قراءة في المشهد اليمني 2 جولتان وخارطتان حميد البخيتي
بقلم/ حميد البخيتي
نشر منذ: 8 سنوات و 4 أشهر و يوم واحد
السبت 13 أغسطس-آب 2016 02:35 م

ما ان انتهت الجولة الاولى من مشاورات الكويت حتى اسفرت عن ولادة ماسمي بخارطة ولد الشيخ او ما يمكننا تسميتها بالخارطة الاولى والتي عرضها في اواخر رمضان من العام الجاري في نطاق محدود ارتكزت هذه الخارطة في رؤيتها على حل سياسي للازمة اليمنية دون مراعاة للقرار الاممي 2216 بنقاطه التراتبية الخمس ما اعتبره معسكر الشرعية اليمنية مكافاة اممية للمليشيا وشرعنة للانقلاب.

 رفض حكومي صارم :

من جهتها سارعت الحكومة اليمنية الى اعلان رفضها القاطع للخارطة الاممية من خلال تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين كان من ابرزها تصريح وزير الخارجية المخلافي والذي عبر فيه عن اهتزاز ثقة الحكومة الشرعية بالمبعوث الاممي ولد الشيخ

تلتها مواقف اشد سخونة صدرت عن اعلى مؤسسة في الدولة اليمنية-هي مؤسسة الرئاسة - توجت بزيارة مفاحئة قام بها الرئيس هادي ونائبه الاحمر لمحافظة مارب -البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء- وبرفقتهما عدد من الوزراء والقيادات العسكرية اعتبرت حينها بمثابة اعلان ضمني عن فشل مشاورات الكويت

كان الرئيس هادي قد اعلن خلال الزيارة رفضه القاطع لخارطة ولد الشيخ "الخارطة الاولى "وهدد بالانسحاب من المفاوضات حال اصر المبعوث الاممي على فرض رؤيته المخالفة للقرار الاممي .

لقاء هادي بولد الشيخ :

عقب المواقف الصارمة للشرعية اليمنية تجاه الخارطة الأولى لولد الشبخ سارع الاخير الى طلب موعد للالتقاء بالرئيس في مسعى منه لتخفيف حدة الاحتقان وتدارك المسار التفاوضي من الانهيار و اعتبر مراقبون ان لقاء الرئيس هادي بالمبعوث الاممي كان ايجابيا ومثمرا واستدلوا بعودة المبعوث الاممي الى التاكيد على المرجعيات الأساسية للتفاوض والنقاط الخمس التي تضمنها القرار الاممي 2216 الامر الذي فسر بانه سحب للخارطة وتراجع عن الرؤية.

تحول دراماتيكي :

هذا التحول السريع للمبعوث الاممي يمكن اعتباره تحولا دراماتيكيا وملفتا بل اثار بحد ذاته تساؤلا كبيرا حول سر هذا التحول ؟ ومن يقف وراءه ؟

وفي تقديرنا ومن خلال متابعة مجريات الاحداث في المنطقة وبالاخص ما له علافة بالشان اليمني، فانه مع اهمية المواقف الصارمة للشرعية اليمنية واثرها الا انها لم تكن هي السبب الرئيس وراء مسارعة المبعوث الاممي لسحب خارطته الاولى والتراجع عن رؤيته ، بل السبب الرئيس ربما قد يعود الى التحرك الدبلوماسي والسياسي للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والذي كان له الاثر الاكبر ازاء هذا التحول مما جعل المبعوث الاممي- وفقا لمصادر مقربة من الشرعية اليمنية - يشعر بحجم الخطا الذي كان قد ارتكبه بمخالفته للقرار الاممي .

تحركات حثيثة :

هذه التحركات نشات مع تزايد ضغوط الدول الراعية للازمة اليمنية على التحالف العربي وبالأخص على المملكة العربية السعودية

حيث كانت المملكة قد بدات في تنفيذ حملة لمواجهة تلك الضغوط سياسيا ودبلوماسيا سعيا منها لتفكيكها او التخفيف من وطئتها والتي ربما وصلت الى مرحلة كسر العظم كما عبر عن ذلك المحلل السياسي والعسكري السعودي ابراهيم ال مرعي عندما قال بان الصراع في اليمن ليس مع الحوثيين وانما مع دول عظمى ولعل ابرز تحرك دبلوماسي رفيع هو زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والتي تمت في منتصف يونيو من العام الجاري وكانت بمثابة حجر الزاوبة للتحرك الدبلوماسي السعودي حيث استهدفت بعض الدول العظمى الي لها تاثير مباشر على قضايا المنطقة

الاقتصاد يرافق السياسية :

 تحرك الامير محمد بن سلمان في المسار الدبلوماسي وهو يحمل حقيبة اقتصادية ضخمة عنوانها الرئيس برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030

اختار ولي ولي العهد كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لتكونا اول محطتين رئيسيتين في هذه الجولة ووفقا لمقال نشرته مجلة فوربس الاقتصادية فان زيارة الامير محمد للولايات المتحدة جاءت لامرين الاول: الحرب الدائرة في اليمن او ما اطلقت عليه المجلة "الحرب اليمنية" التي كلفت الاقتصاد السعودي الكثير

الثاني :اخراج المملكة من ازمة ادمان النفط

لماذا امريكا وفرنسا:

اما عن سبب اختيار كل من امريكا وفرنسا فوفقا لما ذكره المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي "فان هذه الزيارة جاءت امتدادا لخارطة التحرك الدبلوماسي التي سبق ان بداها ولي ولي العهد في الاشهر الاخيرة وشملت كلا من روسيا وغالبية دول مجلس الامن" الا ان زيارة ولي ولي العهد للولايات المتحدة وفرنسا من وجهة نظرنا تكتسب اهمية خاصة اقتصاديا وسياسيا.

 

اقتصاديا : بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية نحو 45 مليار دولار عام 2015 كما ان حجم الاصول التي تمتلكها المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية تقدر ب 750 مليار دولار

في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا نحو 7 مليار يورو في عام 2015 كما ان المملكة تعتبر هي مورد النفط الاول لفرنسا وتعتبر فرنسا ثالث اكبر مستثمر اجنبي في المملكة.

وحيث ان الاقتصاد هو من يشكل السياسة في كثير من الاحيان ولغة الارقام هي اللغة العالمية التي يفهمها كل احد

اختارت الدبلوماسية السعودية ان تشق طريقها من خلال ما تملك من ادوات ووسائل اقتصادية .

اما من الناحية السياسية ، فامريكا وفرنسا دولتان عظميان وعضوان في مجلس الامن ولهما علاقات استراتيجية مع المملكة ومصالح كبرى في المنطقة كما انهما عضوان فاعلان في التحالف الدولي لمكافحة داعش وعضوان فاعلان في مجموعة ال18 الراعية للمبادرة الخليجية ولمشاورات السلام اليمنية .

في الزيارةالتقى ولي ولي العهد بكبار المسؤولين الامريكيين والفرنسبين في الرئاسة والخارجية والدفاع والمؤسسات التشريعية والبرلمانية والمالية والشركات العملاقة في البلدين .

المتابعون للزيارة راوا ان الاوضاع في المنطقة بما فيها "اليمن وسوريا والعراق وليبيا " كانت من اهم الاجندة التي قصدتها الدبلوماسية السعودية من هذا التحرك وانها ارادت تنشيط الدور الامريكي المتكاسل تجاه ازمات وقضايا منطقة الشرق الاوسط بالاخص الصراع العربي الاسرائيلي والازمة السورية والمشاورات اليمنية وفقا لما اشار اليه المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي على ان القضية اليمنية من وجهة نظرنا ربما اخذت حيزا اكبر في التحرك السعودي لحساسيتها المفرطة بالنسبة للمملكة وانعكاساتها المباشرة على كافة الأصعدة . و يرجح ذلك ما ذكرته مجلة فوربس التي اشرنا اليها آنفا وما اكده المحلل السياسي بمعهد دول الخليج العربي بواشنطن فهد ناظر في تقرير لجريدة الشرق الأوسط عدد 13714 وتاريخ 15/6/2016 بهذا الخصوص. كما ان عودة ولي ولي العهد السعودي مباشرة من فرنسا الى نجران الحد الجنوبي للمملكة حيث اشتعال الجبهات مع الحوثيين -حليف ايران المناهض للمملكة يشكل شاهدا اخر على صحة ما رجحناه .

نتائج ومكاسب :

المتابع لمجريات الاحداث والتطورات في الملف اليمني يلمح بوضوح بروز تغيرات في بعض المعطيات والنتائج للمسار السياسي اليمني ويمكننا رصد التغيرات التالية :

1-تراجع المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ عن خارطته ورؤيته "الاولى" التي كان قد اعلن عنها في نطاق محدود نهاية رمضان من العام الجاري والتي لم تكن مستندة إلى القرار الاممي 2216 وتجاوزت المرجعيات والنقاط الخمس.

2- افشال صدور بيان مؤيد لخارطة ولد الشيخ ويدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية دون التقيد بالمرجعيات والقرار الاممي ذي النقاط الخمس .

3-صدور ما سمي ببيان الرباعية بشان اليمن 

حيث اجتمع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية والإمارات واصدروا بيانا اكدوا فيه على المرجعيات وعلى قرار مجلس الامن 2216 وعلى النقاط الخمس بما فيها انسحاب المليشيات من المدن وتسليم السلاح .

4-الاعلان عن خارطة طريق جدبدة وبرؤية جديدة

حيث اعلن المبعوث الاممي ولد الشيخ عن رؤية جديدة تستند الى القرار الاممي 2216 وتراعي المرجعيات والنقاط الخمس .

5-عقب موافقة الوفد الحكومي ورفص الوفد الحوثي رفع ولد الشيخ تقريره الى مجلس الامن واشار فيه إلى موافقة الحكومة اليمنية ورفض الجانب الحوثي كما طلب من المجلس اصدار بيان يدعو الحوثيين للتوقيع والانخراط في العملية السلمية .

6- اعداد مجلس الامن لمسودة بيان بدعو فيه الحوثيين الى الاستجابة لدعوة المبعوث الاممي ويدين اعلان ما سمي بالمجلس السياسي الذي اعلن عنه الحوثيون وشريكهم صالح .

 7- ارتطام مسودة بيان مجلس الامن بموقف روسي مغاير حتى للموقف الروسي في مجموعة ال 18 الراعية للمبادرة الخليجبة ولمشاورات السلام والذي كان مؤيدا لصدور هكذا بيان.

ستة متغيرات او"مكاسب" صبت في مصلحة الشرعية اليمنية والتحالف العربي ومتغير واحد صب في مصلحة خصومهم الحوثيين وحليفهم صالح . لكن المتغير الاخير عند احتساب المحصلة ابتلع كل المكاسب التي تحققت لمحور الشرعية والتحالف او على الاقل افقدها قيمتها الامر الذي يقودنا إلى ان نتساءل :

الى اي مدى كانت الاطراف الدولية جادة وذات مصداقية في مواقفها تجاه ما ذكر؟ ثم الى اين تتجه الاحداث على ضوء هذه النتائج و المتغيرات ؟

وللاجابة على هذا التساؤل لابد من تسليط الضوء على طبيعة هذه النتائج او ما يمكننا تسميتها "بالمكاسب" وهل هي مكاسب حقيقية ام انها كانت مكاسب وهمية "شكلية" ؟

في الواقع يمكننا قراءة هذه المكاسب في اطار سيناريوهات ثلاثة :

السيناريو الاول :احتمالية ان تكون هذه النتائج مكاسب سياسية حقيقية نتجت عن استجابة دولية حقيقية من لاعبين حقيقيين وارتطمت بعوائق روسية حقيقية

السيناريو الثاني: احتمالية ان تكون مكاسب سياسية حقيقية نتجت عن استجابة دولية حقيقية من لاعبين حقيقيين وارتطمت بعوائق روسية غير حقيقية "مفبركة" امميا

السيناريو الثالث :احتمالية ان تكون مكاسب سياسية شكلية نتجت عن استجابة دولية شكلية "استرضائية" وارتطمت بعوائق روسية حقيقية

الخيارات المتاحة :

1- وفقا للسيناريو الاول :سيكون امام الشرعية اليمنية والتحالف العربي خياران اثنان : الاول خيار الحل السلمي والثاني خيار الحل العسكري .

 وسيلزمهما للابقاء على خيار الحل السلمي الاتي :

-المحافظة على الاستجابات الدولية المكتسبةوتعزيزها

-استمرار التواصل مع الجانب الروسي والضغط عليه لتثبيت مواقفه السابقة من الازمة اليمنية والتفاوض معه لمعرفة الدوافع وراء هذا التغير في مواقفه والتي ربما قد تكون ناجمة عن رغبة روسية في مقايضة موقفها هنا بما تواجه من صعوبات في الملفين السوري والاوكراني وفقا لما توقعه السفير السعودي في الامم المتحدة او اية مقايضات اخرى..

 واحتمالية استجابة الروس وارده قياسا على مواقف سابقة ذات صلة غيرت روسيا فيها موقفها عقب سلسلة من المفاوضات.

 في حال استجاب الموفف الروسي وشكل ضغطا حقيقيا على الطرف المعرقل مع بقية اعضاء مجلس الامن فان خيار الحل السلمي سيكون هو الخيار الاوفر حظا وسيتجنب اليمن شبح الحرب والمواجهات العسكرية .

اما في حال كانت نتائج التفاوض مع الروس ميؤسا منها او كان التفاوض غير ذي جدوى ابتداءا فان خيار الحل العسكري سيكون هو الخيار الاوفر حظا

وفي هذه الحالة "حالة الرفض الروسي" ووفقا لهذا السيناريو سيكون من الوارد جدا ان يكون التحالف العربي والشرعية اليمنية قد حصلا على ضوء اخضر من الدول الفاعلة في مجلس الامن ببدء عمل عسكري دون الحاجة الى قرار اممي جديد ردا على الموقف الروسي الرافض واخضاعا لتحالف الحوثي-صالح المتصلب وهذا يتوافق مع ما اطلقت عليه قوات التحالف والحيش اليمني "عملية عسكرية شاملة" .

2- وفقا للسيناريو الثاني والثالث : لن يكون امام الشرعية اليمنية والتحالف العربي الا خيارا واحدا وهو خيار الحل العسكري وسيلزمهما في مثل هذا الوضع الاكتفاء بالقرار 2216 والقرارات الاخرى ذات الصلة والتوقف بل والحيلولة دون العودة مرة اخرى لاروقة مجلس الامن حفاظا على المكتسبات السابقة .

واحتمالية نجاح خطوة من هذ القبيل ممكنة كونها لا تحتاج سوى صوت معطل واحد يقف امام اي قرار جدبد قد يستهدف المكتسبات السابقة اويضعفها وسيكون بمقدور التحالف والشرعية معا ايجاد هذا الصوت المعطل.

الخيار الراجح :

حيث ان خيار الحل السلمي يمثل نسبة 3:1 في السيناريوهات المفترضة بينما خيار الحل العسكري يمثل نسبة 3:2 فانه على ضوء النسب المشار اليها اعلاه ووفقا للمعطيات المتاحة فان خيار الحل العسكري هو الخيار الاوفر حظا ما لم تطرا مستجدات او متغيرات سياسية اخرى كما ان اشتعال مختلف جبهات القتال ،و اعلان المبعوث الاممي تعليق المشاورات ، وانسداد الافق امام اي حلول سلمية ، اضافة الى اعلان قوات التحالف استئناف العاصفة يرجح كفة الحل العسكري كخيار اوحد او على الاقل كخيار متاح لا ثاني له في ظل المعطيات الراهنة.

الرئيس هادي زعيم مشروع وفكرة وليس زعيم خطبة.
د. عبده سعيد مغلس
مشاهدة المزيد