فيصل علوي.. عن عشقتك ما بانتوب
بقلم/ صدام أبو عاصم
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 10 فبراير-شباط 2010 06:45 م

- أينما تـولّ وجه مسمعك فثمة صوت للنشوة منبعه متعارف عليه لدى اليمنيين؛ هو فن \\\"الفيصلي\\\" كما يحلو للبعض تسميته.. أو غناء \\\"بن علوي\\\" كما يستلطف ذكره آخرين. غير أن الوصفة الغنائية التي تزيح عن كثير من الناس شقاوة الحياة وضنك الصمت والشرود، قـدّر لكاتبها أن يغادر حياتنا بصمت ضاج.. فبأي حزن عميق إذا، سنتشح؟

- إن الباحث عن \\\"سلى\\\" في زمن محاصر بالمتاعب والآلام باتت \\\"روشتة الانبساط\\\" أمامه مميزة بل وسهلة جداً خصوصاً مع من خاض غمار العشق والانتعاش والبهجة والحنين.. إذ يشير إليها أياً كان، ببساطة.. يجدها أمامه هالة نور.. نغم.. ونشوة فنية سامقة كقامة صانع صرحها الأول؛ ملك اللون الغنائي اللحجي الفنان فيصل علوي.. وهنا ماذا عسى أن نفعل في ظل تأكيدات أفول \\\"نجيم الصباح\\\".

- في ظهيرة إحدى أيام العام قبل المنصرم 2008م وبينما أجلسني \\\"كوب شاي\\\" على كرسي إحدى مقاهي أمانة العاصمة صنعاء. استوقفني مشهد كم تمددت معه مساحة حب هذا الفنان العظيم.. أتذكر جيداً \\\"عامل النظافة\\\" الذي كان ماراً بجوار المقهى عندما سمع صوت الفنان فيصل علوي ينساب بهدوء في اتجاه مسمعه.. لم يقاوم حينها ثورة الأشجان في أعماقه إثر نغمة عود فنانه المفضل على الأرجح.. لقد ركن أدوات عمله جانباً، وطار باتجاه صاحب المقهى مترجياً إياه أن يعلي له الصوت.. وقبل أن يغرق في الرقص بالطريقة اللحجية المعروفة لبضع دقائق، كانت تفاصيله تنذر ببؤس وتعاسة وملامحه تزدان بالزهق والضيق لاعتبارات شتى.. دققت في ملامحه التي تغيرت للأحسن.. فبدا كما لو أنه أخذ \\\"مسكن\\\" لكل ذلك الألم والجنون الذي فرضته عليه مهنته وربما مردود عمله وثمن أداء واجبه في قيض شديد.. ضرب تحية ممزوجة بالامتنان لصاحب المقهى، وانسحب باتجاه أدواته ليتابع مهمته.. أنا بدوري رفعت لـ\\\"بن علوي\\\" شارة امتنان وشكر.. ومددت له مساحة الإعجاب.. إذ ما من شك أن تلك المشاهد تتكرر يومياً بفعل صوته وفنه \\\"وصفة الانبساط\\\" ولو بأشكال وأساليب متعددة.

- قبل أيام ودع \\\"بن علوي\\\" الحياة تاركاً وراءه إرثاً فنياً يصعب على الأجيال المتعاقبة نسيانه.. ويصعب إلى ذلك، استنساخ قامة فنية تشبهه في تقديري، حتى ولو بعد حين.. فعن أي مأساة سنتحدث ومع رحيلك أبا باسل انطفأت إحدى شموع البلد الفنية.. وبعيداً عن أننا تركناك تعارك صنوف المرض لمفردك وبحالتك المادية البائسة.. بالفعل، لقد كنت لنا بمثابة \\\"ثروة قومية\\\" كما قالها أحد المثقفين الخليجيين.. فبصوتك وفنك وأغانيك وطربك البهي أعدت الاعتبار لما كان وما سيكون وما هو كائن من محاولات تضييق الخناق بطريقة مقيتة على ابتسامة بلدك المدعو (اليمن) بمختلف مجالاتها.

- لقد مثل الفنان اليمني الأكثر حضوراً على المستوى الإقليمي والعربي، مدرسة فنية.. متكاملة.. محبوبة.. اكتسبت قاعدة شعبية أكاد أجزم أن لا أحد ظفر بها قبل فيصل علوي. ما من شك أيضاً، أن أبو باسل الذي وافته المنية بعد مرض عضال ألم به، استطاع بألحانه المميزة ونغمات عوده الرنان أن يوجد له وقاعدة شعبية كبيرة خارج اليمن متجاوزاً حدود الزمان والمكان.. ومتخطياً كل رغم الظروف التي عمل بها في بلده اليمن.

- المكتبة الفنية التي خلفها المرحوم أبو باسل ثرية وغنية ومبالغ في تميزها.. وعن أي حصر سنتحدث عندما نحاول أن نعدد انجازاته الفنية التي يرقص لها القلب ويطرب لها السمع وتتراقص معها أوتار الشوق والانبساط والنشوة. فلا تقلق. فـ\\\"من خلف ما مات\\\" حسب المثل الشعبي اليمني. أنت تركتك للوسط الفني كبيرة وبالتالي لا ضير من النحيب الممزوج باللا خوف ليس من شيء وإنما من أن لا يأتي بعدك من يخلص لفنه كما أخلصت وأوفيت إذ أوصيت مسبقاً وغنيت \\\"بوصي أهلي وبوصي خلاني عندما أموت أبى مسألة / عندما يدفنوني يحطوا يماني وسط قبري ربابة وعود\\\".

- أدرك أننا لن نوف حقك مهما نثرنا المشاعر وسطرنا الأحزان.. لكني أجزم أن لكـَ في كل قلب دار.. ولصوتك في كل مسمع منزلة.. كيف لا وأنت الذي صنعت بفنك هالة الفرح والابتهاج ورسمت خارطة حبك بأناملك وشفاتك وإحساسك الفني الأنيق.. نم قرير العين.. رحمة الله تغشاك.. أما نحن فلسان حالنا يقول \\\"خذ مننا/ خذ منا/ مهما \\\"الفقد\\\" يفعل بنا.. \\\"عن عشقتك ما با نتوب\\\".

s.asim84@gmail.com