لمن لا زال مترددا
بقلم/ عبد الملك الجهمي
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 18 يوماً
الخميس 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:00 م

على إحدى صفحات الفيسبوك تساءل أحدهم عما إذا كان المجتمع المدني والنخب المثقفة والعامة سيكررون خطأ عام 1994 و يقفون مع \"القوى التكفيرية الجهادية والقبلية والعسكرية المستبدة\". و في جزء آخر من نفس المكان تحسر على بقاء نظام على صالح متهما من قبل الشباب بينما \"المجرمون الحقيقيون\" - على حد زعمه - \" انضموا إلى الثورة و سيطروا عليها كما سيطروا على قرارات صالح خلال فترة تنصيبه من قِبَلهم بعد اغتيال الغشمي\".

هذه - باختصار - رسالة نظام صالح للداخل و هذا هو منطقه. و وفقا لهذا المنطق فإن الثورة الشبابية انتهت يوم حظيت بدعم حميد الأحمر و إخوته و على محسن و فرقته و الزنداني و جمعيته، و ما هؤلاء إلا المفسدون الحقيقيون الذين قامت عليهم الثورة؛ أما على عبد الله صالح فولي من أولياء الله ومغلوب على أمره كل هذا الوقت و ربما استحق منا الشفقة!

منطق سخيف أولى أن يترك لسخفه، لولا أنه ينطلي على الكثير من الناس؛ العوام منهم و المتعلمين. و لقد لمست ذلك على المستوى الشخصي لدى تحدثي إلى العديد من معارفي و أصدقائي. فالكثير منهم لا ينكرون فساد صالح و نظامه و حاجة البلاد الماسة للتغيير لكنهم يستدركون قائلين \"لا التغيير الذي ينشده الإصلاحيون من أتباع الزنداني و حميد الأحمر أو العسكر من أتباع علي محسن\"، لأن هؤلاء بنظرهم سرقوا ثورة الشباب و استولوا عليها. و حظا موفقا لك إن حاولت شرح حقيقة التناقض بين دعم التغيير و التوجس منه أو الاشتراط عليه!

وراء هذا المنطق حملة منظمة ربما كانت من إخراج خبراء العلاقات العامة الذين تردد قبل أشهر أن النظام استقدمهم من الخارج ليتلافي تدني شعبيته عقب جمعة الكرامة. و لأن النظام مفلس من كل شيء و قبيح في كل شيء، فلا مفر من خلط الأمور على الناس و تضليلهم، و ترسيخ كل أراجيفه في أذهانهم بطرق شتى منها الشائعات التي لا تنقطع عن أموال هذا و علاقات ذاك، و منها وسائل الإعلام الرسمية من إذاعة و تلفزيون، و منها تغييب مصادر المعلومات الأخري في ظل انقطاع الكهرباء التي إن أضاءت لتسمح لهم بسماع خطاب صالح أو أخباره فأنها تنطفئ كي لا يعرف الناس جرائم النظام في صنعاء و تعز و أبين و أرحب و بقية أنحاء البلاد. هذا إلى جانب أن الناس المستهدفين بهذه الأضاليل في الداخل غارقون في مهام توفير متطلبات الحياة الأساسية لهم و لأسرهم و لا وقت لديهم للتفكير، كما ذاكرتهم قصيرة و لا تتجاوز معاناتهم الحالية.

في صلب هذا المنطق مقارنة سطحية يجري التركيز عليها من قبل النظام - كما لو كانت كل شئ - بين على صالح من جهة و حميد الأحمر و على محسن و الزنداني من جهة أخرى.

وراء تركيز النظام على هذا المقارنة حقيقة أن عددا لا بأس به من اليمنيين عند تخييرهم بين على صالح و بين حميد الأحمر و على محسن سيختارون على صالح لا محبة فيه بل نكاية بالأخيرين. و إذا كان البعض منهم سينطلق في خياره من منطق \"جني تعرفه خير من إنسي لا تعرفه\" فإن الغالبية ستذكرك بحرب صيف عام 1994 و بالثروات الهائلة التي يملكها الأخيران، و الأراضي التي استوليا عليها، و دور الأخير الكارثي في حروب صعدة الستة.

لا يقتصر تأثير هذه المقارنة على الناس في الداخل، و إنما يتجاوزهم إلى المغتربين في الخارج أيضا. و لن تعدم من بين هؤلاء أيضا من يتبنى موقفا مترددا من الثورة اليمنية بسبب الخوف المبالغ فيه من الإصلاح و حميد الأحمر و على محسن.

هذه المقارنة مخادعة و غير منطقية و غير عادلة. فإلى جانب شخصنتها لحقيقة ما يجري في البلاد، فإنها تُخرج من حسابها أهم و أجمل ما في الثورة اليمنية و هم الشباب اليمني الثائر المسالم و المرابط في ساحات التغيير و الحرية في كل المحافظات، و تركز على أسوء ما فيها و هم القادة و السياسيون.

و بكلمات أخرى فعندما تقارن علي صالح بحميد الأحمر و على محسن و الزنداني و غيرهم من السياسيين و قادة المعارضة فأنه في نظر العديد من الناس لا يبدو سيئا جدا و هذا ما يريده النظام. أما مقارنة على صالح بالشباب المرابط في الساحات و أيديهم النظيفة من الدماء و الفساد فإن صالح (و معه نظامه) يخسر المقارنة تماما و يبدو على حقيقته وحشا شرسا و كابوسا فضيعا و سببا رئيسا في كل مشاكل اليمن.

هذه هي المقارنة الحقة التي ينبغي تركيز إعلام الثورة عليها لأنها تعطي الثورة حقها و تضعها في سياقها الصحيح. إنها مقارنة بين يمن بعلى صالح و يمن بدونه؛ يمن بنظام عائلي عسكري قبلي متخلف و يمن بنظام مدني حديث يتساوى فيه الجميع، يمن نهان فيه كل يوم و يمن يحفظ لنا كرامتنا، يمن تحكمه عصابة و يمن القانون فيه فوق كل شيء، يمن يحمل أملا لمستقبل أفضل و آخر في قبضة كابوس الماضي بكل ما فيه من فقر و جهل و مرض و فساد و حروب.

في ظل هذا المقارنة سيفكر الناس في معايشتهم لهذا النظام ثلاثا و ثلاثين سنة و سينظرون إلى حياتهم قبله كيف كانت وبعده كيف يمكن أن تكون.

سيحاولون تذكر آخر ليلة لم تنطفئ الكهرباء فيها فيضطروا للتخبط في الظلام بحثا عن الشمع. و سيشعرون بمرارة ما أصابهم النظام به من المهانة كلما اضطروا للوقوف في الطوابير الطويلة من أجل الغاز أو في محطات البنزين أو أمام المساجد من أجل الماء.

سيدركون كارثية النظام كلما تذكروا أولادهم أو إخوانهم أو معارفهم ممن قضوا أو فقدوا في حروبه العبثية كل تلك السنين. و سيتضح لهم زيف ادعاءات النظام و وهم انجازاته كلما اضطروا للعلاج في مستشفيات الأردن و مصر بسبب رداءة العناية الصحية التي توفرها لهم مستشفيات بلادهم أو ماتوا من فقرهم في بيوتهم. و سيسخرون منه بمرارة كلما تذكروا أن رأسه لم يجد في طول البلاد و عرضها مستشفى واحدا يتعالج فيه من حروقه، و اضطر صاغرا لإلتماس المكرمة الطبية السعودية.

لسنا هنا ندافع عن حميد الأحمر أو على محسن أو الزنداني أو غيرهم، و لا ندري حقيقة الاتهامات التي تكال إليهم، و لكننا نعرف أنهم كانوا إلى وقت قريب إما جزءا من النظام أو من المستفيدين منه. و من ثم فإن الأسئلة التي تثار حولهم أسئلة مشروعة، و إثارتها لا يسيء للثورة كما يدعي البعض؛ لأنهم ليسوا الثورة و لا هم من بدأها. و كما قامت هذه الثورة بدونهم فإنها قادرة على الاستمرار حتى تحقق أهدافها بدونهم أيضا. إنها ثورة شعب ضد نظام فقد صلاحيته و مبررات وجوده منذ زمن بعيد و حانت ساعة رحيله؛ لا ثورة حزب و لا ثورة فرد.

لكن هذه التساؤلات ينبغي أن توضع في سياقها الصحيح، فلا تعطى أكبر من حجمها و لا تستخدم كمبرر للتخاذل و السكوت على جرائم النظام أو كشروط مسبقة لابتزاز الثورة. و لنتذكر دائما أن دعم هؤلاء للثورة و خروجهم من صف النظام هو ما يأخذه عليهم النظام لا ما ينسبه إليهم من فساد و تطرف أو ما يأخذه الناس عليهم من تهم، و لولا ذلك لكان الآن يوزع عليهم صكوك الوطنية و مناصرة الشرعية الدستورية و الولاء للوطن و القائد تماما كما فعل صيف عام 1994.

نخطأ في حق أنفسنا و بلدنا إن جعلنا دعمنا للثورة من أجل شخص أو أشحنا وجوهنا عنها من أجل شخص آخر. فالحق كما قال الإمام على أبن أبي طالب لا يعرف بالرجال، \"اعرف الحق تعرف أهله\".