رفعت الجلسه
بقلم/ زعفران علي المهناء
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 14 يوماً
الإثنين 06 أكتوبر-تشرين الأول 2008 05:32 ص

مأرب برس – خاص

فتى في السابعة والعشرين من عمره.. ذو أنف كبير، وعينين صغيرتين، ووجهه دائري تلفه لحية تكاد تصل إلى نصف صدره ويدين ضخمتين تلفّ قضبان الحديد كعود قصب طري، فصيح اللسان، قوي البيان يتكلم كثيراً ويتكلم دائماً، كان ينظم الشعر في صغره، سريع الحفظ من عائلة متوسطة يحلم أن يفوز بالجنة.. صوته كان يتخلل القاعة بين الحين والآخر بالتكبير والتهليل وبأن موعد الجنة اقترب وبأن لابد من طرد الكفار من بلده.

دخل القاضي إلى منصة القضاء جالباً معه رهبة وهيبة ساحة العدل.. طلب القاضي من النيابة عرض القضية وهو ينظر نحو القضبان يتأمل تلك المجموعة من الشباب وبنظرة مشوشة لفت انتباهه ذلك الشاب فسأله: ما اسمك..!؟

فأجابه: اسمي أبو القاسم، فسأله القاضي: ومن هم أهلك وأين مسقط رأسك...!؟ فرد ذلك الفتى: المؤمنون الموحودون هم أهلي وأرض الإسلام هي مسقط رأسي.. فابتسم الشيخ ملتفتاً نحو الصف الأول ومنادياً: أين المحامي الموكل عنهم..!؟ بصوت جهوري رد ذلك الفتى مستهزئاً بطلب القاضي: أنا لا أقبل بمحامي محكمتكم، وأنا سأدافع عن نفسي وزملائي فأنتم شعوب موالية للكفر تقبض على المؤمنين من أبنائها وتسلمهم إلى الظالمين ولكن هيهات هيهات كل يوم سنولد مؤمنين منا يزعزعون عرش الكفر والمؤيدين له.

فسأله الشيخ بهدوء: ماذا كنت تفعل بكل تلك المتفجرات والأسلحة في سيارتك ومخزنك وبيتك أيها المؤمن..!!؟

والتفت القاضي نحو الجمع المزدحم في القاعة آمراً أياهم أن يهدأوا جراء الأصوات المنبعثة من هنا وهناك.

فأجابه بنفس الصوت الجهوري: نطهر بها الأرض وننشر الإيمان فنحن من بلد الإيمان.

أجابه القاضي: الإيمان الحقيقي يابني هو نور ينبثق من بين سرائر النفس البشرية ليعم بهذا الإيمان السلام فهو عاطفة خفية تعلمنا أن ننشر الأمان في الأرض ونتمنى لجميع الناس الخير.

شد الفتى بيديه على القضبان وخاطب القاضي: هذه حقيقة باطلة في الاعتقاد، هذا ليس إيماناً، الإيمان الذي يجعل الإنسان مستسلماً للغير كالأعمى السائر في المعابر الخطرة لتحول منه عبداً للمشرك الكافر ليس بإيمان، والإيمان طريق للجنة لايعبد هذا الطريق إلا بالدم والنضال والجهاد وهذا واضح منذ بدء البشرية فالفئة المتمسكة بالجنة دائماً لا تتفق مع من يمثل الشريعة التي تداهن مصلحة البشر وهذا غباء لايزول إلا بالدم.. وقتها صدرت أصوات من القاعة، أصوات محتجة حيث قال أحدهم: أتتجرأ أيها الضعيف وتتهم القاضي بأنه يداهن الكفار.

وقال آخر مستهزئاً: هل تعلمت هذه الوقاحة ضمن تدريبات خلايا الإرهاب التي تنتمي إليها، وآخر توعد به قائلاً: سوف ترى ما يحل بك أيها المجرم الكافر، ولكن مطرقة القاضي أعادت الهدوء إلى القاعة بعد أن توعد من يعود للفوضى بحرمانه من جلسات المحاكمة.

وعاد القاضي ليسأل الفتى: يابني وهل إراقة الدماء وقتل الأبرياء وتفجير المنشآت هو الطريق إلى الجنة..؟

ابتسم الشاب ابتسامة شبيهة بملامس الأفعى ثم قال وهو يمشط لحيته الكثيفة بأصابعه: إنهم يقتلون كل يوم منا الآلاف في جميع أراضي الإسلام، إنهم يجعلوننا نحيا في هذه الحياة بجو مفعم بالذل والهوان، لقد حولونا إلى راكعين أمام صنم مخيف بالكذب والرياء، إن أجسادنا بين مخالبهم وقلوبنا في ظلمات اليأس والحزن، لقد نصبوا أنفسهم أوصياء علينا فكيف نمكنهم من رؤوسنا يسيرونها كيفما يشاؤون وهنا سكت لبرهة وعاد مخاطباً القاضي: أنتم لا تعتقدون بهذه الأشياء لكنكم تحمون مصالحهم فتكونون بهذه الطريقة كافرين بالعدل الإلهي جاحدين للنور السماوي تخالفون مشيئة الله.

عادت الأصوات المرتفعة داخل القاعة فأشار القاضي بيده للجميع إشارة الصمت والهدوء وعاد بالحديث إلى ذلك الفتى قائلاً له: يا بني هل تأملت وتدبرت القرآن الكريم.

أخرج الفتى من جيبه مصحفه وهو يهلل ويكبر ويقول: هذا كتاب الله.. هذا كتاب الله.

فطرق القاضي بمطرقته ليعود الهدوء موضحاً سؤاله: أقصد يا بني هل قرأت وتدبرت سورة لقمان في القرآن الكريم التي شملت أهم الوصايا التي تقدمك إلى المجتمع لتقوم بدورك فيه على أكمل وجه وذلك بقوله تعالى في الآية التالية: «يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) الآية. وأشار بكفه متناولاً أصابعه وهو يخاطب الفتى قائلاً: إقامة الصلاة، ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثالثاً: الصبر على ما أصابك وهذا لا يؤتيه إلا الإنسان القوي، رابعاً: لا تتكبر ،تواضع ولا تمش في الأرض مرحاً، خامساً: سلوكك ومظهرك في إقصد في مشيك واغضض من صوتك، بذلك تكون فرداً مؤمناً يؤثر داخل مجتمعه، فأين الآية التي تأمرك بأن تحمل السلاح والمتفجرات لترعب الآمنين في الشوارع والبيوت وأين الآية التي تقول: اقتلوا أولئك الوسطاء الذين يمثلون بلادهم في بلادنا ليرعوا مصالحهم ومصالحنا المشتركة والتي لم يحرمها الدين، أنا يا بني لا اخاطبك باسم أشخاص أخذت منهم معتقداتك وأفكارك الهدامة، أنا أخاطبك بكتاب الله الذي يجمعني ويجمعك تحت سقفه، وأنا هنا لا أحاكمك باسم كل امرأة كنت السبب أن تفقد زوجها في تفجيراتك وكل طفل وطفلة أصبحوا أيتاماً من جراء قنابلك ، وكل أم وأب أحرقت قلوبهم على فلذات أكبادهم تحت نيران رصاصك، أحاكمك باسم كل خطوة أرجعتنا بها إلى الوراء. فحرمت الناس أن يتقدموا بها، يا بني لقد قررت أنت ومن معك الموت هذا شأنك ولكن أن يموت معك مجتمع بأكمله هذا ما لم نسمح به أن يكون.

اعتدل القاضي في جلسته وقال بصوته الهادئ: لقد قررت المحكمة تعيين محامي دفاع على حساب المحكمة للدفاع عن هؤلاء الفتية وهذا حق شرعي كفله لهم الدستور لتقديم المبررات في الجلسة القادمة للنطق بالحكم..ورفعت الجلسة..