عشرة دولارات لمن يساند الرئيس
بقلم/ ياسر الزعاترة
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 16 يوماً
السبت 09 إبريل-نيسان 2011 05:00 م

تقول أوساط المعارضة اليمنية أن الذين يُخرجهم علي عبد الله صالح لمساندته في الشوارع لا يخرجون قناعة بالقدرات الإبداعية التي يمتلكها، وإنما من أجل الحصول على مكافأة تقدر بعشرة دولارات للشخص الواحد، ومعها وجبة طعام ووجبة قات، من دون أن يكون بوسع أحد إنكار أن من بينهم من خرج تأييدا لبقائه تبعا لالتقاء المصالح في ظل شبكة منافع يمثلها حزب لا يمت بصلة إلى الأحزاب بمضمونها الحقيقي.

ثمن المظاهرات التي يرتبها الرئيس وبقايا حزبه، أو المنتفعون من حولهم يدفعها الشعب اليمني من خزينته العامة، وفي هذا الصدد تتحدث الدوائر الاقتصادية الغربية عن نفاذ الدولار من السوق، وقيام الدولة بطباعة المزيد من الريالات اليمنية لسد احتياجات العمل على الإبقاء على الرئيس وعائلته.

وفي حين يتمسك علي عبد الله صالح وعائلته التي تسيطر على السلطة والثروة ببقائه في الحكم ولو على جثث اليمنيين، وأقله تأمين انتقال للسلطة يعفيه من الملاحقة وينقلها أيضا لمقربين منه، فإن جهات أخرى، غربية وعربية تحرص على ذلك أيضا، ليس من أجله هو، وإنما من أجل أن يكون اليمن هو الحاجز الذي يقف أمام طموحات الجماهير في استكمال مسيرة الثورات العربية، أكانت على النسق التونسي والمصري، أم على النسق المطالب بإصلاحات حقيقية تجعل الشعب مصدرا للسلطة.

والحق أن اليمن وليس ليبيا هو الذي يمكن أن يلعب هذا الدور بالنسبة للغرب ودول عربية كثيرة، والسبب أن ثورته بدأت ولم تزل سلمية، وهذا هو سر قوتها، خلافا للثورة الليبية التي استُدرجت نحو مسار العنف، ونعلم بالطبع أن الاحتجاج السلمي هو السلاح الذي اكتشفه الشارع العربي واثبت نجاعته في تونس ومصر، ويمكن أن يثبت نجاعته في دول عديدة أخرى.

لقد أبدع الشعب اليمني في إصراره على سلمية حراكه الشعبي رغم إيغال النظام في الدماء بين يوم وآخر، إذ أن المطلوب بالنسبة إليه هو جرّ الناس إلى معركة السلاح التي سيكون بوسعه التفوق فيها بسهولة، في ذات الوقت الذي سيكون بوسعه فض الناس من حول الثورة خوفا على السلم الأهلي.

ويزداد الإعجاب بقدرة الشارع اليمني على ضبط نفسه عندما نعلم أن من سقطوا ويسقطون برصاص الأمن اليمني (كثير منهم يتخفون بزي مدني) هم أبناء قبائل وليسو عزلا من السلاح، بل يملكون الكثير منه، وفي ساحة التغيير في العاصمة حافظ الشباب على روحها السلمية حيث يمنع أي أحد من دخولها وهو يحمل السلاح، بما في ذلك السلاح الأبيض.

في ضوء هذا الإصرار العجيب من قبل الشارع اليمني على تنحية الرئيس، ها هي دول الجوار الخليجي تدخل على الخط من أجل ترتيب مخرج بذات الروحية التي تحدثنا عنها، ولا يستبعد أن يكون تلكؤ صالح في الموافقة مقصودا من أجل ترغيب المعارضة بها، من دون استبعاد أن يكون مقتنعا بقدرته على الانتصار، الأمر الذي ينطبق على الشباب الثائر الذي يرفض أية مبادرة لا تنص على رحيل سريع للطاغية من دون شروط.

من الصعب تفسير الموقف العربي والغربي بنوايا مواجهة خطر القاعدة كما يقولون ويقول الأمريكان الذين زعموا تغيير موقفهم من الرئيس خلال الأيام الماضية، ما يعني أن الهدف الحقيقي هو تنفيس الانتصار الشعبي اليمني، ووضعه في إطار آخر غير الذي وُضعت فيه ثورتا تونس ومصر.

ما يؤكد ذلك هو أن حكاية القاعدة لا تقنع أحدا لأن الذي اخترعها عمليا هو علي عبد الله صالح، تماما كما فجر بطريقته قضية الحوثيين، وكل ذلك في سياق من المغامرات التي صاغها من أجل البقاء في الحكم واستدراج المساعدات، تارة تحت شعار مواجهة النفوذ الإيراني عبر الحوثيين، وتارة عبر شعار مواجهة خطر القاعدة.

ليس أمام اليمنيين الحريصين على تثبيت وحدتهم وبناء مستقبلهم سوى الإصرار الذي لا يلين على تنحي هذا الرجل دون شروط، بل والإصرار على محاكمته ورد الأموال التي سرقها وعائلته من مقدرات البلد، لأنهم بذلك ينقذون أنفسهم وبلدهم، في ذات الوقت الذي يواصلون بث الأمل في الشارع العربي باستمرار ثوراته وانتصاراته، ويفشلون تبعا لذلك محاولات محمومة لإجهاض أحلامه في التغيير الشامل.

* عن صحيفة الدستور الاردنية