من سيشكل الحكومة في بغداد؟
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 6 أيام
الأحد 15 أغسطس-آب 2010 09:23 م

علاوي يجتمع مع المالكي، المالكي مع علاوي، المالكي والسيستاني، علاوي والسيستاني، الصدر وعلاوي، الصدر وبارزاني، بارزاني وآخرون.. اجتماعات لم تسفر حتى اللحظة عن انفراجة في الوضع الراهن في العراق.

كنت ذات يوم حاضرا في الرياض في جلسة مع سياسي عراقي مثقف (على قلة المثقفين بين الساسة) بعيد إعلان فوز القائمة العراقية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق. كان الطرح أن ما جرى ثورة في توجهات الناخب العراقي، وأن فوز «العراقية» سيسهل عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة نظرا لحصول «العراقية» على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، وبالتالي، فإنها هي المخولة تشكيل الحكومة. غير أن السياسي العراقي كان له رأي آخر، وهو أن تشكيل الحكومة هذه المرة سيكون مسألة بالغة التعقيد وأن المخاطر على العملية السياسية في العراق أكبر، وأن البلد ربما ينزلق إلى المربع الأول للعنف الذي ساد العراق عقب تفجير ضريحي سامراء، على حد تشخيص السياسي العراقي.

بتعبير آخر، المالكي لا يريد تسليم السلطة، خاصة بعد أن استطاع خلال سنوات حكمه العجاف أن يرسي قواعد لعبة تتواءم وتوجهات الجار الشرقي لبغداد الذي يعول عليه المالكي في دعم استمراره على رأس الحكومة في عاصمة الرشيد.

ولكن هل الأمر منحصر في شخص المالكي وحده؟ أم إن المالكي - على ثقله - لا يمثل أكثر من الجزء الظاهر من جبل الجليد الإيراني الغاطس تحت مياه دجلة.

الواقع أن المسألة تتخطى شخص المالكي إلى تيار لا يزال فعالا في المشهد السياسي العراقي، هذا التيار هو تيار أصولي عقائدي قائم على مجموعة من المسلمات العقدية والفقهية التي تحتم عليه أن ينظر إلى أن الروابط العراقية - الإيرانية أكثر متانة من الروابط العراقية - العربية أو حتى أمتن من الروابط العراقية - العراقية.

هل نستطيع تجاهل أن حزب الدعوة وجماعة الحكيم والصدر ليسوا أكثر من مجاميع أصولية تقيم ولاءها السياسي على أساس من الولاء الديني الطائفي. وبما أن المالكي يتزعم حزبا أصوليا دينيا فإن شوارع طهران أكثر جاذبية له من شوارع دمشق - على سبيل المثال - على الرغم من أن دمشق قد حضنت المالكي سنوات طويلة إبان حكم البعث في العراق.

طهران - إذن - قبلة روحية للمالكي، وما دمشق والرياض والقاهرة غير عواصم مغايرة على أقل تقدير، إنها بلاد أخرى لا تتناسب وتوجهات العمائم الأصولية في طهران وبغداد.

يصعب على المالكي العودة إلى العرب، العودة للعرب بالنسبة له محظور ديني وخطيئة لا يمكن ارتكابها. الخروج على ولي أمر المسلمين غير وارد في حسابات رجالات حزب الدعوة. (ألا تذكرون كيف جلس المالكي جلسة تلميذ في حضرة الولي الفقيه ذات يوم بعد أن نزع رابطة عنقه التي يتشبه بها المسلمون بالكفار على رأي نائب الإمام دام ظله الشريف).

اعذروا المالكي إذن، كيف يمكن لحزب الدعوة أن يظل حزبا إسلاميا على الطريقة الإيرانية إذا ما ارتكب جريمة التخلي عن أوليائه في طهران واتجه نحو خصومه العرب «الوهابيين التكفيريين البعثيين الصداميين». لا لا. المسألة فوق احتمال الرجل الذي لا يمكن أن يعصي من طاعته تعد طاعة لله ورسوله ولإمام الزمان.

وفي المقابل، فإن المالكي لا يزال قويا بعلاقته بإيران، وتحالفاته الداخلية لا بأس بها، وقدرته على المراوغة ما زالت جيدة على الرغم من اللون الطائفي الفاقع لتياره المغلف بطلاء «دولة القانون».

نقطة قوة المالكي في تصوري هي ضعفه الذي مكن الإيرانيين من التوغل داخل شرائح سياسية واجتماعية واسعة في العراق، وبالتالي التمكن من دعم المالكي الذي يعد بامتياز رجل إيران في بغداد.

ومع ذلك، فإن المالكي لم يعد يلقى القبول ذاته داخليا وإقليميا. العرب لم يعودوا قادرين على التواؤم مع سياسات الرجل الطائفية الإقصائية. حلفاؤه العراقيون قلقون من تفرده بالسلطة، تيار في حزبه يدرك أن وحدة الحزب ربما تكون مهددة بفعل تمسك المالكي بمنصب رئاسة الوزراء.

حدثت في بريطانيا انتخابات برلمانية قبل أشهر ولم يستطع حزب من الأحزاب الرئيسية حسم الانتخابات لصالحه. وعلى الرغم من ذلك فقد هنأ السيد براون زميله كاميرون معلنا هزيمة حزبه في الانتخابات واحترامه لرغبة الناخب البريطاني في التغيير.

وعلى الرغم من تشابه النتائج في العراق وبريطانيا، فإن الحكومة البريطانية شكلت في غضون أيام. طبعا من غير المنطقي مقارنة الحالة العراقية بأقدم ديمقراطيات العالم على الرغم من تفاخر حكام بغداد الجدد بـ«أول ديمقراطية حقيقية في المنطقة».

يبدو - إذن - أن ميلاد الحكومة العراقية الجديدة صعب المخاض؛ تلك الحكومة التي بسببها تمسك إيران بتلابيب العراق كله خوفا من أن تكون الحكومة القادمة حكومة عراقية بأجندة وطنية عراقية.

كم يا ترى سينتظر العراقيون حتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد؟ ماذا يدور تحت عمائم الملالي في طهران؟

ومن ترى سيجلس على عرش العاصمة التي تقلق طهران وتهم الرياض وتشغل دمشق وتحير القاهرة؟

ليس من السهل التنبؤ بإجابة محددة عن التساؤلات المذكورة لأنه ليس من السهل على طهران رفع اليد عن بغداد، بغداد كابوس إيراني إذا خرجت من تحت سيطرة نائب الإمام في طهران. وفي المقابل فإن تجاوز القائمة العراقية خطيئة ربما قلبت الطاولة على رأس عمامة طهران.

ترى من سيشكل الحكومة العراقية؟ المالكي أم علاوي؟

أم إن تشكيل هذه الحكومة سيحتاج إلى معجزة من حجم تدخل «الإمام المهدي» الذي تتحكم أصابعه الخفية في مجريات الأمور، على حد تصور محمود أحمدي نجاد؟

* كاتب يمني مقيم في بريطانيا