ماهو المخرج الأخير الذي يبحث عنه الرئيس صالح؟
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 6 أيام
الأحد 20 مارس - آذار 2011 05:39 م

في تطورات الأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية مؤخراً, والتي تمثلت في قتل الشباب المعتصمين وسفك دمائهم بقناصة الأمن المركزي والقوات الخاصة وبلاطجة الحزب الحاكم, في صنعاء وعدن وتعز والحديدة والبيضاء والجوف ومأرب وغيرها من محافظات الجمهورية, والتي خلفت أكثر من آلفين وخمسمائة جريح وأكثر من مئة شهيد, لم يملك النظام أي ورقة أخرى غير قانون الطوارئ .

كان الرئيس يملك تصوراً آخر عن الوضع, إذ كان يراهن على حرب داخلية بين الجيش والمعتصمين من جهة, وبين القبائل الموالية والمناوئة من جهة أخرى, ودائماً ماكان يخوف الناس من عملية التغيير بقوله أن الشعب اليمني شعب مسلح, وستصبح الحرب من طاقة إلى طاقة , على حد تعبير رئيس الجمهورية .

سعى الرئيس إلى تنفيذ هذا السيناريو بكل وسائله, وكان صالح يهدف إلى تحويل ساحات الاعتصام إلى ساحات حرب بين أبناء القبيلة الواحدة , لينشغل الناس ببعضهم, ويتركوه وشانه, ولو تم ذلك لكانت فرصة تاريخية للرئيس صالح, حتى يسحب أمواله من البنوك الأوربية, ويرتب وضع أبنائه وأبناء أخيه, ويلجئ إلى قبيلته على غرار ماقام به سياد بري في الصومال .

فمثلاً في محافظة البيضاء تم التخطيط لسيناريو إجرامي, وتم دخول القبائل المسلحة من كل مديريات المحافظة إلى داخل مدينة البيضاء, وفاق عدد القبائل المسلحة عشرون ألف مسلح, تنوعت أليه الأسلحة بين كلانشكوفات ورشاشات وقنابل روسية وأخرى دخانية وقذائف الاربي جي – حسب ما أورده موقع البيضاء اون لاين – وتم إقامة مهرجان المؤتمر في ملعب رياضي يبعد عن ساحة أبناء الثوار – ساحة الاعتصام – اثنين كيلو متر, وبعد المهرجان تقدمت قيادة المؤتمر الشعبي العام نحو الساحة, وتم إطلاق الرصاص بشكل مخيف روع الآمنين, وحول مدينة البيضاء إلى ساحة حرب بامتياز, ولم يكن الطرف الأخر- المعتصمون – اقل قوة من أولئك القادمين عليهم فالجميع يمتلك السلاح, مع فارق بسيط هو أن المعتصمين تركوا أسلحتهم في بيوتهم, وجئو رافعين شعاراتهم السلمية, وعلى النقيض كان الطرف الثاني المسلح .

وقد أودت أعمال البلطجة إلى سقوط خمسة جرحى بالرصاص الحي, ولم ينجر المعتصمون إلى المواجهة المسلحة, ومع مرور الأيام وإذ بتلك الجموع التي كانت مع المؤتمر تنضم إلى ساحة أبناء الثوار, محملة بعض القيادات مسؤولية ذلك المخطط الذي اكتشفته القبائل بعد أن فوت الشباب تلك الفرصة الذهبية للرئيس في إقحام المحافظة في حرب أهلية .

ذات السيناريو حاول الرئيس تطبيقه في صنعاء عندما سقط فيها شهيدين وآلف جريح, وكان احد الشهيدين من آل الجايفي, والذي ينتمي إلى منطقة همدان, وحاول الرئيس أن تدخل قبائل همدان و خولان على خط القتال ليستعين بالجيش, إلا أن ذلك السيناريو فشل, وسط إصرار الشباب على أن تكون ثورتهم سلمية .

جرى السيناريو في أكثر من محافظة, وإذا بالشباب يرسمون ملامح مجتمع مدني, ولم يعد اليمنيون يخافون من فزاعة أن الشعب مسلح وان الاقتتال سيكون من طاقة إلى طاقة .

كان أخر تلك السيناريوهات المخيفة هو نزول أفراد الأمن المركزي الذي يقودهم ابن شقيق الرئيس يحيى محمد عبد الله, والقوات الخاصة التي يقودها أيضاً طارق محمد عبد الله, إلى ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء وتمركزها فوق الأسطح والبنايات المرتفعة, وتنفيذ مخططها المقزز والفج, ليسقط في مجزرة الجمعة 18 مارس ثمانية وأربعين شهيد, وستمائة وعشرون جريح, بإصابات استهدفت العين والرأس والقلب .

ومع قسوة المشهد كان الشباب متماسكون, وظهر بعضهم على قناة الجزيرة القطرية ليؤكد سلمية الاعتصامات مرة أخرى, ويدعو كل أبناء الشعب اليمني إلى عدم الانجرار للفوضى أو العنف الذي يسعى الرئيس إليه .

لقد سقطت فعلاً ورقة الحرب الأهلية, وأصبح الناس أكثر أمناً من أي وقت مضى من شبح الحرب الأهلية, وذلك مالم يكن يتصوره اليمنيون الذين يمتلكون أكثر من ستين مليون قطعة سلاح .

وفي هرج القتل والتنكيل الذي مارسه البلاطجة ضد الأبرياء كان الإعلام الرسمي يقوم بمهمة لاتقل عن سابقتها, إذ كان يروج لأكاذيب سرعان ما عرفها الناس, ومن تلك المواقع الرسمية دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة التي طبعت آلاف مؤلفة من الأعلام الانفصالية والشعارات المروجة لفك الارتباط لتوزيعها على الشباب المعتصمين في لحج وعدن والضالع , وكان الهدف من ذلك هو إسقاط شرعية الثورة الشبابية التي يحاول الحاكم إجهاضها ولكن دون جدوى, وتفاجئ الرئيس وبطانته بان شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " هو الشعار الذي وحد اليمنيين من أقصى صعدة في الشمال حتى المهرة في أقصى الجنوب, ومن جزيرة سقطرى وحتى منطقة سنحان مسقط رأس الرئيس علي عبد الله صالح .

فشل التحالفات السياسية

ورقة القبيلة سقطت, ومثلها ورقة التحالفات السياسية التي كان الرئيس صالح دائماً مايراهن عليها في تصفية حساباته مع خصومة السياسيين, عندما كان يستعين بطرف ضد أخر, وكدليل على ذلك استخدام الرئيس الإخوان المسلمين في أحداث المناطق الوسطى, واستعان بهم في حربه ضد شريك الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني في 94م, أو كما فعل مع الحوثيين لضرب الشرعية الدينية للإخوان المسلمين .

التحالفات السياسية سقط أبرزها عشية الانتخابات الرئاسية في 2006م عندما قال الرئيس صالح لمذيع الجزيرة أن التجمع اليمني للإصلاح اُستُخدم ككرت سياسي أصبح محروق, فتيقظ قادة الإصلاح لذلك, واستخدموا كل أساليب الضغط من اجل أن يعرف صالح أنهم لازالوا قوة فاعلة حتى وان استغنى عنهم, واتجهوا يحضرون لمؤتمر حوار وطني اقلق الرئيس كثيراً وعجز حتى عن تفكيكه, ليصبح تكتل اللقاء المشترك أكثر شعبية وشرعية من الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس, ويصل المطاف بالرئيس إلى الاعتراف بهم كند مساوٍ له في الحياة السياسة, وتم اختيار لجنة المائتين على هذا الأساس, وأصبحت تحضيرية الحوار تضم زعماء جنوبيين سابقين وممثلين عن الحراك الجنوبي وعن الحوثيين, وهو ماجعل الرئيس يدرك جيداً انه أصبح وحيداً في مواجهة مد سياسي متنامي لاحدود له .

ولكن ثمة أوراق أخرى طالما حرص النظام على استخدامها وهي ورقة الشرعية الدينية التي سرعان ما يستغني عنها الرئيس, وفي خضم التحركات الشعبية المطالبة بإسقاطه دعا الرئيس هيئة علماء اليمن برئاسة الشيخ عبد المجيد الزنداني وحملهم المسؤولية التاريخية في الحفاظ على الوطن, مؤكداً بأنه سيفوضهم في حسم الخلاف السياسي بينه وبين أحزاب اللقاء المشترك, ولكن سرعان ماتراجع الرئيس عن كلامه, عندما راء أن مقترح العلماء لايصب في خدمة الاتجاه الصالحي الذي يؤكد على أن الوطن ومافيه مسخر لخدمة الرئيس وأنجاله .

لاشيء اذاً يضمن بقاء الرئيس صالح سوى فسحة وقت قصيرة لازال الشباب يعطيها له لعله أن يتخذ قراره بنفسه, قبل أن يعزله الشعب بطريق أو بأخر, ولعل ورقة الجنرال علي محسن الأحمر قد أصبح ميؤس منها, بعد أن أكد الجنرال – الأخ غير الشقيق للرئيس – انه لن يكن طرفاً ضد الشباب السلميين, وانه لن يلطخ يده بدماء الأبرياء, ولعل تأمرات الصغار من أسرة الرئيس ضد القائد العسكري صاحب اكبر التحالفات القبلية, قد أثرت تأثيراً كبيراً على قرار علي محسن في عدم الانضمام إلى المعسكر الدموي الذي يقوده أخيه وأبناء أخيه .

لا ينكر احد أن علي محسن الأحمر كان إلى ماقبل عشر سنوات اليد اليمني لعلي عبد الله صالح, وانه الحارس الآمين للقصر الجمهوري في صنعاء, وبفضله استطاع الرئيس أن يستمر في الحكم كل هذه المدة, ولولا الجنرال الأحمر لما استطاع الرئيس إكمال شهرا ً واحداً في قصر الرئاسة, فخلال اقل من شهرين من تولي صالح مقاليد الحكم في 1978م قام الناصريون بعملية انقلاب ضد الرئيس صالح, فاستطاع الجنرال بخبرته العسكرية إفشال مخطط التأمر ضد أخيه غير الشقيق, وبرز أيضاً في كل محنة يمر بها الرئيس " كرجل إطفاء لحرائق أخيه" التي دائما ماكان يشعلها هنا وهناك, ولعب الرجل بمعية الإخوان المسلمين دوراً حيوياً في حسم معركة الوحدة والشرعية لصالح الرئيس الصالح .

بدء صالح يتنكر لأخيه, ومضى في طريق " جزاء سيمنار" فأنشى الحرس الجمهوري كمقدمة من مقدمات حكم التوريث الذي تبددت أحلامه مع سقوط نظام مبارك في مصر, ومضى وكأنه غير واثق من رجل وقف معه طيلة عشرين عاماً, مستفيداً من قوة التحالفات القبلية والدينية التي كونها الجنرال طيلة عقدين من الزمن .

بل لقد أوغل صالح في ماهو اشد وقاحة من ذلك, عندما اعد سيناريو الحرب في صعده بهدف تصفية القيادات الفعالة في الفرقة الأولى مدرع التي يقودها الجنرال, واكبر من هذا كله ماكشفته وثيقة ويكيليكس عن مخطط تأمري عندما تم إعطاء الطيران السعودي موقع علي محسن, بهدف ضربه باعتباره تابع للحوثيين .

سقطت كل جنرالات الجيش ولم تعد واثقة في صالح الذي يتهمه اغتال محمد إسماعيل وعددا ًمن قيادات المنطقة الشرقية, وأخيراً أقال عبد الاه القاضي قائد لواء العند, والجدير ذكره هنا أن قيادات الألوية العسكرية من سنحان تدين بالولاء لعلي محسن أكثر من ولائها للرئيس صالح وأفراد أسرته .

سقطت كل خيارات صالح القبلية والعسكرية والدينية والشعبية, ولكن الرجل رغم ذلك لازال يبحث عن مخرج طوارئ في وقت سدت فيه كل المنافذ المؤدية للتوريث والتمديد وحتى البقاء في الحكم لأشهر معدودة .

مخرج الطوارئ الأخير

ثمة خطط أخرى يسعى الرئيس لتنفيذها قبل أن يغادر قصر الرئاسة حسبما يريد الشباب, أو قبل رحيل الشعب اليمني إلى دولة أخرى حسبما يريد هو, لعل من أبرزها ترحيل الصحفيين الوافدين إلى بلدانهم, ومراقبة تحركات الصحفيين اليمنيين, والتنصت على هواتفهم ومضايقتهم, من اجل حجب الحقائق عن الناس وعزل اليمنيين عن الرأي العالمي, لينفذ النظام مجازره وهو قرير العين, كما لاتزال خطة المرتزقة الصوماليين واردة في حسابات الرئيس , وغيرها من المخططات الأخرى .

الجمعة 18/ مارس لجاء الرئيس إلى قانون الطوارئ وهو قانون استثنائي قائم على فكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني يسيغ اتخاذ السلطات المختصة لكل التدابير المنصوص عليها في القانون والمخصصة لحماية أراضي الدولة وبحارها وأجوائها كلاً أو جزءاً ضد الأخطار الناجمة عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي ويمكن التوصل لإقامته بنقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية. من الدول التي لا تزال تطبق هذا القانون مصر- الغي قبل أيام - وسوريا و تونس- الغي قبل أيام, والجزائر, وسوريا, وشرعت فيه قبل أيام البحرين بعد مظاهرات واعتصمامات تطالب بإصلاح النظام في البحرين .

ويسمح قانون الطوارئ بوضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال .

كما يحول الجمهورية إلى ديكتاتورية خالصة يجوز فيها مراقبة كل شيء بدء من حرية تنقل الأشخاص والصحف وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان .

لا أريد الخوض كثيراً في قانون الطوارئ الذي لم يعرفه اليمنيون منذ عقود طويلة من الزمن باستثناء فترة حرب صيف 94م, فقانون الطوارئ الذي يصدره مجلس النواب أصبح الرئيس يتجاوز صلاحيات ذلك المجلس ليقر مايشاء, ويأمر بما يريد, في تصرفٍ واضح أن الرئيس يريد خلال الأيام القادمة أن يضرب حرية الرأي وان ينفذ مجازر بحق شعب أعطاه السمع والطاعة طيلة ثلاثة عقود من الزمن .

بعد الإعلان عن حالة الطوارئ يبدوا كل شيء في تغير واضح, فقيادات الحزب الحاكم تتهاوى, وتعلن ولائها للشعب ولعل الأيام القادمة ستشهد استقالات من تبقى من شرفاء الحزب الحاكم في حيرة من أمرهم, ليصبح الرئيس صالح في بوتقة أضيق من سم الخياط, وتبقى أحلامه في التوريث أو التمديد أو في الاستمرار لأشهر قليلة سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء .