عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية صحيفة عبرية: ''إسرائيل كانت تتواصل مع بشار الأسد عبر واتساب''
كثيرة هي الأصوات التي تنتقد الثوار على أدائهم وتطالبهم بالمزيد من المكاسب وتحملهم الكثير من الأعباء التي تثقل كواهلهم فوق ما هي مثقلة، وقد زادت في الآونة الأخيرة تلك الانتقادات بشكل ملحوظ وانتشرت بدرجة مخيفة حتى صرنا نشفق على الثوار من كثرتها ونخشى أن يكون لها أثرا سلبيا على معنوياتهم، وتكاثرت تلك المطالب وتنافرت، فمن مطالب بسرعة الحسم مهما كلف من تبعات إلى مطالب بالتروي وعدم الانجرار إلى "الميتات السهلة"، ومن مطالب بالاستفادة من خبرات الساسة المخضرمين باعتبارهم مرجعيات لا غنى عنها، إلى مطالب بالاعتماد على النفس وعدم الانسياق وراء القيادات السياسية المترهلة، ومن مناد بالتواصل مع القائم بأعمال الرئيس وترك الفرصة أمامه لإثبات صدق نواياه في تأييد الثورة ومساعدته على إدارة هذه الفترة الاستثنائية العصيبة من تاريخ اليمن، إلى محذر من التعامل معه باعتباره الرأس البديل للرئيس والممثل الأول لمن تبقى من تلك الرموز البغيضة، ومن مطالب بضرورة تشكيل مجلس انتقالي باعتباره ضرورة حتمية لا بد منها في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ اليمن إلى مناد بعدم جدوى أنشاء هكذا مجلس واستبداله بمجلس رئاسي، إلى غير ذلك من الانتقادات والمطالب التي لا تنتهي.
ولعل السبب في إطلاق هذه الأصوات وتزايد تلك المطالب هو عدم إدراك حقيقة الوضع الحاصل اليوم مقارنة بما كان عليه قبل اندلاع ثورة الشعب المباركة، فالثورة منذ اندلاعها قبل حوالي أربعة أشهر قد حققت الكثير من الانجازات والثوار الأحرار والحرائر قد حققوا من الأهداف خلال ثلث عام من النضال السلمي الدءوب ما عجز النظام المتهالك عن تحقيقه على مدى ثلث قرن من الهيمنة على رقاب العباد والاستحواذ على مقدرات البلاد.
نعم لقد استطاع الثوار الأبطال بقوة عزائمهم وثباتهم على الحق وصبرهم على تحمل المشاق وصمودهم أمام محاولات الترهيب والترغيب التي ما فتئ النظام يمارسها صباح مساء، وإيمانهم بشرعية مطالبهم ومشروعية ثورتهم، لقد استطاعوا بكل ذلك أن يحققوا الكثير والكثير، وهنا أستغل هذه السانحة لتقديم بعض الشواهد والأدلة لكل من لم يدرك ما أنجزته الثورة السلمية المباركة من يومها الأول قبل أربعة أشهر حتى الآن، على أمل أن تتجه جميع الأصوات نحو الشد من أزر الشباب الثائر والرفع من معنوياته ومساعدته على سلوك أفضل وأقصر السبل للخروج باليمن من المستنقع الآسن الذي أوقعه فيه هذا النظام، ولكي تصب كل الأقلام مدادها نحو هدف واحد هو التشجيع لا التخذيل، ولكي تتشابك جميع الأيادي على هدف واحد هو إزاحة من تبقى من رموز النظام ، ولكي تتوحد جميع الرؤى والأفكار والآراء وتنصب نحو وجهتان أساسيتان هما بناء اليمن الجديد ورسم ملامح المستقبل الأفضل اللتان طالما أصم النظام المتهاوي آذان اليمنيين ليل نهار بهما ولم يتحقق أي منهما، فلا اليمن صار جديدا، بل بلي وتراكمت حوله أدران الفساد حتى أزكمت أنوفنا وأنوف العالم من حولنا، ولا المستقبل غدا أفضل بل بدا وكأنه يتردى إلى هاوية الانهيار لولا أن تلقفته أيادي الشباب الثائر بعد عناية المولى عز وجل.
لقد أبلى الشعب اليمني الثائر بلاء حسناء في هذه الثورة المباركة وضرب للعالم أجمع أروع الأمثلة في الوعي السياسي والرقي الحضاري فكانت الأربعة أشهر الماضية كفيلة بأن تغطي سوءات ثلاث وثلاثون عاما من العبث والفوضى، ثلث عام أو يزيد من النضال السلمي عاشتها ساحات الحرية والتغيير في عموم أرجاء الوطن تنفس الشعب خلالها عبير الحرية ونسيم الكرامة التي افتقدها طوال ثلاثة عقود أو تزيد، أربعة أشهر من الكفاح غير المسلح خاضها اليمنيون أسقطوا خلالها "شبح السلاح" الذي حاول النظام استغلاله واللعب به كورقة رابحة لإيهام العالم بأن الثورة ستدفع اليمنيين إلى استخدامه للتقاتل فيما بينهم "من طاقة إلى طاقة"، وسعى إلى ترويج شائعة الحرب الأهلية وترويع الناس بها، بل وسعى إلى محاولة جر أطراف عديدة إليها، من خلال افتعال حرب هنا وحرب هناك، ولولا تفطن العقلاء والخيرين من أبناء هذا الوطن الغالي، وثقافة السلم التي غرستها الثورة في قلوب وعقول أبناء اليمن، لكانت الحرب الأهلية قد فتكت بكل شيء وأكلت الأخضر واليابس، ولكن هيهات أن تنجر اليمن لمثل تلك المخططات الشيطانية وقد خرج خيرة أبناءها إلى ساحات الحرية والتغيير معلنين انتهاء زمن الفوضى والاقتتال إلى غير رجعة، ومنادين الجميع بأن يلتحقوا بركب الثورة السلمية، فلبى الجميع النداء وخرجت القبائل مدججة بوعيها متسلحة بثقافتها السلمية التي اكتسبتها من هذه الثورة السلمية المباركة، تاركة خلفها أسلحتها، لأنها أيقنت أن ميدان تلك الأسلحة ليس ميدان المواجهة بين الأخوة بل لها ميدان آخر.
ثلث عام من الممارسة الديمقراطية الحرة في ساحات الحرية والتغيير أظهرت إلى أي حد كانت الديمقراطية الرسمية عبارة عن ديكور يخفي النظام وراءه الكثير من الممارسات الديمقراطية الهزيلة التي استخدمها كوسيلة خسيسة للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ولو على حساب سمعة اليمن الإقليمية والدولية، والتنكيل بشركاء العمل السياسي وإقصاءهم نهائيا من أي دور يمكن أن يساهموا به في صنع حاضر اليمن ومستقبله، فكانت الأربعة أشهر من عمر الثورة المباركة كفيلة بكشف زيف تلك الأكذوبة المسماة زورا وبهتانا "التداول السلمي للسلطة" التي تغنى بها النظام طوال سنين حكمه والتي حرص على جعلها من أهم المبادئ الدستورية، في الوقت الذي أفرغها من محتواها على أرض الواقع فلم نسمع بتداول سلمي للسلطة طوال ثلاثة وثلاثين عاما مضت، بل على العكس من ذلك كانت سطوة النظام تترسخ يوما بعد يوم مع كل انتخابات جديدة، وشوكته تقوى بعد كل إعلان للنتائج الانتخابية المشبوهة والتي كان يتسيدها بالفوز مرة بالأغلبية العادية وأخرى بالمريحة ثم بالكاسحة ثم بالساحقة وهكذا دواليك، في وقت كانت أوضاع البلد تسير من سيء إلى أسوء وكانت النتيجة الطبيعة تقتضي تراجع شعبية السلطة الحاكمة من انتخابات إلى أخرى، ولكن أنى ذلك في حكومة هذا نهجها وذاك ديدنها.
ثلث عام من اللحمة عاشها اليمنيون في ساحات الحرية والتغيير كانت كافية لإسقاط الفزاعة التي طالما عمل النظام على ترديدها والإيحاء للآخرين بأن الثورة ستكون سببا في تشظي اليمن وتجزؤه إلى أربعة أجزاء، وتحوله إلى دويلات ومشيخات وإمارات وسلطنات وما إلى ذلك من المسميات التي استخدمها النظام لإرهاب الشعب من ثورته وثنيه عن المضي في طريقها وسعيه إلى تحريف مسارها، فكانت الأربعة أشهر من عمر الثورة كافية لإثبات عكس تلك الإدعاءات لتتجلى الحقيقة أمام الملأ بأن ثورة الشعب اليمني المسالم ما زادته إلا وحدة ولحمة، فتلاشت دعوات فك الارتباط تحت صيحات الشعب الثائر المنادي بالحفاظ على الوحدة الوطنية والساعي إلى تعميقها، واختفت الشعارات المنادية باسترجاع الهوية المسلوبة تحت وقع الشعارات الوحدوية والأناشيد الوطنية المفعمة بمشاعر الانتماء للوطن الموحد أرضا وإنسانا، وتعانق ثوار عدن مع ثوار صنعاء واحتضن ثوار تعز ثوار أبين وتكاتف ثوار حضرموت مع ثوار إب، وأصطف ثوار الحديدة بجانب ثوار لحج، ورفع الشافعي والزيدي والسني والشيعي أياديهم إلى السماء لاهجين بدعاء واحد للمولى تبارك وتعالى بأن يؤيد ثورتهم ويحرسها ويسدد خطاها، وهكذا تماهت المناطقية بفضل الثورة المجيدة ـ بعد الله عز وجل ـ وتلاشت المذهبية واختفت الطبقية، وبدا اليمن وكأنه يولد من جديد.
ثلث عام من الوهج الثوري الساطع كشفت خلاها الثورة عن كنوز شبابية مطمورة ساهمت ساحات الحرية والتغيير في ظهورها وساعد طول أمد الثورة في صقلها، فبدد بريقها الأخاذ دياجر الوهم الذي خلقه النظام وسعى لإقناع الناس أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وأن اليمن من أقصاه إلى أدناه لا يوجد فيه يد أمينة واحدة يمكن أن تدير شؤونه غير يده الملطخة بدماء الأبرياء، وكأن اليمن قد عقمت أن تلد من يقودها ويتولى أمرها، فجاءت هذه الثورة لتؤكد بأن اليمن هي ولادة القادة وأن بالإمكان أفضل مما كان وما هو كائن وما سيكون، وها هي ساحات الحرية والتغيير تكشف كل يوم عن الشاب القائد والفتاة المفكرة، الشاب المفوه والفتاة المبدعة، الشاب المستنير والفتاة المثقفة، هكذا كانت تلك الساحات المباركة تكشف يوما بعد يوم عن كواكب مضيئة من خيرة شباب اليمن الذين استطاعوا بهممهم الوثابة وعزائمهم المتقدة أن يرسموا لليمن لوحته البديعة ويشكلوا مستقبله الزاهر، ويثبتوا للبعيد قبل القريب أن كل يد حملت معول بناء مجد الوطن وازدهاره هي يد أمينة، وما أكثر هذه الأيادي.
أربعة أشهر من النضال السلمي كانت كافية لإزاحة الهالة التي أحاط النظام نفسه بها ليوحي للداخل والخارج أنه عصي على التصدع غير قابل للانهيار، فجاءت هذه الثورة ومنذ أيامها الأولى لتجلي الحقيقة ولتثبت أن ذلك الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وأنه ما قام إلا على أسس ضعيفة ما لبثت أن تصدعت ليتصدع على إثرها ذلك الكيان الهش، وليبدأ في الانهيار لبنة لبنة، كيف لا وقد بني من أموال الخزينة المملوكة للشعب، فجاءت هذه الثورة المباركة لتكشف أن المال العام هو المحرك الأول لهذا الكيان، به يستقطب كثير من المؤيدين وبه يحركهم، وأنا لكيان هكذا صفاته أن يصمد في وجه أعاصير الثورة المزمجرة، وأنا لبناء هذه مقوماته أن يثبت أمام صرخات أبطال الحرية والتغيير المدوية.
هذا غيض من فيض الثورة المتدفق ورشفة من معين الثورة الذي لا ينضب، وصفحة من سجلات حساب الثورة المليئة بالمكاسب، وورقة من رصيد المنجزات الثورية العظيمة، سقته تبيانا لمن لا يزال يخالطه أدنى شك في أن الثورة لم تحقق بعد أهدافها، وشداً لأزر الشباب الثائر الذي لولا إيمانه الراسخ بعون ربه وتوفيقه، ويقينه الكامل بعدالة قضيته، وثقته التامة في النصر، لما تحققت تلك المكاسب ولما رأت هذه المنجزات النور، ولكنني أشدد على أمر في غاية الأهمية وهو أن لا يجعل شباب الثورة هذه المكاسب سببا للركون إلى التراخي عن مواصلة مسيرهم نحو الحرية والبناء، وأن لا تكون هذه البشائر بالنصر دافعا لهم إلى الدعة والكسل، بل ينبغي أن يجعلوا منها وقودا يعينهم على المضي في تحقيق المزيد من الأهداف وكسب القدر الأكبر من الأرصدة الثورية وانجاز المزيد من المكاسب.
وفي الختام فإنني أكرر دعوتي للجميع لرص الصفوف واستنهاض الهمم، وتوجيه الجهود نحو الشروع في بناء يمن ما بعد الثورة، يمن الحرية والديمقراطية الحقة والمواطنة المتساوية، فها قد نجحت ثورتكم يا أبناء اليمن وتلك براهين توفيقها وأدلة نجاحها، وها هي الفرصة سانحة أمامكم للتغيير نحو الأفضل فاقتنصوا فرصتكم قبل فوات الأوان.