الإسلاميون والصراع على حطام دولة
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 04 فبراير-شباط 2009 06:12 م

تبدوا الصومال أو ما يسميها المصريون القدماء ارض الإلهة والسحر والجمال, أكثر الدول العربية تعقيداً في منطقة القرن الإفريقي, فتاريخ الصومال مليء بالحروب والصراعات ومعظم فصوله كتبته القوى الاستعمارية الغربية منذ القرن التاسع عشر, لكن لا تزال خيوطه تتشابك وحوادثه تتوالى حتى يومنا هذا. وتعتبر الصومال أكثر الدول العربية دموية, كما أن كرسي الرئاسة فيها قابل للدوران مع كل زخة رصاص, تصل إلى يد أمير من أمراء الحرب , فمنذ عام 1960م تداول على كرسي الحكم أكثر من إحدى عشر زعيم صومالي, وحوالي سبعة وثلاثون حكومة, وهو عدد كبيراً جدا لو تم مقارنته بأي دولة عربية تمسك على أوتاد الكرسي بنواجذ قادتها, تمهيداً للتوريث.

في عام 1960م تم انتخاب آدم عبد الله عصمان لفترة سنة واحدة للبلاد عشية الاستقلال في 1 يوليو 1960، ثم أعيد انتخابه رئيسا للصومال لـ6 سنوات أخرى,اتسمت فترته بالديمقراطية المفتوحة، ونظام التعددية الحزبية، وتكونت فيها الملامح الأولى للدولة الصومالية، وفي عهده تغيرت الحكومة 5 مرات، وتغيرت رئاسة الوزارة مرتين.. كان من مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية وأوائل الداعين إلى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي, هزم في الانتخابات الرئاسية عام 1967 على يد منافسه عبد الرشيد علي شارمارك الذي أصبح الرئيس الثاني للصومال، لكنه تم اغتياله في 15 أكتوبر عام 1969 وهو يقوم بجولة داخلية بشمال البلاد على يد أحد حراسه.. شهد عهده حكومة واحدة ورئيس وزراء واحد أيضا.

في 15 أكتوبر تولى شيخ مختار محمد , من عصبة الشباب الصومالي, رئاسة الصومال ولم يدم حكمه سواء ستة أيام من 15 أكتوبر حتى 21 أكتوبر 1976م , حيث قاد اللواء محمد سياد بري في 21 أكتوبر 1969م انقلابًا عسكريًا، بعد ستة أيام من اغتيال رئيس الجمهورية السابق عبدالرشيد شارماكي،. وبعد ذلك أصبح اللواء محمد سياد بري رئيسًا للمجلس الأعلى لقيادة الثورة (1969 ـ 1976م)، والسكرتير العام للحزب الاشتراكي الصومالي (الحزب الرسمي الوحيد) ورئيس جمهورية الصومال الديمقراطية ورئيس مجلس الوزراء منذ عام 1976م إلى 1991م. كما أنه كان رئيسًا لمنظمة الوحدة الإفريقية في دورتها لعامي (1974- 1975م( .وحلَّت حكومة سياد بري، بعد توليها السلطة في أكتوبر 1969م، كل الهيئات الشعبية والرسمية وسنّت قوانينَ تقضي بتكوين محكمة الأمن، ومخابرات أمن الدولة وقانون أمن الدولة وقانون المجتمع، وأصدر الرئيس سياد بري في منتصف عام 1973م قرارًا أعلن فيه أن اللغة الصومالية هي لغة الدولة الرسمية وأن هذا القرار يسري على المطبوعات الرسمية والشعبية , وفي عهد بري تغيرت الحكومة 19 مرة، وتغيرت رئاسة الوزراء مرتين فقط.

في أغسطس 1990م أعلن حزب المؤتمر الصومالي المعارض والحركة القومية والحركة الوطنية تحالفهم لإسقاط حكومة سياد بري بعمل عسكر, وفي يناير 1991م هرب سياد بري من العاصمة الصومالية مقديشو أمام قوات المؤتمر الصومالي الذي دعا المعارضة لمؤتمر مشترك كان من قراراته اختيار علي مهدي رئيسًا انتقاليًا, أعلن عن تنصيبه رئيسا للبلاد بعد يومين من سقوط الحكومة وهروب الرئيس محمد سياد بري من العاصمة مقديشو في 26 يناير 1991، ثم أعيد انتخابه في يوليو 1991 في مؤتمر المصالحة الصومالي الذي عقد في جيبوتي المجاورة, انفجرت الحرب الأهلية في مقديشو بعد أشهر قليلة من تسلمه المنصب، واحتدم الصراع بينه وبين منافسه الجنرال محمد فارح عيديد، واستمرت المعارك الدموية بين الطرفين من نوفمبر 1991 إلى أبريل 1992، ثم دخلت البلاد في دوامة من الحرب الأهلية اختفت فيها أي مظاهر للسلطة المركزية، ولم يعرف الصومال رئيسا ولا حكومة من منتصف 1993 حتى أغسطس عام 2000. شهد عهد الرئيس علي مهدي محمد حكومة واحدة ورئيس وزراء واحد فقط.

في يونيوا 1995م استطاع التحالف الوطني الصومالي أن يصل إلى سدة الحكم , وتم تعيين محمد فرح عيديد رئيس للصومال , حتى 96م ليتولى حسين محمد رئاسة الصومال بعد مقتل والدة ولمدة عام واحداً فقط , وبعد ذلك خرجت الأمور عن نطاق السيطرة وأصبحت الصومال مرة ثانية أمام فراغ سياسي لمدة ثلاث سنوات وتحديدا ًمن 97—2000م . لكن العشائر الصومالية أرادت أن تتدارك الوضع, فأجتمع 245 عضواً يمثلون العشائر الصومالية في مجلس وطني مؤقت لينتخبوا عبدي قاسم صلاد رئيساً جديداً للصومال في مرحلة انتقالية وانتخب رئيسا مؤقتا للبلاد في 26 أغسطس 2004.حظيت حكومته بالاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي؛ كونه جاء بعد فراغ تام في السلطة منذ انتهاء فترة الرئيس علي مهدي محمد في يوليو 1993، ولم يتمكن الرئيس عبد القاسم صلاد من بسط نفوذ الحكومة على أرجاء الصومال بسبب المعارضة الشديدة التي لقيها من زعماء الحرب الصوماليين الذين حاصروه في جيب صغير من العاصمة مقديشو حتى انتهت فترة ولايته في أغسطس عام 2003، وفي عهده تغيرت الحكومة 3 مرات تغيرت معها رئاسة الوزارة ثلاث مرات أيضا.

بعد ذلك جاء عبد الله يوسف إلى السلطة بعد رفضه المشاركة في الانقلاب الذي استولى فيه محمد سياد بري على السلطة ,و حاول يوسف تنفيذ انقلاب على سياد بري في التاسع من أبريل/ نيسان 1978 ولكنه فشل في ذلك فاضطر للهرب إلى كينيا وتوجه منها إلى إثيوبيا, ومن إثيوبيا أسس يوسف تنظيما سياسيا وعسكريا داخل الصومال وشن ما يسمى بحرب الأحراش ضد الحكومة وواصل محاولته للإطاحة ببري. عاد يوسف إلى الصومال وشارك في الحرب الأهلية التي تفجرت في البلاد بعد انقلاب على حكم سياد بري, وشارك في عدة مؤتمرات للمصالحة بين الفصائل المتنازعة لإحلال السلام وانتخبه البرلمان الصومالي رئيسا للبلاد في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2004. استقال يوسف من المنصب في 29 ديسمبر الماضي بعد أن مورست عليه ضغوط خارجية وداخلية، ويقيم منذ ذلك الوقت في اليمن.. شهد عهده رئيسين للحكومة و5 حكومات.

في31 من يناير عام 2009استطاع الإسلاميون الوصول إلى السلطة ليتولى شيخ شريف احمد مهامه الجديدة كرئيس للصومال, وهو من ابرز مؤسسي اتحاد المحاكم الإسلامية عام 2004م وتم انتخابه بعد التأسيس رئيسا لها, بعد اجتياح القوات الإثيوبية البلاد نهاية 2006 فر شيخ شريف من البلاد إلى أسمرا عاصمة إريتريا، وأسس هو وزملاؤه من قيادات المحاكم تحالفا جديدا باسم: \"تحالف إعادة تحرير الصومال\"، وكان ذلك في بداية سبتمبر 2007، وانتخب الشيخ شريف رئيسًا لذلك التحالف، ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى انتخب رئيس للصومال في الـ\" 31 من يناير عام 2009.

شيخ شريف هو رابع رئيس صومالي يتم انتخابه خارج البلاد بسبب الظروف الأمنية للبلاد، انتخب ثلاثة منهم في جيبوتي، والرئيس الأول الذي انتخب خارج البلاد هو علي مهدي محمد (جيبوتي-1991)، والثاني كان عبد القاسم صلاد حسن (جيبوتي- 2000)، ثم عبد الله يوسف أحمد (كينيا- 2004)، ثم عاد الفرقاء الصوماليون إلى جيبوتي مرة أخرى لانتخاب رئيس جديد للصومال، وهو شيخ شريف شيخ أحمد.

مهام شيخ شريف المستقبلية

تبدوا مهمة شيخ شريف احمد مهمة صعبة ومعقدة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها الصومال المقسم والمحترب, ولذلك يحتاج أول رئيس إسلامي صومالي دعماً مالياً من الخارج سواء من الدول الغربية أو العربية, ليعمل على استرضاء العشائر التي لا تحصى داخل الصومال, ليحقق استقراراً في الصومال بعد 18 عاماً من الفوضى والعنف المسلح , وتأتي ثاني هذه التحديات هي كيفية التعامل مع الحركات الإسلامية, إذ أن على شيخ شريف إقناع الفصائل الإسلامية التي لم تشارك في العملية السلمية بما فيها شباب المجاهدين بالانضمام إلى حكومته وإيجاد مقر إقامة للدولة الجديدة، علما بأن العاصمة لا تخضع لأي سلطة محددة. كما أن عليه بناء جهاز عسكري وأمني موحد وتحقيق الإجماع عليه، وتأسيس نظام استخباراتي فاعل, كما يبرز تحداً ثالث أمام شيخ شريف هو هموم النازحين الذين يأمل 1.5 مليون نزحوا بسبب العنف العاصمة العودة إلى منازلهم سريعا، إضافة إلى مليون آخرين نزحوا وسط وجنوب الصومال، حسب مصادر أممية ومحلية, كما تشكل القوات الدولية المرتقب نشرها تحديا آخر أمام الرئيس، إذ تختلف مواقف الفصائل السياسية من وجودها .

المصالح الإقليمية وطموحات دول الجوار والتدخل الإثيوبي السياسي المعتاد ومطامع دول معنية بشأن الصومال أمور تتطلب النظر فيه جديا، بحيث يوفق بين المصالح الإقليمية والدولية وبين المصلحة الوطنية بما يحمي الشريعة الإسلامية .

التأييد العاطفي

التأييد الشعبي الذي لاقاه شيخ شريف لا يعني وصفة نجاح، فقد خرج إلى شوارع العاصمة مئات الآلاف تأييدا للرئيس الأسبق عبدي قاسم صلاد حسن ولم تنجح حكومته في إعادة النظام.

نجاح الحكومة مستقبلا لا يقاس بالتأييد العاطفي الذي تلقاه، بل بطريقة تعاملها مع القبائل ومدى قدرتها في تحقيق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفيق مصالح الفصائل المعارضة وكسب تأييدها، والاستهانة بهذه الأمور سيجعل البلاد تحت رحمة الفوضى، حسب مراقبين للوضع الصومالي, ويبقى السؤال المطروح هل تستطيع اليد الحديدية للإسلامين أن تحقق مالم تحققه الأيادي التي سبقتها في هذا المنصب ؟؟؟ هذا ما نأمل أن يكون وان غداً لناظره قريب .