دراما يمنية بين الفن والسياسة
بقلم/ محمدالشلفي
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 15 يوماً
الأربعاء 06 أكتوبر-تشرين الأول 2010 12:01 ص

لم يستحوذ مسلسلا "همي همك" و"أصحاب" اللذان عرضا هذا العام على قناة السعيدة، على المشاهد إلا لنجاح ما. لكن نجاح كل منهما مختلف تماما. وهو رأي آخر لم أقرأه في أكثر الكتابات التي كتبت حولهما.

لو عولنا على التراكمات لصنع دراما حقيقية كما نفعل دائما، فنحن كنا في البدايات وما نزال فيها دون تقدم لخطوة واحدة. التراكم يحتاج لوعي يخلق وعيا أعمق يأخذ النقد على محمل الجد ليستمر ويقوى عوده. نعم خلقت قناة كالسعيدة للدراما زخما خاصا، وقدمت ممثلين ومخرجين ومؤلفين، ولفتت انتباه المؤسسة الرسمية والخاصة لأهمية الدراما.. خلقت تنافسا جعل من الفضائيات الرسمية تتحفز وإن عادت مرة أخرى لنقطة الصفر. في الدراما هذا العام عرضت قناة اليمن مسلسلات منها "عيني عينك" و"العقل زينة"، وهما بمواضيع مكررة مقتبسة، وعرضت السعيدة مسلسلي "همي همك" و"أصحاب"، كان نصيب الأسد في النجاح لمسلسلي "السعيدة"، لكنه نجاح مختلف.

«همي همك».. الخروج إلى السياسة

بالضرورة ستعود بك ذاكرتك وأنت تشاهد مسلسل "همي همك" لفهد القرني، وفي الحلقة الأضعف فيه، الحكاية الثانية تدور أحداثها في الصومال، حيث اضطر صابر إلى مغادرة اليمن إلى الصومال. وإلى أحد اليمنيين وهو يوجه كلامه لأحد الصوماليين "احتليتم البلاد" أو "اخرجوا من بلادنا". لكن الحدث في المسلسل يوجه خطابه قائلاً "عليك أن تضع نفسك مكان الآخرين"، هذا كل ما يمكن الخروج به من تلك القصة، ولا أظن أن المسلسل قدّم معالجة كما يحلو لصناعه أن يقولوا. لقد مر المسلسل مرور الكرام على قضايا مهمة كتسلط المشائخ والقرصنة والفساد. من خلال 3 أشخاص أراد لهم القدر أن يجتمعوا معاً، ويواجهوا مصيرا قد يكون الموت بعد أن تقطعت بهم السبل على الشاطئ، ويبدأ كل منهم بحكاية قصته.

يحكي جعفر التهامي قصته مع أحد المشائخ الذي استولى على أرضه وطردهم من قريتهم. ورغم أن القرني يؤدي دور أحد الثلاثة على الشاطئ، وسيحكي قصة ذهابه إلى الصومال، إلا أنه يؤدي دوراً آخر كأب لجعفر يخشى أن يعترض على الشيخ محاولا إرضاءه مهما كان الثمن، وينجح في إقناعنا بالشخصية (رغم بعض المبالغات في الأداء)، وخاصة بعد أن أخفى الميكياج حقيقته، ونجح في الدور أكثر من الدور الآخر. هذا الجزء بالذات أثار ضجة كبيرة ولاقى اتهامات بعدم المهنية وبتشويه صورة التهامي، ولا يمكن أن أوافق على ذلك، فمثلما قدم التهامي الظالم كالشيخ، قدم قليل الحيلة كجعفر والمقاوم كخال جعفر، وكل ذلك يعني نموذجاً بعينه ولا يعني التعميم.

لكن عدم المهنية أن يتم تناول الموضوع بهذه السطحية، فلم يقل لنا ما الذي جعل هذا الشيخ يصل إلى هذه المرحلة من الطغيان، ما الأسباب النفسية والاجتماعية، والسياسية. لقد كان ثمة وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر المؤلف. وهنا تظهر شخصية فهد القرني السياسي مؤلف المسلسل أو فهد سعيد كما كتب في مقدمة المسلسل، فيوجه كل شيء لمصلحته وبالطريقة التي يريدها.

ربما عليه في المرة القادمة أن يخرج من عباءة السياسي، وليكن كفنان ملكا لجميع الناس. ويؤكد كلامي هذا رد القرني على "البركاني" في سجال لم يكن هو بحاجة إليه، أعتقد أن على الفنان ألا يتهجم على أحد، وأن يترفع عن مثل هذه الأشياء.

في نظري، جاء هذا المسلسل في مصلحة القرني ليخرجه من عباءة أخرى هي عباءة الفنان الإسلامي، فالقرني تعود على مسرح لا مكان للمرأة فيه ولا للحب، أما في المسلسل الذي كتبه هو، فقد كانت هناك قصة حب، وإن على استحياء، وكان هناك ظهور للمرأة.

ما لم يكن فيه القرني مقنعاً هو أداؤه لدور طالب يفترض به أنه طيب لكنه شجاع، وهو الحكاية الثانية من المسلسل، فملامح القرني القاسية وطوله، لم تضف الصدق على الدور. ولو كان صلاح الوافي الذي أدى دور رجل الأعمال بحرفية عالية في الحكاية الثالثة، لكان أكثر إقناعا.

كما أن فهد سعيد لم يكن مقنعا في بناء شخصية جعفر، فالذي يتهم بالغباء، وبطء الفهم على مدى حلقات المسلسل، لا يواجه شيخاً ظالماً كما فعل جعفر ليُحبس ويجبره والداه على التنازل. وقد يذكرنا بفكرة مسرح المدرسة المستهلكة مدرس وطلاب مشاغب وذكي وغبي... لم يكن مبتكراً ولا هو قادر على الغوص في عمق تلك الشخصيات.

لم يخرج المسلسل من السياسة إلى الفن، لكنه خرج من الفن إلى السياسة، وهذا يؤخذ عليه. كما تزيد في المسلسل لغة الوعظ والمباشرة، ومثل هذه الخطابية تبدو كوصاية على عقل المشاهد.. والفنان برسالته لا يجب أن يشبه برسائله السياسي ورجل الدين، بل يقدمها بطريقة فنية تدعو الجمهور إلى التفكير.

«أصحاب».. الخروج إلى الفن

عادة، لست بحاجة للعودة مرة أخرى لأعمال عمرو جمال لتعرف في أية منطقة تتجه رؤيته، فهذا المخرج باستطاعته دائماً أن يخلق نوعاً من الدهشة والإبهار. لا أستطيع أن أفصل عمرو جمال في عمله الأخير "أصحاب"، عن كل ما قدمه في المسرح والتلفزيون خلال الفترة السابقة منذ 2005.

لقد جاء عمرو جمال محملاً بهم إعادة الألق للمسرح الذي كان يراه منذ أن كان صغيراً. واليوم بعد أول مسرحية له وهي "عائلة دوت كوم" التي عرضها في 2005، لا تملك إلا أن تقول بعد مشاهدة أعماله: "يا إلهي! ما الذي يفعله هذا الشاب؟". أو كما علق أحدهم بعد أن شاهد مسرحيته الأخيرة "معك نازل" 2009، لم أكن أعتقد أن لدينا فنا بهذا المستوى. والمسرحية الأخيرة مثلت اليمن في ألمانيا وحازت نجاحا منقطع النظير.

تلهم أعمال عمرو جمال الكثيرين من الشباب، ونجاحه المتواصل في أعماله يجعل فرقته "فرقة خليج عدن" تتماسك وتواصل أعمالها بجدية، وبها انطلق مؤخراً في عمل درامي عُرض على قناة السعيدة بعنوان "أصحاب".

قبل أن أتحدث عن هذا العمل لابد أن أضع نقاطاً عدة في الحسبان: أولاً ضعف الإمكانيات التي تعمل بها الدراما في اليمن، وثانياً تعود الجمهور على دراما سريعة كمسلسلات تتكون من حلقات منفصلة تتكرر فيها الموضوعات: الأداء الوظيفي، الثأر، قيم العمل، الرشوة، ومؤخراً الإرهاب. إلا أن تكرار هذه الموضوعات يجعلنا ندور مع دراما غير مؤثرة، وبالتالي ليست ممتعة سوى لمرة بل واحدة، بل للحظات.

يأتي عمرو في مسلسله "أصحاب" ليبدأ بموضوعات مختلفة، قد تبدو مغامرة، لكن تلك المغامرة كانت ناجحة، فإضافة إلى نجاح ما، حققه مسلسل "همي همك"، كان "أصحاب" يحقق نجاحاً مغامراً بأداء جديد على مستوى الإخراج والتأليف والصورة.

تدور أحداث المسلسل في إحدى شركات الإعلام "أصحاب ميديا"، وتربط بين العاملين فيها نساء ورجالاً علاقة صداقة أكثر قوة، وتتوالى المواقف التي تظهر مدى قوة تلك العلاقة في الشدة والفرح!

في ما قدمه عمرو هناك مجتمع ينفض عن نفسه الغبار ليقول أنا هنا. وبرأيي فعل عمرو جمال ما علينا أن نفعله من تعميم مثل تلك النماذج الصادقة الأكثر دفئاً، وهو دور الدراما.

في أعماله السابقة يمكن أن نلاحظ أن عمرو يعمل على ثيمات الحب، والأمل، والمثابرة، وهي متواجدة في كل أعماله، وهو ميزة له، بين كل الشتات الذي يعانيه الجميع في المسرح والدراما.

وفي المسلسل سنلاحظ أن قصة الحب التي جمعت بين بطلي المسلسل كانت دافعاً للنجاح والتغيير، كما أن أملا طال انتظاره في أن تنجب زوجة شخص تتحقق في النهاية.

سيدور جدل إلي أي مدى تبدو قصة أصدقاء مهمة للتقديم في مسلسل ونحن نعاني أشياء تبدو أهم تنغص حياتنا. لكن عمرو يفكر بطريقة مختلفة، فكما يقول في مسلسله "أصحاب": "إن علاقة مجتمع ببعضه هي التي تحدد مصير ذلك المجتمع، سواء مجتمع العمل أو العائلة أو الحارة أو الوطن".

*نقلا عن أسبوعية "النداء".