الثورة السلمية والقضية الجنوبية
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الإثنين 21 مارس - آذار 2011 02:22 ص

منذ انطلاق فعاليات الاحتجاجات السلمية التي عمت كل محافظات الجمهورية اليمنية، والتي تنشد التغيير توحد اليمنيون في كل مكان تحت قضية واحدة لخصها شعار واحد وهو "إسقاط النظام", ولم يكن اليمنيون قط متوحدين مثلما توحدوا هذه المرة، وهو ما أربك النخبة الحاكمة وجعلها تفقد الصواب وتتصرف كما يتصرف قطاع الطرق والمجرمين، حيث ترسل بلاطجتها وتدربهم على القتل ثم تطلب منهم تنفيذ ما تلقوها من مهارات القنص والقتل في كل اليمن.

هذه الحالة الثورية غيرت المعادلة السياسية وخلقت معادلة سياسية جديدة, لها طرفان: الطرف الأول هو الشعب اليمني بطل أطيافه وفئاته الاجتماعية وقواه السياسية وتوزيعاته الجغرافية، والطرف الآخر هو السلطة ونخبتها الحاكمة التي تتآكل يوما عن يوم بفعل الخروج والاستقالات التي يعبر عنها شرفاء المؤتمر والمنتميين إلى بعض المراكز الحكومية الهامة، ومعها وبلاطجتها المعروفون، وهو ما جعل القضية الجنوبية تتوارى بعض الشيء عن الأنظار أمام الزخم الكبير الذي اكتسبتها الحالة الثورية الجديدة نظرا لانشغال الشارع السياسي والوطني عموما بقضية أعم وربما أكبر وهي القضية اليمنية عموما، وهو ما جعل البعض يعتقد أن القضية الجنوبية لم يعد لها مكان في الجدل السياسي اليمني.

كان كاتب هذه السطور قد قال مرارا إن القضية الجنوبية هي قضية دولة دمرت وأرض نهبت وحقوق صودرت ومشاركة وطنية وئدت وتاريخ يزور وهوية تمسخ ودماء تسفك وأرواح تزهق، وهو ما يعني أن هذه القضايا هي جرائم في ملف النظام لا تسقط بالتقادم وهي محفوظة في ذاكرة الجماهير اليمنية والجنوبية منها على وجه الخصوص.

وهنا لابد من التأكيد أن تهمة الانفصال (التي تقترن دائما بكل حديث عن القضية الجنوبية) والتي ظلت السلطة ومخابراتها وأجهزة إعلامها ترددها ضد الناشطين السياسيين في الحراك السلمي الجنوبي هي تهمة مردود عليها، وكان كاتب هذه السطور قد قال مرارا أن الانفصالي الحقيقي ليس ذلك الذي يطالب باستعادة حقه المنهوب وتحرير نفسه من حالة الإقصاء والاستلاب والسيطرة والبسط والاستيلاء والاستعلاء، بل إنه ذلك الذي دمر شطراً كاملاً من الوطن وجعله خارج المعادلة الوطنية وحول تاريخه وأرضه وإرثه الثقافي وثرواته وسكانه إلى غنيمة حرب فقط وفقط لأنه (أي ذلك الانفصالي) قد انتصر في حرب عبثية لا معنى لها ولا مبرر.

القضية الجنوبية قضية حية لأنها قضية تاريخ وحقوق وهوية وانتماء وإرادة، وهي على كل حال جزء جوهري من القضية اليمنية الكبرى ومدخل لها، وربما كان الزخم الذي اكتسبته القضية الجنوبية قد ساهم في تأجيج زخم الثورة السلمية التي انتشرت اليوم في كل أنحاء اليمن كانتشار النار في الهشيم، ولذلك فإنها (أي القضية الجنوبية) لا يمكن أن تنتهي أو تندثر بسبب الثورة السلمية اليمنية التي اجتاحت كل مدن وأرياف اليمن، بل على العكس إنها اليوم قد استعادت مكانها في النضال الوطني اليمني، وبنجاح الثورة السلمية اليمنية التي ستعيد لليمنيين دولتهم المسلوبة وحريتهم المصادرة ووحدتهم المنهوبة، وديمقراطيتهم المستولى عليها، فإنها (أي القضية الجنوبية) ستستعيد مكانتها في المعادلة السياسية اليمنية ويمكننا فقط التأكيد على إن الحل العادل والصحيح للقضية الجنوبية سيتوفر فقط وفقط بزوال هذا النظام المعتل المنتهي الصلاحية الذي أصبح مجرد وجوده معضلة كبرى على اليمنيين، وأداة تعطيل لكل إمكانية للخروج باليمن من دوائر الأزمات المزمنة، وحجر عثرة أمام أي تطوير منشود يمكن لليمن الانتقال إليه، وهو ما يقتضي إزالته بالوسائل السلمية الحضارية التي عبرت عنها ثورة الشباب السلمية.

برقيات:

* المجزرة التي جرت يوم الجمعة 18/3 الجاري في ساحة التغيير بصنعاء والتي سقط فيها 52 شهيدا وأكثر من 250 جريحا، تؤكد أن السلطة وأركانها لا يرغبون في الخروج بكرامة بل يريدون أن يرحلون إلى ساحات القضاء المحلي أو الدولي.

* في تصرف يؤكد وحدوية الحكام في اليمن منعت السلطات الأمنية صحيفتي حديث المدينة والمصدر في منطقة الشريجة من الدخول إلى عدن، كما منعت صحيفة الأمناء في كرش من الوصل إلى تعز وصنعاء.

* يقول أبو الأحرار الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري:

إن اللصوصَ وإن كانوا جبابرةً لهم قلوب من الأطفال تنـهزمُ

إن الأنـينَ الذي كنا نردِّدهُ سرًّا غدا صيحةً تصغي لها الأممُ

إن القيود التي كانت على قدمي صارت سهاماً من السجّان تنتقمُ

والحق يـبدأ من آهات مكتئبٍ وينتهي بزئـيرٍ ملؤه نغمُ