التسوّل على فتاوى العلماء
بقلم/ عبده عبدالله مكتّف
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
الأربعاء 07 إبريل-نيسان 2010 11:32 ص

يحاول البعض تحويل مسألة الزواج المبكر من نازلة فقهية مدار الفتوى فيها إلى العلماء المعتبرين ممن عرفوا بين العامة والخاصة بورعهم وفقههم وتقواهم، وتوفرت فيهم أو لبعضهم شروط الاجتهاد، إلا أن البعض دفع بها إلى سوق النخاسة وتحويلها إلى أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية، تحت ضغوطات قوى خارجية، وإلا فبيان علماء اليمن الصادر بصنعاء- 1431م وفي مقدمتهم مفتي الجمهورية الشيخ العلامة/ محمد أحمد الجرافي, والقاضي العلامة/ محمد بن إسماعيل العمراني, والشيخ العلامة/ حمود بن عباس المؤيد, والشيخ العلامة/ عبد المجيد الزنداني, والشيخ العلامة/ محمد بن علي المؤيد, والشيخ العلامة/ أحمد المعلم وغيرهم، يكفي لمعرفة الحكم الشرعي والعمل به، وإذا ما تقرر عند هؤلاء العلماء الثقات أن الخلاف غير سائغ في هذا الموطن، فلا يجوز الاجتهاد في معرض النص، وهو ما ينبغي أن يعمل به مجلس النواب، إلا أنه أدرج في جدول إعمال المجلس، الذي تقيده الشريعة ويلزمه القانون والميثاق الغليظ الذي أخذه على نفسه ألا يتجاوز صلاحيته، فيقنن حيث لا يجوز التقنين، بهدف موائمة التشريعات الوطنية للقوانين الدولية، ونحن في بلد مسلم وأمة مسلمة إنما نقنن بما ينسجم مع الشريعة الإسلامية، وهذا ما تقوم به لجنة تقنين الشريعة في المجلس، وليس بالضرورة أن تنسجم مع التشريع الدولي إذا كان ذلك التشريع مخالف لشريعتنا، مع حرصنا أن يستفيد الغرب من شريعتنا التي اكتسبت عصمتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان من مصدرها وهو الله جلّ جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما التشريعات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية فمحدودة الزمان والمكان والمصدر، ويأتي دور الحاكم هنا ضرورة بما استرعاه الله عز وجل أن يوقف التسويق السيئ لهذه النازلة، لا سيما وهو يعرف العلماء المعتبرين، أما الذين يروجون بأن هذه مسألة خلافية، فهؤلاء إما أنصاف علماء أو علماء أنساهم ترددهم على المنظمات الدولية ومشاركتهم فعالياتهم، التفريق بين المسائل الخلافية وغيرها، وإذا ما نظرت لهؤلاء من حيث شروط العلم وتحصيله، فلا علاقة لهم بالعلم ولا العلم يعترف بهم في قاموسه وتاريخه، حتى مصطلح طالب علم لا يليق بهم، لأن الطلب له آدابه، وهؤلاء لا يتأدبون إلا مع النخب الغربية، لأنها موضة العصر، وبوابة التنمية المزعومة.

أما العلماء الذين رضعوا من مناهل العلم وحققوا مصادره، فهؤلاء محل التندر من بعض العلمانيين والمحسوبين على التيار الإسلامي، وهو براء من فكرهم وطرحهم، ومحاولة الظهور والتكيف وفق المزاج الغربي لإثبات وسطيتهم واعتدالهم، وكأن الإسلام غير معتدل في ذاته ومنهجه وشريعته، ولا غرو فهي ذات البضاعة التي يسوقها الفكر الغربي، وقد نجحت مؤسساته في زراعة هذه الخلايا واستعمرت عقولها حتى أصبحت تنكر هويتها وتتنكر للدين، وهذا هو الدور المطلوب منها القيام به لتغيير ملامح المجتمع المسلم، وتوسيع دائرة الثقافة الغربية، للتخلي عن ثوابتنا وهويتنا الإسلامية.

لذلك علماؤنا اليوم محل نظر في هذه العقليات التي عشش فيها الجهل، وأصبحت سوقا حرة للفكر الغربي الإباحي، لأنهم الحصن الذي يحتمي في أحضانه الدين والمروءة والشرف والعزة.. متناسين أن طبيعة العلاقة التي يؤمن بها الغرب مع المسلمين هي "علاقة صراع" بينما الإسلام يدعوهم للدخول في السّلم كافة.

وفقهاؤنا المجتهدون ممن عاش فترة الفتوحات الإسلامية يعتبرون أن الأصل في علاقتنا بالآخر هي السلام وليست الحرب، فهل أولئك في نظر هؤلاء القوم من أبناء جلدتنا خير من علمائنا، وهل حضارتهم التي تبيح العلاقات الجنسية المطلقة دون سن البلوغ خير من ديننا الذي يقيدها بالزواج، ويضع شروطا وضمانات لزواج الصغيرات لا يرقى لها أي تشريع في العالم، لكن أنصاف العلماء لا يسعهم الوفاق، فيأبون إلا الخلاف حيث لا خلاف، لأن الوفاق يفوت مصالحهم الشخصية، ويقدمهم تحت مظلة الإرهاب الفكري كما يحلو للغرب أن يصنف العالم وفق هواه ومصالحه، وكما تقول الليبرالية أيضا، وعندئذ فلا بد من إثبات ولائهم والظهور باسم الانفتاح والتقدم والاعتدال، ليس بمظهرهم وقوالبهم، وإنما بقلوبهم وولائهم، الذي لا يكفي فيه الإنكار القلبي، بل الإنكار بغير ذلك، ولذلك لا يجدون أمامهم إلا الوقوع في العلماء، ومن ثمّ تقمص شخصهم للقيام بما يريده الغرب، لذلك توظف كل المؤسسات الإعلامية والمدنية إلا ما رحم ربك، لتحقيق هذه الأهداف، ولا شك أن الفقر يلعب دورا كبيرا في الارتماء في رؤية الأخر، فقديما قالوا: "من لا يملك قوته لا يملك قراره"، لذلك تظل الشعوب الفقيرة تساوم على مبادئها وأخلاقها وقيمها لكن الحرة كما قالت العرب لا تأكل بثيدها!.

maktef@hitmail.com