ثورة اليمن وتجليات الحس الحضاري
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 6 أيام
السبت 21 مايو 2011 06:16 م

في سياق قراءة الموروث الإنساني، يتجلى التاريخ في صورة مأساة أو ملهاة كما يقول ماركس، بمعنى أن هذه المأساة أو الملهاة لا تنفك تتسرب في الوعي الجمعي لبني الإنسان وشعوره، ومن ذلك انسياب الحس الحضاري الغارق في قدمه والمستوحى من إشعاعات آثاره، وإن خفت ضوءه أو ساءه زمن سطع نجمه تارة أخرى وسرته أزمان أخرى.

واليمن بلد أوتاده ضاربة في أعماق القدم، وله سجل حضاري يمتد حضوره في صفحة التاريخ قديما وحديثا في هيئة لا تخلو من رمزية البقاء والإنسيابية...... وثمة علامات وإشارات تفيض بمعاني تدلل على جلاء الضوء وثبات جذوره في وجه عناصر أو عوامل التحول .....ولكن هذا لا يعني ديمومة التجلي والثبوت، وفي لكن تمثل السنة الكونية، سنة التبديل والتحويل والتغيير، سواء في الجانب المادي/المحسوس ، أم الجانب المعنوي / الفكري والروحي. 

يمكن أن ننطلق من هذه الإشارة إلى الحديث عن اليمن الثورة، اليمن الذي أذهل العالم بحسه الحضاري ووعيه السياسي والاجتماعي والفكري بغض النظر عن سلبيات قد تبرز هنا أوهناك ولا يمكن أن يخلو منها أي مجتمع مهما بلغ امتداد حضارته أو تقدمه العلمي. 

ثورة اليمن اليوم في سياق العاصفة التي تهب على العالم العربي ومن خلال النظر برؤية منطقية وعادلة إلى سياق هذه الثورات استطاعت أن تلفت أنظار العالم إلى المجتمع اليمني بإجلال وإكبار ... فثمة من راهن كثيرا من أرباب السياسة ـ سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات علمية تستهدف قراءة الأحداث بمنهجية ـ على خطورة الوضع في اليمن وإمكانية انزلاقه في حرب أهلية دامية لا تبقي ولا تذر، مستندين في أحكامهم إلى استثنائية الوضع في اليمن اقتصاديا واجتماعيا وعلميا، متناسيين الامتداد الحضاري الذي يستند إليه هذا الشعب ويعتز به بشهادة القرآن الكريم والنبي الخاتم ...... لقد راهنوا على تفشي الجهل ... وسيادة القبيلة وتمدد بعض الحركات الدينية وانتشار السلاح بشكل مفرط.....

لم تكن مراهنات السياسيين وأصحاب الرأي تدخل في إطار التوجس أو الاحتمالية ، بل في سياق الجزم والحتمية......ولذلك كانت رؤية ردة الفعل وما يعتمل في الواقع أكثر سطوعا ..... والنتيجة أكثر دهشة، من حيث امتداد طول الثورة وتماسك الشباب ووعي المجتمع وحرص كل اليمنيين على تجاوز هذا اللحظة الزمنية بحكمة وثبات.

إننا في اليمن لا ننكر أن مبدأ التوجس كان سائدا وأن الاحتمالات كانت مفتوحة وتراود الذاكرة بعنف، ولكن وبعد مرور فترة طويلة على قيام الثورة نلاحظ أن الإنسان اليمني يزداد كل يوم ثقة بعقله وحكمته وشبابه وقبيلته ومؤسساته المجتمعية، وكذلك نلاحظ تقلص مسافات التوجس والخوف من الصراع البيني مذهبيا كان أو حزبيا أو قبليا ....

إنه الإرث الحضاري الذي يتكئ عليه الشعب اليمني العريق...حيث أثبت بدون مبالغة في سياق جغرافية سياسية واقتصادية مزرية في اللحظة الآنية أن اليمن من أرقى المجتمعات فاعلية في ممارسة الحق الديمقراطي والتعبير عن الرأي والقدرة على التغيير بأسلوب حضاري يقوم على مبدأ الحشد السلمي في مختلف صوره، مع إثبات قدرته على تحييد كل عناصر العبث والفوضى المندسة في بنية المجتمع اليمني المعاصر، مثل تحييد الصوت القبلي والعنصري والمذهبي .

إننا نعول كثيرا على شباب الثورة بمختلف أطيافهم في تفعيل مبادئ الحس الحضاري من خلال جمالية الخطاب ومصداقيته وعدم تطرفه في أثناء التعامل البيني سواء مع بقية مكونات الثورة أم مع أي طرف يتضاد معه في الرؤية أو الموقف، وكذلك تجاوز حالات الإقصاء والانتقام وتضخيم الذات، فلا يمكن بأي حال من الأحوال نجاح الثورة واستمرارية فاعليتها ما لم يؤمن شباب الثورة بهذه المبادئ وسواها وتمثلها في الواقع العملي والسلوكي.

إضافة إلى ذلك ضرورة تلمس الصدق في القول والفعل، ولاسيما وثمة إشارات قوية توحي بتوازن في القوى من حيث الحضور والفاعلية، فالثورة قوتها في انفتاحها على مختلف الأطياف وقبول ما يطرح من آراء أيا كانت...فهي العين التي ترقب حركة التطور في المستقبل والميزان الذي تزن به مقاصد التحول وغايات الحدث الثوري.

إن ثورة شباب اليمن وعلى الرغم من قسوة اللحظة الزمنية الراهنة وصعوبة تجاوزها، تكشف عن مؤشرات إيجابية تطغى في حضورها وفاعليتها على المؤشرات السلبية، ولكن ما نخشى منه هو الغباء السياسي الماثل عند بعض رموز المعارضة وبعض الانتهازيين ممن انظم إلى الثورة من عسكريين ورجال أعمال ومشائخ، فغباؤهم السياسي يسيء إلى الثورة ، ولكن الأمل الكبير يبقى قوياً في وعي الشباب وحسهم الحضاري الذي تجلت روعته بشكل بهي لفت انتباه العالم ، من حيث قدرته على مجابهة إمكانات النظام الفاسد والانحرافات التي تطل برأسها من هنا أو هناك وبقدر كبير من المسئولية ، ومع ذلك نحذر ونؤكد على أن الوضع لا يحتمل المغامرة أو المقامرة بالوطن، وأن ما نراه من غباء سياسي يستغله الحاكم ويتفرخ في أرضيته، ولذلك يجب أن يلجم ويتراجع أمام وعي الشباب وحرصهم على انتهاج الحس الحضاري وإلا فإنه قد يسوق البلد إلى دائرة مغلقة على الفتنة المستدامة.

إن مستقبل اليمن واعد بكل ما تعنيه الكلمة، وثقتنا في طرح هذا التوصيف هو مدى وعي شباب الثورة وإيمانهم العميق بضرورة التغيير نحو الأفضل ........ كم نحن فخورون ـ ونحن بعيدون عن الوطن ـ عندما نشاهد صنعاء عبر الشاشات المرئية وهي تموج بطوفان بشري يعبر فيه عن رأيه بوسائل سلمية من لوحات ورسومات وإشارات وسواها... إنه الوعي بعينه....الذي يحق لكل يمني أن يفاخر به، أن يفاخر ببلد الحكمة التي ستتوج نصر الثورة قريبا إن شاء الله.