الوحدة اليمنية.. جهود الترميم ومساعي الهدم
بقلم/ عادل عبد المغني
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و يوم واحد
الثلاثاء 21 مايو 2013 05:45 م

بالتزامن مع التحركات المتسارعة لحلحلة القضية الجنوبية على المستويين الحقوقي والسياسي، ترتفع وتيرة التحركات المناهضة للوحدة الوطنية عبر تأجيج الشارع الجنوبي في ظل عوامل تغذية خارجية تعمل على توفير الدعم المادي واللوجستي لبعض التيارات المتشددة التي ترفع شعارات فك الارتباط.

وكما لو أن البعض يريد ان يكون الانفصال النهاية المؤلمة والمؤجلة لليمنيين يسعى هؤلاء لنسف كل الجهود الرامية لترميم الشروخ والتصدعات التي أحدثها نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بحق الوحدة اليمنية شمالا وجنوبا.

وبعد أن خفتت أصوات الفصيل الجنوبي المطالب بتصحيح المسار تحت سقف الوحدة، تراجعت أسهم خيار "الفيدرالية" لصالح مطلب "فك الارتباط" الذي بات يستقطب عدد كبير من الفصائل والتيارات التي اختلفت حول كل شيء والتقت حول مفردات فك الارتباط وتقرير المصير.

وفي عدن تتوارى – عمدا - الثورة الشبابية الشعبية التي أعادت لحمة اليمنيين وجسدت ابرز معاني الوحدة، وحضرت الأعلام الشطرية التي غزت الشوارع وأسطح المنازل والمحال التجارية، وبدت المدينة المسالمة والهادئة أشبه بمخازن للأسلحة التي انتشرت بمختلف أنواعها في حضور غير مألوف للمدينة التي صار لها اليوم مجموعات مسلحة و"كتائب لتحرير الجنوب".

وقبل التئام مؤتمر الحوار الوطني الذي جعل القضية الجنوبية على رأس جدول أعماله وأعطى الجنوبيين نصف مقاعد الحوار كان نظام ما بعد الثورة قد شرع بمعالجة قضايا مطلبية وحقوقية للجنوبيين وشكل لجان لإعادة المنقطعين والمسرحين في المجالين المدني والعسكري كما شكل لجان لحصر الأراضي والممتلكات العامة والخاصة التي تم نهبها في الجنوب من قبل نظام صالح. كما جاءت القرارات الرئاسية الأخيرة منصفة للقادة الجنوبيين الذي حضوا بمواقع قيادية متقدمة في السلكين العسكري والمدني فضلا عن ان رئيس الجمهورية من الجنوب وكذلك الحال برئيس الوزراء الى جانب مواقع سيادية في الدولة رأسها شخصيات جنوبية.

 وعلى عكس النتائج المرجوة ارتفعت حدة الأصوات المطالب بالانفصال والتي وان كانت ليست وليدة اللحظة إلا أنها شهدت مؤخرا تطورا ملحوظا ونشاط مكثف على الأرض يكشف عن حالة من الرخاء المادي والعسكري لبعض من يقفون وراء شعار فك الارتباط، وسط اتهامات لقوى إقليمية ودولية بضخ أموال طائلة لقادة التيارات المتشددة في الحراك الجنوبي.

تقاطع المصالح

والواضح أن تقاطع المصالح والخوف من النتائج التي قد يتمخض عنها مؤتمر الحوار الوطني هي من دفعت بأطراف عدة لتأجيج الوضع السياسي والأمني في البلاد.

والمتتبع للنهج السملي الذي اتسم به الحراك الجنوبي منذ العام 2007م يدرك ان أعمال العنف التي ارتكبت باسم الحراك الجنوبي تقف وراءها إيادٍ خفية تريد زعزعة الأمن والاستقرار والانتقام من اليمن واليمنيين.

ويكشف التحول المفاجئ للحراك الجنوبي من السلمية الى العنف والاقتتال عن جهات تعمد تشويه الصورة السلمية والحضارية للحراك وصرف القضية الجنوبية عن خطها النضالي بأدوات ربما تكون جنوبية لكنها تتحرك وفق إرادات أخرى بعيدة عن الجنوب.

صالح والبيض.. اتفاق البدايات وتشابه النهاية

شريكا الوحدة بالأمس ابرز الساعين لتقويضها اليوم.. تلك مفارقات السياسة وتناقض المواقف الذي يتسم به المشهد في اليمن. وذاك الحال الذي بات عليه الرئيسان السابقان علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض اللذان انتقلا من مربع الإسهام في صنع الوحدة إلى خندق المشاركة في تدميرها وتقويض السلام.

ومثلما ضمهما اتفاق إعادة الوحدة بين شطري اليمن العام 90م، جمعهما بيان مجلس الأمن كمتهمين بالسعي لإفشال التسوية السياسية والزج بالبلد نحو الفوضى.

اتفاق صالح والبيض على الوحدة لم يدم أكثر من أربع سنوات شابها الخلاف الذي ظل تحت الرماد قبل ان يشتعل مع حرارة صيف العام 94 الذي شهد حرب طاحنة، انتهت بانتصار صالح ورحيل البيض عن السلطة والوطن معا. وبعد نحو عقدين من انفراد صالح بالحكم جاءت رياح الربيع اليمني لترغمه على مغادرة كرسي الحكم، إلا أنها فشلت حتى اللحظة في إخراجه من الوطن، ليظل ماثلا بكل تأثيراته وثاراته القديمة في قلب الحاضر مثلما هو الحال بنائبه السابق الذي يفترض ان يكون جزء من الماضي.

ولا يمكن هنا استثناء صالح وبقايا نظامه من الوقوف وراء الدفع نحو الانفصال ضمن مخطط واسع لإغراق البلد بالفوضى وفاء لتهديدات أطلقها سابقا من أن رحيله عن السلطة يعني انفصال وتشرذم اليمن.

ابتزاز سياسي

ورغم التحذيرات من تنامي الأصوات المطالبة بالانفصال وتغذية مشاعر الكراهية بين مواطني البلد الواحد يؤكد سياسيون ان الانفصال ليس سوى يافطة للابتزاز السياسي وتحقيق اكبر قدر من المكاسب من قبل بعض قادة الحراك الجنوبي، ويدللون على أحاديثهم بأن الانفصال مشروع يفتقد لمقومات نجاحه خاصة في ظل الإجماع الدولي على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية في اليمن والتلويح بفرض عقوبات ضد كل من يسعى لإعاقة المرحلة الانتقالية في اليمن بما في ذلك المطالبين بانفصال الجنوب. غير أن الرهان على المواقف الدولية رهان خاسر في الغالب لأنه مبني على مواقف غير ثابتة وبالتالي فانه ما لم يتم معالجته داخليا فانه سيكون تحت رحمة المواقف الخارجية المتغيرة وفقا للمصالح السياسية والدبلوماسية.

وما هو مؤكد ان الاهتمام الإقليمي والدولي نحو اليمن نابع من الموقع الاستراتيجي الهام للبلد الذي يمر من جواره نحو ثلاثة ملايين برميل نفط يوميا وبالتالي فان الانهيار سيجعل من هذا الموقع الهام بيئة خصبة ومشجعة للتطرف والإرهاب فضلا عن القرصنة في المياه الإقليمية بالتزامن مع المخاوف الخليجية من التمدد الإيراني على البوابة الجنوبية للسعودية ودول الخليج التي لن تسلم بكل تأكيد من انفجار الوضع في اليمن.

سفينة النجاة

ويبقى من الأهمية القول أن الحوار هو سفينة النجاة الوحيدة لإحداث انفِـراج سِـياسي حقيقي في اليمن، ونجاحه متعلق بمدى قدرته على إشاعة الثقة بين أطرافه والعمل على تنقية الأجواء السياسية والشروع بإصلاحات اقتصادية عاجلة يلمسها كافة أبناء الشعب. وما لم ينجح الحوار فان ذلك يعني أن اليمن سيكون على موعد مع أسوأ مراحله على الإطلاق، خاصة في ظل المحاولات المستمرة لجعل اليمنيين شعبين منفصلين في دولة واحدة, بعد أن كانوا شعبا واحدا في دولتين قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في العام 90م.