إسرائيل تصر على تجاهل استهداف القيادات الحوثية وتتعمد استهداف البنى التحتيه لليمن .. نتنياهو يتوعد مجددا. إيران تكشف عن حقيقة تواصلها مع أحمد الشرع مجلس القيادة الرئاسي وبحضور كافة اعضائه يصدر توجيهات باتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية بخصوص الهيئة العليا لمكافحة الفساد. أول تحرك حكومي في اليمن لضبط مراكز التداوي بالقرآن الكريم وتوجيهات بأربعة شروط هامة لمعالجي النساء نائب وزير التربية ووكيل محافظة مأرب يدشنان ملتقى التبادل المعرفي لتنمية الإيرادات وتعزيز التنمية المحلية. مليشيات الحوثي تفرج عن قتلة الشيخ صادق أبو شعر وسط تصاعد الغضب القبلي.. عاجل قيادات يمنية تداعت الى الرياض.. حميد الأحمر يُبشر بسقوط ''انتفاشة الحوثيين'' ويلمح لعمل قادم ويقول أن زعيم المليشيات فوت على نفسه فرصة ثمينة رئيس دائرة الخليج العربي واليمن بجامعة الدول العربية يلتقي رئيس دائرة العلاقات الخارجية بمؤتمر مأرب الجامع 4 دول عربية في قائمة الدول الأرخص عالميًا في أسعار فاتورة الكهرباء الديوان الملكي السعودي يبتعث وفدا للعاصمة دمشق للقاء قائد الإدارة السورية الجديدة
أثار نشر مقالي السابق عن الحراك الجنوبي ردود فعل متباينة في أوساط الشارع الجنوبي تحديداً ، وكان بانتظاري بعد نشر المقال سيلاً من الاتهامات والسباب والشتائم من كثير لم يرق لهم ما كتبته ، وآخرون عبروا عن استنكارهم بأسلوب أخف حدة في حين كان هاتفي الجوال على موعد مع سيل من رسائل الشتائم التي لم أتلقاها عقب أي مقال كتبته منذ بداية حياتي المهنية .
رسائل كثيرة وصلتني عبر حسابي الخاص بموقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) في حين دخل أحدهم وكتب رسالة على صفحتي لا زالت موجودة حتى اللحظة كتب عليها : (( اليوم عرفت أنك خائن وعميل مع الدحابشة )) ، في حين وصلتني رسالة من مجهول على بريدي الالكتروني كان يعقب فيها على مقالي بأسلوب أقرب إلى الأسلوب الذي يستخدمه لاعب ( التايكواندو ) مع خصومه ، وزميل صحفي وصف المقال بأنه رصاصة من مسدس إعلام السلطة ، في حين كان رد الفعل الإيجابي الوحيد هو من أمين عام اتحاد شباب الجنوب الزميل والصديق العزيز علي الصياء الذي أبلغني أنه يعتبر ما كتبته نصيحة يجب أخذها بعين الاعتبار ومضيفاً بأنه ضد السلوكيات الدخيلة على الحراك السلمي والتي تناولتها في مقالي .
أود في بداية مقالي التوضيح والتأكيد بأن مقالي السابق لم يكن يهدف لإبراز فظاعة وسوءات المحسوبين على الحراك الجنوبي بقدر ما كان الهدف منه هو تنبيه الحراك الجنوبي إلى أنه بدأ ينحرف تدريجياً عن الخط الذي أكسبه قوة ومكانة طوال الفترة الماضية مع كثر التصرفات والسلوكيات الطائشة والمعيبة التي كثر صدورها من الدخلاء على الحراك بعدما عاث فيه العائثون والدخلاء عليه فساداً ، وكذا التحذير من انجرار الحراك الجنوبي نحو مربع العنف الذي بدأ يقترب منه كل يوم ، إضافة إلى شمولية الحراك ورفضه للرأي الآخر بعدما صار يلقي تهم التخوين لمجرد كلمات في جريدة .
ولم يكن في المقال أية توجهات مناقضة لقناعاتي السياسية السابقة التي كما هي لم ولن تتزحزح ما لم أقتنع ببطلانها ، فرؤيتي الخاصة أن الانفصال لا يمثل حلاً لمشاكل الوطن ولا للمحافظات الجنوبية منفردة ، لكني لا أحمل اللوم من يخرج للمطالبة بالانفصال بقدر ما أحمله من دفعه إلى أن يكفر بالوحدة الوطنية عبر التصرفات الخاطئة وغير المسئولة التي ضاقت بها المحافظات الجنوبية منذ انتهاء حرب صيف 1994م – سيئة الصيت – .
فكل ما يجري اليوم في المحافظات الجنوبية والشرقية من تظاهرات واعتصامات واحتجاجات والتي تطورت من مطالب حقوقية مشروعة إلى مطالب سياسية تنادي صراحة بالانفصال وإعادة الأمور إلى ما قبل الوحدة ، كل هذه المظاهر الانفصالية لا يمكن إعفاء السلطة من كونها مسئولة عن إفراز مثل هذا الغضب الشعبي الذي صب جم غضبه على الوحدة والنظام معاً ، فالسياسات السلطوية التي اتبعت منذ 7 يوليو 94 كانت سياسات غير وحدوية في مجملها ، كما أن بعض قوى السلطة كانت تتعامل بعد انتهاء الحرب بمنطق المنتصر وتنظر إلى هذا النصر على أنه فيد وغنائم وثروات وتجلى هذا في استيلاء العديد من النافذين على الأراضي والثروات والوظائف بالقوة وقيام بعض القوى السلطوية بتسريح الموظفين في عدد من أجهزة الدولة بما فيهم العسكريين من وظائفهم ضاربة عرض الحائط بقرار العفو العام الذي أصدره الرئيس علي عبدالله صالح أثناء وبعد الحرب .
وبالمقابل فقد أخطأ النظام اليمني خطأ فادحاً حين لجأ إلى الاستعانة بأبناء السلاطين والمشائخ وأصحاب السطوة أيام حكم الاستعمار البريطاني وما كان يعرف بـ ( إتحاد إمارات الجنوب العربي ) للمشاركة في حرب صيف 1994 ضد الحزب الاشتراكي اليمني ، فالكثير من هؤلاء وفي مقدمتهم الشيخ طارق الفضلي وآخرون انخرطوا في التصدي لمشروع الانفصال في العام 1994م ليس حباً في الوحدة وإنما انتقاماً من الحزب الاشتراكي الذي يعتبرونه السبب الرئيسي في إلغاء ودمج المشيخات والسلطنات التابعة لما يسمى بـ (( إمارات الجنوب العربي )) وكذا أخذ ملكهم وملك آباءهم السلاطين .
وقد تجلت فداحة هذا الخطأ بعد هزيمة مشروع الانفصال عام 1994م ، إذ لم يصبر هؤلاء سوى سنوات معدودة حتى انقلبوا على الوحدة التي انبروا يوماً كأبرز المدافعين عنها ، غير أن سقفهم كان أعلى عبر تجاوز المطالبة بعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى المطالبة بعودة مشروع إتحاد الجنوب العربي المندثر الذي قامت ثورتي أكتوبر ونوفمبر على أنقاضه .
والجميع يعرف أن الحراك الجنوبي اليوم حائر بين فصيلين .. فصيل يطالب بعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي دخلت الوحدة في العام 90 م ، وفريق آخر ينفي الهوية اليمنية عن الجنوب ويطالب بعودة مشروع اتحاد الجنوب العرب المندثر الذي أنشأته بريطانيا في فبراير من العام 1959 ولم يستمر لأكثر من ثمان سنوات من الزمن كانت هي الفترة الوحيدة التي أطلق فيها على المحافظات الجنوبية هذا الاسم ، بعد أن كانت تسمى سابقاً بـ (( عدن والمحميات )) .
لا ريب أن التيار في الحراك الذي ينادي بنفي الهوية اليمنية عن المحافظات الجنوبية عبر تسميتها بالجنوب العربي هو محصور على أبناء السلاطين والمشائخ ومن كان لهم مصلحة في هذا المشروع قبل أن تدمج المحميات من يوم 30 نوفمبر 1967 والذي لم تقم بعده لمشروع الجنوب العربي قائمة .
كما أن ربط تاريخ المحافظات الجنوبية بتسمية لم تتجاوز مدتها ثمان سنوات – كما تقدم شرحه – يعد تطرفاً في طرح الرؤى السياسية ، لا يمكن قبوله حتى على مستوى من قد يتحمس لمشروع الانفصال من الدول الغربية أو العربية ، إذ أن المطالبة باليمن الديمقراطية أهون بكثير من المطالبة بمشروع الجنوب العربي الذي تتبناه حركة ( تاج ) في لندن ويقف وراءه عدد من أبناء المشايخ والسلاطين الذين خسروا ملكهم وسلطانهم بعد الاستقلال .
وفي المقابل فإن هذه التسمية النافية ليمنية الجنوب تتعارض مع تاريخ المحافظات الجنوبية وسبق أن تصدى لهذا المشروع عدد كبير من أبناء المحافظات الجنوبية في ظل العهد الأنجلو سلاطيني للجنوب وفي مقدمتهم الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب رحمه الله وطيب ثراه .
لا يمتلك المروجون لمشروع الجنوب العربي دليلاً تاريخياً واضحاً يستندون عليه في نفي الهوية اليمنية عن الجنوب ، بل أن الأدلة التاريخية تدل على يمنية الجنوب في مجملها ، ولعل من هذا ما ذكره الحافظ المسعودي في كتابه الشهير ( مروج الذهب ) حيث ذكر أن الشاعر العربي البحتري أعجب بدفاع الفرس عن حميَر واليمن وصنعاء وعدن قبل الإسلام فنظم قصيدة أثنى فيها على الفرس قال فيها :
فَكَمْ لَكُم مِن يَدٍ يَزكُو الثناء بها
ونعـمة ذكرها باق على الزمن
إن تفعلوها فليست بكر أنعمكم
و لا يد كأيديكم علـى اليمن
أيام جلى أنو شيروان جـدكم
غيابة الذل عن سيف بن ذي يزن
إذ لا تَزال خيول الفرسِ دافعة
بالضرب والطعن عن صنعا وعن عدن
ولعل التلازم بين صنعاء وعدن في البيت الأخير دليل أساسي على الوحدة الأزلية بينهما وقبل هذا دليلاً على يمنية عدن كما جاء في سياق شعر البحتري .
وإذا لجأن إلى دليل آخر على يمنية المحافظات الجنوبية والشرقية فهي أبيات للشاعر الأموي الشهير عمر بن أبي ربيعة الذي قال في إحدى زياراته لليمن :
تقول عيسي وقد وافيت مبتهلاً
لحجاً وبانت ذرى الأعلام من عدن
أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا؟
فقلت كلا ولكن منتهى اليمن
وهذين البيتين الأخيرين يدلان على أن عدن ولحج الجنوبيتين يمنيتين وينتميان لليمن على النحو الذي جاءت به أبيات الشاعر الذي نظم هذين البيتين قبل ما يزيد عن ألف عام ، في حين يبقى من الاستغراب بمكان أن يكون عدداً كبيراً من أتباع الحراك الجنوبي يتخندقون في اتجاه المطالبة بمشروع الجنوب العربي الذي يبدو أن أتباعه هم الأكثر عدداً من الطرف الانفصالي الآخر .
لقد بدأ الحراك الجنوبي منذ بدايته يحرص على أن يتسم بطابع السلم مستفيداً من فشل الحركات الانفصالية في العالم التي اتخذت أسلوب الكفاح المسلح ، فالقتال لم يمنح حركة البوليساريو استقلال الصحراء الغربية في المغرب ولم تحقق حركة إيتا في أسبانيا أي تقدم ، كما لم ينجح متمردو إقليم جاوا الاندونيسي في فصله ، والأمر نفسه ينطبق على متمردو نمور التأميل في سريلانكا والنماذج كثيرة .
وعلى أية حال فإن مشروع الانفصال في اليمن بدا اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت سابق ، سواء كان على طريقة الجنوب العربي أو عودة اليمن الجنوبي ، فكلا الخيارين أصعب من الآخر في حين أن التمازج الشعبي لا يحمل ذلك التناقض الذي قد يؤدي لفصل شعبين ومعظم ثقافة الكراهية التي انتشرت بين أوساط المواطنين في المحافظات الجنوبية والشرقية مصدرها سياسات سلطوية سيئة وغير مسئولة جعلت جمهوراً واسعاً من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية يشعرون بأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية .
إن السلطات اليمنية لازال بإمكانها إلى اليوم أن تعالج كافة الاختلالات والمشاكل التي تعاني منها المحافظات الجنوبية والشرقية تحت سقف الوحدة .. ولمعالجة أي مشكلة فإن أول خطوة هي الاعتراف بها بدلاً من المكابرة التي لم تنتج إلا تأزيماً إضافياً للواقع السياسي .. كما أن تأخر الدولة في حل كافة المشكلات الجنوبية تحت سقف الوحدة قد يجعل هذا الأمر غير ممكن مستقبلاً .. وقد تلجأ السلطات مكرهة إلى القبول بنتائج تحت سقف أقل من السقف المتاح حالياً وقد يؤدي مزيد من الاستخفاف بالأزمة السياسية اليوم وخاصة أزمة المحافظات الجنوبية إلى أن تطالب السلطة مستقبلاً بحلول ترفضها اليوم مثل الفيدرالية والكونفيدرالية ولكن حين تكون الأمور قد خرجت من يدها وربما لن تكون هذه الحلول مقبولة في وقتها .
وبالمقابل فإن المطلوب من الحراك الجنوبي اليوم أن ينظر بعين العقل والحكمة إلى واقعه وأن يدرك أن خيار الانفصال لم ولن يكون حلاً حتى إذا أتيح ، وأن قليلاً من المرونة في الطرح وسقف المطالب قد تؤدي إلى إيجاد وضع أفضل للجنوب اليمني .
وإذا كنا نحب الوحدة وندافع عنها وتحديداً الوحدة التي اتخذت كمطلب شعبي في 22 مايو 1990م قبل أن تطرأ عليها تغييرات قاتلة بعد السابع من يوليو 1994م ، فواقع الوحدة اليمنية اليوم بعد أكثر من 16 عاماً على الحسم العسكري أصبح يدعو للقلق و الجميع يدرك أن الوحدة تمر بأصعب مراحلها وفتراتها الزمنية وأنها تواجه تحدياً كبيراً .. فكل محب للوحدة ومدافع عنها يعي هذا جيداً ويدرك أن الأمور تسير نحو المجهول ، وحتى وإن كنا نختلف بشكل جذري مع قادة الحراك الجنوبي ودعاة فك الارتباط فإن القراءة الواعية والمتأنية للواقع اليمني اليوم تجعلنا ندرك أنه من الكذب بمكان ترديد عبارات لا تمت للواقع بصلة من قبيل عبارات (الوحدة راسخة رسوخ الجبال ) و ( لا خوف على الوحدة ) فكل هذه العبارات هي مغالطة للواقع الحالي والمشكلة القائمة وربما لا يقتنع بها حتى من يطلقها .
إن الوحدة اليمنية اليوم بحاجة إلى أن يعمل القائمون بأمر السلطة في البلد على محو ثقافة الكراهية التي استفحلت بين الناس وزرع قيم المحبة من جديد، والعمل على رفع المظالم ومعالجة الاختلالات وإزالة التمييز بين الناس على أساس اللون الجغرافي وإبعاد مجال العمل الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية عن أيدي المتكسبين والمسترزقين الذين وجدوا في مفردة الدفاع عن الوحدة بوابة يلجون منها للثراء غير المشروع .
وللحديث بقية ،،