دولة النقاط والحواجز.. الحلقة الرابعة
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر
الأحد 21 يونيو-حزيران 2009 05:20 م

تعطيل هيئات ومؤسسات الدولة

كنت أعتقد أن ليس لدينا دولة ، وهذا الاعتقاد جعلني أكتب مقال سابق تحت عنوان ((وطن بلا دولة)) ولكن مع مرور الزمن تبيّن أنه يتوجب عليّ أن أصحح هذا الاعتقاد وأن أتيقّن بأن هناك دولة - شئت أم أبيت - ((واسترشاداً بمقولة الدكتور طارق السويدان التي يؤكد فيها على ضرورة أن يستخدم الإنسان عقله وأن لا يصادر تفكيره لحساب تفكير الآخرين وتنفيذ كل ما يطرحونه بدون أي عناء في التفكير)) وبما أن العقل في الإسلام مناط التكليف ومصدر الفكر السليم فقد أدركت أهمية إعمال العقل والتفكير فوجدت أن لدينا دولة ، ولكنها ليست دولة النظام والقانون التي يطمح في وجودها كل مواطن يمني ، ويعلق عليها آمالاً كبيرة نحو تحقيق مزيد من التطور في حياة الناس ، بل هي دولة ضعيفة في أداء واجباتها تجاه الوطن والمواطن قياساً بما تحصل عليه من الحقوق من كليهما .

وعلى هذا الأساس كان اختيارنا لهذا الموضوع تحت الاسم الافتراضي ((دولة النقاط والحواجز)) وسنقدم ما يمكن اعتبارها أدلة لإثبات هذا الاسم على دولة بلادنا الحالية وذلك من خلال استعراض عدد من الشواهد التي تمارس على صعيد الواقع وعلى حلقات متتالية إن شاء الله ، ...

وهذه الحلقة الرابعة تحت عنوان : ((تعطيل هيئات ومؤسسات الدولة)) حيث نجد دول النظام والقانون تنشئ الهيئات والمؤسسات والمصالح الحكومية لكي تتولى إدارة مهام الدولة وتنفذ من خلالها الواجبات المناطة بها تجاه المجتمع وذلك بتحديد المهام والاختصاصات وتوزيع المسؤوليات كلاً فيما يخصه ويعنيه ويدخل في نطاق عمله وتحت مسؤوليته .

أما في دولة النقاط والحواجز فإن هذه الهيئات والمؤسسات والمصالح مجرد هياكل عظمية لا روح فيها ولا إرادة لها إلاّ إرادة المتنفذين المحققة لمصالحهم الشخصية ، وحيثما وجدت هذه المصالح فثم النظام والقانون الموجب للتنفيذ السريع وبدون إبطاء أو مماطلة أو تسويف ، والكل رهن الإشارة في كل ما يخدم تلك التوجهات والمصالح ، وبالنظر إلى أهمية الدولة ودورها في تصريف شؤون المجتمع فقد خصص الدستور باباً مستقلاً يسمّى (تنظيم سلطات الدولة) وحددها في ثلاث سلطات ((التشريعية والتنفيذية والقضائية)) وأفرد لكل منها فصلاً خاصاً بها ، يبين الأسس التي تبنى عليها ويحدد مهامها واختصاصاتها ...الخ .

وهذا هو المفترض ممارسته على صعيد الواقع ، لكنه لا يزال بعيداً عن الواقعية المفضية إلى توجيه قدرات الدولة نحو بناء مجتمع متكامل البنيان متماسك العرى يشد بعضه إزر بعض ، وهذا يعود إلى تعطيل تلك الهيئات وتحجيم نشاطها وحصره في نطاق خدمة المتنفذين والدوران معها حيثما تدور ، ولنأخذ مثالاً على ذلك التعديل الوزاري الأخير الذي استحدثت فيه مناصب جديدة تتمثل في منصب (نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية) ومنصب (نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن) وهذان المنصبان فيهما تعارض مع مهام وزارات سيادية وتداخل في الاختصاصات - إن كان هناك من يعمل وفق الاختصاص ونطاق المسؤولية - فعلى أي أساس سيمارس كل منهما مهامه وواجباته في حين يوجد وزير للدفاع ووزير للداخلية باعتبار الأمن من مهام الداخلية وأغلب المؤسسات العاملة في مجال الأمن العام تلحق بها إدارة وتوجيهاً وإشرافاً ، وعلى من تقع المسؤولية عن التقصير الحاصل في أداء هذه الأجهزة والمؤسسات .

أما النائب للشؤون الداخلية فأين المهام الموكولة إليه مع أن الشؤون الداخلية من حيث المفهوم الأمني تتبع وزارة الداخلية نفسها ، وأما من حيث المفهوم الإداري فقد تكون من اختصاص وزارة الإدارة المحلية بحكم وجودها على مستوى المحافظات (السلطة المحلية) وإن كان بالمفهوم العام فإن جميع الوزارات باستثناء (الخارجية) هي التي تعمل في شؤون البلاد الداخلية ، فمن أين جاءت هذه الفكرة ومن أي مصدر تستمد شرعيتها ؟؟

إنها فكرة المتنفذين الذين يعملون من أجل حماية مصالحهم وقضاء حاجاتهم فقط ، وهم الذين أدركوا أهمية استرضاء الأشخاص ومحاولات كسبهم والإبقاء عليهم في نطاق الخدمة ولو حتى على الوضع ((الصامت)) ، وقد تعدت عمليات الاسترضاء الآباء لتصل إلى الأبناء والأقارب ، بعيداً عن مؤهلات الكفاءة والقدرة والأقدمية الوظيفية ، وهذه كلها عوامل سلبية مؤثرة على أداء أجهزة الحكومة باعتبارها الجهة المسؤولة عن تنفيذ سياسة الدولة في رعاية شؤون المجتمع وإدارته بطرق سليمة ، وفي مثال آخر لتعطيل دور الحكومة وتجريدها من صلاحياتها بل وإلقاء اللوم عليها فيما يصدر عنها من قرارات وهذا المثال نذكره للتأكيد على دور المتنفذين السيادي خارج نطاق القانون حيث صدر عن الحكومة قرار بشأن الجرعة السعرية التي اتخذتها في عام 2005م وتسببت في أحداث شغب كانت لها خسائر مادية وبشرية ، والشاهد هنا ما قامت به رئاسة الدولة من تدخل لخفض بعض الأسعار من باب تأكيد عدم الالتزام بالمهام حسب الاختصاص ، ومع أن تلك القرارات وغيرها كثير لا تتوافق مع حاجات الجمهور إلاّ أن تغييرها أو وقفها كان ينبغي أن يتم بواسطة الحكومة نفسها ، أو أن تحاسب على أخطائها من قبل البرلمان باعتبارها مسئولة أمامه عن كل ما يصدر عنها من قرارات ، وبالتالي تعاقب بسحب الثقة عنها كون المجلس هو الذي منحا ثقته على ضؤ برنامج محدد الملامح والتوجهات، لكن تدخل المتنفذين عطل كل المسؤوليات لكلا الجهتين معاً ، وأما ثالثة الأثافي فالتدخل في شؤون السلطة القضائية لا أقول في صدور الأحكام ولكن في تعيين وعزل القضاة ، حيث تتدخل السلطة التنفيذية في ذلك بما يضمن لها الاستمرار في خرق الدستور والقانون بعيدا عن المساءلة والعقاب ، ومما يجب التأكيد عليه أن تعيين وعزل القضاة صلاحية محصورة في مجلس القضاء الأعلى دون غيره ، إلاّ أن يد السلطة التنفيذية لا زالت ممتدة بقوة شديدة للعبث بالتعيين والنقل والترفيع لكثير من القضاة بدون رقيب ولا حسيب لكي تضمن لها حق الطاعة والولاء ، ولكي تكون لها نعمة تمتنّها على هذه الفئة المهمة الموكول إليها حماية المجتمع والدولة من عبث العابثين وذلك بالتمسك بالحياد التام من أجل توفير العدل والمساواة بين الناس حكاماً ومحكومين على حدٍ سواء ، ومن الأقوال المأثورة في هذا الجانب ((الدولة المؤسسية هي التي توجد بها سلطة قضائية مستقلة لفض المنازعات ولتحمي سيادة القانون)) وهذا ما نتمناه حاضراً ومستقبلاً ، إلاّ أن دولة النقاط والحواجز لا زالت عائقاً كبيراً في طريق تحقيق هذه الأماني ، وإن غداً لناظره قريب !! .  .