تهاوي البلطجة
بقلم/ مرعي حميد
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 27 يوماً
السبت 26 مارس - آذار 2011 05:15 م

البلطجة وهم يعتقد الطغاة أنهم قادرون من خلاله على إلجام الشعب وإخراسه والحفاظ على صمته و يأسه دون المطالبة بحقه المنهوب والنهوض الثوري لاستعادته: سلطته المُخصخصة وثروته المُهدرة على نزوات الحاكمين وشهواتهم ونزقهم وأنانيتهم ودناءتهم.

البلطجة بلطجتان: جسدية وفكرية، وكليهما يصب في الهدف الأساسي: القضاء على العمل المطلبي والنهوض الثوري وإبقاء الوطن ـسلطته وثروته ـ مؤمماً مُخصخصاً للفئة المتسلطة التي تمن على الشعب بالفتات من ذلك وسقط المتاع.

النوع الأول: بلطجة جسدية يوجه فيها أذناب المستبدين فيها هراواتهم المكهربة وغير المكهربة وأعقاب البنادق ورصاص القناصة الحي، وفي مرحلة متقدمة التشكيلات العسكرية التي بذل لبنائها السلطان مال الشعب ليصنع منهم قوة ضاربة تضمن لكرسيه الثبات ولتسلطه وورثته الدوام.

والمستبدون يفكرون في البلطجة الجسدية وسيلة يحسبون أنها ستنال من إرادة الشعب وبنيه وستجبرهم على الانفضاض والانصراف عن مطلبهم المشروع شرعاً ودستوراً وعُرفاً أو الرضاء بأنصاف الحلول وأرباعها وأثمانها، فتكون النتيجة عكسية تماماً: مزيد من الإصرار، مزيد من المطالبين، مزيد من التعاطف والمؤازرة للمطالبين بحقهم ، توسيع لنطاقهم الجغرافي ، ترفيع لسقف المطالب. فالبلطجة والكلام المعسول والفعل البطيء لا يجدي نفعاً إزاء الحركة المطلبية فالثورة ، حيث يتصاعد أوار الحركة المطلبية إلى ثورة شعبية عاتية.

والوسيلة العامة لهذا النوع من البلطجة : المال المبذول من خزينة الشعب و من معسكر الشعب ومخازن سلاحه :السلاح والغازات السامة والحارقة والمُسيلة للدموع والهراوات بأنواعها ، وان عازت أذيال السلطان الوسيلة فحجارة الطريق وإحراق الإطارات وحين يعودون سالمين فيغدق عليهم الطاغية بالمأكل والمشرب، بئست السلطة مُرضعة وبئست فاطمة.

تالله ما الدعوات تهزم بالأذى ........... أبدا وفي التاريخ بر يميني

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي......... بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة......... أو كبح إيماني ورد يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يدي........... ربي وربي حافظي ومعيني

النوع الثاني: بلطجة فكرية موجهة للفكر والقناعات الفكرية لتخريبها لصالح الحفاظ على العمران المتآكل للطغيان المُتداعي، ولها ثلاثة أهداف:

هدفها الأول: قمع الفكرة الوقادة للحركة المطلبية وللثورة بمحاولة تضليلها واستغفالها وإطفائها عبر هراواتها : الأكاذيب ، التزييف ، الاتهامات ،الترهيب ،المحاصرة الإعلامية لطبيعة وحجم الثورة .

هدفها الثاني: قمع تفكير المتفرجين والمتخاذلين والمترددين بل والموالين للسلطان في الانضمام إليها ، فمطالبهم هي ذاتها مطالبهم وشكواها هي نفسها شكايتهم و مآسيها مآسيهم و مآلها في النجاح والفشل مآل أمانيهم وطموحاتهم في النجاح والفشل وهراوة هذا النوع : الكذب الأسود على الجمهور، الترغيب ، و تسفيه الثوار و تشويه ثورتهم تارة بوقوف أطراف على عداء مع قطاع عريض من الأمة معهم أو وقوف أطراف مصلحية أو إرهابية مع الثورة والثوار ليصل الحد باتهام الثورة أنها تُدار من قبل تلك الأطراف، وهذا في حد ذاته محاولة كذلك لبلبلة العقلية الخلاقة للمنخرطين في صفوف الثورة وميادينها وساحاتها .

هدفها الثالث: تشويش الرأي العام الخارجي بشأنها ،وهراواتها إلصاق الأعمال الإجرامية والمُداهمات وأعمال السلب والنهب والتعدي والسيطرة والتخريب التي تديرها السلطة بالثورة والثوار ، ومحاولة مُستميتة لتضليل الخارج و تتويهه وتصوير الأمور له بغير حقيقتها ومضمونها، والادعاء بوقوف أطراف على خصام مع الخارج خلف الثورة ، ومحاولة تصوير مطالب الثورة على غير حقيقتها ،ومحاولة بث المخاوف من التأثير السلبي الذي سيصلهم بسبب تصاعد الثورة ومآلتها ومستقبلها بعد انتصارها المتوقع . ولكن الخارج ليس من السذاجة ان يُصدق ذلك كله دون تمحيص ،وهو لديه الخبرة في التعامل مع شخوص وأوضاع كهذه ، بل غالباً ترتد هذه البلطجة في نحر الاستبداد والمستبدين فيتعرون للخارج من أي ثقة أو اطمئنان فيخسرونه ،بل قد يتحول هذا الخارج إلى الصف الثاني ، صف الثورة الصادقة والثوار الصرحاء الأمناء.

والوسائل العامة لهذه البلطجة الفكرية هي الخطابات والمقابلات والصور البراقة ومحاولة بث الفرقة بين الصفوف الملتحمة للثوار ،والبرامج والنشرات التلفزيونية والصحف المطبوعة والالكترونية والمواقع والمنتديات والصفحات والمدونات الالكترونية.

وقد أثبتت الثورات التحررية في تونس ومصر واليمن أنّ تلك البلطجة الجسدية والفكرية تتهاوى أمام الثورة والثوار فيجرف تيار الثورات سدود الطغاة والطغيان . وتتهاوى البلطجة والبلاطجة و ما بنوا وسهروا على تشييده وأنفقوا رحيق الشعب يسدون أي خلل قد يتدفق منه فجر الخلاص على ليل الشعب وظلامته وديجوره ، الشعب المُتصور استنامته النهائية للقهر والهوان و عجزه وقواه الحية من الخلاص منها ، ومع هذا وذاك يكون الندم والحسرات واللعنات والمصير المستقبلي الدنيوي والأخروي الأسود ، للمستبدين وأعوانهم ومستشاريهم وجلاوزتهم ، بالمرصاد ، وينتصر الشعب ويُحقق مُبتغاة في الإعادة الناجزة التامة والكاملة والنهائية للثروة والسلطة لمرج الشعب الأخضر بشهدائهم وتضحياتهم وبعزماتهم وصبرهم ومصابرتهم ومُرابطتهم وتصميمهم ونبلهم وشهامتهم وكرامتهم وبسالتهم ودعائهم الحار وتضرعهم الخاشع للمولى الحكيم العليم اللطيف القدير و يقظتهم وتوفيق الله عز وجل لهم من قبل ومن بعد .