وطن ما بعد الحوثية
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
الأحد 21 فبراير-شباط 2010 11:27 ص

تلوح في الأفق بوادر غير واضحة الملامح عن بداية إنهاء حرب دامية استمرت شهورا وراح ضحيتها الكثير من المواطنين اليمنيين ، وتشرد بسببها أيضا كثيرون وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم ، أما سبب ظهور بوادر انتهاء هذه الحرب فهي أن عبد الملك الحوثي قرر حقن الدماء اليمنية وإنه قبل بالشروط التي وضعتها الدولة قبل بدء الحرب والتي رفضها سابقا بدواعي أنه يدافع عن نفسه !

حقيقة صلف الحوثي لا يقل كثيرا عن صلف الدولة التي قررت وبنفس الطريقة الغريبة إيقاف الحرب التي سبقت الأخيرة عن طريق مكالمة هاتفية دون أية اتفاقيات أو شروط أو التزامات ، وكل ما سمعنا عنه هو انه توجد وساطة قطرية لم تنفذ بنودها أبدا .

نفس المشهد يتكرر ، ولا أحد يريد أن يتعلم ، ونفس الحروب ونفس الدماء تسيل ، وكل ما في الأمر أنه هنالك جهات وأشخاص يزدادون ثراءً ونفوذا بعد كل حرب ، بينما تظل الأمور تستعر تحت الرماد حتى تشتعل من جديد .

هذه حلقة شديدة التدمير لأي إرادة شعب مهما قويت شوكته ، بل هذه حلقة تمعن في حرق أية بارقة أمل يظل المواطن ينتظرها ، وكأنه مطلوب منه أن يعيش بلا أحلام أو إرادة ، مطلوب منه أن يفكر في يومه فقط وان يظل يبتهل إلى الله في أن يطيل عمر الرئيس أكثر قدر ممكن .

يخطي من يعتقد أن تمرد الحوثيين انتهى أو على وشك الانتهاء ، فطريقة الحل ستتعثر مثلما يحدث كل مرة ، وسيبقى الحوثيين متمترسين في الجبال ومتمسكين بأسلحتهم وسيظل النظام يهدئ جبهة ليذهب إلى أخرى متنقلا بين الأزمات بشكل مثير للاستغراب ، وأنه كيف لمثله هذه القدرة العجيبة على إعادة كل هذه المشاكل من جديد وبشكل أكثر حيوية وتألقا .

خطاب الرئيس الأخير والذي جاء بعد بدء عمليات فك الارتباط بين الجيش والحوثيين كان متشنجا جدا ويدل على أنه هنالك نوايا فعلية إلى غلق باب الحوثيين مؤقتا وفتح باب الجنوب على مصراعيه بشكل أكثر تطرفا وعنفا مما يعني وبشكل عام أن شلال الدماء اليمنية لن تتوقف وأنه لا نية لعمل أي حلول جذرية لتلك المشاكل.

واهم من يعتقد أن مشكلة الجنوب أسهل من الحوثية ، وسطحي من يعتقد أن الحراك الجنوبي وهو يعلن إنه حراك سلمي يمكن القضاء عليه أسرع من التمرد الحوثي المسلح والمدعوم خارجيا ، فأي نظام في العالم لا يستطيع أن يقتل شعب بأكمله يرفض طريقة وأسلوب حكمه ، فالحراك السلمي قادر على تقليم الكثير من خيارات نظام صنعاء العنيفة التي قد يدفع البعض نحو استخدامها ، فالجنوب تقريبا كله مجمع على كراهية أسلوب وطريقة الحكم في اليمن ، والجميع في الجنوب وصل إلى قناعات تكاد تكون نهائية بأن الوحدة وبذات الطريقة وبنفس الأسلوب لم تعد مقبولة نهائيا حتى وأن استعرض النظام قوته المسلحة ومقدرته على القتل الجائر دون أي تميز أو تفريق بين طفل ورجل وشيخ ، التاريخ ولا شيء سواه يخبرنا أن نضال الشعوب هو المفرق الحقيقي نحو تحديد حدود المستقبل وأن كل من يقف في وجه هذه الإرادة هو مجرد عائق زمني سيختفي مع الوقت .

إن كان النظام يريد أن يستخدم القوة المفرطة أو حتى المعتدلة مع الحراك الجنوبي ، فهو هنا سيحقق هدف من ضمن أهداف فك الارتباط المعلن عنه من قبل قيادات ذاك الحراك وسيساهم كثيرا في تجيش الجنوبيين أكثر وفي ترك بصمات ثأر بين الجنوبيين والنظام في صنعاء ، لذا وأن كان شبه مستحيل ، نأمل من النظام الحاكم أن لا يعيد ارتكاب أية حماقة من هذا النوع إن كان فعلا يريد أن يحافظ على الوحدة كما يدعي .

 

استحقاقات النظام الحاكم حاليا كثيرة ، كما أنه واقع تحت المجهر الدولي الذي يريد أن يتأكد بأن دعمه المادي سيجد طريقة إلى عمل تحولات مفيدة على اقتصاد البلد لا أن تذهب تلك الأموال كالعادة إلى جيوب في السلطة وإلى حسابات الأسرة الحاكمة ، فالمجتمع الدولي لا يتوقف عن تكرار فقدان ثقته بنظام صنعاء وأنه حتى يستعيد الثقة عليه أن يقوم بأمور حقيقية تجاه محاربة الفساد وتطبيق النظام والقانون على الجميع وتحجيم نفوذ القوى القبلية والعسكرية التي اقتسمت البلاد ، فالمؤتمر القادم والذي سيعقد في الرياض سيضع اشتراطات صارمة مقابل الدعم الذي قد يمنح ربما أهمها ضرب تنظيم القاعدة وفكفكة المشكلة في الجنوب بطريقة عادلة ، بينما الجميع ولأسباب تظل غامضة غض النظر عن البحث في المشكلة الحوثية التي تم الإنفاق ضمنيا على تركها كما هي مقابل وقف إطلاق النار وعمل هدنة غير متفق على مدتها .

من الواضح أن كل هذه المشاكل باتت تفوق قدرة النظام على التعامل معها ناهيك عن حلها ، فمن يقوم بأعمال خرقاء تجاه قضايا ملحة وخطيرة هو ولا شك فاقد لأهلية تولي زمام المبادرة والحكم ، فكيف الحال مع نظام شاخ على كرسي الحكم وتمتع بصلاحيات مطلقة لم تساعده إطلاقا إلا على نشر مزيد من الفقر والفساد والتخلف وإعادة اليمن إلى مرحلة ما قبل الإمامة بكثير ، ومن لا يصدق هذا الكلام عليه فقط أن يطلع على التقارير الدولية والتحقيقات الصحفية العربية ويشاهد كيف يتعرف علينا العالم وبأية طريقة ينظر ألينا ، عليه فقط أن يفتح أية قناة أجنبية ويتابع نشرات الأخبار والصور المنقولة من اليمن ، إنها وبكل أسف أسوء ما يمكن أن يحدث لشعب في هذه المعمورة .

يمن ما بعد الحوثية هو يمن في حرب مع الحراك السلمي ثم في حرب مع القاعدة ، ثم عودة من جديد إلى حرب الحوثيين ، ومن يملك نظرة أكثر تفاؤلا من هذه النظرة عليه أن يجود بها مستندا بذلك على وقائع منطقية وتحليل عقلاني لا على خطابات إنشائية ومهرجانات إعلامية كالتي نشاهدها في إعلام اللوزي ونافخي الأبواق في القنوات اليمنية الفضائية .

benziyazan@hotmail.com