اليمن .. بين الثروة والثورة
بقلم/ توفيق الخليدي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 9 أيام
السبت 18 يونيو-حزيران 2011 09:09 م

توطئة..

يقال عميل يقال مريبٌ ووغدٌ دخيل

وقيل لذاك اللعين زميل

خطير يقاد إلى المستحيل

وأني سأخدم إسرائيل

ووفق المصادر

أصبحت كافر

لأني انتفضت

بوجه المكابر

وقد كنت صابر

أصد المخاطر

وما عدت قادر

على أن أصابر

فثرت عليهم

وأردفت حاذر!!

أمامك ثائر

تمهيد ..

تساؤلات قد ترد من هنا أوهناك من أناس ربما لا يعرفون مدى القهر الذي يسكن اليمني الذي كان له ذات زمن تأريخ سطره أجداده هو الرصيد الأوحد لفخره في زمن كل شيء فيه يدعو لليأس , من يعرف اليمن جيداً يدرك حقيقة الوضع المأساوي لشعب كان ذات يوم مضرب الأمثال ومصدر اعتزاز للأمة جمعاء, يخالج المرء شعور بالألم ممزوج بكل مشاعر الأسى والحزن لواقع اليمني وهو الذي كان ذات يوم ذو مكانة تأريخية وكان وطنه سعيداً.

حتى التأريخ لم يسلم ..

في اليمن كل شيء يدعو للحزن والألم حتى هذا التأريخ لم يسلم من العبث فإضافة إلى ما تم تشويهه من تأريخ سيف بن ذي يزن عبر مسلسل تلفزيوني, هناك من دمر الآثار واتخذها وسيلة للكسب المادي بل والثراء ولو على حساب تأريخه فتم تخريب الكثير وتم بيع الكثير والكثير في واحدة من أشد التصرفات حمقاً وأكثرها حقارة.

طفي لصي..

في اليمن واقع إداري مزرٍ ففي العصر الحديث مازال المواطن اليمني بلا كهرباء في عالم تجاوز مثل هذه البديهيات وإن كان هناك كهرباء في المدن الرئيسية إلا أن الانطفاءات ما تلبث أن تتكرر مرات في اليوم ولفترات طويلة وما أقساها في الصيف, خاصة في المدن الساحلية أما في المناطق التي لم تصلها الكهرباء إلى الآن فالوضع في غاية السوء.

وطن بلا مياه..

في اليمن لا مياه في المدن الرئيسية كتعز مثلا والتي تشكوا من انقطاع للمياه بشكل غير متصور في حين تجده متوفراً لدى المسئولين هناك أما المناطق الريفية ففي أغلبها يوجد مشاريع أهلية وتخيلوا أن يعيش أحدنا بلا ماء لسنوات في معاناة لا تنتهي وكثيرا ما نسمع عن حلول لكن لا نرى في الواقع شيء.

تعليم في مهب الريح..

أما التعليم فالوضع فيه كارثي خاصة إذا ما أدركنا أهمية العلم للنهوض بالأمم فقد غدا التعليم في اليمن في حالة من السوء تنذر بالخراب فتخيلوا جيلاً يتخرج بلا علم حقيقي إلا إذا اجتهد ذاتياً فقد يتخرج الطالب من المرحلة الابتدائية وهو لا يجيد القراءة والكتابة خلاف حالة عدم الانضباط التي يعيشها المعلم وإدارة المدرسة, أما الغش فحدث ولا حرج فلم تعد المرحلة الثانوية مهابة كما كانت سابقاً فالأهم أن تجهز مبلغاً من المال ليوم الامتحان والأسوأ أن تكون النتائج رغم هذا مخيبة للآمال لذا انتشرت المدارس الأهلية بشكل ملفت وأصبح كل مستطيع يدفع المال لتدريس أبنائه فيها في ظل اضطرار أبناء الفقراء لتجرع هذا الوضع مع حرص البعض على تكثيف الاهتمام بهم في المنزل وتخيلوا أن ينتهي العام أو نصفه ولم يصل معلم أحد المواد بعد!! بل يمضي من العام الدراسي الكثير ولم تصل الكتب المدرسية في حين نجدها معروضة للبيع على أرصفة الشوارع ولا حسيب أو رقيب.

الصحة المتوعكة..

أما عن الصحة فالأمر قاسٍ جداً فتخيل أن لا تجد في أكبر المستشفيات شرنقة الإبرة فتضطر لشرائها من الصيدلية فضلاً عن بقية الأدوات ولابد من الدفع للحصول على الخدمات الأخرى ولا تجد اهتماماً يذكر إلا في حالات ضيقة -مالم تدفع الرشوة لهذا وذاك- هذا في المستشفيات الكبرى أما عن ما هو دونه فإنك قد تصاب بالذهول بل والبكاء خاصة في المناطق النائية فالأمر مهول بحق.

القضاء وما أدراك ما القضاء ..

وإن تحدثت عن القضاء فالأمر مخيف هنا.. فالقصص في محاكم تبكيك في ظل عمليات بيع وشراء مخجلة بل وتستمر القضايا لسنوات ما حدا بالبعض التحاكم لدى المشايخ القبليين عوضاً عن الذهاب للمحاكم لأن القوي سيكسب هناك , مما أكسب المشايخ القبليين هيبة قد تفوق أحايين كثيرة هيبة الدولة والقانون معاً ,ولك أن تتخيل خلافاً لا يستحق الخلاف يظل في المحاكم لعشرات السنين ناهيك عن قضايا القتل والحكم فيها مما يضطر البعض للثأر من قاتله عوضاً عن الذهاب للمحاكم لأنه يدرك أنه إن تم إنصافه فسيكون بعد سنوات طوال وبعد دفع ملايين الريالات مما أشعل نيران الثارات في الوطن.

وما خفي كان أعظم..

هذه بعض من أهم المؤسسات التي عشعش فيها الفساد وضرب في جذورها أطنابه وحيثما تذهب تجد الفساد مزمجراً خاصة في المؤسسات الخدمية ولن تنال حقاً إلا بالرشوة وإن لم تدفع فستتعب وقد لا تجد شيئاً في حين أن البعض يأخذ حق غيره لأنه دفع مالاً لأحدهم .

كل اليمنيين يعرفون هذا يعايشون هذه المآسي بصمت مؤلم ولا يستطيع أحد أن ينكر ما يجري بل اعترف النظام مراراً وتكراراً بوجود الفساد وادعى محاربته في ظل انتشاره بشكل مخيف بل إن الموظف الشريف يحارب ويقصى لأنه سيحرمهم من المال بوطنيته مما حدا بالكثير من الوطنيين للتنحي جانباً أو التغاضي عن الأخطاء اتقاءً للشر ولأنه لن يجد منصفاً في نظام دخله الأساسي من الرشوة والعبث بالمال العام بل إن ماذكر هو غيض من فيض وإن صفحات لن يسعها ذكر كل ما يعايشه المواطن اليمني بل والله إن من القصص لما يدعوك للبكاء لأسر تنام على الجوع وأخرى تكابد الألم لأنها لا تجد قيمة الدواء والله المستعان.

غربة ولو تهريب..

لم تكن هذه العبارة لتطلق إلا من واقع معايش فغدت عنواناً لمسيرة اليمني منذ نعومة أظفاره فلا يكاد الطفل اليمني يقوى عوده حتى يبدأ وذويه يبحثون عن تأشيرة خروج من البلد لكسب الرزق في ظل انتشار مخيف للبطالة في حين أنك قد تجد أحدهم يشغل أكثر من وظيفة ويتقاضى أكثر من راتب فأي غبن أشد من هذا؟!!

تجد في الغربة شباباً في عمر الزهور يتجرع أقسى صنوف العذاب من فقد الأهل والوطن إلى التنازل عن كرامته أحياناً رغماً عنه لأنه يدرك وضع اليمن جيداً ولو بحثت في قصص المغتربين وأحوالهم سيصرخ بك الألم حد البكاء.

أما عن المغتربين ممن يطلق عليهم مجهولي الهوية فلكل واحد منهم قصص وليست قصة واحدة فقط كلها تدعوك للأسى على شعب شتتته الحاجة في كل مكان ؛ قصص تدمي الفؤاد تبدأ من البحث عن مصاريف الطريق مروراً بالمخاطرة المميتة في الحدود لتنتهي في السجن أو في الخرابات والأماكن المقفرة إلا من رحم ربي وربما الموت مجهول الهوية.

وأد طفولة ..

ناهيك عن عمالة الأطفال في اليمن فلا تكاد تمر بشارع إلا وفيه أطفال يمارسون مهنة ما أو تجدهم بائعين متجولين في الشوارع في حالة يرثى لها, أما عن المتاجرة بهم وتهريبهم خارج للحدود فالقصص هنا أشد قساوة وأنكى, وقد تداعت المنضمات الدولية للحد من ذلك إلا أن الفقر كفر كما يقال فالخلل من الداخل ما يجعل المعالجات غير مجدية فرب الأسرة فقد الكثير من القيم وهو يئن تحت وطأة الفقر فلم يعد يأبه لما قد يؤول إليه مصير طفله في واحدة من أبشع حكايا انتهاك الطفولة وأكثرها أسى.

هل اليمن فقيراً..

في اليمن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية لو تم استثمارها جيداً لأردفت الدخل القومي بملايين الدولارات ولو تم منح أبناء تهامة (مثلاً) قروضاً ميسرة وبلا فوائد لكانت جنة خضراء ولأصبحوا مصدراً قومياً هاماً ولأصبح لهم شأن فقد قيل قديماً لو زرعت تهامة لكفّت الناس إلى يوم القيامة.

في اليمن ساحل شريط يتحدث الجميع عن طوله فهو يضم بحرين – البحر الأحمر والبحر العربي – ويتحكم بمضيق باب المندب ولو تم استثمار هذه الثروة العظيمة حق الاستثمار لكانت مصدر دخل حيوي وهام.

في اليمن ميناء الحديدة وميناء المكلا وميناء المخاء الذي أشبه ما يكون أطلالاً خاوية خلافاً للميناء التأريخي العظيم في عدن والذي لو تم استغلاله حق الاستغلال لأصبح الميناء الأول عالمياً كما يقول خبراء وقد كان سابقاً ثالث ميناء على مستوى العالم.

في اليمن آلاف المناطق السياحية والتأريخية والتي لو استثمرت لحققت دخلا لا يستهان به ولا تكاد تمر على محافظة إلا وفيها معالم تأريخية أو لوحات طبيعية حبى الله بها هذه البلاد البكر في ثرواتها.

في اليمن جبال تختزن في باطنها العديد من الثروات الهامة والتي تتمناها البلدان الأخرى ولو تواجدت فيها لكانت من أهم الموارد الطبيعية .

في اليمن أهم وأغلى ثروة على الإطلاق والتي إن تم تأهيلها واستغلالها على الوجه المطلوب لكان لليمن شأن آخر , إنها اليد العاملة والتي أثبتت جدارة تستحق التقدير حين أتيحت لها الفرصة في البلدان الأخرى, والذي يمعن النظر في الكثير من الدول الصناعية العظمى والتي لا تمتلك ثروات قومية طبيعية سيجد أن ثروتها الوحيدة هي الإنسان والذي استطاعت من خلال تأهيله واستغلاله جيداً أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة ولو أعدنا النظر إلى الصينيين وما بلغوا إليه وهم الذين تعدا عددهم المليار بكثير لوجدنا أن كل هؤلاء تم استغلالهم جيداً فوصلوا إلى ماهم عليه الآن وغدت الصناعة الصينية في كل بيت في العالم.

ثورة الوطن..

ثم بعد كل هذا يسأل البعض لماذا ثار اليمنيون؟ّ!

إنها ثورة ضد الفساد وانتفاضة في وجه القهر إنها صرخة الخلاص من واقعٍ أليم إنه شعب يبحث عن ذاته يحاول استعادة كرامته المنهوبة ؛ مجده المندثر , إنسانيته المحصورة في زاوية الفقر والجهل من زمن طويل.

أخيراً .. فلنعلن الحب

هذا جزء من وضع اليمن وبعض من ثرواتها والتي حباها المولى عز وجل بها عن غيرها , فقط نحتاج بعد أن تكتمل الثورة إلى إرادة وإدارة تستطيع أن تنهض بالوطن وأن تعيد بناء اليمن من جديد .. إننا نحتاج إلى قيادة اقتصادية وليست عسكرية قيادة تنكفئ على الوطن تعيد بناءه وتفشي الحب والوئام في المجتمع وترمم العلاقات الداخلية والخارجية بعيداً عن أي ثأر أو إرث تأريخي زرعته النفوس المشحونة بالعداء إننا نحتاج إلى إعلان الحب بين الجميع ولنم شملنا ونرص صفوفنا ونضع الكف على الكف لنمضي لاستعادة المجد الذي غاب عن السعيدة لسنوات طوال يكفينا حروب, أهنكتنا الأزمات, لم نعد نقوى على استعداء الآخرين أو أن نظل رهيني المهاترات الحزبية العقيمة أو المناورات السياسية القذرة فلنعلن الحب ولنبدأ من جديد نبني وطناً واحداً وإن اختلفت أدوات البناء أو آلياته فالأهم أن نمضي نحو الأمل بالحب فالحقد لا يورث سوى الرماد