المشهد الأخير لرجل (السلام) الزائف وعاشق (الحرب) الأهلية !.
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 25 يوماً
الخميس 02 يونيو-حزيران 2011 05:19 م

منذ أن بدأ الرئيس (المخلوع) علي عبدالله صالح حكم اليمن وهو يتظاهر بحبه للسلام ، وبأنه هو رمز الحكمة اليمانية ، وأنه لولا وجوده في هذا الوطن وبين أفراد هذا الشعب لكان شعب اليمن قد انتهى وانعدم وتفرق دمه بين (القبائل) والدول ، ولكانت خارطة العالم لا تحتوي على دولة اسمها (اليمن) ، وبفضله وحده تحقق لشعب اليمن كل أمنياته ومطالبه !.

ودائماً ما كان علي صالح يشير إلى كراهيته للحكم ، وأنه لولا المسؤولية الملقاة على عاتقه لكان تخلى عن حكم هذا الشعب الذي وصف أفراده بـ(الثعابين) ، فظل صالح يراقص هذه الثعابين طيلة 33 عاماً ، تخلت فيها الثعابين عن سمومها والتي اجتمعت جميعها في الثعبان الأكبر (صالح) ، وقد جاء الوقت المناسب لعلي صالح لكي ينفث سمومه في جميع أبناء شعبه بعد أن خرج الملايين يقولون له كلمة واحدة وصوت واحد في الشمال وفي الجنوب ، في الشرق وفي الغرب ، جميعهم ينادون : ارررررحل !.

ولا شك أن هذه الكلمة قد أقضت مضجع الرجل ، وسلبت منه كل أحلامه وأمنياته ومخططاته ، خاصة ما يتعلق منها برؤية ولده أحمد على سُدة الحكم في هذا الوطن ، إضافة إلى أن هذه الكلمة قد أرقت صالح وجعلت النوم لا يفكر في الاقتراب من عينيه ، لذا فقد استيقظ الرجل وشد المئزر وأيقظ أهله - وخاصة العسكر منهم - لكي يعملوا جميعاً على تبديد (الكابوس) الذي يطالب (صالحهم) بالرحيل عن الكرسي الذي طالما جنى منه المليارات ، ولطالما هنأ به ذاك الفرد (الطالح) في مقابل تعاسة الملايين الذين ينامون على جوع وفقر ومرض ويصبحون على تخلف وفساد واستبداد !.

وفي سبيل الخلود على الكرسي إلى ما لا نهاية حاول صالح استغلال كل ما يملك وحتى ما لا يملك لتحقيق هذا الهدف ، عبر مجموعة من (الأوراق) و(الكروت) التي استعملها صالح لإطالة عمره الإفتراضي والذي انتهى من زمان ، ولكنه كان يعمل عبر (بطارية) الاحتياط !.

وعند التركيز على موضوع (الحرب الأهلية) نجد أن الرئيس استخدم هذه الورقة كثيراً وخاصة في الأيام الأخيرة ، فقد كان يردد في كل خطاب و(خطبة) أن أعداء الوطن يريدون جر البلد إلى العنف وإلى الحرب الأهلية ، وأنه – أي صالح – هو صمام الأمان الذي يمنع كل تلك القنابل الموقوتة من الانفجار .

وفعلاً صدق صالح في أن أعداء الوطن يريدون جر البلد إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ، واتضحت حقيقة أعداء الوطن ، وانكشف اللثام وبان المستور من حقيقة صالح التي أخرست كل فم كان ينادي بالروح بالدم نفديك يا علي ، فبعد أن اتضح كيف يريد صالح أن يجر البلد إلى الحرب الأهلية عبر اتباعه لقاعدة (عليَّ وعلى أعدائي) وقف العالم أجمع مذهولاً من الحقيقة التي كان لا يتخيلها ، فقد كان يسمع كل العبارات الجميلة من هذا الرجل ، فكان يظن أن الرجل دائماً ما يسعى إلى السلام ، وأن عملية سكوته عن اغتصاب أراضيه في جزيرة (حنيش) من قبل السلطات الإرتيرية ما هي إلا بسبب حبه للسلام ، فلجأ إلى الطرق السلمية لاستعادة حقوقه وحقوق شعبه ، والكثير والكثير من المواقف المظللة التي كان صالح يظهر فيها كأنه (حمامة) وديعة تعشق السلام وتكره الحرب والعنف والاقتتال ، ولكن الأيام أبدت الحقيقة وأظهرت المخبوء وكشفت المستور !.

وحاول صالح أن يفجر الوضع في اليمن خاصة بعد أن ظل يماطل ويلعب على دول الخليج ، وبعد أن تعبت قدمي (زياني) من الذهب والعودة بدون فائدة تذكر ، بعد كل هذا وعندما علقت دول الخليج العمل بمبادرتها وصرح أوباما وكلينتون بضرورة تنحي الرئيس ، وتغير لهجة الخطاب الأوربي ناحية الرئيس وخاصة من قبل ألمانيا وبريطانيا ، عمد صالح إلى أسرع الوسائل إثارةً للحرب في اليمن ، فاتجه صوب آل الأحمر ، وبدون سابق مقدمات أقدم الرجل على قصف منزل المناضل المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر بكل ما (لذ وطاب) له من أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة ، فانفجر الوضع بسرعة كبيرة وبشكل لم يتم تصوره ، وتسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي خطير !.

* هل صالح يحب السلام فعلاً :

عندما نتساءل عن موضوع حب صالح للسلام نجد إجابات متشعبة وربما متناقضة ، ولكنها تتفق في أن حب صالح للسلام ربما ينبع من (خوف) أو مصالح شخصية ، وليس عن قوة وقدرة ، فحبه للسلام أمام ارتيريا كان بسبب خوفه ، فقد دس رأسه في التراب كالنعامة وتجاهل الخطر المحدق به وبشعبه ، ومن ثم لجأ إلى تحكيم المجتمع الدولي في قضية الجزر المغتصبة .

وفي محطة أخرى من محطات السلام الذي انتهجه صالح تبرز إلى السطح قضية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية ، فكل من تابع أحداث الحدود يدرك بوضوح كم مقدار الأراضي اليمنية التي أصبحت (سعودية) بقدرة (صالح) وبخضوعه لمصالحه الشخصية مقابل دعم السعودية له ، وكذلك الأمر بالنسبة لسلطنة عمان وإن كان بشكل أقل سفوراً من الأحداث مع السعودية ، ولأن النفاق السياسي على أشده في إعلامنا الرسمي نجد كيف تحدث الإعلام عن صالح وحسن تدبيره للأمور وحبه للسلام ، وكيف انه رجل الحكمة اليمانية ، وتجاهل ذاك الإعلام المنافق كيف أن الرئيس باع أراضي الوطن وحقوق الشعب مقابل حفنة من الدولارات والريالات والكثير من الدعم السعودي المعنوي للرئيس !.

وإذا أراد من يتساءل عن حب صالح للسلام فلينظر إلى السلام الذي قدمه لشعبه ، سواء السلام في صعده والتي خلفت الحروب الستة التي اصطنعها صالح ودعمها ومولها لأغراض مختلفة الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف جرحى ومعاقين ومئات الآلاف مشردين ، ولا شك ان صالح قد حقق من تلك الحروب العديد من الأهداف من أهمها : استنزاف الدعم المالي من الدول الأخرى وخاصة من السعودية بفعل تهديدها بالحوثية والخطر الإيراني الشيعي ، وأيضاً ضرب الجيش اليمني الأصيل بقيادة اللواء علي محسن الأحمر كي تسنح الفرصة لجيش أحمد علي للاستيلاء على جميع مناطق اليمن ، وأيضاً لشغل العالم بالأخطار التي تهدد اليمن ، وأن كل تلك المعوقات هي السبب في عدم تقدم اليمن وتطوره ، وبهذه السياسة (الجهنمية) والخبرة (الشيطانية) استطاع صالح ان ينفذ بجلده من آثار حروب صعده ، ولو أن مستقبله لا يبشر بخير له !.

واستطاع رجل السلام أن يوهم العالم وخاصة امريكا أنه شريكها الأول في الحرب على الإرهاب ، وبدونه سينتشر الإرهاب وسيتفشى في كل مكان ، فاستطاع بذلك أن يضيف إلى خزينته ملايين الدولارات والتي كانت تصرف باسم الحرب على الإرهاب ، وبلغ به حب المال والخضوع للأجنبي إلى ان يسمح للطائرات الأمريكية بضرب أبناء شعبه ، بل والكذب على الرأي العام بأنه هو من ضرب قواعد الإرهاب ، وأنه عدو الإرهاب الأول وهو من يبيد الإرهابيين !!.

ويتضح حب الرجل للسلام (الزائف)من خلال مسلسل الاغتيالات لكل من خالف المنهج (الصالحي) القائم على مبدأ (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) فكل ما يرتبط بالطهارة والعفاف والصدق والأمانة فإن صالح يقول له بأعلى صوت (لا مساس) فأصبح (سامري) سنحان يسامر الحثالة من أبناء اليمن وهو يدري أنهم حثالة ، وهو اختار مسامرتهم لأنهم حثالة فقط ، وهم ما قبلوا مسامرته إلا لأنهم حثالة ، كالبركاني والصوفي والجندي واليماني والشامي ودويد ومعياد وعُباد ...الخ ، أما من كان يؤمن بالانتماء للوطن والولاء له وليس للفرد الحاكم فقد قام صالح باغتياله سواء اغتيالاً حسياً أم اغتيالاً معنوياً بالتشويه ونشر الإشاعات كما هو جاري هذه الأيام مع قادة المعارضة وخاصة حميد الأحمر !.

خلاصة الأمر ، حمامة السلام التي كان صالح يتغطى بريشها ليظهر كداعية للسلام الحقيقي نفضت ريشها عنه ، فعرَّته وأظهرت حقيقته ، وأظهرت كم تتخفى الذئاب بأثواب أخرى ، وكم أن المظهر لا يعبر عن الجوهر أبداً ، وينطبق عليه المثل (من خارج الله الله ، ومن داخل يعلم الله) أو بالأصح من داخل أعوذ بالله !!.

* عاشق الحرب الأهلية ، ومبدأ الأقربون أولى بالحرب :

لطالما هدد صالح بالحرب الأهلية ، ولطالما أراد حرف هذه الثورة السلمية التي ضربت أروع الأمثلة في سلميتها وحضاريتها والتي أبهرت العالم أجمع ، ولكن كل محاولاته لم تنجح ، فأحس باقتراب موعد الرحيل ودنو اجله فلجأ إلى تفجير الموقف بالحرب مع آل الأحمر ، وهي العائلة السياسية التاريخية التي لها مواقف خالدة في التاريخ اليمني الحديث !.

وبعد كل ما فعله صالح في حق آل الأحمر وخاصة فيما يتعلق بالاغتيالات ، حيث حاول اغتيال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في حادث السيارة الغادر في السنغال ، وما خفي كان أعظم ، ثم بعد رحيل الشيخ عبدالله اتجه إلى عملية الاغتيال المعنوي لأبناءه وخاصة حميد والذي نال النصيب الأكبر من التشويه بفعل وقوفه في وجه الرئيس ونجله في كثير من المواقف وتصريحه بذلك بكل شجاعة ، وبعد كل هذا قام صالح بقصف منزل الشيخ صادق الأحمر وهو شيخ مشائخ حاشد واليمن لشعوره أن هذه النقطة هي أكثر ما ستثير الأعصاب وتتسبب باندلاع الحرب !.

ولأن الرجل ثعلب ماكر وذئب غادر ولكي يوهم الناس بحبه للسلام ، فقد أرسل صالح لجنة للوساطة وتهدئة الأمور إلى منزل الشيخ صادق ، وقد كانت تلك اللجنة برئاسة اللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي وعضوية كثير من مشائخ اليمن ، وأثناء ما كان مشائخ اليمن يحاولون إعادة الأمور إلى نصابها ، قامت (حمامة) السلام بالتوجيه ل(صقورها) بقصف منزل الأحمر بالصواريخ والأسلحة الثقيلة على من فيه ، والنتيجة عشرات القتلى والجرحى بشتى الإصابات ومن بين تلك الإصابات رئيس لجنة الوساطة نفسه ، وهذا ليس مستغرباً من صالح ، فمن يتذكر قصة عبدالله عبدالعالم والوساطة التي أرسلت إليه سيعرف حقيقة هذا الرجل الذي استمرأ (الغدر) وتعود على (الخيانة) ولم يراعي أي مبادئ لا إسلامية ولا وطنية ولا قبلية ولا عادت وأعراف وتقاليد !.

من خلال كل ذلك يتضح كيف يريد صالح تفجير الأمور بأسرع وقت كي يقول للناس كم كنتم مرتاحين في عهدي ، ويكفيكم نعمة الأمن والأمان وهذا ما يتشدق به صالح وما يكثر الإعلام الرسمي الحديث حوله بكل خنوع وابتذال !.

* هل ستنحرف الثورة عن مسارها السلمي :

يراهن صالح على حرف الثورة عن مسارها السلمي والذي أصرت عليه جموع الشعب من أول يوم ، رغم كل عمليات القتل الممنهج والجريمة المنظمة والتي ظهرت بشكل سافر بعد يوم جمعة الكرامة في صنعاء ، ولمعرفة صالح أن رجال القبائل هم أشرس الناس وأن السلاح عندهم هو (شرف) و(عار) لا يمكن التخلي عنه فقد حاول استفزازهم في أكثر من حادثة ، ولعل حادثة آل الأحمر ستغير من الأمور شيئاً ما ، ولكن في اعتقادي أن جموع الشعب التي انتفضت والتي خرجت بصدورها العارية تصد الرصاص الحي والقنابل السامة هي التي ستفرض كلمتها ، وذلك لأن كلمتها هي كلمة الحق التي يؤيدها الرحمن ، فمهما كان ، فلن تنزلق البلد إلى الحرب طالما أن الوعي بمخطط صالح كان كبيرا ، ولن نهوي إلى المنحدر السحيق طالما أن الدماء قد سالت بدون أي عنف من طرف الشعب الأعزل ، بل وجدنا كم تنافس الشباب على تقديم أرواحهم رخيصة في سبيل وطنهم الغالي ، ذاك الوطن الذي ليس فيه ما يعيب إلا حاكميه وسجانيه !.

لذا مهما حاول (قذافي) اليمن أن يفجر الأمور فلن يستطيع وإن فجرها على مستوى بسيط إلا أن ذلك يزيد من سرعة سقوطه واندحاره ، ويقرب يومه الموعود أكثر ، ويسقطه من بقية (العيون) التي كانت ترى فيه خيراً يوماً ما ، ويسارع لحظاته الباقية من عمره المشؤوم الذي قضى معظمه في الكيد للوطن والإضرار بالمواطنين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون !!.