حتى لا يصبح اتفاق يوليو خطاءً تاريخياً آخر..!!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 27 يوماً
السبت 31 يوليو-تموز 2010 08:37 م

هل كان اتفاق (23 فبراير 2009م) غلطة لن تتكرر..؟ كما أشار إلى ذلك رئيس الجمهورية في أحد خطاباته، وهل سيتحول اتفاق ( 17 يوليو 2010م) إلى غلطة أخرى لن تتكرر أيضاً..؟

أم أن هذا الاتفاق سيصلح ما وقع فيه الاتفاق السابق من عثرات..؟؟

أسئلة يجب أخذها بعين الاعتبار في ظل التجاذبات الإعلامية التي عاشتها الساحة اليمنية خلال الفترة الماضية..

وفي الحقيقة كان اتفاق فبراير 2009م ضرورة للحزب الحاكم، انتزع من خلاله شرعية الاستمرار لمدة سنتين عبر تعديل المادة الدستورية المتعلقة بمدة مجلس النواب، وبعد ذلك استطاع أن يراوغ أحزاب المعارضة فيما يخص تنفيذ البنود الأخرى المتعلقة بموضوع تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا، بالإضافة إلى موضوع التعديلات الدستورية المتعلقة بإصلاح النظام السياسي للدولة..

وفي إطار هذه المراوغة والتنصل من الالتزامات والاتفاقات الموقع عليها، بدا أن الحزب الحاكم يريد الهروب من إجراء أية إصلاحات حقيقية حتى على طريقته هو، حيث كان بإمكانه استغلال قدراته السلطوية وأغلبيته النيابية الساحقة لتنفيذ أهم الوعود التي تضمنها البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية وبالتالي إحراج المعارضة أمام الرأي العام، لكن الحزب الحاكم أكتفى بالتمديد، واتجه لمواصلة معاركه الحربية في الميدان ومعاركه السياسية في وسائل الإعلام..

وإذا كان هناك من نظر إلى أن أحزاب المشترك قد انشغلت بقضايا هي أشبه بالملهاة، ولم تستطع تشكيل حالة من المسارات الضاغطة القادرة على دفع الحزب الحاكم نحو تنفيذ بنود اتفاق فبراير بعد إقرار عملية التمديد مباشرة، فإن اتفاق ( 17 يوليو 2010م) يمثل فرصة جديدة يستطيع من خلالها الطرفان إعادة ترتيب أوراقهما ولملمة جهودهما وفرز عناصر القوة السياسية التي يملكانها لإحداث حالة من الانفراج السياسي الدائم، وليس المؤقت،، لأن ما يعانيه اليمن اليوم لم يعد قابلاً للتسويف والمراوغة والتأجيل، ولم تعد أساليب التنفيس التي استخدمت سابقاً مناسبة لاحتياجات هذه المرحلة، فمثل تلك الأساليب لا تحمل في ذاتها نفعاً يذكر أصلاً، ثم أننا أصبحنا في مرحلة اتسع فيها الخرق على الراقع، وما لم تكن هناك إرادة سياسية تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، فإن أية اتفاقات ستظل حبراً على ورق، وستتصاعد معها حالات الغليان ومظاهر الاحتقانات، ويتواصل معها كذلك مسلسل الانهيارات الكارثية في ميادين السياسة والاقتصاد ومختلف الجوانب الحياتية والمعيشية..

ولا شك أن سلطة الحزب الحاكم هي المعني الأول بصورة رئيسية وأساسية، لأن بيدها كل الأدوات.. وما لم تبادر هذه السلطة في كبح جماح قوى المصالح والفساد وتقديم التنازلات الضرورية ووقف نزيف المكتسبات الشخصية، من أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن ومستقبل أجياله، فإنها بذلك ستدخل بوابة الحوارات والاتفاقات الجديدة حاملة نفس الهموم الذاتية، وستهدر على نفسها فرصة تاريخية جديدة وستجد نفسها أمام انبعاثات نفسية وشعبية أكثر إقلاقاً، وأحدّ إيلاماً..

صحيح أن السلطة تستطيع من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية وعبر أجهزة الدعاية الرسمية، تحميل الآخرين مسئولية الفشل أو التعثر فيما يخص الحوارات والاتفاقات، لكنها لا تستطيع أن تقنع كل مواطن بأنها ليست هي التي تحكم، وأن أمنه وحياته واستقراره ومستقبل أبنائه هو في صُلب مسئوليتها..

ومن المفارقات العجيبة أن ذكاء السلطة الخارق في الاستحواذ ونهب خيرات الوطن، يتحول إلى غباء شديد فيما يخص الاصرار المتواصل لإقصاء الآخرين وتهميشهم، حيث تقدم نفسها كعدو وحيد وخصم لدود للوطن والمواطنين، دون أن تشعر بكارثية ما تمارسه ودون أن تعي سطحية خطابها الذي لم يعد قادراً على الصمود أمام حقائق واقع معاناة الناس وما يعتمل في أذهانهم من حجج وماتفيض به مشاعرهم من تعابير..

وبالتأكيد فإن المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك تتحمل هي الأخرى جزء من مسئولية إنجاح الاتفاق الجديد أيضاً، فالشارع السياسي اليمني بقدر ما ظل ينتظر منها كشف حساب عما قدمته من جهود تجاه موضوع تنفيذ اتفاق فبراير، فإنه كذلك يأمل ألا تتحول هذه الأحزاب إلى مظلة لتمرير مخططات الحزب الحاكم في الهروب وكسب الوقت والعمل على توظيف مثل هذه الاتفاقات والحوارات واستخدامها كأداة تحايل سياسية أمام ما يواجهه من ضغوط محلية وخارجية..

وما لم تكن أحزاب المعارضة هي المبادرة في إعداد مشروع البرنامج الزمني للحوار والضوابط المنظمة له، وتقديم أجندتها الواضحة والمحددة لموضوعات الحوار وقضاياه، فإنها ستواجه منذ البداية بحزمة من العراقيل وأساليب المراوغة ووسائل التطويل والتطنيش، ويعتبر البند العاشر المتعلق بعلنية وشفافية الحوارات، أداة إيجابية في يد المعارضة لإطلاع الرأي العام أولاً بأول، والدفع بمسار الحوار خطوات متسارعة..

وإذا كان هناك من يرى أن أمام قوى المعارضة الكثير من الإشكاليات الإجرائية، فإن عملية اختيار المشاركين في لجنة الحوار ستكون الخطوة الأولى التي ستقدم من خلالها أحزاب اللقاء المشترك خارطتها السياسية الحقيقية، وقدرتها على إحداث حالة من الرضى والتفاعل الإيجابي في أوساط قواعدها.. واستعدادها لإعطاء الحوار الوطني الجاد زخمه المطلوب.. وبالتالي العمل على إيجاد مستوى واسع من الاطمئنان العام، والذي غالباً ما يتحول بالضرورة إلى التفاف مناصر ومؤازر وداعم فعلي لتحقيق النجاحات المأمولة.. 

Ahmdm75@yahoo.com