القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم قرار مفاجئ يفتح أبواب التحدي في كأس الخليج تقارير حقوقية تكشف عن انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية الكشف عن ودائع الأسد في البنوك البريطانية..و مطالبات بإعادتها للشعب السوري ماهر ومملوك والنمر وجزار داريا.. أين هرب أبرز و كبار قيادات نظام الأسد الجيش السوداني يُعلن مقتل قائد لقوات الدعم السريع في الفاشر إيران تطالب الحكومة السورية الجديدة بتسديد 30 مليار دولار ديون لإيران قدمتها لبشار
قبل بضعة أشهر، حاول الرئيس السابق، صالح، إيصال رسائل مفعمة بالتحدي والتهديد إلى رئاسة الجمهورية. كان غاضبا من الحزمة الثانية من قرارات الرئيس هادي التي طالت بعض أقاربه في الجيش والأمن. ولقد كان الرجل المريض بالسلطة يرقب إجراءات نزع مخالب قوته التي بناها طيلة 33 عامًا، فيحرك أذرع شبكته التخريبية، مستغلًا مساحة مريحة للتلاعب والابتزاز، وفرتها "المبادرة الخليجية"، ولا يتردد في إظهار عدوانيته المنفلتة. آنئذ كلف صالح بعض مساعديه المذعنين بإبلاغ الرئيس هادي أن عليه أن يدرك بأن علاقتهما "ستنتهي بالصورة التي آلت إليها بين الرئيس السوداني عمر البشير وسيلفا كير". هذه المعلومة أكدها أكثر من مصدر مقرب من دوائر المخلوع.
في الواقع لا يجابه الرئيس هادي التحدي التقليدي المتمثل بالحراك الجنوبي المشتعل بمطالب فك الارتباط ، بل إن ثمة تحديًا موازيًا يتمثل في قوى الانفصال الشمالية. إنها خليط من القوى القبلية والعسكرية التي فقدت سلطتها بفعل التغيير الناجم عن الانتفاضة الشعبية والقرارات الرئاسية الأخيرة. والحق أن وجود هادي، على رأس السلطة اليوم يكسر حلقة تاريخ مؤلف من عدة قرون هيمنت خلاله قوى الهضبة الشمالية، على السلطة، إما بالأوهام الدينية أو بقوة العصبة والتغلب.
يضع صالح هنا السيناريو السوداني كخيار بديل لفقدان سلطته، ولربما ستجمعه العصبة مجددًا بفرقاء العشيرة والقبيلة ليكون على رأس أو ضمن ذات التحالف الذي حكم البلاد كأسوأ ما يكون الحكم. هو يتوعد ضمنيا بإعادة هادي إلى عدن "جوبا سيلفا كير"، بينما سيستمر هو بلعب دور بشير "الخرطوم"، لكن في صنعاء. إنه يريد قطف ثمار المشروع الذي أطلقه البيض، ونقله صالح نفسه من رأس القائد المنفي، إلى أذهان البسطاء والعامة في الجنوب.
البيض مدين بالشكر لطريقة صالح التي كانت أكثر فتكًا بالوحدة
بالقطع، لم يكن البيض وحده من أعلن الانفصال في 94م، لقد كان صالح أيضًا يعلن الانفصال لكن بطريقته وكانت أكثر فعالية وفتكا بالوحدة من طريقة البيض، وها هو الرجل الذي كان قد ذوى في المنفى ملتزما الصمت، يغدو الأكثر شعبية بين القادة الجنوبيين رغم انه آخر الرموز الجنوبية في الداخل والخارج التحاقا بالحراك.
في 21 مايو الفائت تمكن الزعيم الجنوبي علي سالم البيض من تثبيت قدمه كأبرز قائد سياسي مؤثر في مسار الحراك الجنوبي السلمي. إنها فعالية ذكرى إعلان الرجل فك الارتباط عن "الجمهورية اليمنية" عندما كان نائبًا لصالح أثناء حرب 94، فرغم تحفظ وممانعة بعض رموز وقيادات الحراك ضدا على الدعوة، فقد كانت الاستجابة الشعبية للاحتفال بهذه الذكرى غير مسبوقة، ووصفت بالمليونية.
يستثمر البيض في أرصدة السخط الشعبي المتعاظمة في المحافظات الجنوبية، وبطء التعاطي مع مشكلات الناس ومظالمهم المتروكة للمضاربة السياسية. إنه في الواقع مدين بالفعل بهذا الاكتساح الساحق في الساحة الجنوبية، للوحدوي المزعوم، شريكه الذي وقع معه اتفاقية الوحدة، صالح، الذي غذى الروح الانفصالية ورسخها في كل بيت جنوبي، وأعاد صور علي سالم إلى كل زاوية في عدن !
كان البيض قد أعلن قبل 19 عامًا فك الارتباط، عشية 22 مايو 94، وانتهى به الحال مقيما في المنفى بعد اقل من شهرين، لكن علي عبدالله صالح الذي سيطرت قواته على المحافظات الجنوبية، واصل مشروع "البيض" كما لم يكن يتمنى البيض نفسه. لقد توحد مع الأرض وأخرج الناس من المعادلة، فسرح كل الجيش والأجهزة الأمنية من الخدمة، وأحال عشرات الآلاف من الموظفين المدنين إلى التقاعد، واستولى عبر مافيته ومحازبيه وشركائه القبليين والعسكريين على مؤسسات وممتلكات الدولة، وانهال على أراضي الدولة ومصالح المواطنين تقطيعا ونهبا، كغازٍ ومستعمر، بحسب تعبير شريكه وحليفه اللواء علي محسن أثناء "الثورة".
كان واضحا أن البيض لا محالة عائد إلى الواجهة، وأن مشروع فك الارتباط لم يعد مطلبا "نخبويا" مرتبطا بتقديرات آنية للمعركة، أو مدفوعا بها. لقد كان صالح يمضي في تركيز السلطة والثروة بحوزة قبيلته ولاحقا عائلته، مستغلا ضعف القوى السياسية المنصرفة عن مشاكل المجتمع والناس، واستغراقها في الصفقات التي كانت تعيد إنتاج صالح ونظامه عبر لافتة ديمقراطية، فكان ذلك، بالإضافة إلى فساد سياساته الممنهجة، كفيلًا بتحويل شرارة الغضب إلى كرة نار تلتهم في طريقها الأخضر واليابس، الوحدوي والانفصالي معا.
عقدة المركز وذهنية "اليمن الأسفل"
طيلة 128 عاما من الاحتلال، عجزت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عن طمس هوية الجنوب، وفشلت كل مشاريعها السياسية التي حاولت من خلالها سلخ هذا القسم من الجغرافية عن هويته اليمنية الضاربة في أعماق التاريخ، وظل وجدان أبناء الجنوب مفعما بهويته، مزهوا بتاريخه، بعيدا عن الادعاءات السخيفة وحكاية "الأصل والفرع". كان المواطنون العاديون أكثر اندفاعا من نظرائهم في الشمال تجاه الوحدة قبل عام 90 وأكثر إيمانا بها. لكن صالح وجوقته أنجزوا مهمة جيش الملكة، في 20 عاما فقط !
بعد إرغامه على التنحي، وما لحق ذلك من تغييرات طالت جزءا مهما من بنية سلطته، يبدو أن الرجل الذي هبط على البلاد في غفلة من التاريخ، وقسم من نخبة الهضبة ومراكز النفوذ القبلية والعسكرية الممسوسة بعقدة "المركز المقدس" مستمرون بتكريس الانفصال ودفع البلاد نحوه، لتسهيل استعادة ما فقدوه وإطباق قبضتهم مجددا على الشمال على الأقل.
لا يتخيل هؤلاء أن يكون حاكم صنعاء جنوبيا أو بالمسمى الأعرق في ذهنية الهضبة من "اليمن الأسفل" مع الأخذ في الاعتبار أن القسم الأعم والغالب في كل مناطق البلاد لا يأبهون بمنطقة الحاكم بقدر كيف يحكم، وقد ملوا المزاعم والادعاءات الفارغة التي كانت دائما تصيب اليمن بمقتل.
أطماع الجنرال.. ومهارة هادي
الأمر الجيد والمبشر في خضم هذه المخاطر والتهديدات، هو أن الرئيس هادي أفصح عن قدرة ومهارة عالية، قد تساعد اليمنيين، إن هم ساندوه بقوة أكبر، على إخراج البلد من مأزقه الراهن. لذلك كان أكثر إصرارا على تفكيك هذه المخاطر، وكان أكثر حزما وتحديا، فألحق القرارات السابقة بأخرى، ألغى بموجبها بؤرتي النفوذ المستحكم "الفرقة والحرس الجمهوري"، لكن مصدر الممانعة والرفض، هذه المرة كان الثائر المزعوم، محسن. إنها ذات العقدة تستوطن الجنرال، وما زال في نفسه شغفا للعب دور "الرجل الأول" ولم يتردد في التلويح بعصبته كي يستمر على رأس ما اعتقد أنها قسمته من القوة العسكرية. بعد صدور تلك القرارات كتب احد مساعديه في صحيفة "أخبار اليوم" المقربة منه مقالًا طافحًا بنبرات الاستعلاء المناطقي عن "الرئيس عبده"، ولاحقا خرج الجنرال عبر صحيفة سعودية ليؤكد بقاءه في الجيش كحاجة ليست "وطنية" فقط، بل "إقليمية ودولية" لمواجهة المد الإيراني !.. لقد تبجح الرجل كثيرا في مقابلته المكتوبة، وقدم نفسه باعتباره "الساهر على الثورة وحمايتها"، وفي الواقع كل ما فعله، هو القفز إلى الأمام، باحثا بكل فجاجة عن ثمن لما اعتقد انه "حماية للثورة" بالإصرار على البقاء كما لو كان بدأ الخدمة لتوّه..!
القوى المتنفذة في الشمال تدعم مشروع البيض في الجنوب
يستمد علي سالم البيض قوته في الشارع الجنوبي، ليس من عدالة القضية الجنوبية والمزاج الساخط للشارع هناك فحسب، بل ومن استمرار تدفق صور أشخاص وقوى في مسرح الأحداث، شنت الحرب على الجنوب ونهبت خيراته، وتحضر دائما بوصفها قوى تسعى للحيلولة دون الذهاب إلى حالة استقرار تؤمّن للبلد والرئيس قدرة على التعامل مع مختلف الملفات بتركيز وفاعلية اكبر. من شأن هذا الحضور السلبي لهذه الشخصيات والقوى أن يضعف من قدرة هادي على استمالة الجنوبيين إلى مشروع تصالحي. ولقد سألت ناشطا جنوبيا شابا عما إذا كان وجود رئيس جنوبي على رأس البلاد، سيساعد على تعديل مزاج الشارع الغاضب هناك، فأجابني قائلا: الرئيس هادي جنوبي لكن قراراته لا تنفذ، ومؤخرًا عزف البيض على نغمة شبيهة ستجد لها صدى في الشارع، إذ قال: إن الرئيس هادي وباسندوة جنوبيان لكن تأثير حميد الأحمر أكثر منهما. لقد أمضى الرئيس هادي وقتا طويلا، وهو يحاول الإمساك بأدوات ممارسة السلطة كرئيس للبلاد، ونجح في الكثير منها حتى الآن، وسط استرخاء "سياسي وثوري".
لا يزال بمقدور هادي السحب من رصيد السخط الذي يستند عليه البيض، بالعمل سريعا على الملف الجنوبي، ومعالجة المشكلة الأكبر المرتبطة بمئات الآلاف من المتضررين من حقبة صالح السوداء، والشروع في معالجات أعمق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولو بإعادة توزيع مساحات الأرض الواسعة التي بسطت عليها قطعان صالح وحلفائه، على المواطنين ومساعدتهم في حلحلة الشق المُلح من حياتهم.
ينبغي على الرئيس أن يتحرك بصورة أسرع لتفادي أي تعقيدات جديدة تنشأ مع مرور الوقت بلا معالجة فعلية.
رفض اللواء.. والتلويح بالعصبة
لقد استمر رفض اللواء علي محسن للقرارات لأكثر من 3 أشهر، وتمسك ببقائه كقائد عسكري لألوية الفرقة تحت مسمى المنطقة الشمالية الغربية، رغم اشتمال القرارات على إلغائها، وذهب لتدشين مناورات عسكرية في منطقة عمران، معقل قبيلته حاشد، في خطوة بالغة الدلالة، ربما وجدت بعض الغطاء من قوى سياسية داخلية وأخرى إقليمية تريد الاحتفاظ بنفوذ بيادقها في قلب مرحلة التحول التي تشهدها البلاد.
كانت القوى السياسية والساحات "الثورية" قد تهيأت نفسيًّا مع الأخبار والتسريبات ومفاوضات أطراف الأمر الواقع، وبدا الحديث كما لو كان طبيعيا عن تعيينات مرتقبة تحتفظ لعلي محسن وأحمد علي بقيادة مناطق عسكرية ضمن التوزيع الجديد لوحدات الجيش، وكان محسن يضع كل ثقله للاستمرار في المنطقة الشمالية. وسط ما يشبه التخلي من الرعاة وإذعان القوى السياسية، تجاوز هادي كل الضغوطات، بمهارة وكفاءة، ربما احتاج خلالها للمناورة مع قوى دولية، فجعل الجميع أمام أمر واقع جديد بحزمة قرارات ترتقي إلى مستوى أن تكون ثورية: ركل احمد علي إلى الإمارات سفيرا، وألقى بعلي محسن في مستشارية يحاول اللواء المتشبث بالبقاء، ملأها بالمزيد من المناورات، بالإضافة إلى قرارات أخرى وزع خلالها هادي عائلة صالح في ملحقيات عسكرية. صحيح أن معلومات تسربت عن مفاوضات وترضيات أبرمها هادي مع هؤلاء، غير أن ما جرى لم يكن سوى ثمرة جهد شخصي للرئيس، بعد أن تُرك لمواجهة هؤلاء وحيدا، وإلا كيف تقبل الأحزاب الإبقاء على امتيازات شخصية وحصص لأشخاص متورطين بارتكاب جرائم وغارقين في الفساد والنهب، بينما هي تتحدث عن دولة مواطنة ومؤسسات تناضل من اجل بنائها؟
حتى اللحظة لا يزال محسن يناور. كل الأغطية الثورية التي تلفع بها تكشفت عن جنرال متمرس في سوق المضاربة ولا يفكر سوى في الغنائم والأرباح. ما زال مستمرا بالمطالبة بأموال عن مساحة الفرقة التي حوّلها هادي بقرار إلى حديقة عامة، ويماطل في إخلائها، وبين الحين والآخر يغير مطالبه بخصوص تعيينه كمستشار للرئيس، فتارة يطالب بمكتب بالعرضي في وزارة الدفاع، وأخرى في القصر الجمهوري. لقد جرى تجهيز مكتب فخم للمستشار الطاعن في "خدمة نفسه"، لكنه غيّر رأيه ويريد مكتبا في العرضي. إنه لا يريد مفارقة تاريخه "الحافل"، وستقر عينيه بالوجود بالقرب من المؤسسة التي طالما جرى التعامل معها في عهد صالح الأسود كأداة لحياكة المؤامرات والدسائس والسيطرة على السلطة والبلاد برمتها. يحدث هذا بينما لا يجرؤ أحد من السياسيين على رفع صوته مطالبا بتطبيق القانون وإحالته إلى التقاعد وهو الرجل الذي تحدث بعظمة لسانه عن وجوده المزمن في الجيش يصل إلى أكثر من خمسين سنة، قضى 33 منها "يتبرطع" في كل الاتجاهات !.
هذه المعركة مع القوى المتنفذة التي استباحت البلاد طيلة الفترة الماضية، ليست منفصلة عن المعركة الأخرى التي تجري لضرب وتدمير الخدمات وإشاعة الانفلات الأمني. تزداد الهجمات على أبراج الكهرباء وأنابيب النفط كلما أصدر هادي قرارات مهمة، خصوصًا ما يتعلق بالجيش والأمن، وقد باتت هذه العلاقة الطردية سمة رئيسة للمشهد. هذه الأحداث التي تدور في المحافظات الشمالية، لا تستفيد منها القوى الانفصالية الشمالية فحسب، إذ تحاول إظهار عجز هادي وقلة حيلته، بل إنها تصبح لاعبا رئيسا لتغذية النزعات الانفصالية في الجنوب وتيار علي سالم البيض تحديدا. حدثني صديقي الصحفي، يعمل في عدن، كيف أن "خبطات" الكهرباء، دفعت العديد من المتذمرين من سوء الخدمات الحكومية هناك، للاحتشاد في مهرجان البيض الأخير. ففي فصل الصيف ليس هناك من هو صديق أفضل للسكان من الكهرباء في هذه المدينة التي تنام على حواف البحر، لكن معاناة عدن والمناطق الساحلية، التي يشويها الصيف، تتضاعف مع كل "خبطة" برج في مأرب وصنعاء، حيث تنقطع الكهرباء لساعات فتزيد مشاعر الناس الحارقة هياجا.
هادي.. الرقص على رؤوس وأنياب الثعابين
إن هادي، وليس صالح، هو من يرقص على رؤوس ثعابين بأنياب سامة بالفعل اليوم، وربما استطاع حتى الآن القضاء على الكثير من مخاطرها، غير أنه لا يزال مهددا. لنتخيل ما هي الجائزة الثمينة التي يمكن أن يحصل عليها البيض لو جرى اغتيال الرئيس هادي مثلا؟، هذا ليس تخمينا، لكن المحاولات كما يبدو لن تتوقف.
عقب قرارات هادي الأخيرة الفارقة، انتشرت معلومات عن تعرضه لمحاولة اغتيال في دار الرئاسة، فقد خلالها بعض مرافقيه. هذه المعلومة لم يتم تأكيدها من مصدر رسمي. بعد قرابة الأسبوعين من الواقعة التي ظلت حبيسة الأجهزة، فككت فرقة أمنية تابعة للرئاسة عبوة ناسفة وضعت في طريق موكب هادي من وإلى دار الرئاسة. لاحقا كشفت صحيفة السياسة الكويتية عن تعرض الرئيس لـ 6 محاولات اغتيال منذ انتخابه. لكن هذه المحاولات بدأت بتوجيه رسائل في فترة مبكرة من حياة هادي الرئاسة. كان صالح يهدد قبل إرغامه على التنحي بأن سقوط نظامه سيعني تسليم المحافظات الجنوبية للقاعدة. ثبت حتى الآن أن الرجل كان له تاريخ في التعامل مع القاعدة، ولطالما تبادل الاتهامات مع شريكه السابق علي محسن بالارتباط بهذا التنظيم الذي يبدو من نوع خاص في اليمن! قطعا فالاثنان يعرفان بعضهما جيدا، وارتباطاتهما المدمرة. إن نظام صالح في الواقع لم يسقط، كما كان يأمل شباب الثورة، (بالمعنى الخاص لطبيعة نظام صالح، فقد سقط الجزء الأكبر والأهم منه بالقرارات الأخيرة للرئيس هادي)، لكن عددًا من المحافظات جرى تسليمها للقاعدة، من بينها محافظة أبين مسقط رأس هادي. لقد كان أول تحدٍّ حقيقي نصبه صالح لهادي، استعادة محافظته، وهو ما سوف يتم لاحقا عندما يقرر الرئيس الجديد إزاحة بعض رجال صالح المهمين من قيادة المنطقة الجنوبية وبعض المعسكرات. لكن أول الرسائل المفخخة في وجه المرحلة الجديدة كانت قد انفجرت باكرًا.
حينما كان هادي يؤدي اليمين الدستورية، في مجلس النواب، كان "تنظيم القاعدة" على ما ذكر إعلام صالح حينها يهاجم القصر الجمهوري في المكلا، وكان لافتا أن بيان التنظيم انتقد بشدة "الحديث الذي يجري عن هيكلة الجيش!"، وقبل ذلك بأسبوع كانت، أخبار مسربة إلى بعض المواقع الإخبارية تتحدث عن "إحباط محاولة لاقتحام القصر الجمهوري بعدن من قبل عناصر تنظيم القاعدة". بدا في الخبر أن تنظيم القاعدة الذي ينتهج حرب عصابات، يتصرف كجيش منظم ويحاول السيطرة على القصر الجمهوري، المحصن والمنيع، وتحرسه وقتها قوات من نخبة الجيش: الحرس الجمهوري.!.. لقد كانت تلك الوقائع رسائل غير مرحبة وانفجرت في وجه الرئيس الجديد، ربما لتذكير هادي بأن "الكرسي، من نار"، وهي المقولة المحببة لصالح الذي طالما رددها، عندما كان يريد أن يتوعد الطامحين بالحكم. ثم ان هناك حربا ممنهجة على صعيد آخر لتدمير سلاح الجو. إنه السلاح الاستراتيجي الذي يصعب حسم معركة من دونه، وبينت نتائج تحقيقات أفصحت عنها القوات الجوية - مؤخرًا - أن مضادات ارضية كانت وراء إسقاط 3 طائرات في صنعاء.
عصبيات الشمال أعقد من التحدي الجنوبي
إن معركة هادي في الشمال تبدو أعقد مما يجابهه في الجنوب، فمع أن الجنوبيين يحملون قضية تختمر منذ عشرين عاما، وتفاعلت مطلع 2007 لتأخذ منحى شعبيًّا سلميًّا، بشر بثورات عربية بذات الصيغة، إلا أن إمكانية إحداث اختراق هناك للتخفيف من الاحتقان ما زال ممكنًا. إن الصيغة المدنية للاحتجاج والمكونات، ستكون أكثر استجابة لأي حلول من شانها إزالة المظالم بصورة نهائية، والتعويض العادل عن كل ما عاناه الناس هناك خلال الفترة الماضية.
إن ذلك يبدو مُلِحا الآن أكثر من أي وقت مضى، ويحتاج إلى تحرك عاجل وبآلية أفضل من مسلسل اللجان. هذا لا يعني أن المطالب السياسية ستنتهي، لكن مسألة معالجتها عبر الحوار والتفاهم، ستكون أسهل، حتى مع دخول أطراف إقليمية على اللعبة مؤخرًا، إذ ما من شيء يمكن أن يحل، عوض الناس، الحامل الحقيقي للقضية.
غير أن المشكلة في الشمال ليست مرتبطة بعامة الناس، بل في مجموعة من مراكز القوى والعصبيات التي تريد الحفاظ على امتيازات غير مشروعة، وبعضها يستند إلى ثقافة متجذرة وراسخة تجعلها المصطفاة والأحق بالحكم. إن الطبيعة العصبوية للمجموعة التي هيمنت على السلطة خلال المرحلة الماضية، تجعلها أكثر قدرة على إعادة تجميع نفسها ولملمة شتاتها، وتجاوز انقساماتها، سيما عندما يخامرها شعور بوجود تهديد، من تعتقد انه آخر وفقا لذهنيتها الجمعية.
والآخر هنا هو غير المنتمي لدائرة عصبويتها كالقبيلة، وقد تستدعي إطارًا أوسع، مذهبيًّا مثلًا. في الحالة الماثلة كانت الجماعة التي هيمنت على الحكم طوال 33 عاما تحالفًا قبليًّا عسكريًّا، معظمه ينتمي الى حاشد التهم المؤسسة العسكرية، وجيّر الدولة برمتها لخدمة القبيلة، ولاحقا ضاقت دائرة الهيمنة لتتركز في العائلة. رد الفعل الغريزي، لهذه الجماعات، في مواجهة ما تراه "خطرًا" هو التكتل والاجتماع مرة أخرى، حتى وإن كان قد سال دم كثير بين المنقسمين، فسيكسر مجراه دم الثيران و"المحدعش"، وما تعتقد انه مصير مشترك.
كثير من هذه القوى في الشمال لا تزال تعمل كأدوات لمصلحة أجندة دول تريد الإبقاء على اليمن ضعيفا وهشًّا، وتمارس ضغطا على الرئيس هادي للحيلولة دون المضي في خطوات من شأنها إنعاش البلد اقتصاديا وتخليصه من الوصاية.
كيف يمكن للانتخابات أن تكون فتيل قنبلة منعش لحلم "صالح السوداني"؟
يحتاج الرئيس إلى إسناد شعبي حقيقي، في مواجهة كل هذه التحديات خصوصا في الشمال، فعامة الناس هم أصحاب المصلحة الحقيقية في بناء دولة القانون والمواطنة المتساوية. ومن سوء حظ الرئيس هادي، واليمنيين أيضا، أن الرجل يعمل بلا فريق تنفيذي مخلص، فالحكومة مقسومة على: صالح الذي لا يزال قابضا على المؤتمر الشعبي، والمشترك وشركائه، الغارقين في تحقيق مكاسب آنية بائسة من خلال سياسة المحاصصة البغيضة والممعنة في الفساد. كل ما تسعى إليه هذه الأطراف الوصول إلى انتخابات 2014 الرئاسية كيف ما اتفق. نبرة هذه الأطراف تشبه نفس نبرة علي محسن وصالح اللذين يشنان من الآن حملة ضد ما يسميانه التمديد لهادي. يراد للبلد أن يكرر مجددا نفس الأخطاء القاتلة للفترة الانتقالية بعد الوحدة: اقتسام للمواقع والمناصب، والذهاب إلى انتخابات بلا أية مؤسسات ضامنة، كي تنفجر الأوضاع في البلاد مرة أخرى، لكن هذه المرة لو حدثت ستقود إلى الجحيم. مهما كلفت مسألة إعادة هيكلة الجيش والأمن بالصورة العميقة والحقيقية للهيكلة، وإنجاز مقتضيات بناء دولة أولا والتوافق بشأن شكل الدولة من خلال مخرجات الحوار، للانتقال إلى مرحلة المنافسة وصراع الأصوات، فإن الأمر يستحق تأخير الانتخابات حتى تكتمل القصة.
من دون جيش ومؤسسة أمنية ينهضان بمهمة حماية أمن وسيادة الوطن والمواطن، وتقفان على نفس المسافة من أطراف الصراع السياسي، وغير متعصبتين ولا مجيّرتين لمصلحة فرد أو منطقة أو أسرة أو قبيلة، سنكون كمن يحرث في البحر. وبدلا من الإلحاح على هذه النقطة الجوهرية والضغط لإعادة صياغتها بصورة عملية تجسد الوحدة الوطنية، نشاهد أداءً سياسيًّا باهتًا ومتهافتًا، يستعجل المكاسب، حتى لو كان الأمر سيفضي إلى كارثة. ثقوا تماما: ببقاء هذه القوى المتنفذة وما تمتلكه من أسلحة وامتيازات خارج القانون وسلطة الدولة، واستمرار ضعف الجيش وأجهزة الأمن، فإن مؤتمر الحوار وحده لن ينجز المهمة، والذهاب إلى الانتخابات، بهكذا حال لن يكون سوى بمثابة إشعال الفتيل لتفجير الوضع في الشمال والجنوب بصورة أكبر. سنكون حينها قد أسدينا خدمة مجانية للبيض، وأيضا لصالح وعصبته، غير أن حلم صالح بالنموذج السوداني سيكون قد بدأ يصبح حقيقة، وإن بصورة أكثر رعبا.