النفط ... هل ما زال سلاح مستقبلي للاجيال القادمة في اليمن
بقلم/ نايف المريسي
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
السبت 16 أغسطس-آب 2008 06:04 م

مأرب برس – خاص

حتى لا تكون افكارنا هي الاخرى ضحية لتتبع نتائج واخبار السياسات الحكومية المعروفة باشعال الحراق ونبش القبور هنا وهناك ، وان كانت هذه السياسات وتبعاتها تشكل مواداً دسمة للكتاب والصحفيين وبها يملئون الفراغات المحجوزة لهم ، وحتى لا تصبح القضايا المصيرية والتي قد تحدد مستقبل الاجيال القادمة قضايا هامشية ندندن بها اوقات استراحة المحاربين وفي اجواء الركود السياسي .

لأجل هذا آثرت حجب ذاكرة الحرائق لايام رغم الزخم الكبير من الاخبار الواردة عنها ، ولأن القناعة قد ترسخت والعزم قد أكد على ضرورة حط الرحال والتحليق بقضية تجاوزت كل الاهتمامات لتصبح الشغل الشاغل والحديث الاهم في كل المحافل الدولية .

سلاح النفط الذي هز بأسعاره أركان القوى النووية العظمى ، وهل لا زال للاجيال القادمة في اليمن نصيب من هذا السلاح كما يحلم بذلك العامة .

الارتفاع المتواصل بأسعار النفط في الاسواق العالمية ورغم تأثيراتة السلبية على كثير من الدول الفقيرة التي لا تنتج هذه المادة ، الا انه في المقابل قد حقق عائداً كبير وغير متوقع للدول المصدرة للنفط .

الدول والحكومات التي تحترم شعوبها وتدرك ان هذه هي ثروة الشعب وعائدتها لخدمة الشعب ، عكست هذا العائد بما يعود على الشعب وحاجياتة من خلال رفع المرتبات ، ودعم كل السلع الغذائية والاستهلاكية ، وتخفيظ رسوم واسعار كل الخدمات الاساسية وبنسب كبيرة ، اضافة الى اقامة المشاريع السكنية ، والمدن الطبية ، والقرى التكنولوجية – بما يضمن ويكفل تأمين حياة المواطن في كل المجالات ، ثم اتجهت الى انشاء المشاريع الاستثمارية العملاقة و بما يكفل بدائل اقتصادية لمواجهة الانخفاض السعري او النضوب الكلي للنفط .

ما تبقى من نخوة عربية لدى بعض الدول جعلتها تمد يد العون والمساعدة ، من خلال مبالغ نقدية وكميات كبيرة من القمح بزيادة فضل بعد ان وفرت لمواطنيها كل ما يلزم للعيش الرغيد ، وهذا موقف مشرف لهذه الدول وللقائمين عليها ، وان كنت اتمنى ان يتمحور ذلك الى تقليد سنوي – بعيداً عن المن والاعلان – وتجسيداً لروح الاخاء والتلاحم المطلوب .

نحن في اليمن غير وربما اصابتنا دعوة عابرة فرغم ما يقال من ان اليمن دولة نفطية ، الا ان الكميات المنتجة من الاسرار القومية وحتى اكبر المسؤلين لا يعرف الحجم الحقيقي لهذه الكمية ، ايضاً يقال ان اليمن دولة نفطية ومع ذلك لا يمر شهر دون أن نشهد طوابير السيارات وقد ازدحمت بطوابير طويلة امام المحطات ، بل ان ازمة انعدام مادة الديزل قد تعدى الشهر الخامس الى الان والذي انعكس بصوره سلبية على اسعار النقل ومنها على اسعار كل المواد الغذائية والاستهلاكية ، ويروى ان اليمن دولة نفطية في نفس الوقت الذي لا يمر عام دون ان يناقش مجلس النواب العجز في الميزانية السنوية .

اخيراً قيل ان الدول المصدرة للنفط ولو بكميات قليلة قد حققت فائض كبير في الميزانية بفعل ارتفاع السعر العالمي لهذه المادة ، وعكست بذلك ثورة تنموية داخلية شملت كل مناحي الحياة – الا اليمن - فقد شهدت ارتفاع معدلات الفقر وزيادة معدلات البطالة ، وارتفاع مخيف في معدلات الانتحار ، ناهيك عن الاسعار الجنونية التي وصلت اليها المواد الغذائية و الاستهلاكية .

انتاج مجهول في المحمية الخاصة

ذهبت المفكرة الامريكية المشهورة جين نوفاك في احد احاديثها الى القول ( ان سكان مالطا يعرفون عن الغاز اليمني ما لا يعرفة المواطنون اليمنيون او نوابهم في السلطات التشريعية والتنفيذية ) .

وهذا ذكرني برد على سؤال سؤل بة المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر عن كمية الانتاج من النفط في اليمن فقال – لا اعرف – واردف قائلاً ان هذه الاسئلة تثير حنق السلطة وغضبها .

وهذا دليل على ان العدد الحقيقي للكميات المنتجة حصراً على شخصيات معينة والتي بيدها زمام الامور في البلد ، وهو ما دفع بعض الغلابا الى تسمية وزارة النفط بــ ( المحمية الخاصة ) ، وان ما نسمع به من المصادر المختلفة عن كميات الانتاج قد يفتقر الدقة ولأن معظم ما جائت به المصادر لم يخرج عن طور التصريحات الشخصية .

ففي حين تحدثت تقارير عن ان الانتاج اليومي بداية العام 1993 م وصل الى 300 الف برميل بعد تدشين انتاج المسيلة بحضرموت مع توقع ان يصل الانتاج الى مليون برميل يومياً بداية العام 2000م الا ان نبيل القوسي رئيس هيئة استكشاف وانتاج النفط خرج لنا بتصريح عن ان العدد وصل الى 440 الف برميل يوما وهو نفس الرقم الذي كرره نهاية العام 2003م ، اما اعلى نسبة فقد جائت بتصريح بداية 2002م على لسان رشيد بارباع وزير النفط حينها ، من ان الانتاج اليومي وصل الى 475 الف برميل ، الا ان العدد تراجع الى 400 الف برميل بداية العام 2006 م بحسب تقرير لجنة النفط والتنمية بمجلس النواب ، ليصل العدد الى اقل من 320 الف برميل هذا العام بحسب الارقام الصادره عن العائدات التي اصدرها البنك المركزي قبل ايام .

ورغم اهمية المكاشفة وضرورة إطلاع المواطنين على حجم الانتاج اليومي من هذه المادة بأعتبار ذلك ثروات الشعب ومن حقوقة الخاصة .

لكني ارى ان الأهم من كل ذلك هو ان يعرف الشعب ان الموازنة العامة للدولة تعتمد على ما نسبتة ( 75 – 80 % ) من عائدات النفط ، وهو ما يهدد بوضع كارثي اذا ما صحت التقارير التي تتحدث عن تراجع معدل الانتاج وإحتمالات النضوب الكلي لهذه المادة .

تلاشي حلم السلاح المستقبلي

دائماً ما تطالعنا التقارير التحذيرية الصادر معظمها عن مسؤلين في البنك وصندوق النقد الدوليين من ان النفط في اليمن مرشح للنضوب بشكل كامل في السنوات القليلة القادمة ، آخر هذه التقارير صدر قبل اسابيع وتحدث بلغة الارقام من ان معدل الانتاج قد انخفض في نهاية 2004م بمعدل 5.9% وفي نهاية العام 2005م كان الانخفاض بمعدل 4.7% حتى وصل اجمالي الانتاج الى 386 الف برميل يومياً نهاية العام 2006م والى اقل من 320 الف برميل بداية العام 2008م .

وفي تصريح له بداية في يناير 2005م في اجتماع حزبي حث الرئيس علي عبدالله صالح حكومتة على ايجاد بدائل اقتصادية جديدة لتحل الفجوة التي سيخلفها نضوب النفط في العام 2012 م - كما جاء في التصريح – ولخطورة ما جاء في هذا التصريح وما ستترتب علية من نتائج سلبية تجاه الرئيس والحكومة ، ارادات الحكومة حينها تلافي تبعات هذا التصريح ليخرج لنا محمد احمد صوفان وزير التخطيط حينها بتصريح آخر يكذب فيه ما ورد على لسان الرئيس ، ويؤكد ان ما مجموعه 99% من المناطق الواعدة بالنفط لم تسلم للمستثمرين وشركات الاستكشاف النفطي ، وهو ما اعتبره البعض تبرير سخيف ومسرحية هزيلة للتغرير على الشعب .

وبعد هذا التصريح الرئاسي الذي ربما جاء كزلة لسان ، تم تنظيم حملة اعلامية مكثفة في القنوات التلفزيونية والاذاعية وفي كل الصحف الرسمية وصحف الحزب الحاكم عن اكتشافات جديدة لحقول اخرى وعن كميات إحتياطية خيالية وعن اتفاقيات مع شركات اجنبية واستظافة خبراء للتنقيب والاستكشاف ، وما الى ذلك من اخبار في هذا القبيل – بهدف صرف الانظار- ونفي ما جاء على لسان الرئيس وللتعتيم على ما تعلن به المنظمات الدولية بين الحين والآخر من تقارير تؤكد نضوب النفط خلال الخمس السنوات القادمة .

وبعيداً عما تروج له القنوات والصحف الحكومية والرسمية فإن الواقع يتحدث عن انتاج وصل بداية العام 1993م الى 300 الف برميل ارتفع تدريجياً الى نحو 440 الف برميل بداية العام 2000م والى 475 الف برميل بداية العام 2002م ومنها بدء العد التنازلي ليرجع العدد الى 440 الف برميل نهاية العام 2003 والى 405 الف برميل منتصف العام 2005م والى اقل من 320 الف برميل هذا العام حسب ما ورد في بيانات عائدات النفط الصادر قبل ايام عن البنك المركزي اليمني

وسيصل الى اقل من 270 الف برميل بداية العام 2010م بحساب النسبة المؤية لمعدلات النضوب .

وهذا ما يؤكد الفرضيات التي ذهبت الى احتملات النضوب الكلي للنفط في الاعوام القليلة القادمة ، والذي بدوره سيشكل كارثة اجتماعية خصوصاً وان الدولة لم تبدء بعد بالتفكير في ايجاد موارد اقتصادية بديلة.

إستهتار بلا حـــــدود

اصبح الفساد احد المميزات الاساسية لكل المؤسسات الحكومية بلا إستثناء ، وزارة النفط او المحمية الخاصة هي ايضاً – بل انها تصدرت القائمة – من خلال إنتقال مظاهر الفساد والعبث بالثروة الى الشركات الاجنبية العاملة في هذا المجال ، وهذا ما يبعث على القرف والاشمئزاز .

ومن خلال المتابعة لم تم رصده في الاشهر الاربعة الاخيرة فقد تحدثت التقارير الرسمية عن اعمال تخريبية واسعة في القطاع ( S1 ) التابع لشركة أوكسيدنتال بتروليوم الامريكية ( OXY ) ، قامت الشركة المذكورة بتخريب بئرين نفطيين هما ( حرمل1 ، حرمل2 ) لان نفطهما ثقيل وربما يكلفهم تكاليف اكثر عند استخراجة فقاموا بضخ مواد كيميائية الى البئرين للتخلص منهما ، وايضاً ما تتعمده الشركة من تدمير للمعدات التابعة لوزارة النفط اليمنية ، وعن عمليات دفن للنفايات في التربة ، وتلوث بيئي واسع ، وإحراق كثيف للغاز وجملة من الفضائح الاخرى .

شركة توتال الفرنسية العاملة في القطاع (10 شرق شبوة ) هي الاخرى لا تزال ومنذ عام 2003 م الى يومنا هذا تحرق 25 مليون قدم مكعب من الغاز المصاحب للنفط يومياً ، اضافة الى تسبب هذه الشركة في تسريب 420 الف برميل عند انفجار انبوب التصدير الممتد من القطاع 10 الى القطاع 14 بتاريخ 27 /3/2008م وكان السبب الرئيسي لإنفجار الانبوب عدم التزام الشركة بالمعايير الدولية في انشاء وتركيب انابيب التصدير ، رغم صدور توجيهات حكومية في هذا الشأن ولأكثر من مرة .

ايضاً ما طالعنا بة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في احد تقاريره عن اختلاس قامت به شركة دوف إينرجي البريطانية بمبلغ يزيد عن 11 مليار و 423 مليون ريال كفوارق في نفط الكلفة .

وبعد كل هذا - الا - يحق لنا ان نتسائل عن موقف الحكومة تجاه كل هذا التخريب والعبث المتعمد بثروات اليمن ، ام ان ضغوط الدول التي تتبعها هذه الشركات قد حال دون إتخاذ أي اجراءات عقابية بحق هذه الشركات .

وفي كل حال ستظل الحكومة شريك اساسي ومسؤلة عن كل هذا ، بالاضافة الى قضايا اخرى كثيرة كان اخرها ما جاء في التقرير البرلماني عن عائدات مصافي عدن ، وقبلها قضية تهريب الديزل الذي كشفت تقارير عن تورط نافذين .

بل قد تمتد مسؤلية الحكومة عن الفساد الاخلاقي الذي يمارس بسلطات عليا والمتمثل باشعال فتيل الفتنة وإذكاء نار الثأر وتشجيع الحروب القبلية في اهم محافظتين تنتج النفط ( شبوة – ومأرب ) وهذا ماكان لابد منه حتى ينشغل ابناء هذه المحافظتين بهذه القضايا الهامشية وينسوا المطالبة بالمشاريع التنموية وتوظيف اليد العاملة التي من المفترض ان تكون بنسبة اكبر لابناء هذه المحافظتين .

Naif_ab2004@yahoo.com