهضة، فمن فعل هذا هو السيسي!

ومحمد مرسي قال إن الخيارات مفتوحة للحفاظ على مياه النيل، والسيسي هو من لا خيار واحدا أمامه!

ومحمد مرسي قال إن دماءه فداء لأي قطرة ماء تضيع من حصة مصر من مياه النيل، والسيسي يظهر مصر عاجزة، وفاقدة للإرادة، ولا أوراق في يدها.