فظائع فرسان مالطة في العراق.. كلمة حق يُراد بهِا باطل
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 3 أيام
السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 03:47 م

مأرب برس -خاص

بعد سلسلة الفضائح المدوية العديدة التي خرجت إلى العلن وكشفت للعالم بأسره ، جرائم الجيش الأمريكي البشعة في العراق وما يقوم به هذه الجيش المحتل من إراقة دماء ومن فظائع وانتهاكات فاقت الوصف وجاوزت كل الحدود ، والمتمثلة في استخدام مختلف أسلحة الدمار الشامل ومختلف الأسلحة المفرطة في القوة والتدمير وفي هدم مدن وأحياء فوق رءوس أهلها ، وما أرتبط به – هذا الجيش الغازي - من اهانات بالغة لكرامة الإنسان وامتهانٍ لآدميته ، ومن أعمال شاذة وقذرة بحقه ، إلى غير ذلك من الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية الكثيرة والكبيرة والتي تشمئز منها النفوس وتقشعر منها الأبدان ، والتي عكست مدى همجية ووحشية الجندي الأمريكي ومدى شذوذه الأخلاقي والسلوكي ، وانحطاطه والنفسي والفكري .

أقول بعد تلك الفضائح والفظائع كلها ، والتي ذاع صيت الجندي الأمريكي بها ، وسمع بها القاصي والداني والكبير والصغير ، وشاهدها الكثيرون بأم أعينهم على شاشات الفضائيات وعبر الصحف والمواقع والمنتديات ، وبعد أن بلغت سمعة الجيش الأمريكي في الوحل ، واهتزت صورته أمام الرأي العام ، وفقد ماتبقى له من هالة ومن مصداقية ، وبعد أن صلت سمعة الرئيس بوش الصغير ، والبيت الأبيض ، والإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية إلى الحضيض ، طلعت علينا الدعاية الأمريكية بخبر جديدٍ ، وسبق إعلامي فريد ، مفاده ارتباط تلك الجرائم والفظائع والانتهاكات التي حدثت في العراق بجماعة فرسان القديس يوحنا ، تلك الجماعة الصليبية المشهورة أيضا باسم جماعة فرسان مالطة والمعروفة بتطرفها وحقدها الديني ..

وهكذا عاد الحديث مجددا عن هذه الجماعة التي يرتبط اسمها تاريخيا بالحروب الصليبية ضد المسلمين في العصور الوسطى ، لكونها كانت جزءا منها وعنصر أساسي فيها ، وهذه الجماعة لم تتلاش من الوجود بعد فشل الحروب الصليبية وبعد طرد الصليبيين من المشرق ، وإنما انتقلت لممارسة نشاطها العسكري العدواني ضد المسلمين من قطع الطرق في البر إلى أعمال القرصنة في البحر – من خلال قاعدتها المتقدمة في جزيرة مالطة التي استمدت منها اسمها - ثم بعد ذلك حافظت على وجودها حتى اليوم لكونها مرتبطة بالبابوية وببعض الجماعات المسيحية المتطرفة في الولايات المتحدة ..

ولأن هذا السبق الصحفي المدهش والخطير والفريد من نوعه ، لم يكن مصدره نحن ولا إعلامنا العربي أو الإسلامي – إن كان هناك إعلام إسلامي - ، بل تسرب أصلا عبر وسائل إعلامية أمريكية وغربية ، وسبق إليه صحفيون أمريكيون وغربيون – لا يعلم خلفياتهم ودوافعهم إلا الله - وتلقفه عنهم صحفيون عرب كبار – مثل محمد حسنين وهيكل وغيره – والذين تولوا إذاعته عبر وسائل إعلامية عربية مشهورة ومحسوبة – بشكل أو آخر – على الإدارة الأمريكية ، وتعرف كيف تدس السم في العسل ، - مثل قناة الجزيرة وغيرها ، فقد ابتلعنا الطعم بسهولة " ونحن هكذا دوما في نظر الإعلام الأمريكي والغربي ، صيد يسهل اقتناصه – فقد صدقنا ذلك الخبر بمجرد أن سمعناه ، حتى كأنه أتى على موعد ، وسلمنا به وبصحة مضمونه وفحواه وكأنه قضاء وقدرا .

وقد انتشر ذلك الخبر بيننا بأسرع من انتشار النار في الهشيم ، وطغى على ما عداه من أخبار ومن إشاعات ومن سوابق صحفية ، فأذاعته الكثير من الفضائيات العربية في مقدمة أخبارها ، ونشرته الصحف العربية في صدر صفحاتها الأولى ، وأحتل حيزا كبيرا على صفحات الشبكات العنكبوتية العربية ، ومن خلال كل ذلك انتقل إلى المنتديات فكان مادة دسمة للتسلية ولضياع الوقت وللتعليقات الجدية وغير الجدية والتي انشغل بها المهتمون وغير المهمين .

وتسابق الباحثون والمتخصصون العرب في شرح حقيقة وتاريخ هذه الجماعة القديمة - الجديدة ( جماعة فرسان مالطا ) وارتباطها بالحروب الصليبية ، ومدى حقدها الأسود على الإسلام والمسلمين ، وحول ما بات يقوم به أولئك القتلة المأجورون المدفوعون بحقدهم الديني الصليبي ، من جرائم بشعة ومن مهمات خطرة ، ومن أعمال قذرة ضد المسلمين في العراق المحتل ، لصالح الاحتلال الأمريكي ، سواء المرتزقة العاملين تحت لافتة " بلاك ووتر " سيئة الصيت ، أو شركة "دين كورب".أو كاسي CACI أو تيتان  Titan
أو غيرها من الشركات الأمنية الخاصة المتعاقدة ايدولوجيا وأمنيا مع وزارة الدفاع الأمريكية ، والمنضوية في إطار ما يسمى بـ" إتحاد الشركات الأمنية في العراق " وما يعنيه وجود هذه الشركات المنبثقة فكريا من جماعة فرسان مالطة الصليبية ، في العراق من أبعاد ودلالات تعيدنا إلى مجددا إلى أجواء الحروب الصليبية القديمة.

 وفي هذا الصدد دشنت عشرات الأبحاث والمقالات – وإن كان أقل من عشرة بالمائة منها أصيل وأما أكثر من تسعين في المائة منها – بحسب إطلاعي - فهي مكرورة ومنقولة حرفيا من تلك المقالات ، وأما الجديد فهو في العنوان فقط ، ومن السهولة أن يكتشف هذا أي باحث في هذه القضية- .وكل ذلك التفاعل ورد الفعل ، دون تدقيق أو تمحيص في خلفية هذا الخبر وحول أبعاد تسربه بعد مضي أكثر من أربع سنوات من الحرب الأمريكية على العراق – وما رافقها من سفك دماء ومن جرائم بشعة ومن انتهاكات لحقوق الإنسان – وإن كان لا يشك أحدا في صحة هذا الخبر – بيد أن هناك فرق بين صحة الخبر وبين الهدف من تسريبه ( لقوم يعقلون ).

كما ترجم المترجمون ما أوردته الصحف الغربية من تصريحات ومقالات وتحقيقات حول دور الشركات الأمنية العاملة في العراق مثل شركة بلاك ووتر وغيرها – والتي يشكل أفرادها القوة الثانية بعد القوات الأمريكية النظامية والبالغ عددها 130ألف جندي – وعلاقتها بهذه الجماعة الصليبية ( جماعة فرسان مالطا ) من جهة ، وحول علاقة الإدارة الأمريكية واليمين الأمريكي المتطرف الحاكم بهذه الجماعة من جهة أخرى ، وعاد البعض من كتابنا ألف سنة إلى الخلف فراح ينبش في تاريخ العصور الوسطى وفي أحداث الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي ( 1095-1291 ) بحثا عن أخبار تفصيلية حول هذه الجماعة وكيف نشأت ؟ وكيف تكونت ؟ وكيف حافظت على وجودها طيلة هذه المدة ؟ - وبشكل يدعم وجهة نظرهم وهم يتحدثون عنها ويخوضون الساجلات حولها من خلال البرامج الحوارية في الفضائيات أو حتى وهم يكتبون عنها في الصحف والمواقع والمجلات .. 

وفي وسط هذه الزوبعة الإعلامية – الحقيقة أو المفتعلة - نسي الكثيرون المجرم الحقيقي والمسئول المباشر عن تلك الجرائم والانتهاكات – وتناساه البعض الآخر – وهم أذناب أمريكا - عن قصد ولم يعودوا يشيرون إليه في كتاباتهم وتصريحاتهم حتى يصبح نسيا منسيا ولا يعود الآخرون لتذكره – .

وأصبحت كل الجرائم والفظائع والأعمال القذرة ، التي ارتكبت وترتكب في العراق منسوبة لجماعة فرسان مالطة ، فهم من قاموا بفظائع وانتهاكات سجن أبي غريب ، وهم المسئولون عن إبادة سكان مدينة الفلوجة ، باستخدام الفسفور الأبيض الفاتك ومن خلال قصفهم بالأسلحة المحرمة دوليا ، وهم المسئولون عن تدمير سامراء وتلعفر والرمادي والقائم وحديثة ، وبعقوبة وقتل مواطني هذه المدن ، وهم من يقومون بتعذيب وإساءة معاملة السجناء والأسرى العراقيين واستخدام العادات والممارسات الشاذة معهم أو إجبارهم عليها ، وهم من يقومون بالمداهمات والاعتقالات المستمرة على بيوت المواطنين وهم من يقومون باغتصاب الماجدات العراقيات وقتلهن أو إحراقهن هن وذويهن لإخفاء جرائمهم المشينة – إذا تطلب الأمر- وهم الذين يقتلون العراقيين في الشوارع بوحشية وبدم بارد ، بشكل يومي ، وهم الذين ينفذون الاغتيالات والتصفيات الجسدية ضد الكوادر والعلماء العرقيين ، وهم الذين يؤججون نيران الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة .. وهم وهم ..

وهكذا أصبح كل عمل قذر ومشين ملتصقا بمرتزقة جماعة فرسان مالطة ، الذين لمع نجمهم مجددا بين عشية وضحاها ، وأصبحوا شماعة تُعلق عليها معظم الشرور والآثام والقاذورات الأمريكية، وأصبح نادرا من يتحدث عن الجيش الأمريكي بهذا الخصوص ، وكأن الجيش الأمريكي بريء ونظيف اليد من هذا كله ، وكأن الجيش الأمريكي أعف من أن يقوم بمثل هذه الممارسات الوحشية ، وكأن الجيش الأمريكي جيش مهذب وعلى خلق رفيع ، جيش ينتصر للمظلوم من الظالم كما تجسد ذلك أفلام هوليود ، وكأن الجيش الأمريكي جيش واع يحترم القوانين ويراعي عادات وديانات الشعوب، ويلتزم بالحدود الأخلاقية والإنسانية ، في التعامل معها ، وكأن فرسان مالطة هم من غزا العراق ، وكأنهم هم من قام باحتلاله ، وكأنهم هم وحدهم من يمثلون الصليب ويقتلون تحت رايته ، وكأنهم هم وحدهم من يرمز إلى الوحشية والتعصب والحقد الديني الصليبي ، أما الجيش الأمريكي فهو معفي من هذه التهمة ، وكأن الحرب الأمريكية على المسلمين في العراق وأفغانستان ليست – في حقيقتها - حربا صليبية ضد الإسلام – وكأن اليمينيين المهيمنين على صناعة القرار الأمريكي ليسوا صليبيين وليسوا بمستوى تطرف فرسان مالطة ، وكأن الرئيس بوش لم يعبر عن تلك الحقيقة بعظمة لسانه بعد أن خرج من سردابه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 .

وأنا هنا لا أدافع عن فرسان مالطة ولا أنكر وجودهم ولا أقلل من خطورتهم ومن فداحة ممارساتهم وجرائمهم النكراء في العراق، ففرسان مالطة جماعة صليبية معروفة تاريخيا بأنها تناصب الإسلام العداء ، - وهذا هو الأمر المحوري في نشاطها منذ نشأتها في القدس الشريف قبل ألف سنة ، وما زال هذا ديدنها حتى اليوم - فأتباعها معروفون بحقدهم الشديد على المسلمين ونزعتهم العدائية ضدهم وبقسوتهم ووحشيتهم عليهم واستباحة دمائهم وأموالهم حرماتهم - ولذا كانوا قديما في نظر المسلمين بمثابة القراصنة القساة المتوحشين ، الذين لا يرعون لمسلم إلا ولا وذمة .

وهذه الجماعة المتطرفة والتي يصفها البعض بأنها أقوى جماعة مرتزقة على المستوى العالمي ، أصبحت اليوم حقيقة واقعة وموجودة في العراق وفي غير العراق ، شئنا هذا أم أبينا ، كما أن لها سفاراتها في العديد من الدول العربية ، ولا سيما التي لها علاقة مع الكيان الصهيوني مثل مصر والأردن والمغرب ، لكون هذه الجماعة معترف بها رسميا من قبل الأمم المتحدة ، والمجتمع الدولي ، وتتعامل كدولة مستقلة ذات سيادة – وإن لم يكن لها أرض أو شعب .

ولكن مهما يكن فإن مسئولية هذه الجماعة عما حدث ويحدث في العراق ، تبقى مسئولية ثانوية وغير مباشرة – في واقع الأمر - إذ أن المسئول عن احتلال العراق هو الجيش الأمريكي ، والإدارة الأمريكية ، وهما اللذان فتحا أبواب العراق لكل المجرمين والحاقدين والقتلة والقراصنة واللصوص وشذاذ الآفاق ولكل من هب ودب ، وهما المسئولان عن تدميره وتقويض بنيانه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وعن سرقة أمواله ونفطه وعن العبث بمصيره وتاريخه وحضارته ، وعن كل الجرائم التي ارتكبت وترتكب فيه ضد شعبه ، بل وعن كل ما يحدث في هذا البلد المغتصب الجريح ..

والحديث عن فرسان مالطة الصليبيين المتطرفين ، والحاقدين دينيا على الإسلام والمسلمين ، وعن المرتزقة المتعاقدين أيدلوجيا وماليا مع الجيش الأمريكي - مهما كان عددهم ومهما بلغ حجم قوتهم ومهما كانت جرائمهم - لا يغير شيئا من هذه الحقيقة، ولا يعفي القوات الإدارة الأمريكية من مسئولياتها القانونية والأخلاقية باعتبارها قوات احتلال وهي نفسها اعترفت أنها قوات احتلال .

وإذا كان الأمر كذلك فما الهدف من انتشار الحديث حول فرسان مالطة ؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات ؟ ولماذا يتم إبراز دورها في العراق على هذا النحو ؟

لا أحد يقول لي أن ذلك لتنبيه المسلمين بخطورة هذه الجماعة الصليبية ولتحذيرهم منها ولكي يفتحوا أعينهم عليها.ويستعدوا لمجابهتها – فما من يهودي قد نصح مسلما – بل قد يكون تسريب هذا الخبر عن عمد وعن سوء نية.. فقد يكون للاستهلاك ( ونحن فعلا استهلكتاه ) وقد يكون للضحك على الذقون ولذر الرماد في العيون ، وكنوع من التضليل الإعلامي الذي درجت عليه الإدارة الأمريكية ، من خلال مكتب التضليل الإعلامي في البنتاجون أو من خلال مؤسسة راند ، أي قد يكون الخبر سرب لحق أريد به باطلا – بعبارة أخرى – فالإدارة الأمريكية عودتنا على الكذب والتزوير وعلى تشويه وتزييف الحقائق وتحريف الوقائع وتسمية الأشياء بغير أسمائها لكي تتنصل من المسئولية وخدمة لأهدافها الدنيئة والخبيثة .

وحقيقة الحرب الأمريكية المسعورة والشعوائ على العراق وأفغانستان والسودان – في الوقت الراهن - هي حرب إعلامية وحرب أفكار ، قبل أن تكون حربا عسكرية ، وقد تكون الآلة الإعلامية الأمريكية الضخمة والأبواق الإعلامية العربية وغير العربية التابعة لها أو الدائرة في فلكها ، من خلال إبراز دور هذه الجماعة ، أرادت تضليل شعوبنا وصرف انتباهها عن الخوض في الجرائم الأمريكية وعن حقيقة ما حدث ويحدث على أرض العراق ، وبصورة يمكن من خلالها إعادة هيبة الجندي الأمريكي التي اقترنت به تلك الفظائع والانتهاكات ، وتحسين سمعته التي أصبحت في الوحل ..

وحقيقة هذا ما خرجت به شخصيا بعد بحث طويل ومضنٍ حول هذه الجماعة ..ولكن هيهات هيهات .. فالجندي الأمريكي أصبح قذارة بالنسبة للمواطن العربي والمسلم .. فهل يستطيع الإعلام الأمريكي أن يلمع القذارة ؟.