عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة
مجموعة مؤتمرية تطفو على السطح باعتبارها تياراً تحديثياً، بينما يتهمهم خصومهم باللهث وراء الكعكة
منتصف الأسبوع الماضي تجددت الأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة حول تعديلات قانون الانتخابات، في ذات الوقت الذي كانت فيه كافة المؤشرات تتجه نحو انفراجها! لقد كان الأمر معقداً ليس للمواطن العادي فحسب، بل بين أطرف العملية السياسية والمتابعين أنفسهم. ففي لحظة ترقب دافئة لإقرار ما تم التوصل إليه، بعد شهور طويلة من الحوار، انقلب كل شيء، ليعود إلى ما كان عليه قبل أكثر من عام ونصف. وفي البحث عن الأسباب، يفضل البعض الحديث عن وجود اختلال ما، برز في تركيبة الحزب الحاكم، من خلال تبني أحد أطرافه لعملية نسف الاتفاق، تحت ذريعة أنه يتضمن صفقة بين قيادات الحزب الحاكم من طرف الرئيس والمشترك.
ولما توصل الآنسي –رئيس المجلس الأعلى للقاء المشترك– إلى صيغة توافقية أولية، حول بعض تعديلات قانون الانتخابات، مع اللواء الدكتور رشاد العليمي واللواء الشيخ يحيى الراعي – عن السلطة - شنت بعض الصحف حملة على الرجل [الآنسي]، واتهمته بعقد صفقة مع الرئيس علي عبد الله صالح، بعيداً عن أحزاب المشترك. وفيما بعد كان في خانة شبه المؤكد أن تلك الحملة، لم يكن خلفها سوى أحد أطراف الحزب الحاكم. (كان الرئيس
نفسه – أثناء استئناف التواصل، الأسبوع قبل الماضي – اتهم طرفاً في حزبه بالسعي إلى إفساد الحوار، بحسب معلومات نشرتها إحدى الصحف المستقلة).
لقد ظل هؤلاء النفر، يعملون بشكل سري، ضد التوافق الحاصل، لكنهم لم يكونوا بذلك الحرص الذي يجعلهم بمنأى عن أن تنكشف توجهاتهم. وعلى مدى الأسبوع قبل الماضي – الذي تم فيه إعلان التوافق حول التعديلات – ومطلع الأسبوع الماضي حتى منتصفه، اتضحت بشكل جلي معالم التوجه، حينما هدد يحيى الراعي – رئيس مجلس النواب– السبت والأحد من ذات الأسبوع، بأنه سيضطر إلى إسقاط التعديلات المتفق بشأنها مع المعارضة، والإبقاء على القانون النافذ، إن لم يسرع اللقاء المشترك بتسليم أسماء أعضائه في اللجنة العليا..!! وبالنسبة للراعي – المحسوب على التيار العقلاني في الحزب الحاكم - فيعتقد مجموعة ممن يتبعون هذا الاتجاه، أنه تعرض لضغط قوي من جهة كتلة حزبه في المجلس، بحيث لم يترك له من خيار آخر غير السير وراء تلك الرغبة العارمة لأغلبية حزبه..!!
ويربط من يبررون للراعي انجراره وراء التيار المعارض للاتفاق، بالحديث عن أن أعضاء الحزب الحاكم المتواجدون في المجلس - بشكل مختلف عن بقية الأيام – ظلوا يرابطون بحضورهم إلى المجلس على مدى ثلاثة أشهر (الفترة التي ظل فيها المجلس منعقداً بشكل متواصل دون إجازة) ولذلك فإنهم عندما تم التمديد الأخير لأسبوع إضافي من أجل إقرار التعديلات القانونية، كانوا قد تحولوا إلى آذان صاغية لبعض زملائهم، الذين كانوا يتحدثون عن رغبة المشترك في مماطلتهم، وتأخيرهم عن مصالحهم اليومية في محافظاتهم ودوائرهم، وتجارتهم. ذلك بالإضافة إلى الحديث عن تلك الصفقة المزعومة، بعيداً عنهم..!! هكذا كان المعارضون في الحزب الحاكم يصورون الأمور، في ذات الوقت الذي كان فيه بعضهم – بحسب بعض المعلومات - يقدم نصائحه بشكل غير مباشر إلى أطراف في المعارضة بضرورة الإصرار على إطلاق سراح المعتقلين قبل تقديم الأسماء أو التصويت على التعديلات، وإن لم فإن قضية المعتقلين سيتم الالتفاف عليها..!! مؤكدين لهم أن الآنسي فضل عقد صفقة لمصلحة حزبه بعيداً عن مقترحات المشترك التي ظلوا يناضلون من أجلها في السابق..!!
في موقف الرئيس من الحدث
وفي صباح الاثنين الماضي، كيوم نهائي لتقديم الأسماء والتصويت، كان بعض هؤلاء، يتواصلون مع القصر الجمهوري، لنقل صورة قاتمة عما تسعى إليه المعارضة من تجهيز لـ "طبخة سياسية"، تأخروا بالحضور إلى المجلس بسبب اجتماعهم لطبخها. لقد أشاع هؤلاء لزملائهم في الكتلة وقيادتهم في القصر الجمهوري أن المشترك سيأتي إلى المجلس، ليؤخر فكرة تقديم الأسماء والتصويت على التعديلات، ليطالب أولاً بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فكان القرار الذي يجب أن يستبق هذا التراجع هو: مباغتتهم بذات السلاح، ورفض التعديلات والإبقاء على القانون النافذ..!!
بعدها بات الأمر متعلقاً بموقف الرئيس: هل كان موافقاً على ما حدث أم أنه هو الآخر وضع على حين غرة أمام الأمر الواقع.؟
أكدت قيادات في المؤتمر الشعبي العام، موافقة الرئيس على هذا الأمر، أثناء التواصل معه من قاعة مجلس النواب. بعد أن صوروا له الأمر بتلك الصورة القاتمة ونقلوا له استياء كتلة حزبه من الوضع القائم. ويستند هؤلاء إلى الموقف التالي للرئيس في تصريحاته التي ألقاها صباح الأربعاء في اللقاء الإعلامي الخاص بالحزب، وهي التصريحات التي حمل فيها أحزاب المشترك المسئولية وتبرئ من تحميلها لحزبه.
آخرون ينظرون إلى الأمر بشكل آخر. إذ يعتقد هؤلاء أن الرئيس لم يكن راضياً عما حدث، وفسروا خطابه التالي على أنه لم يكن سوى مواجهة شجاعة مع الأمر الواقع، حيث كان من الواجب عليه الوقوف مع قرار حزبه، حتى وإن لم يكن راضياً عنه، فذلك أمر لا يمكن التعبير عنه في خطاب عام، بينما أنه في اللقاء الخاص باللجنة العامة الخميس الماضي، بدا غير راضٍ عما حدث.
وأياً كان الأمر، فقد أحدث الحزب الحاكم عطباً قد يصعب إصلاحه في آلة الحوار والتوافق السياسي المفترض بها إخراج البلد إلى طريق واضح ومناسب لتنقية الجو العام من الأزمات المتراكمة.
ولو فرضنا أن الحزب الحاكم كان حريصاً على تجنيب البلاد أزمة سياسية كبيرة قادمة، فقد كان باستطاعته، التصويت على التعديلات وإحراج المشترك، بتقديمه للشعب على أنه لم يكن حريصاً على تلك التعديلات التي ظل يطالب بها على مدى الأشهر الماضية، وهذا بحد ذاته ربما يحقق نصراً مزدوجا للوطن وله كحزب. فبالنسبة للوطن: كانت الأزمة السياسية القائمة – المتعلقة بالعملية الانتخابية – ستحل بهذا الشكل الأولي، وستجد دعماً دولياً ومحلياً. وبالنسبة له كحزب: سيعكس قبوله بالتعديلات، أنه لم يكن حريصاً على مصادرة الانتخابات كما تتهمه المعارضة.
أما مشكلة الأسماء وعدم تقديمها، فلم تكن هي الإشكالية الحقيقية التي يجب أن يخاف منها الحزب الحاكم. إذ كان باستطاعته استلامها خلال أيام قليلة من إقراره التعديلات، مالم فسيكون لديه الفترة القانونية (30) يوما التي تعرض فيها التعديلات القانونية على الرئيس، ليوافق عليها بموجب القانون، أو يجري عليها ملاحظاته ويعيدها إلى المجلس للتصويت.
حينها سيكون موقفه لا غبار عليه. أما وقد تم الإسقاط تحت هذه الظروف المشبعة بالشك والاتهامات بالسعي لمصادرة الانتخابات، فقد منح أحزاب المشترك، فرصة لم يكن يحلم بها لكسب الموقف المحلي والدولي. والحديث عن نية حقيقية لتزوير الانتخابات القادمة، والتشكيك بنتائجها إن شارك فيها. بينما كان موقفه سيكون أضعف لو مررت التعديلات التي ناضل من أجلها، على الرغم أنها لم تكن تمثل الحد الأدنى لمطالبه كما يؤكد..!!
فرز مواقف
إذن.. فقد أدخل طرف في الحزب الحاكم البلاد في أزمة جديدة. فإن كان ذلك الطرف يضفي على نفسه صفة "التحديثيين" في الحزب الحاكم، فهو إضفاء لا منطقي، من زاوية أن مفهوم "التحديث" مرن بطبعه، ويتوخى بلوغ الحلول لا استجلاب الأزمات.
ولدحض ذلك الإضفاء، يستحق الأمر منا، الخوض في تفاصيله.
عقب ما حدث من إسقاط للتعديلات الاثنين الماضي أعلمني أحد الزملاء أن أحد أطراف هذا التيار كان منتشياً لما حدث، لدرجة أنه كان يشعر بالنصر وهو يقول له " لقد عملنا على إفساد "الطبخة" التي كانت تعد بعيداً عنا". هذا القيادي، لم يقف ليوضح نوع تلك الطبخة: هل كان يقصد الطبخة التي كانت تجهز بين الرئيس والإصلاح ضد الوطن، (استنادا إلى تلك الشائعات التي تزعم أن الآنسي منح الرئيس فترتين رئاسيتين قادمتين مقابل صفقة سرية)..!! أم كان يقصد تلك "الطبخة" التي كان المشترك يعدها للحصول على أقل الضمانات لانتخابات تقترب من النزاهة..!! أو ربما صفقة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين..!!
في كل الأحوال: لقد ثبت مما حدث في ذلك اليوم، وما تلاه من احتقانات وتبادل اتهامات، أن "فرية" الصفقة مع الرئيس لم تكن سوى في خيال تلك الأطراف في الحزب الحاكم. لقد كانوا غاضبين فعلاً من الآنسي لأنه رفض الدخول في أي حوار مع المؤتمر حينما كان بعض هؤلاء على رأس الحوار. وهو الأمر الذي أرادوا بسببه أن يفسدوا على الطرفين التوافق الذي تم التوصل إليه بعيداً عنهم. هكذا يعتقد البعض. ومن أن هؤلاء "المقصيين" إنما أرادوا من وراء ذلك إثبات وجهة نظرهم، وأن الأمور لا يمكن أن تدار بمعزل عنهم. ويبدو أن الوطن سيقاد إلى ما هو أسوأ مما هو عليه بسبب ذلك التفكير الانتقامي القاصر، في ذات الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يمتلكون قدرة على التحكم في قرارات وتوجهات الحزب الحاكم، بطريقة أو بأخرى.
وعلى ما يبدو أن مثل ذلك من شأنه أن يزيد من إدراك حجم الصعوبة للمهمة التي أوكلت إلى القائم بأعمال الحزب الحاكم، عبد الرحمن الأكوع، الذي خلف الأمين العام عبد القادر باجمال، (الرجل الذي يربط هذا التيار نفسه به، حيث يعتقد أن باجمال عمل على إقصاء التيار الآخر من قيادات الحزب، ليحدث تكويناته بتلك الدماء الشابة). وستتضاعف مشكلة "الأكوع" كون المقربين منه يصفونه بأنه صريح ولا يخفي ما يبطن. وأنه لا يمكن أن تغيره ظروف السياسة والتسايس، التي يجب أن تصنع من الإنسان غير نفسه الحقيقي. غير أن هؤلاء أدركوا نقطة ضعف قائدهم الجديد، فاستبقوا موقفه حينما ذهبوا إليه عقب فعلتهم، ليقدموا بين أذنيه ما يحب أن يسمعه، قائلين له أن هذا النصر الذي تحقق للحزب الحاكم لم يتحقق له في غير عهده، حتى بدا هو الآخر مدافعاً عن موقف حزبه..!!
لست هنا بصدد فرز المواقف بهذا الشكل الذي سبق، ولم يكن من الضروري التعريج على تلك التفاصيل غير المناسبة. وقد يكون من الخطأ أن أختار هذا الطريق للوصول إلى النقطة التالية، لكنه أمر قد حصل وأحببت إبقاءه على ما هو عليه..
أسطورة التيار التحديثي في المؤتمر
هناك من يكرس في الإعلام على أنه تيار تحديثي، داخل الحزب الحاكم، يسعى إلى تحويل الحزب إلى مؤسسة حاكمة لا تابعة للرموز والقيادات. وهذا الأمر على أنه جيد في كنف من ثقافة الحرية والإيمان بالتطور المرحلي نحو ما هو أفضل وجديد، إلا أن ما ثبت حتى الآن هو ذلك التناقض الحاد بين الفكرة التحديثية، وما يقوم به أفضلهم تثقفاً وسياسة – حد علمي - إذ ثبت أن فكرة التحديث في الحزب الحاكم مجردة من النظرية القائدة، ومنغمسة بالمصلحة الشخصية لا أكثر. فبحسب ما يحصل عليه هؤلاء من مصالح شخصية يكون جهدهم وتوجههم، فيما أن ما كان يجب أن يتم التركيز عليه في إطار الفكرة التحديثية، غير واضح المعالم بسبب من غياب المشروع والفكرة المحورية التي كان يجب أن يتم تأسيس العمل عليها.
كنا نعتقد من قبل، أن هذا التيار سيحسن من مستوى أداء الحزب الحاكم، وهو أمر جيد كونه سينعكس على أداء الحكومة، الأمر الذي سيجعل طريق المعارضة غير مفروشة بالورود، وبالتالي سيتوجب عليها مواكبة هذا التطور بتطور مكافئ. وهي أمور في نهايتها ستحسن من الأداء العام لمنظومة العمل السياسي.
ما كشفته الأيام أن ما يشاع حول ذلك التيار، لم يكن بتلك الدقة. فهو أقرب إلى تكتلات متعددة متكالبة حول مصالح محددة. كل شخصية مؤثرة -تمتلك قوة القبيلة والأتباع أو قوة القرابة أو قوة المال- تسعى إلى التموضع القيادي والاستقواء داخل الحزب، بغرض لفت انتباه النظام إليه وعدم تجاوزه. ومعظم هؤلاء، حينما يتم تجاوزهم، بشكل ما، يقومون بعمل لافت، وقد يكون شجاعاً تحت مقاييس محددة. وقد تمثلت بداية هؤلاء من خلال ظهورهم في مقابلات صحفية بدت مختلفة عما سارت عليها الأمور من قبل. حيث كانت تصريحاتهم مصادمة لما كان معتاداً في الحزب، والواقع الذي ظلوا يعيشونه. وربما كان مرد الصدمة التي وقع فيها المجتمع المحيط، أن الواقع الذي ظل يعيشه هؤلاء كان يختلف عن تماما تصريحاتهم.
أما الأمر الذي أردنا الوصول إليه مما سبق هو: أن الفكر التحديثي، إذا ما أريد له أن يسمى بصورته الحقيقية، لا يجب أن يرتبط بهدف شخصي (مع أن المصالح الشخصية غير معيبة، لكن بغير هذا الموضع القيمي). الأمر الآخر، أن الفكر التحديثي، يتناقض مع: رفض الآخر المختلف معه، و التخطيط لإقصائه، ومخاصمة الحوار، والتفاخر بصناعة الأزمات.
وكنت أتمنى أن لا أجد من أحترمهم – تحت هذا المسمى الأسطوري – وهم يفتخرون بإسقاط مشروع التعديلات، أو رفض فكرة إطلاق سراح المعتقلين، في الوقت الذي كان يفترض بهم أن يكونوا على العكس من ذلك، في طريق تحقيق مجموعة من أهم أهداف أي مدعي لصفة الحداثة والتحديث، والتي على رأسها: مطلب الاستقرار السياسي بالتوافق بين منظومة العمل السياسي، والحفاظ على مستقبل الديمقراطية في البلاد، والوصول إلى التحول الديمقراطي المنشود لإنقاذ الأجيال اليمنية القادمة، من أمراض الاحتقانات المتراكمة من عام إلى آخر. كنت أتمنى ذلك. على الأقل حتى استمر تحت رحمة شعوري الخادع: أن هناك في الحزب الحاكم ما يسمى بالتيار التحديثي، حباً في الوطن، مقابل تلك الصورة النمطية المعتمة كلياً: أن المصلحة الشخصية فوق المصلحة الوطنية.
قد يتشبث هؤلاء بصحة موقفهم بما يعتقدون أن المشترك هو من أوصلهم إلى هذا الخيار. غير ان الصحيح أيضاً أن ضريبة أن تكون "تحديثي" ربما عليك أن تدفعها بالتخلي عن شهوة "ردة الفعل المضرة بالجميع". وأن تكون ذا فكر تحديثي، يعني أنك أكثر فهماً وإدراكاً للواقع ومعطياته من غيرك، وأنه يتوجب عليك أن تقبل بالآخر المختلف معك على قاعدة أقل القواسم الوطنية المشتركة.
كان يفترض أن يكون التقليديين أكثر راديكالية، بحكم إرث الصراع الطويل الذي أنهك الجميع، بيد أن ما حدث هو العكس تماماً. لقد رفض قدماء الحزب فكرة التحديثيين بالتفرد السياسي، والانفراد باللجنة العليا واللعب وحيداً لضمان مصادرة الانتخابات القادمة. أو هذا على الأقل ما تقوله بعض المصادر في الحزب.
ويقف المؤتمريون الجدد، بكل حماسة، ضد ما يعتقدون أنها أحد خطط المعارضة التي تسعى لتحقيقها وهي: المشاركة في السلطة. ومع أن المعارضة تنفي هذا الأمر، إلا أن الهدف بحد ذاته لا يجب أن يكون "جريمة" في الفكر التحديثي، الذي من السهولة عليه أن يقبل بتوزيع المسئولية على الجميع.
ولكن فيما يبدو للمتابع، أن من يلصقون على أنفسهم هذا المسمى الكبير، ليس لديهم من مشروع سوى ما كشفته مواقفهم: أنهم يسعون بكل ما أوتوا من حنكة وقدرة، للمحافظة على مصالحهم في مجلس النواب القادم، من خلال الدفع بالمعارضة لخيار مقاطعة تلك الانتخابات، ليخلو لهم جو المنافسة.
مشروعات شخصية ناجحة
لقد بات الأمر أكثر وضوحاً: إن من سوقوا أنفسهم على أنهم قيادات في التيار التحديثي، لم ينجحوا في تحقيق ذلك. إذ يتطلب الأمر التزاما متصلاً بالحياة العامة، بعيداً عن "الشخصنة". وهو ما يتوجب معه السير على هدى مشروع واضح، سيكون التزامه مكلفاً إلى درجة يكون القبول معها بضياع المصالح خيار لا يمكن القفز عليه، ساعة أن يكون هو المتاح الوحيد أمام النكوص والتراجع.
إن أولئك الذين ظهروا في الصحافة بشكل مخالف لتوجه نظامهم الحاكم، اندثروا بعد حين. ذلك أنه يعتقد بأنهم حصلوا على ما أرادوا الحصول عليه حينها، فسكتوا. هذا الأمر لم يجنب الحزب الحاكم، أضرار الانشقاقات والتقسمات، بل على العكس من ذلك، لقد بات معلماً لا يمكن لأصحاب المصالح والنافذين أن يتكاثروا بعيداً عنه، أو يحافظون على مصالحهم بغير ذات الطريقة والأسلوب.
ومن هنا يمكن التأكيد أن الطرف الذي دفع إلى تأزيم الحياة السياسية، خلال الأيام الماضية، إنما أراد إيصال رسالته إلى الرئيس، ليقول له: نحن هنا. أو تلك الرسالة الأخرى التي أرادوا أن يقولوا فيها: هذا هو المشترك الذي رفضنا إعطاءه مكاسب في الحوار، فتم إقصاؤنا من الحوار.. والآن نحن من كان على حق.
----------------------------------------------
- نقلاً عن صحيفة "المصدر" المستقلة.