غزة بين قنابل الأعداء ورصاص الأصدقاء
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 4 أيام
الخميس 15 يناير-كانون الثاني 2009 09:12 م

ستون عاماً أو يزيد وصفنا العربي يعاني من خلل في تماسكه, ويوماً بعد أخر يزداد الخلل, وتتسع الفجوة بين الأمة وقضاياها المصيرية, ونبحث عن مكامن الخلل, لكننا كالذي يطلب دليلاً على النهار والشمس في كبد السماء, أو كالذي يدخل متاهة لا يفكر في الأخير إلا كيف يخرج نفسه منها, اليوم بعد ستون عاماً من المؤتمرات والمؤامرات, والمشاورات والمشاجرات, والمناورات والمهاترات, وبعد ستون عاماً من التخاذل الرسمي, والصمت العربي إزاء ما يجري في البلدان الإسلامية من مجازر ومذابح على يد الأعداء والمحتلين بدء من أفغانستان, والعراق , وفلسطين عموماً, وما يحدث اليوم في ( غزة هاشم ) خصوصاً, بداءت الحقائق تتضح, والمعالم تتبين, والأمور تنكشف على حقيقتها, ولم تعد السياسة أو الدبلوماسية تجدي شيء في الكذب على الشعوب أو التدليس عليها, فمصر التي خيبت كل آمال الأمة فيها, عرفها الشارع العربي جيداً أنها هي التي كانت تعمل جاهدة على تبرير العدوان الإسرائيلي ومجازره البشعة على الشعب الفلسطيني, وعرف اليوم السر في تحميلها المسؤولية الطرف المقاوم الطرف الأعزل الذي يدافع عن أرضه ومقدسات أمته .

موقفان متشابهان

في لقاء بين الرئيس الفرنسي اليهودي الأصل من أصول مجرية , ومبارك الرئيس المصري في شرم الشيخ قال مبارك لساركوزي (( يجب أن لا تخرج حماس منتصرة ) . موقف الخيانة هذا لم يقتصر على مصر وحدها بل أن هناك أطراف عربية تحب أن تسمي نفسها ( الأطراف المعتدلة ) أو ( محور الاعتدال ) هذه الأطراف عرفها الشارع العربي بالتخاذل في قضايا الأمة , والمتاجرة بها على حساب الدماء والأشلاء التي تتناثر هنا وهناك, وفي كل شبر من أراضينا الإسلامية المحتلة, ويؤسفني أن يخرج الملك السعودي / عبد الله بن عبد العزيز الذي كنا نأمل فيه خير, وننخدع ببعض تصريحاته, خرج عن دبلوماسيته ليكشف لهيئة علماء المسلمين حقيقة التخاذل التي تعزف عليها المملكة منذ زمن طويل , فقد قال ( انه لا يثق بحماس) في كلام معناه أنه يثق بالطرف الأخر, هذا ما قاله بلسانه أما ما يخفيه في قرارة نفسه فهو اكبر (( وما تخفي صدورهم اكبر )) .

على الملك عبد الله إذا أراد أن يحفظ للملكة هببتها وسمعتها, أن يفعل مثل ما فعله أخيه طيب الذكر والسيرة الملك / فيصل بن عبد العزيز, حينما أوقف تصدير النفط ليفعل شيء يذكر من اجل الضغط على الكيان الصهيوني المحتل , وكنت أتمنى أن تتجاوب المملكة السعودية لطلب وزير الخارجية الإيراني بإيقاف تصدير النفط, لكن ما حصل هو أن قال وزير الخارجية السعودية – سعود الفيصل – أن المملكة لا يمكن أن تضحي بمصالحها , وكان من الأفضل أن تستجيب المملكة للطلب الإيراني , أما أن يستمر الملك عبد الله في الانزلاق في مهاوي الرذيلة السياسة فهذا ينذر بشر كبير, وخطر مستطير, يجعل مملكة آل سعود قاب قوسين أو ادني من السقوط المفاجئ .

المظاهرات والقمع

حينما بداء الاحتلال في أولى أيامه بضرب غزة , وقتل في اليوم الأول ما يزيد على مائتين شهيد, وجرح المئات, ثارت الأمة المسلمة من أقصى المحيط إلى أقصى المحيط, وعبرت عن غضبها في مسيرات حاشدة , ولازالت إلى اليوم, فخرجت الملايين في اسطنبول تندد بالمجازر, وتطالب بإيقاف الحرب, وخرجت المظاهرات في بريطانيا واسبانيا وفنزويلا واستراليا, واليونان , هذا في البلاد الغربية الكافرة , ولم نسمع بقمع لهذه المظاهرات, بل أعطيت حريتها لتعبير عن ما تريده هذه الشعوب المتظاهرة, واستجابت أكثر البلدان لمطالب شعوبها فقررت فنزويلا طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي , ومثلها فعلت بوليفيا في قطع علاقاتها مع إسرائيل, وفي المقابل خرجت الجموع الغفيرة في كل البلدان العربية فلم يحصل لها شيء من القمع , باستثناء مملكة آل سعود التي أطلقت الرصاص المطاطي على المتظاهرين في القطيف وبقية المدن السعودية الأخرى, ومثلها أيضاً مصر التي ألقت القبض على المتظاهرين والزج بهم في سجونها الظالمة .

ويبقى السؤال أليس بإمكان مصر- التي تدعي بأنها أم العروبة – أن تفعل مثل ما فعله شافيز الفنزويلي في قطع العلاقات الإسرائيلية المصرية ؟؟؟

واليس بإمكان مملكة آل سعود – وهي التي تدعي بأنها حامية الإسلام – أن تفعل ولو على اقل القليل مثلما فعلته بريطانيا واسبانيا, في إعطاء الحرية للمتظاهرين في التعبير عن أرائهم ؟؟؟؟

ثم في المقابل أليس قمع الشعوب في المظاهرات ضد جرائم اللوبي الصهيوني حرصاً على شهادة حسن سيرة وسلوك من الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية ؟؟؟

فتاوى الشيوخ

هيئة كبار العلماء بالسعودية, وشيوخ الأزهر بمصر, كيلهما لديهم فتاوى جاهزة تحت الطب ( spashl ) ففتي تموز 2006م في حرب لبنان خرج احد الشيوخ السعوديين ليعلن للملاء بأنه لا يجوز الدعاء لحزب الله ولا نصرته, تحت مبررات أوهى من بيوت العنكبوت , بينما كان حزب الله يخوض معركة مع قتلة الأنبياء,والنازيون الجدد في القرن العشرين, وكنت أتمنى أن اسمع فتوى مشابهه من فضيلة الشيخ العلامة, تدعوا إلى تجريم التطبيع والتعاون مع إسرائيل لكن للأسف هذا الذي لا يمكن أن يفعله علماء الأزهر وهيئة كبار العلماء السعوديين .

واليوم في هذه الأيام التي تشن فيها إسرائيل حرب إبادة في قطاع غزة باستخدام القنابل الفسفورية, وتقتل ما يزيد على آلف ومائة شهيد , وجرح أكثر من خمسة آلاف جريح, يخرج مفتى المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ليحرم المظاهرات ويدعوا إلى قمعها , وكان الأولى بالعلامة / عبد العزيز آل الشيخ أن يصدر فتوى تحرم استخدام القنابل الفسفورية ضد الشعب الأعزل في قطاع غزة .

هذا كلها فتاوى تدلل على وجود علاقة مع الكيان الصهيوني لا استطيع أن أفسرها إلا بأنها موالاة للأعداء (( ومن يتولهم منكم فانه منهم )) .

و أتسال: لماذا كانت هيئة كبار العلماء تكتفي بالصمت عندما كانت الطائرات الأمريكية تقصف العراق وتعود إلى المطارات السعودية, وتشغل نفسها بمحاضرات الحيض والنفاس واللحية والسواك ؟؟؟

الدبلوماسية السعودية تجاه إسرائيل

تبدوا السعودية أكثر انزلاقاً في مهاوي الرذيلة السياسية اليوم من أي وقت مضى , ففي الماضي كانت وراء حرب 94 بين شمال اليمن وجنوبه, ووقفت بقوة إلى جانب المشروع الانفصالي , وكانت وراء حرب الجنوب السوداني حينما كانت تدعم حركة التمرد بقيادة جون قرنق ضد حكومة عمر البشير ( الاخوانجيه ), وكادت أن تفجر حرب طائفية داخل لبنان بدعمها حزب المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري ضد حزب الله بعد خروجه من حرب تموز 2006م , ودعمت حركة فتح وجناحها الأمني بقيادة الخائن / دحلان ضد حركة حماس وهو ما تؤكده الوثائق التي حصلت عليها حركة حماس في مقر الأمن الوقائي الفلسطيني, لكن كل هذا قد يبدوا جُرم اصغر أمام انحياز المملكة للوبي الصهيوني على حساب القضايا الإسلامية المصيرية .

ففي حرب لبنان ذكرت بعض المصادر الصحفية لقاء تم بين مسئول سعودي رفيع المستوى ورئيس وزراء الكيان الصهيوني المستقيل اولمرت , في العاصمة الأردنية عمان , وفي حرب غزة التي لا زالت تدور رحاها إلى اليوم ذكرت إذاعة طهران أن بندر بن سلطان بن عبد العزيز اتصل بمسئول إسرائيلي واخبره انه يجب أن يقضوا على هذا الوضع الشاذ في غزة في اقرب وقت ممكن, فان المملكة السعودية ستؤجل القمة ما وسعها التأجيل , وكان يقصد بالوضع الشاذ هو حركة المقاومة الإسلامية حماس .

قد تبدوا مثل هذه المواقف غامضة إلى حد ما بالنسبة للكثير,لكن الموقف السعودي الأخير الرافض للقمة العربية المنعقدة في الدوحة يؤكد كل هذا .

إن الخذلان السعودي المصري للقضية الفلسطينية لن يضر تلك الفئة المرابطة في أكناف بيت المقدس شيء مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرها من خذلها إلى قيام الساعة , قالوا : يا رسول الله جلهم لنا ( صفهم لنا ) قال هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .