وليد عقلان .. رأس الثورة المشجوج
بقلم/ وليد جحزر
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 24 يوماً
الأربعاء 01 أغسطس-آب 2012 11:56 م
 
صديقي "وليد قاسم عقلان " لقد افزعتني الصورة التي بعثتها لي مؤخرا لأتعرف على هول ما أصابك على يد سيارة الشرطة التي ارتطمت بك وحاولت ان تقضي على حياتك في حادث لم يكن عرضيا على الاطلاق ، استهدفوك اثق في ذلك جيدا وانت تلج كل يوم الى قلب ساحة التغيير ، استفزيتهم بإرادتك اليومية الحرة فدبروا لك حادثا خارج الساحة كي يقدموك أضحية جديدة على قربان التهديد والتخويف وبعث رسالة لأصدقائك الحالمين بالتغيير وما أكثرهم على امتداد هذا الوطن الكبير . 

لقد كنت قلقا عليك حين أصبت برصاصة في قدمك وانت جالس بسكينتك المعتادة في إحدى خيام الاعتصام تتطلع الى غد مختلف مستقبل بلا ظلم او قهر تماما كما كنا نردد في مساءاتنا الطويلة حين كنا نحاول ان نقضي على الملل بالسير لمسافات لاتنتهي في " الدائري " نتحدث ونتألم سويا ونتذكر الغبن الذي لحق بنا في بلد لم نعد ننتمي اليه سوى بالهوية الزائفة .

لا أخفيك ياصديقي باني قلقت عليك لكني لم اخشى عليك الموت لمعرفتي التامة بشجاعتك ، وصلابة روحك وعطائك الدائم في قهر المستحيل ، رادوني حلم بأنك قد تموت ، كنت تتصل بي عند كل حاجز جديد تصل اليه في مظاهرات التغيير النبيلة تصف لي صور الشهداء والجرحى الذين تحملهم على يديك وفوق ظهرك أحيانا كنت مخلصا اقصى حدود الإخلاص وأخبرتني بأنك تترقب الموت ولاتهابه .

دأبك كدأب خيرة شباب اليمن الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل غرس شجرة التغيير وهاهي الشجرة تقاوم رياح القلع والتهديد ، وعتاوة المتربصين بأحلام الزراع في رؤية وطن نظيف ننتمي اليه جميعا دون فساد او تمييز او تمايز .

أصابتك الرصاصة الأولى إخترقت قدمك الغض في وسط الساحة ، اتصلت بي حينها وانت صامد كالطود شامخ معتز بهذا الوسام الجديد ، حينها فقط تذكرت رصاصة اخرى اخترقت كفك الأيسر ذات صيف بعيد ، تذكر هذه الرصاصة انت جيدا بالتأكيد ، واذكرها انا، وكأن موعدك مع الألم قدر لايتبدل ، وكأن حياتك سيرة جراح مستمرة وكأنك وهبت نفسك للوجع كي يقتات من روحك مايشاء ويتركك طليقا في مواجهة أوجاع لاتنتهي عشناها سويا ، وقررنا ان نتجاوزها قبل ان تتفرق بنا السبل .

مالذي فعلوه بك هؤلاء المجرمين ، انت تكابر كعادتك وتصر بأنه حادث مصادفة وانا أعلم يقينا بانها جريمة مدبرة كحال كل الذين تم القضاء عليهم بالاقدار العبثية والمصادفات المرتبة ، مزقوا وجهك وجبهتك أرادوا ان يرضخوك بعد تسعة أشهر من الرباط المستمر في خيمة القانونيين بساحة التغيير ، حاولت ان تدافع عن نفسك ان تنافح وانت المحامي الشاب صاحب الرؤية الفطنة والهمة العالية لكنك لم تعرف الى اين تتجه ،كل الأبواب مغلقة ، الداخلية هشة ودون مستوى الإنصاف ومنظمات حقوق الانسان انتقائية ، تتبنى ألم من تحب وتترك من لاتحب ، وحين طلبت منك ان تقدم في كشوفات جرحى الثورة أخبرتني بان هناك أشخاص يستحقون اكثر منك أولوية المغادرة الى الخارج او العلاج في الداخل وكنت تحجم ان تقول بان هناك جرحى كثر ومقهورين خارج حسابات المتابعة وخارج اهتمام الثورة اصلا .

مالذي فعلته هذه الثورة فينا كيف غيرت روح أبناء اليمن وأظهرت معادنهم هل كان كل هذا الجلد متخفيا في اوردتنا وتحت جلودنا ونحن لانشعر ، الثورات وحدها من تظهر معادن الرجال وأنت واحد منهم ، رجلا يستحق ان ننصفه وكم كنا بعيدين عنك يارفيق الدرب والعمر ياصديق الطفولة والذكريات التي لاتنسى ، في دروب تعز ، في مسالك باب موسى وباب المداجر ، في قبة المعصور ، وأول حارات وادي القاضي ، في ذكائك الخارق واللافت على مقاعد الدرس ، في يتمك الدامي في تشضيك ، في بوحك الذي أعرفه جيدا في سنوات الألم التي قضمت أحلامنا وأبكت قلوبنا دما لاننا لم نكن من ابناء الذوات من ابناء الصفوة ، تركنا نواجه قدرنا هكذا بمفردنا كحال طابور طويل لايحصى من ابناء هذا الوطن ، لكنك كنت تتحدى نفسك تتفوق على ذاتك وتولد من جديد وحين تغيب عني لفترة في شوارع صنعاء ثم اراك تنشرح روحي ، تزهر في مخيلتي كأول لقاء جمعنا كأول لحضة بوح رافقتنا ، في الممرات الضيقة لمدرسة الزبيري في مسمى " الشهيد " الذي عرفنا عنه الكثير وقررنا ان نسير على دربه لكنّ احدا لم يهتم .. لكن وطنا لم يمنحنا الفرصة الكافية كي نقول له كم نحن وطنيون وكم نحبه ، كم هو قاسي هذا الوطن وكم نحن مخدوعون فيه أم في الناس الذين قادونا الى هذه النهاية المؤلمة والسمجة .

هل تذكر أنشودة خرجنا من السجن شم الأنوف ، كنا أبرياء انقياء وكانت أحلامنا تفوق الجبال رزانة ، نصطف وننشد ، ثم نشعر بأننا هكذا فجأة أصبحنا اكبر من أعمارنا بعشرة أعوام .نعود الى بيوتنا وفي أرواحنا فرحة ممتدة وشعور من نقاء يشبة لون السماء .

بعد اختزال سنوات من التواصل واقتسام الملمات والهزائم قدتني لاول لحظة صدق وقدتك لاول مقال انشره ، كان قدرا جديدا لكلينا ، لكن لحظته الفارقة كانت عند تلك الجولة التي سقط فيها اول شهيد للثورة "جولة القادسية" العام 2007 جلسنا على الناصية واحتسينا اكواب الشاي وكنا نراجع حساباتنا بعد تخرجنا الجامعي تحدثنا عن أسباب تلقينا الهزائم حتى بعد التخرج ، واسينا نفسينا بكل العبارات المتعددة حاولنا ان نتغلب على الالم قلت لك اذا لم نكن نحن فمن واذا لم يكن الان فمتى ، اخبرتك عن حلمي بالهجرة عن يقيني الذي توصلت اليه بان كل الابواب موصدة لم يكن العيب فينا ، كان في اللصوص في النظام القميء الذي لم يخطط لأجل حياة كريمة لأبنائه ولايزال يعبث بمستقبلهم اتفقت معي على ضرورة تغيير المسار .

أغتربت أنا حقا وبقيت انت تقارع القهر والألم ، وتسخر من الاقدار الصدئة ، نلتقي مع نهاية كل عام باستثناء العام الماضي عام الحزن كما يحلو لي ان اسمية نلتقي والألم يسكنك دون ان نخوض في التفاصيل أدرك حجم الطعنات الذي اجتاحتك ، في المقابل أعرف جيدا بأني صرت أحتسي الألم بمفردي بعيدا عن أيام البوح بعيدا عن تعاطف الأصدقاء ومحبتهم ، رضخت انا لهذا القدر الكئيب ، و وجدت انت في الثورة ملاذك الاخير ، مدينتك الفاضلة خيارك المرتقب ، لكنهم مارسوا بشاعتهم ، لاحقوك ، واختطفوا آخر جذوة امل في تعلقك بناسك بأهلك بمن تحب هاأنت ترحل عن الوطن الآن وفي دواخلك جراح غائرة ورأس مشجوج وكرامة مبعثرة وهاأنا أمني النفس برؤيتك سعيدا ومتجددا كعادتك لايهم ستكون كذلك طالما تركت كل شيء خلف ظهرك وعرفت مكمن الألم ، وسر عذاباتنا المستمرة سر جراحنا المتقيحة ..

انها اليمن بلدنا الذي نحب والمحكوم بعصابات النهب والفوضى ، يريدونا ان نيأس ان نهاجر دون عودة حسنا سنفعل ذلك ، لكنني علي يقين بأن اجيالا قادمة لن تسكت لن تستسلم ستعيد الينا كرامتنا وعزتنا المفقودة ، يوما ما سنعيد بريقنا المفقود مهما بلغت التضحيات فعجلة التغيير تحركت حقا حتى وان قذفت بنا خارج الحدود ، خارج الوطن ، سنعود سننجو كما يردد الشاعر فتحي ابو النصر كن على ثقة ياصديقي .. .