آخر الاخبار

إيران تكشف عن حقيقة تواصلها مع أحمد الشرع مجلس القيادة الرئاسي وبحضور كافة اعضائه يصدر توجيهات باتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية بخصوص الهيئة العليا لمكافحة الفساد.. عاجل أول تحرك حكومي في اليمن لضبط مراكز التداوي بالقرآن الكريم وتوجيهات بأربعة شروط هامة لمعالجي النساء نائب وزير التربية ووكيل محافظة مأرب يدشنان ملتقى التبادل المعرفي لتنمية الإيرادات وتعزيز التنمية المحلية. مليشيات الحوثي تفرج عن قتلة الشيخ صادق أبو شعر وسط تصاعد الغضب القبلي.. عاجل قيادات يمنية تداعت الى الرياض.. حميد الأحمر يُبشر بسقوط ''انتفاشة الحوثيين'' ويلمح لعمل قادم ويقول أن زعيم المليشيات فوت على نفسه فرصة ثمينة رئيس دائرة الخليج العربي واليمن بجامعة الدول العربية يلتقي رئيس دائرة العلاقات الخارجية بمؤتمر مأرب الجامع 4 دول عربية في قائمة الدول الأرخص عالميًا في أسعار فاتورة الكهرباء الديوان الملكي السعودي يبتعث وفدا للعاصمة دمشق للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة عاجل: مـجزرة وحـشية ارتكبها الحوثيون في تعز والضحايا 4 أطفال من أسرة واحدة

عن عدن وخليجي عشرين
بقلم/ بشرى المقطري
نشر منذ: 14 سنة و شهر
الأحد 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 05:04 م

تفسد السياسة كل شيء، تفسد الحب والذكريات الطيبة، لم تكن عدن تعرف الكره ولا الحقد، كانت مدينة تتعالى على الضغائن، تشذ عن كل مدن اليمن بتركيبتها الفريدة التي تصهر الأعراق والأجناس على اختلاف مذاهبهم وديانتهم وانتماءاتهم السياسية وأصولهم القريبة والبعيدة، مدينة لا تعامل الغريب بازدراء المكابر، بل بحب المضيف، صهرت كل العابرين على جلدها عبر تاريخها القديم والمعاصر في هويتها المتخيلة، ولم تعط أي جنس الغلبة عليها، بل روضت حتى الذكريات لتكون مدينة المثقفين الهاربين من الملاحقات في بلدانهم، مدينة أخضعت حتى الخصوم لتدفن الأحقاد في بحرها العميق....

كانت تلك عدن رامبو، عدن الأمس البعيد التي تربيت على اعتبارها بوابة القلب والذكريات الطيبة، عدن المطلة على مباهج الحياة والبخور العدني وصوت بائعات الفل والكاذي وأغان أحمد قاسم، شيء في وهجها تغير الآن وستلمسه في الهواء الساكن المكثف ببخار الأحقاد الكبيرة والتنظيرات السياسية العقيمة، وفي النظرات المتشككة، وستسمعه في لهجة الازدراء العدنية المتعالية على كل زائر لتعتبرك من المستعمرين الجدد..

عدن هذه التي نمت في غفلة منا، أزورها الآن على استحياء وخجل كوني أنتمي لجحافل الشمال المنتصر كما يرى أهلها، فما فعله الرئيس اليمني ليس كونه اتاح لقواته بنهب عدن في ذاكرة قريبة و قضى على جمهورية كانت مستقلة، ما فعله أكثر قسوة من كل تلك الأفعال التي يرددها السياسيون الجنوبيين في الفضائيات العربية وفي السجون والصحف بطريقة تثير الأسى والسخرية معا، ما فعله أكثر أذى من كل الشتائم التي هي نصيب كل شمالي يزور عدن، لقد دمر الرجل ما كان مشتركا بيننا إلى الأبد، ما كان طيبا ودافئا لسنوات قديمة وأشعل الحقد في نفوس الجنوبيين، صغارهم، وكبارهم، مثقفيهم، وحتى أغبيائهم.

لم أكن اعتقد حتى في أشد أحلامي كابوسيه أن يصبح وجود الشمالي وخصوصا "التعزي" في عدن محل استفزاز وتندر ومضايقات وتهديد وتصفية تطال روحه، ذلك الإنسان الذي بنى هذه المدينة وعمرها كغيره من الوافدين عليها منذ عهد الإمامة في مطلع القرن المنصرم، ستسمع حقدهم يسيل الآن في طبلة أذنك في المقاهي وفي المحلات، وأينما ذهبت، مشاعر عداء استطاع الرئيس صالح وسلطته ترسيخها تجاه كل ما هو قادم من الداخل الشمالي، وايقاد حمى البغض والعداوة في قلب عدن كما نيرون الذي أحرق روما فقط لأنه أراد امتلاكها. 

(.....)

الاستفزاز الشمالي يتصاعد الآن بخطوات حمقاء تمارسها السلطة لتسابق الزمن على انفجار هذه المدينة الطيبة، فمن اجل خليجي عشرين حشدت السلطات اليمنية كل قواتها، وجنودها في شوارع عدن وأزقتها، حتى أصبحت المدينة بالنسبة للساكنين فيها جحيم صغير يدورون فيه، ففي كل مكان ستذهب إليه سيداهمك أحد العسكر وسترى بيادته المتعالية على وجعك اليومي تستفز فيك الضجر والحزن والفقر والحر، ستفكر وأنت ترى هذه الجيوش المستريحة من حرب قديمة أنك ربما تشاهد أحد أفلام الأكشن الأمريكية وأن الجنود ربما يأخذون الآن حماما شمسيا في منتجعات عدن التي يملكها ضباط كبار في السلطة، ستفكر وأنت تراهم مثلي مصلوبين في الشمس يبحثون في بطاقتك الشخصية عن اسمك، ولقبك عن ما يشبه ظل إرهابي متخفي في مسامات جلدك، ستمتد يد الجندي لطبقات رأسك الكثيفة كأنما تبحث عن شيء ما يؤخذ ضدك، فأنت الآن تنتمي لبلاد الطرود والقاعدة، أنت في مثلث الرعب الذي يتنامى يوما بعد يوم.

(.....)

من أجل خليجي عشرين يعيش المواطن العدني معاناة يومية لا تعرفها وسائل الكاميرا، ولا القنوات التلفازية، ولا الصحف المشغولة بتغطية هجوم قاعدي محتمل، معاناة في حق امتلاك الحياة البسيطة، حق المشي الآمن، حق الضحك، حق العطالة والجلوس على الرصيف لقراءة الصحف، حق الذهاب إلى البحر في تجمعات عائلية، حق أن تكون عدنياً في مدينتك، وأن تفعل كل الأشياء التي تحبها، حق أن تعترض على الظلم في مظاهرة احتجاجية على الحياة التي تنتزع منك ببطء، أصبح المواطن العدني يعيش حصاراً فريداً في نوعه، التفتيش والمداهمة لكل معارض للسلطة بذريعة حماية خليجي عشرين والحفاظ على هيبة الدولة وصورة اليمن، لقد اختلطت كل أوراق المشهد السياسي في عدن والجنوب عموما ما بين الحراك والقاعدة، الجميع الآن في سلة واحدة.

(....)

من أجل خليجي عشرين ذهب هواء البحر كله، ذهبت نسائم المدينة المخملية وأصبح ظلك المنهزم أمام عسكري الجولة هو سيد المشهد، كان يستطيع الرئيس صالح أن يجفف هزائمه المتوالية في الجنوب، وأن يمنحهم قليلاً من كرامة الهدوء وضبط النفس، وقليل من الحب والثقة في استقبال الضيوف والتعامل معهم بشكل حضاري لائق، كان يستطيع أن لا يجيش المدينة على رأسها، وأن لا يمنع عشاقها من ارتياد أزقة البخور ورؤية البحر، كان يستطيع الرجل إذا أراد أن يمسح ذاكرتها بإسنفجنة التسامح وأن يعيد المنازل والأراضي المنهوبة إلى أهلها، كان يستطيع بإجراءات بسيطة أن يلملم كبرياء المدينة الجريح ....

(....)

من أجل خليجي عشرين لم يفعل الرئيس صالح ما يستحق الذكر، فتأهيل المدينة لتستحق هذه الحدث، أمر غير جدير بالذكر هنا، فلا الميزانية التي رصدت لتخضير الملاعب، وتكييف الفنادق، واستقدام خبراء العثور على المتفجرات أمر يأبه به العدنيين المغلوبين على أمرهم، وللحقيقة فإن خليجي عشرين أصبح بالنسبة لهم عقاب يومي خائفين من هذا الخليجي الذي يجعلهم محاصرين تماما في بيوتهم حتى يمر المونديال على خير .