زعماء العرب بين حلاوة البقاء... والرحيل المُر !
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 15 فبراير-شباط 2011 11:17 ص

يدرك اللبيب دائماً أن أركان الدولة دائماً ما تقوم على مجموعة أسس هامة ، ولكن يدرك أكثر أن الأهم من كل ذلك هو أساس أو ركن (الشعب) ، الذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك دولة .

ولكن مع مرور الأيام ، وتواتر السنين ، ومع توغل العرب في متاهة (الاغتراب الحضاري) بسبب بُعدهم عن أصول دينهم ، وهروبهم من سُنن الله التي لا تُحابي أحداً ، كان لا بد من عقاب لهذه الشعوب حتى تشعر بذنبها وتتوب إلى بارئها ، فكل الشعوب خطاءة وخير الخطاؤون التوابون ، فقد كان العقاب بأن سلط الله عليهم مجموعة (زعماء) يرونهم أمام أعينهم في (25) ساعة في اليوم الواحد ، يرونهم في كل تفاصيل حياتهم ، بل أن أولئك (الزعماء) جعلوا أبناء الشعوب يشعرون أنهم لا يستطيعون العيش بدونهم ، وصوروا لهم أنهم إذا اختفوا ستختفي الدولة والحياة بأكملها ، وأشعروهم بأنهم (أسماك) إذا خرجت من (بحار) الزعماء فإنها ستفقد (أكسجين) الحياة ، وسيؤدي بها ذلك إلى التهلكة والموت المحقق .

ولأن الله سلط هؤلاء الزعماء على شعوبهم ، فإن الكثيرين من أبناء الشعوب العربية ما إن رأت وجوههم (نور) الدنيا حتى شاهدوا (ظلام) صور هؤلاء الحكام ، حتى بدا لهم أن الزعيم هو كل شيء ، لدرجة أنه إذا كان هناك طفلٌ صغير يبكي تُسارع أمه إلى فتح التلفاز ، وتُجلس طفلها الرضيع كي يشاهد التلفاز ويسمع (بيان هام) لأبناء الشعب يلقيه الزعيم ، فلا يجد ذاك الرضيع من مخرجٍ سوى السكوت والإصغاء للزعيم الملهم قبل أن توجه إليه تهمة التآمر على أمن الدولة أو ربما الإرهاب ، ولدرجة أيضاً أنه إذا كان هناك طفلٌ صغير تريد أمه أن تجعله ينام ، تبادر الأم إلى رفع صورة الزعيم أمامه وتصيح به : ارقد والا أصيح للرئيس؟! وكأن الزعيم مثل (الغول) الضخم والمخيف ، وهو في الحقيقة أكثر بشاعة من ذاك (الغول) فيضطر الطفل إلى النوم بكل قهرٍ متمتماً بعبارات لا يستطيع فهمها أحد آنذاك ، ولكن من المؤكد أن الزعيم سيفهمها لاحقاً كما فهم بن علي أبناء تونس الأحرار الذين كانوا أطفالاً ذات يوم!.

فمن هنا إذن بدأت حكاية (الخلود) لزعماء العرب ، وحبهم للبقاء على (العروش) ، فأنا من المقتنعين (بخلودهم) في الحياة لأني سمعت الخالق يقول لإبليس (إنك لمن المنظرين ) ، فبرأيي أن كل زعيم عربي يعدل 100 إبليس (عداً ونقداً) ، فلأن الزعيم يصحو على هتافات الشعب (بالروح بالدم نفديك يا زعيم) ، وينام على ترديدات المواطنين (نموت نموت ويحيا الزعيم) ، ويعيش في واقعٍ مليء بالنفاق والكذب والتزلف والكذب والخضوع والانبطاح وتقبيل الأيدي والركوع عند الأقدام ، لذلك لم يتصور أحد هؤلاء الزعماء أنه سيأتي يومٌ ينافسه فيه شخص في الانتخابات بصورة حقيقة ويحرمه من النسبة المشهورة (99.9) من أصوات الشعب ، فكيف يستطيع (الخيال) أنه سيأتي يومٌ يثور فيه ذاك الشعب المسكين ، بل وسيطأهم أبناء الشعب بأقدامهم ما لم يبادروا إلى الهروب !. حتى على مستوى المتابعين الذين كان اليأس قد تسلل إلى قلوبهم من صحوة الشعوب العربية التي تنام كل ليلة عند أقدام الزعيم ، وفي ليلةٍ ظهر فيها البدر بأجمل حلة في ليلة اكتماله ، إذا بنا نستيقظ والزعيم يطلب النوم عند أقدام الشعب ، ولكن هيهات ذلك ؟! .

 إنها حكاية (الإرادة) ، وحكاية انتهاء (الاختبار) الذي وضعه رب السماء لعباده ، هل فعلاً سيستمرون بالصمت على (فراعينهم) الذين وإن لم يقولوا بلسان المقال (أنا ربكم الأعلى) فإنهم يقولونها بلسان حالهم ، والحياة التي يصورها منافقوهم و(حاملي المباخر) بأنها (من قبلهم عدم ومن بعدهم ندم) ، فبعد انتهاء (الاختبار) لا بد من ظهور (النتائج)، وأجزم أن كل الزعماء العرب سيستلمون نتائج مليئة بـ(الكعك) المدورة ، والدالة على الفشل الذريع ، حيث ربما تنفعهم تلك (الكعك) في وقت الجوع ، وهم يبحثون عن دولة تحميهم ، أو عن جبل أو جزيرة تعصمهم حين لا يبقى عاصمٌ من طوفان الشعب الهادر !.

يا لهذا (الفيلم) البديع ، وياله من (كاتب سيناريو) أبدع وأمتع ، وياله من (ممثل) بارع ذاك الذي أدى دور البطولة دائماً وأبداً ، وكان يمثل (جاكي شان) لشعبه ، فهو المنقذ والمخلص ، ومن دونه لا يستطيعون فعل أي شيء ، ويا لكل أبناء الشعب الذين مثلوا دور (الكمبارس) المهمش الذي يأتي دوره فقط ليُضرب ويُصفع بدلاً من (البطل) فلا يحق صفع البطل أبداً لأن (المخرج) لم يسمح بذلك ، ولكن ينتهي الفيلم على (انقلاب) الأمور رأساً على عقب ، فـ(الكمبارس) تحول إلى دور البطولة ، و(البطل) السابق انكشفت حقيقته وتحول إلى صورة (المجرم) الهارب والخارج عن القانون والذي يسعى الجميع إلى الانتقام منه وإذاقته صنوف الألم وأصناف العذاب ، فالشعب قد أعاد كتابة سيناريو حياته من جديد ، بعدها يهرب (المجرم) من بلاد (الأبطال) ، تعم الاحتفالات أرجاء البلاد ، ينتهي الفيلم على مشهد (البطل) السابق و(المجرم) الحالي وهو في منفاه الكئيب وهو يستمع لأغنية (مستنياك) ويهديها لبقية (الأبطال) المزيفين الذين هم في طريقهم لذات المصير !.