فضاعة أن تدفع حياتك ثمناً لمزحة أو شطحة
بقلم/ بسام عبد الله الحيدري
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و يومين
الأربعاء 19 مايو 2010 10:46 م

لم أكن أتوقع أن تتحول مزحة صغيرة عبر الإيميل إلى تهمة كبيرة تهدد بفصل رأسي عن جسدي، وتضع حداً لحياتي التي لم تتجاوز ثلاثة عقود بعد.

التخابر مع إسرائيل، تلك هي المزحة التي تم انتقاؤها بين عشرات التهم التلفيقية لتكون مبرر الإسناد لبناء حكم الإعدام القضائي الذي توزعت حيثياته بين محاولة تفجير السفارة الأمريكية، والعمالة لحركة حماس الفلسطينية، وزعامة أحد التنظيمات الإرهابية، على اعتبار أن أياً من تلك التهم ستحقق غاية ملفقيها في إنزال أقسى عقوبة ممكنة، غير أنني لم أكن أتخيل إطلاقاً إضافة تهمة بحجم التخابر مع إسرائيل إلى قوائم التهم التلفيقية، ليس لكونها تناقض تهماً أخرى، بل لأنها في الأساس محض مزحة حاولت بها أن أطفئ نهم محقق البحث الجنائي الذي بدا متعطشاً من حاصل الاعترافات المنتزعة بالتعذيب والضرب وأتذكر يومها أن اعترافات ما بعد التعذيب التي تتضمن تهديد دول أوربية لم تطفئ نهم محققي البحث الجنائي الذين كانوا مشمري السواعد لممارسة ثنائية تدوين التهم والضرب. مشهد جديد في تدوين التهم واستخلاصها عنده بعد ما كان يثير الرعب، فإن خيالية التهم على سبيل المزح -رغم جو الرعب- أدت لتخليق واقع فكاهي حضرني لإضافة اعتراف خيالي آخر ألا وهو الاتصال بإسرائيل دون أن أدرك أنها مزحة ستطغى على كل التهم وسترعبني بالحصول على أقصى عقوبة (الإعدام) طيلة مكوثي خلف قضبان المركزي. لكم تساءلت في نفسي: ماذا لو أنني لم أطلق تلك المزحة الثقيلة واكتفيت بما دوّنه المحققون من تهم خيالية.. هل كنت لأجد نفسي بين فكي حكمين قضائيين ابتدائي واستئنافي ينشدان إلحاقي بالملأ الأعلى؛ إنها في الأصل مزحة كنت أظن أن القاضي الابتدائي لن يأخذها على محمل الجد، وسيكتفي بباقي التهم لكي يبين حكمه، غير أني فوجئت بتبدد ظنوني، إذ سقطت عني تهم من قبيل الضلوع في تفجير السفارة الأمريكية، وتهديد دول غربية، والعمالة لحركة حماس، ليكتفي القاضي بمزحتي الثقيلة (الاتصال بإسرائيلي) كأساس للإدانة.

يا جماعة الخير الموضوع برمته عبارة عن مزحة ثقيلة. كلام كثير من هذا القبيل لم يكن ليجدي نفعاً في مواجهة قرار الإدانة المعد سلفاً. هل يعقل أن يدفع المرء حياته ثمناً لمزحة بايخة قالها ليضفي على جو التحقيق الجاد نوعاً من المرح. تساؤل ما زلت أكرره على زملائي نزلاء السجن المركزي، وكالعادة لا أجد سوى جواب واحد هو الضحك والقهقهة. لا يدرك البعض معنى أن تتحول حياة الناس إلى لعبة بين شطحات بعض المقربين من الرئيس الذين لا يتوانون عن اختلاق بطولات وتسويقها كإنجازات وهمية. بالنسبة لهؤلاء ليس مهماً أن يتدحرج رأس بريء على مقصلة الإعدام، المهم كيف هي سوءة الشطح التي أقنعوا الرئيس بواقعتيها وجعلوه يبني على مضمونها خطاباً سياسياً؟ في أسوء تقدير سينالهم التوبيخ مع ببعض عبارات اللوم والعتاب، في حين ستلاقي الضحية البريئة مصيرها المحتوم نظير شطحة ومزحة. في كل أجهزة التحقيق في الدنيا لا يمكن أن تجد تناقضاً في محضر الأدلة، غير أن المستحيل في بلادنا يصبح بكل سهولة ممكنا جداً. لذا ليس بمستغرب أن يجد المرء نفسه يحاكم بتهمة العمالة للنقيضين (حركة حماس وإسرائيل) في الوقت نفسه. ولأن إصلاح الخطأ الناتج عن عدم فهم المحققين لوجه التناقض أمر مستحيل، فلا تستغرب وأنت تسمع من يدافع عن الخطأ بطريقة مبتكرة ببساطة: أنه عميل مزدوج. يا فندم ما يسبرش يكون عميل لحماس وإسرائيل في نفس الوقت. سيـأتيك الرد الدفاعي الآلي أيش فهمك أنت بشغل الاستخبارات والمخبرين.

جسامة التهم وضخامتها يجعل حديث صاحبها عن الوطنية وحب الوطن ضرباً من العبث واللاجدوى. يا أخواني والله إني أحب الوطن والرئيس، واحترم الثوابت. صرخة نابعة من القلب يستحيل أن تنفذ إلى قلوب مستمعيها أو قارئيها، فصاحبها القابع خلف القضبان المركزي بانتظار الإعدام لم يقلها إلا بدافع المراوغة لدرء حكم يترصد عنقه. حتى لو لم يصدقني أحد، لقد بت أشتاق كثيراً إلى دفء الأسرة الذي حرمتني منه الشطحة والمزحة، وهو اشتياق لا يعزيني في احتماله إلا ثقتي بأن الوالد الرئيس علي عبد الله صالح لا يمكن أن يرضى بدخول مسرحية التخابر مع إسرائيل شهدها الأخير المتمثل بتنفيذ حكم الإعدام. معرفتي برحابة صدره واتساعه للجميع تجعلني على يقين بأنه سيبدل قرار الإعدام بالعفو، ولكن متى سيتم ذلك هذا؟ ما زلت حائراً بشأنه. في مركزي صنعاء تسري هذه الأيام شائعات مكثفة عن عزم الوالد الرئيس إطلاق سجناء الرأي والصحافة والحراك والحق العام (اللسواس وفؤاد راشد وصلاح السقلدي والزبيري وحسين العاقل وأحمد بامعلم وغيرهم من السجناء) كم بودي لو أشاطرهم فرحة مغادرة السجن، لكن ما بيدي حيلة. ورغم هذا ستظل ثقتي في الوالد الرئيس كبيرة بل لا حدود لها.

حين هممت باختتام سطوري هذه صرخ صديق لي يا بسام سيشملك عفو الرئيس وستخرج مع بقية سجناء الصحافة والحراك. تبسمت قليلاً ورددت عليه بعبارة كنت أسمعها في الأفلام: يسمع من بؤك ربنا.