الوحدة اليمنية على مفترق طرق !!
بقلم/ عبدالرحمن أنيس
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و يوم واحد
الجمعة 22 يناير-كانون الثاني 2010 08:04 م

15 عاماً مضت حتى الآن منذ أن وضعت حرب صيف 1994م أوزارها ، وأعلن وقف إطلاق النار وخروج قادة الشريك الرئيسي في تحقيق الوحدة ( الحزب الاشتراكي اليمني ) إلى الخارج تلاحقهم تهمة الانفصال والردة عن الوحدة ، بعد أن دخلوا الوحدة كمناضلين وحدويين .

إن واقع الوحدة اليمنية اليوم بعد أكثر من 15 عاماً على الحسم العسكري أصبح يدعو للقلق وسواء اتفقنا مع النظام القائم أو اختلفنا فإن الجميع يدركون اليوم أن الوحدة تمر بأصعب مراحلها وفتراتها الزمنية وأنها تواجه تحدياً كبيراً .. فكل محب للوحدة ومدافع عنها يعي هذا جيداً ويدرك أن الأمور تسير نحو المجهول ، وحتى وإن كنا نختلف بشكل جذري مع قادة الحراك الجنوبي ودعاة فك الارتباط فإن القراءة الواعية والمتأنية للواقع اليمني اليوم تجعلنا ندرك أنه من الكذب بمكان ترديد عبارات لا تمت للواقع بصلة من قبيل عبارات (الوحدة راسخة رسوخ الجبال ) و ( لا خوف على الوحدة ) وهي العبارات التي يصم آذاننا بها النظام ليل نهار ، فكل هذه العبارات هي مغالطة للواقع الحالي والمشكلة القائمة وربما لا يقتنع بها حتى من يطلقها .

منذ 7 يوليو 1994م لم تشهد البلاد معالجات جدية كافية للنتائج السيئة التي أفرزتها حرب صيف 1994 المشئومة والتي أفضت إلى إقصاء شركاء الوحدة الرئيسيين من السلطة وبدأ بعد هذا التاريخ مسلسل الفيد والغنائم والاستيلاء على الأراضي والثروات ، فيما تغير شكل النظام السياسي بشكل مخالف تماماً لما كان عليه الحال قبل الحرب ولما كان متفقاً عليه بين شركاء الوحدة .. فعدا عن تحويل شكل الحكم من مجلس رئاسة إلى رئيس وإلغاء العملة النقدية الجنوبية والطيران الجنوبي وطمس العديد من المعالم في المحافظات الجنوبية والشرقية بما فيها أسماء الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال البريطاني واستشهدوا من أجل الاستقلال الوطني للمحافظات الجنوبية والذين تم محو أسماؤهم وذكراهم من المدارس والشوارع والمراكز التي أطلق أسماءهم عليها ، عدا عن كل ذلك فإن حرب 94 قد أعادت القسمة على واحد وخلفت وراءها مآسي وإفرازات سيئة لا زال المجتمع اليمني يعاني منها إلى اليوم .

إن كل ما يجري اليوم في المحافظات الجنوبية والشرقية من تظاهرات واعتصامات واحتجاجات والتي تطورت من مطالب حقوقية مشروعة إلى مطالب سياسية تنادي صراحة بالانفصال وإعادة الأمور إلى ما قبل الوحدة ، كل هذه المظاهر الانفصالية لا يمكن إعفاء السلطة من كونها مسئولة عن إفراز مثل هذا الغضب الشعبي الذي صب جم غضبه على الوحدة والنظام معاً ، فالسياسات السلطوية التي اتبعت منذ 7 يوليو 94 كانت سياسات غير وحدوية في مجملها ، كما أن بعض قوى السلطة كانت تتعامل بعد انتهاء الحرب بمنطق المنتصر وتنظر إلى هذا النصر على أنه فيد وغنائم وثروات وتجلى هذا في استيلاء العديد من النافذين على الأراضي والثروات والوظائف بالقوة وقيام بعض القوى السلطوية بتسريح الموظفين في عدد من أجهزة الدولة بما فيهم العسكريين من وظائفهم ضاربة عرض الحائط بقرار العفو العام الذي أصدره الرئيس علي عبدالله صالح أثناء وبعد الحرب .

كما أن الاستخفاف الذي جرى بعد 7 يوليو 94 بنتائج وإفرازات الحرب ، والتقليل من شأن الغضب الشعبي من الممارسات التي كانت تمارس بعد الحرب ، هو ما جعل الأمور تتراكم والمشاكل تكبر بينما الدولة تستخف بكل ما يجري بدلاً من معالجة الاختلالات وتصحيح الأخطاء .. ولا بأس بأن نذكر أن هذا الاستخفاف الذي تعاملت به بعض قوى السلطة مع مجريات حرب 94 تحاول بعض القوى إعادة تكراره مرة أخرى من خلال إحجامها عن معالجة الاختلالات والإشكاليات التي تعاني منها المحافظات الجنوبية والاكتفاء بإطلاق أوصاف جزافية على احتجاجات مئات الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية مثل وصف المظاهرات الجنوبية بـ ( الفقاعات الصابونية ) و ( الزوابع ) بالإضافة إلى التأكيدات الرسمية المتكررة التي تتحدث عن عدم وجود أي احتقان أو مشاكل في الجنوب وأن ( الوحدة راسخة رسوخ الجبال ) وهو ما يدل على أن قوى السلطة لا زالت مصرة على غيها ومصرة على تجاهل الواقع الذي يعيشه الوطن والذي ينذر بكارثة إن لم تتدارك الأمور وتعالج الإشكاليات .

إن السلطات اليمنية لازال بإمكانها إلى اليوم أن تعالج كافة الاختلالات والمشاكل التي تعاني منها المحافظات الجنوبية والشرقية تحت سقف الوحدة .. ولمعالجة أي مشكلة فإن أول خطوة هي الاعتراف بها بدلاً من المكابرة التي لم تنتج إلا تأزيماً إضافياً للواقع السياسي .. كما أن تأخر الدولة في حل كافة المشكلات الجنوبية تحت سقف الوحدة قد يجعل هذا الأمر غير ممكن مستقبلاً .. وقد تلجأ السلطات مكرهة إلى القبول بنتائج تحت سقف أقل من السقف المتاح حالياً وقد يؤدي مزيد من الاستخفاف بالأزمة السياسية اليوم وخاصة أزمة المحافظات الجنوبية إلى أن تطالب السلطة مستقبلاً بحلول ترفضها اليوم مثل الفيدرالية والكونفيدرالية ولكن حين تكون الأمور قد خرجت من يدها وربما لن تكون هذه الحلول مقبولة في وقتها .

وإذا كنا لا ننكر وجود عدد من المظالم هنا أو هناك التي تحدث في جنوب الوطن أو شماله أو شرقه أو غربه وإن كانت المحافظات الجنوبية هي الأكثر عرضة للمظالم منذ 7 يوليو 1994م ، فما من شك أن الوحدة الوطنية لا تتحمل مسؤولية هذه المظالم كما أن علاج هذه المشاكل لا يكون عبر المناداة بالانفصال ، ورفع الشعارات المناطقية والجهوية الضيقة ، فالخلاف مع النظام لا يعني خلافاً مع الوحدة ، والدستور والقانون قد كفل لكل مواطن حق انتخاب وترشيح من يراه الأفضل لحكم البلاد ، وكل مطالب حقوقية أو تظلمات ينبغي أن لا تقوم إلا تحت سقف الوحدة .

إن يوم 7 يوليو هو اليوم الذي تم فيه تعزيز الانفصال عند الوعي الشعبي بعد أن تم حسم الانفصال السياسي بالحل العسكري .. فاللحمة الوطنية كانت أقوى يوم تم تحقيق الوحدة سلمياً في الثاني والعشرين من مايو 1990م لكنها ضعفت واستكانت يوم تم فرض الوحدة بالقوة بعد حرب استمرت حوالي 53 يوماً .. كما أن يوم 7 يوليو كان فاتحة لكل الممارسات والسياسات السلطوية السيئة والفيد والغنائم وهو ما عمل على توسيع الشرخ الوطني وظهور مفردات ( شمالي - جنوبي ) .. الأمر الذي يجعل من احتفال الدولة بهذا اليوم المشئوم موضع استفهام واستغراب فكل المشاكل التي نعاني منها اليوم هي نتاج لما جرى بعد هذا اليوم .. فالوحدة السلمية تحققت يوم 22 مايو الذي سيبقى يوماً خالداً .. أما يوم 7 يوليو فقد كان آخر فصول أسوأ أزمة سياسية وعسكرية عصفت بالجمهورية الحديثة بعد الوحدة وما زالت آثارها المدمرة يعاني منها المجتمع اليمني الى اليوم .

abdulrahmananis@yahoo.com